خسر الداخل والخارج.. إنجازات قيس سعيد بعد أكثر من 500 يوم على انقلابه

عالي عبداتي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

رغم مرور أكثر من 500 يوم على انقلابه، مازالت أزمات الرئيس التونسي قيس سعيد مستمرة، ليس في الداخل فقط مع المعارضين والمواطنين، بل أيضا مع شركاء البلاد بالخارج، دولا ومنظمات إقليمية ودولية.

فبعد أن وصل سعيد للحكم في أكتوبر/تشرين الأول 2019، دخل في صراع مع مكونات المشهد السياسي، أعلن على ضوئها في 25 يوليو/تموز 2021 سلسلة قرارات استثنائية يصفها معارضوه بالانقلاب.

تمثلت تلك القرارات في إقالة حكومة هشام المشيشي، وتجميد عمل البرلمان برئاسة راشد الغنوشي، ولاحقا إلغاء دستور 2014 وإقرار دستور جديد جرى التصويت عليه في 25 يوليو 2022.

انتخابات باهتة

آخر الأزمات التي وجد سعيد نفسه أمامها، قرار البرلمان الأوروبي مقاطعة الانتخابات التشريعية التونسية، والتي نُظمت في 17 ديسمبر/كانون الأول 2022، وسط مشاركة شعبية ضعيفة جدا، بلغت 11.22 بالمئة، بحسب ما أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس.

ووفق ما نشر موقع "بوابة إفريقيا الإخبارية"، 16 ديسمبر 2022، أعلن البرلمان الأوروبي في بيان، أنه لن يعلق لا على العملية الانتخابية ولا على النتائج، وهي الخطوة الأولى التي يتخذها من هذا النوع منذ انتخابات 2011 بتونس.

وأبرز البيان أنه "لم يتلق أي عضو في البرلمان الأوروبي تفويضا لمراقبة هذه العملية الانتخابية أو التعليق عليها نيابة عن البرلمان".

وقال المحامي والناشط السياسي حسني الباجي، إن خطوة البرلمان الأوروبي عدم المشاركة في مراقبة الانتخابات قرار مفهوم.

وأوضح الباجي في تصريح لـ "الاستقلال"، أن هذا التفهم مرده أن البرلمان الأوروبي "لا يريد التورط في مسار لا يحظى بأغلبية واسعة لدى الطيف السياسي والمدني المحلي".

وأشار المتحدث ذاته، إلى أن هذا "القرار يأتي على ضوء قرار المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب بأروشا شمالي تنزانيا، والذي عدّت المسار الذي يمضي فيه قيس سعيد غير شرعي ويجب الرجوع عنه فورا".

كما دعا قياديو "جبهة الخلاص الوطني" المعارِضة في تونس، إلى مقاطعة الانتخابات البرلمانية، خلال وقفة احتجاجية وسط العاصمة في 10 ديسمبر 2022.

وتجمع مئات المحتجين في شارع الحبيب بورقيبة؛ للمشاركة في وقفة دعا إليها أحزاب وناشطون وسياسيون داخل الجبهة، قبل أسبوع من الانتخابات المبكرة.

وقال السياسي المخضرم وزعيم الجبهة أحمد نجيب الشابي، أمام المتظاهرين: "أي انتخابات هذه بعد تزوير الاستفتاء (على الدستور) وأي مجلس (برلمان) بلا صلاحيات؟.. برلمان مسخ في إطار دستور مسخ".

وأضاف: "تناشد الجبهة كل التونسيين أن لا يذهبوا إلى الاقتراع وأن يقاطعوه بالكامل... ثقتنا كبيرة في أن المواطنين لن يذهبوا للمشاركة في الانتخابات... همومهم أخرى وهي حياتية".

وأعلنت غالبية الأحزاب السياسية المعارِضة مقاطعتها الانتخابات، بينما اتهم الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد) الرئيس سعيد بانتهاج مسار غير تشاركي في تحديد الإصلاحات.

النسبة الضعيفة التي سُجلت في انتخابات سعيد التشريعية المبكرة، كانت بمثابة استفتاء شعبي على شعبية الرجل ومساره الانقلابي وفق معارضين ومراقبين.

وفي هذا الصدد، أكد الناشط أحمد جربي، في تدوينة على فيسبوك 18 ديسمبر 2022، أن "هزال نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية رسالة قوية لمن يهمه الأمر، وتعني أنه وجب غلق قوس الفشل الانقلابي".

وشدد جربي على أن "إيقاف هذا العبث صار واجب كل وطني اليوم، لأن كل يوم يمضي تترتب عنه كلفة إضافية يدفعها الشعب التونسي من قوته وصحته وتقدمه".

وعدّ المتحدث ذاته، "العودة إلى المسار الديمقراطي التشاركي السبيل الوحيد للخروج من المتاهة، وهذا بعد تقديم قراءة نقدية للعشرية الديمقراطية لتجاوز الاختلالات التي أدت إلى الانقلاب".

وأردف جربي، "اليوم سحبت ورقة التفويض الشعبي نهائيا ولم يبق مع الانقلاب إلا أربعة أصناف؛ جاهل محدود الفهم، منظومة قديمة تتربص دوما لتصفية حساباتها مع ثورة ضربت مصالحها في العمق، تيار سياسي كل همه الوصول إلى السلطة وينتهج كل السبل، تيارات أيديولوجية ملأ الحقد قلوبها فصارت غلفا"، بحسب تعبيره.

وللخروج من هذا المأزق، يقول الناشط المدني، "نحتاج اليوم تيارا وطنيا لا أيديولوجيا، بعيدا عن الارتباطات الحزبية، يؤمن بالتعايش وقادر على التجميع، يؤمن إيمانا راسخا بالديمقراطية كفضاء وحيد لإنتاج الأفكار والبدائل... وهذا واجب كل وطني شريف".

حضور هامشي

في ملف آخر، كان لافتا أيضا، الحضور الهامشي لقيس سعيد بالقمة الأميركية الإفريقية، المنعقدة بتاريخ 13-15 ديسمبر 2022 بالعاصمة واشنطن.

وكانت صفحة رئاسة الجمهورية التونسية قد نشرت خبر مشاركة سعيد في القمة عبر حسابها على فيسبوك، 16 ديسمبر 2022، كما نشرت مادة أخرى تتعلق بكلمته بالمناسبة، وعقده للقاء مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن.

لكن وزير الخارجية التونسي الأسبق رفيق عبدالسلام، قال إن مشاركة سعيد بالقمة كانت هامشية، مشددا على أن الرئيس الأميركي جو بايدن لم يعر نظيره والوفد المرافق له اهتماما يذكر.

وكانت جلسته مع وزير الخارجية الأميركي بلينكن أشبه ما تكون بجلسة مساءلة وتحقيق منها إلى جلسة عمل أو حوار، وفق قول عبد السلام في تدوينة نشرها بحسابه على فيسبوك، 16 ديسمبر 2022.

وبين أن "الجميع ينظر لقيس سعيد على أنه ضيف ثقيل الظل والفهم، ولم يستوعب الرسائل التي وجهها له العالم همسا ولمزا، وظل مصرا على عناده وغروره".

وقال المسؤول التونسي السابق، إن اللقاء أكد نهاية الرواية القائلة بأن هناك من يبث صورة مشوهة عن تونس، "وكأن الأوضاع جميلة وعلى خير ما يرام وهناك من يحرف المعطيات ويشوه الحقائق، بينما واقع الحال يقول إن البضاعة فاسدة من أصلها ولا ينفع تغليفها وتزويقها".

وشدد عبدالسلام على أن سعيد نفذ انقلابا غادرا وسطا على المؤسسات وألغى الدستور، ومع ذلك يتصور أنه ضحية تشويه ومؤامرات من حوله.

ونوه إلى أن "كل الذرائع التي قدمها لتبرير انقلابه على الدستور والمؤسسات قوبلت بقدر كبير من السخرية والاستهزاء".

وفي أسبوع زيارة سعيد إلى الولايات المتحدة، جرى الإعلان عن تأجيل صندوق النقد الدولي النقاش بخصوص القرض الذي تسعى تونس للحصول عليه.

وكانت تونس قد طلبت الحصول على قرض من صندوق النقد بـ 4 مليارات دولار، ودخلت في تفاوض معه طيلة عام 2022، إلى أن جرى التوصل لاتفاق بقرض بقيمة 1.9 مليار دولار في أكتوبر 2022.

وتهدف السلطات عبر القرض إلى دعم الميزانية وتحسين ثقة المؤسسات المالية والمستثمرين في الاقتصاد التونسي.

وفي هذا الصدد، أكد الخبير الدبلوماسي إلياس القصري بأن "الأصداء التي تأتي من العاصمة الأميركية مقلقة، سواء من حيث جودة وجوهر مقابلات الرئيس مع القادة الأميركيين وصناع الرأي، أو انسحاب صندوق النقد من برنامج مجلس إدارة دراسة تسهيلات القرض في تونس المقرر 19 ديسمبر 2022".

وبين القصري وهو سفير سابق لتونس في اليابان وألمانيا، في تدوينة على فيسبوك 15 ديسمبر 2022، أن الحديث المتداول عن تأجيل القرض إلى أجل غير مسمى، يزعزع مخطط تمويل قانون المالية 2023.

وانتقد الدبلوماسي التونسي غياب ملف صندوق النقد الدولي عن أجندة سعيد بالقمة، وضعف التخطيط الإستراتيجي في الموضوع.

وعدّ موقف الصندوق المالي بمثابة انعكاس لإحباط الإدارة الأميركية والكونغرس من الأحداث والعملية الديمقراطية بتونس.

أزمة خانقة

من جانبه، قال الناشط في المجال الرقمي أنيس وهبي، في تدوينة على فيسبوك، 15 ديسمبر 2022، إن "الرئيس سعيد لم يحمل معه للقمة خبراء اقتصاديين، كما لم يكن معه محافظ البنك المركزي في هذه الرحلة أو أي وزير من الوزراء المعنيين بالمفاوضات مع صندوق النقد".

وذكر وهبي أن "هذا التغيير في الاتجاه من قبل صندوق النقد الدولي جاء في توقيت سيئ، ويتعارض مع الضمانات التي قدمها محافظ البنك المركزي التونسي، الذي أكد بثقة كبيرة قبل بضعة أسابيع أن الدفعة الأولى من القرض ستصل قبل نهاية العام".

وقال المتحدث ذاته، إن ما وقع جعل تونس أمام وضع استثنائي غير عادي، يؤكد أن إدارة ملف القرض من الجانب التونسي ليست كما ينبغي، مرجعا الأمر إلى "ضعف القدرة المؤسساتية على تصور وتنفيذ الإصلاحات، وغياب التنسيق بين مختلف المتدخلين، وغياب الدعامة السياسية اللازمة".

والمطلوب، وفق وهبي، "المزيد من الشفافية حول برنامج الإصلاحات، وتحمل الجانب السياسي لمهامه بصفة ناجعة، ومراجعة هيكلة وعمل المنظومة الإدارية، وإشراك مختلف المتدخلين من الجانب الاجتماعي والاقتصادي".

وهذا ما ذهب إليه أيضا الباجي في تصريحه لـ "الاستقلال"، والذي قال إن أزمة صندوق النقد الدولي، ناتجة أساسا عن ازدواجية الخطاب الحكومي والرئاسي، مما أفضى إلى خشية الصندوق من ضمور جدية الطرف الحكومي في المضي في الإصلاحات المطلوبة.

واسترسل: "كما أسهم الخطاب العلني لرئيس الدولة بأنه ضد خيارات المؤسسات الدولية، في تعليق النظر في الملف التونسي".

أما المحلل الاقتصادي معز حديدان، فقال في 14 ديسمبر 2022، إن فرضيتين قد تكونان وراء تأجيل صندوق النقد لاجتماع مجلس إدارته بشأن برنامج القرض التونسي، وفق موقع "زاوية عربي".

وأضاف حديدان: "الفرضية الأولى ترجح طلب تونس سحب ملفها من جدول الاجتماعات في صندوق النقد بسبب حصولها على وعود بتمويلات من جهات ومؤسسات أخرى كالصين خلال القمة العربية الصينية" التي انعقدت بالرياض.

وتابع أن الفرضية الأكثر واقعية قد تكون مرتبطة بمشروع ميزانية 2023، الذي لا يتماشى مع برنامج الإصلاحات الذي تقدمت به الحكومة التونسية.

وقال حديدان: "لكن لا علاقة للانتخابات البرلمانية بتأجيل صندوق النقد لاجتماع مجلس إدارته بشأن برنامج القرض التونسي".

ونشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية تقريرا، قالت فيه إن الرئيس سعيّد رفض الانتقادات الأميركية لتوطيد سلطته، خلال مشاركته في القمة الإفريقية بواشنطن.

كما دافع متحديا عن التحركات التي تقول إدارة الرئيس جو بايدن وآخرون إنها تهدد الديمقراطية الوليدة التي برزت في يوم من الأيام على أنها النجاح الوحيد للربيع العربي.

وألقى سعيد باللوم على "الأخبار الكاذبة" في الانتقادات الغربية الواسعة لخطواته لتعزيز سلطاته الرئاسية، كما ندد بـ"قوى أجنبية" غير محددة قال إنها تحاول إثارة المعارضة لإسقاطه، وفق موقع "عربي 21".

وقال في اجتماع مع هيئة تحرير "واشنطن بوست" والمراسلين إن "هناك الكثير من أعداء الديمقراطية في تونس يريدون بذل كل ما في وسعهم لنسف الحياة الديمقراطية والاجتماعية للبلاد من الداخل".

في المقابل، قالت مديرة مكتب هيومن رايتس ووتش في تونس سلسبيل شلالي، بحسب المصدر ذاته، إن سعيد لم يتمكن من حل الضائقة الاقتصادية التي تهم التونسيين، مضيفة أنه "هو المسؤول عن الأزمة".

وتابعت: "الأمر متروك للشعب التونسي، بدعم من أصدقاء الديمقراطية في كل مكان، للمطالبة بالعودة إلى حكومة خاضعة للمساءلة، وذات ضوابط وتوازنات وضمانات لحقوق الإنسان، كأفضل طريقة للمضي قدما".

ويؤكد المحامي التونسي حسني الباجي لـ"الاستقلال"، أن الداخل والخارج مقتنعان أن سعيد يشكل ثلثي المشكلة، وأنه منتهٍ، ولا أمل في مسار ديمقراطي تشاركي معه، ويرى أن "سقوطه مرتبط بالعثور على بديل ذي مقبولية عالية".

وبخصوص أثر ما يقع على الشارع، وإمكانية خروجه لإسقاط سعيد، قال الباجي إن الشارع لن يخرج إلا في حالة وحيدة، وهي اشتداد أزمة المقدرة الشرائية أو نضوب المواد المعيشية الأساسية.

وأردف أن "التونسي الآن في المستوى قبل الأخير للتحمل.. ومن خلال التقصي الشخصي لنبض الشارع، أظن أن قوس الصبر بلغ منزعه، وأن خروج الشارع لن يتعدى شهري يناير/كانون الثاني أو فبراير/شباط 2023 على أقصى تقدير".