92 بالمئة عزوفا.. هكذا أنهت انتخابات قيس سعيد شرعيته بدلا من تجديدها
بعد إخفاق كبير شهدته الانتخابات التشريعية، دعا زعيم ائتلاف المعارضة التونسية أحمد نجيب الشابي، الرئيس قيس سعيد، إلى "التنحي فورا".
وعقد الاقتراع المبكر في 17 ديسمبر/كانون الأول 2022، وبعدها بيومين أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، أن نسبة المشاركة في بلغت 11.22 بالمئة.
وخلال مؤتمر صحفي في تونس العاصمة، قال رئيس الهيئة فاروق بوعسكر إن "مليونا و25 ألفا و418 ناخبا، شاركوا في الاقتراع في الدورة الأولى للانتخابات التشريعية كرقم رسمي بعد استكمال عمليات الفرز، بنسبة 11.22 بالمئة من عدد الناخبين".
وعدد الناخبين المسجلين يتجاوز 9.2 ملايين، وقد دعوا إلى الاقتراع لاختيار 151 عضوا في مجلس نواب الشعب.
وهذه أدنى نسبة مشاركة في الانتخابات في تونس منذ ثورة 2011 التي أطاحت بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي وأسست لنظام ديمقراطي.
وبينما كان من المفترض أن يجدد هذا الاستحقاق الانتخابي شرعية شعبية للإجراءات التي فرضها قيس سعيد، فقد شهدت نسبة امتناع هائلة، تجاوزت 92 بالمئة.
وعدّ رئيس جبهة الخلاص الوطني، أحمد نجيب الشابي، أن هذه الانتخابات "تظهر أن قلة قليلة من التونسيين يؤيدون برنامج قيس سعيد".
وأضاف الشابي أن "هذا الاعتراض الشعبي الكبير للعملية الانتخابية" بدأ منذ تجميد مجلس النواب وإقالة رئيس الوزراء في 25 يوليو/تموز 2021، مما مهد لاحتكار الرئيس لجميع السلطات.
عزوف شعبي
وأشار تقرير نشرته صحيفة "تي في 5 موند" الفرنسية، إلى عزوف التونسيين عن صناديق الاقتراع بشكل كبير عند دعوتهم لتلبية النداء الانتخابي وتجديد برلمانهم، وهو اقتراع أراد منه الرئيس التونسي وضع حد لتداعيات انقلاب يوليو 2021.
ومن المفترض أن يحل مجلس جديد مكون من 161 نائباً بصلاحيات محدودة للغاية، محل المجلس الذي جمده قيس سعيد في 25 يوليو 2021.
وترصد الصحيفة الفرنسية أن هذا هو أدنى معدل مشاركة للناخبين منذ ثورة 2011، بعد تسجيل مستويات إقبال قياسية -بمعدل تصويت قارب 70 بالمئة- في تشريعيات أكتوبر/ تشرين الأول 2014.
وأيضا أقل بثلاث مرات من نسبة المشاركة في الاستفتاء على الدستور خلال صيف 2021 (30.5 بالمئة)، والذي تميز بدوره بامتناع كبير عن التصويت.
واعترف فاروق بوعسكر بأن هذا "المعدل متواضع، لكنه ليس مشينا"، وقال إنه يمكن تفسيره بـ "الغياب التام لشراء الأصوات والذمم (...) بتمويل أجنبي"، كما كان معهودا في الماضي، على حد قوله.
في المقابل، قال المحلل السياسي يوسف شريف متهكمًا على تويتر، إن هذا البرلمان الجديد "يُفترض أن يكون أكثر ديمقراطية وتمثيلا من جميع البرلمانات السابقة في تاريخ البلاد".
وقالت جبهة الخلاص الوطني، وهي ائتلاف المعارضة الذي يتواجد فيه حزب حركة النهضة المحسوب على الإسلاميين، إن هذه النتائج كان لها وقع "الزلزال" على الساحة السياسية التونسية، داعية الرئيس إلى "جمع كل القوى السياسية" لمناقشتها.
وجدير بالذكر أن المعارضة اتهمت الرئيس المنتخب نهاية 2019 بـ "الانجراف للديكتاتورية"، وقاطعت هي ومعظم الأحزاب السياسية التصويت، للتنديد كذلك بالتغيير الذي مس قانون الانتخابات، والذي فرض هذه المرة ترشيحات دون انتماء حزبي.
ومن جهة أخرى، ذكر التقرير أنه بناء على طلب تونس، راقبت روسيا الانتخابات التشريعية الحالية، فيما عدته الصحيفة "إشارة إلى أن البلاد تقترب من الأنظمة الاستبدادية".
وقد نوهت الصحيفة إلى أحد العوامل الذي من الممكن أن يكون سببا للعزوف الشعبي عن المشاركة في الانتخابات، وهو أن المرشحين لها غير معروفين من الأساس، فضلا عن وجود عدد قليل للغاية من النساء، بنسبة أقل من 12 بالمئة، في بلد يدعي إيمانه بالمساواة.
وقبيل إجرائها، رأت القوة النقابية الرئيسة المتمثلة في الاتحاد العام التونسي للشغل أن هذه الانتخابات التشريعية غير ضرورية وبدون معنى.
يأتي هذا التصريح بعد أن كانت الأزمة الاقتصادية هي الشغل الشاغل لـ 12 مليون تونسي لأشهر، مع معدل تضخم قارب 10 بالمئة، بالإضافة إلى عجز متكرر في مواد الحليب والسكر والأرز.
"ليس هناك خيار"
وقالت سليمة بحري، البالغة من العمر 21 عاما، وهي طالبة تقطن في ضواحي العاصمة تونس، إنها لم تصوت لاقتناعها "بعدم وجود خيار أمام الشعب في ظل غياب الأحزاب السياسية.
كما أشارت إلى أن الأجواء الانتخابية كانت راكدة وفاترة أيضا في معظم المقاطعات، وفق ما نقلت الصحيفة.
وفي مقاطعة القصرين وسط البلاد، وهي منطقة قرب سيدي بوزيد حيث اندلعت ثورة 2011، أدى عبدالجبار بوضيافي البالغ من العمر 59 عاما، واجبه الانتخابي أملا في تحسن "الوضع السياسي والاقتصادي في البلاد".
ومن جهته، تجنب محمد الجريدي البالغ من العمر 40 عاما، الذهاب إلى صناديق الاقتراع قائلًا: "أنا لا أثق في الطبقة السياسية التي تنتقل من السيئ إلى الأسوأ".
وإلى الجنوب في قفصة، عزت عائشة السماري البالغة من العمر 46 سنة، تصويتها في هذه الانتخابات إلى "تأثرها بأحداث تاريخ 17 ديسمبر 2010".
وقتها أشعل بائع الفاكهة والخضروات الشاب محمد البوعزيزي، النار في نفسه، بعد مضايقات من قبل الشرطة، مما أدى لاحقا إلى اندلاع الثورة.
وذكر التقرير أنه سيكون لمجلس النواب الناتج عن الاقتراع بعد الجولة الثانية بحلول أوائل مارس/آذار 2023، صلاحيات محدودة للغاية بموجب الدستور الجديد الذي جرى التصويت عليه في يوليو 2022.
حسب التقرير، لن يتمكن البرلمان من عزل الرئيس، وسيكون من المستحيل تقريبا أن يوجه اللوم للحكومة، فيما سيتطلب اقتراح قانون جديد عشرة نواب على الأقل، فيما ستكون الأولوية لرئيس الجمهورية لتبني تشريعاته الخاصة.
وبحسب الخبير السياسي، حمزة المؤدب، فإن "هذا التصويت إجراء شكلي لاستكمال النظام الذي فرضه قيس سعيد في سبيل الإحكام على السلطة في قبضته".
كما يشدد المحلل هاميش كينير من شركة تقييم المخاطر Verisk Maplecroft، على أن ورقة الاقتراع "أداة يستخدمها سعيد لإضفاء الشرعية على احتكاره للسلطة".
وأشار إلى أن العملية الانتخابية ستكون لها ميزة تسهيل الحصول على المساعدة من المانحين الأجانب.
يُعزى ذلك، حسب الصحيفة، إلى طلب تونس -التي نفذت احتياطات خزينتها- قرضا جديدا قيمته ملياري دولار من صندوق النقد الدولي، وهو ما سيسمح للبلاد أيضًا بالاستفادة من مساعدات خارجية أخرى.
لكن بالنسبة لجوهر بن مبارك، من جبهة الخلاص الوطني، فقد "أرسل الشعب التونسي رسالة إلى الجهات الأجنبية – التي دعم بعضها انقلاب قيس سعيد - وإلى صندوق النقد الدولي، بأنهم لا يعترفون بهذه الحكومة، ولذلك عليهم أن يعيدوا حساباتهم".