صرخات الأردنيين تملأ الشوارع.. كيف تتلاعب حكومتهم للتملص من واجباتها؟
بمنحى تصاعدي، يشهد الأردن منذ مطلع ديسمبر/كانون الأول 2022، احتجاجات شعبية شملت معظم مناطق المملكة، اعتراضا على ارتفاع أسعار المحروقات، قابلتها الحكومة بمحاولات لاحتوائها.
واجتمع في الاحتجاجات الغالبية الساحقة من المواطنين الذين يعانون من ارتفاع أسعار المحروقات المبالغ فيها خاصة في فصل الشتاء، وسط ضعف القدرة الشرائية كذلك.
احتجاجات جديدة
تلك الاحتجاجات بصمت على تطورات، ولا سيما بعد إعلان مديرية الأمن العام، في 16 ديسمبر 2022، مقتل مدير شرطة محافظة معان جنوب الأردن، العقيد عبدالرزاق الدلابيح، بعيار ناري في الرأس أثناء تعامله مع ما وصفته بـ"أعمال شغب"، كما جرح خلالها ضابط.
وذكرت مديرية الأمن العام، أن الاحتجاجات "كانت تقوم بها مجموعة من المخربين والخارجين عن القانون" بمنطقة الحسينية في معان التي تبعد نحو 218 كلم جنوب العاصمة عمان.
وخلال الاحتجاجات الشعبية، أوقفت سلطات الأمن 44 شخصا، وأحالتهم للجهات المختصة، كما كثفت انتشارها الأمني في محافظات المملكة؛ لضمان ما قالت إنه "إنفاذ سيادة القانون والحفاظ على أمن المواطنين".
وشهدت محافظات في جنوب الأردن منذ مطلع ديسمبر 2022، احتجاجات سلمية في الغالب، اعتراضا على ارتفاع أسعار المحروقات، بدأت بسائقي الشاحنات الذين انضم إليهم سائقو سيارات أجرة وحافلات عمومية.
وأغلقت الأسواق والمحلات التجارية في معان ومدينة الكرك التي تبعد نحو 114 كلم جنوب العاصمة، ومحافظة مادبا تضامنا مع المحتجين.
....
— Dr. Haider Salman (@sahaider75) December 15, 2022
واصابات بين المجندين والمحتجين.
��من جهتها
بسبب الاحتجاجات والمظاهرات... السفارة الامريكية في الأردن تحذر رعاياها من السفر الى جنوب الأردن.
د. حيدر سلمان pic.twitter.com/zhps2jIpYx
وأدان العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، مقتل العقيد، قائلا: " هذا ابني وابن كل الأردنيين، لن يهدأ لنا بال حتى ينال المجرم عقابه أمام العدالة على جريمته النكراء".
وأضاف خلال تقديمة العزاء في 16 ديسمبر: "لن نقبل التطاول أو الاعتداء على نشامى أجهزتنا الأمنية الساهرين على أمن الوطن والمواطنين".
وذكر أنه "سيجرى التعامل بحزم مع كل من يرفع السلاح في وجه الدولة ويتعدى على الممتلكات العامة وحقوق المواطنين".
سائقو النقل العام في الأردن رفعوا خلال الاحتجاجات لافتات كتب على بعضها "إضراب الكرامة"، "لسنا دعاة فوضى، ولا مثيري شغب، نحن هنا فقط لتوجيه رسالة واضحة للحكومة حرصا منا على الوطن وعلى قوت المواطن".
وقال أحد السائقين لوكالة "فرانس برس" في 17 ديسمبر: "15 يوما ونحن هنا لم يتواصل معنا أي مسؤول، قدمنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي حلولا ولم نجد تجاوبا".
وتتلخص مطالب المحتجين بخفض سعر المحروقات، أو إلغاء الضريبة عن المحروقات وربطها فعليا بالسعر العالمي، كما يقول هؤلاء في الوقفات الاحتجاجية.
واستفزت تصريحات رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة، المحتجين حينما قال إن "الحكومة لا تملك ترف دعم المحروقات".
من جانب آخر، أوقفت السلطات الأردنية في 16 دسمبر2022، منصة "تيك توك" مؤقتا.
وقالت وحدة الجرائم الإلكترونية في الأمن العام، في بيان، إنه جرى "إيقاف منصة تيك توك عن العمل مؤقتا داخل المملكة، بعد إساءة استخدامها وعدم تعاملها مع منشورات تحرض على العنف ودعوات الفوضى".
اقتصاد متدهور
وتقارب أسعار المحروقات حاليا ضعف ما كانت عليه عام 2021، خصوصا السولار الذي يشكل الوقود الأساسي للشاحنات والحافلات، و"الجاز" الذي يعد وقود التدفئة الرئيس للفقراء.
ويباع لتر البنزين 90 أوكتان بـ920 فلسا (نحو دولار ونصف) و95 أوكتان بـ1170 فلسا (1,6 دولار)، أما ليتر الديزل أو السولار فثمنه 895 فلسا (1,3 دولار) و"الجاز" 860 فلسا (1,2 دولار).
وتدل الأرقام على "فداحة" الوضع المعيشي، واقترابه من "مرحلة اللاعودة"، حتى تقر الحكومة جملة من الإجراءات، ولا سيما في الموازنة العامة لعامة 2023، بحسب مراقبين.
وارتفعت معدلات البطالة في الأردن عام 2021 إلى نحو 25 بالمئة وفقا للأرقام الرسمية، بينما ارتفعت بين الشباب إلى 50 بالمئة.
ويعتمد اقتصاد المملكة بشكل كبير على المساعدات، خصوصا من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول الخليج.
ووقعت عمان وواشنطن في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، اتفاقا تقدم بموجبه الولايات المتحدة إلى الأردن منحة بقيمة 845 مليون دولار لدعم الموازنة العامة.
كما وقع البلدان في سبتمبر/أيلول 2022، مذكرة تفاهم تقدم بموجبها واشنطن مساعدات إجمالية خلال الفترة (2023-2029) بقيمة 10,15 مليارات دولار، وبمعدل سنوي يبلغ 1,45 مليار دولار ابتداء من العام 2023.
ولم يتوقف الأمر على واشنطن، إذ أعلن قصر الإليزيه مطلع ديسمبر 2022، عقد قمة إقليمية في الأردن "قبل نهاية السنة" تجمع العراق والدول المجاورة بمشاركة فرنسا على غرار "مؤتمر بغداد" في أغسطس/آب 2021، وذلك بعد مكالمة هاتفية بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.
لكن الأردن، الذي يبلغ عدد سكانه حاليا 10.961 ملايين نسمة، يلقي بأزماته الاقتصادية على استضافته لأكثر من 1.3 مليون سوري، فروا من بطش وقصف قوات نظام بشار الأسد على مدنهم منذ عام 2011، بينهم 761.58 ألف لاجئ مسجل رسميا.
ويعيش 82.6 بالمئة من هؤلاء خارج مخيمات اللجوء، وتبلغ نسبة اللاجئين الأطفال (أقل من 18 سنة) نحو 46 بالمئة.
ويقول الأردن إن كلفة استضافة هؤلاء اللاجئين السوريين على أرضه تتجاوز 12 مليار دولار.
وأمام هذه الاحتجاجات التي هزت الأردن، قدمت الحكومة بعض الحلول بينها، زيادة أجور الشحن، وتوزيع مبالغ مالية دعما للأسر الأكثر تضررا، لكن يبدو أنها لم تكن مرضية بشكل كاف للمضربين.
وترجع الحكومة الأردنية ارتفاع أسعار المحروقات إلى الارتفاع العالمي عقب الغزو الروسي لأوكرانيا منذ 24 فبراير/شباط 2022.
ومنذ صيف 2022، بدأت الحكومة في رفع أسعار المحروقات، والذي لم يشعر به المواطن كما هو الحال في الشتاء، مما أدى إلى تراكمات في السعر وانعكس بشكل مباشر على جيوب المواطنين.
لكن مراقبين اقتصاديين يقولون إنه "عندما تنخفض الأسعار عالميا لا يترجم ذلك بنسب متساوية على الأرض الأردنية وهذا ما يثير غضب الأهالي".
وتجاهل التخفيض يراكم فروقات مالية لصالح العاملين في قطاع المحروقات سواء الحكومة أم جهات أخرى، لكون الحكومة تحتكر تسعير المحروقات ولا تترك الباب لجهات ثانية للمنافسة في السوق بما يتناسب مع القدرات الشرائية للمواطنين.
إجراءات التفافية
وفي هذا السياق، يرى الأكاديمي والخبير الاقتصادي الأردني، مازن مرجي، أن "الاحتجاجات جاءت انطلاقا من الحس الجماعي للمواطنين كونهم لم يعودوا قادرين على خدمة عائلاتهم وتأمين التنقل والدفء لهم".
وأضاف مرجي لـ"الاستقلال"، أن "الاحتجاجات مبنية على عدم الثقة بإجراءات الحكومة وما تصرح به، خاصة في ظل السياسات الحكومية الخاطئة والمتراكمة من الحكومات السابقة فيما يتعلق بملف النفط من ناحية التسعير غير السليم".
وأوضح مرجي أن "تمادي الحكومات الأردنية المتعاقبة بما يتعلق بالمديونية والعجز بأكثر من قيمة الإيرادات، والتوسع بالإنفاق الذي يزيد بنسبة 9 بالمئة عن العام الذي قبله في ظل ثبات الإيرادات".
وألمح الأكاديمي، إلى أنه "ليس هناك في فكر الحكومات الأردنية بما فيها الحالية مراعاة لحقوق المواطنين وتأمين متطلباتهم والإيفاء بالتزاماتهم، بمعنى أنها تتملص من واجباتها عبر التذرع بعدم القدرة على مساعدة المواطنين".
واستدرك قائلا: "دائما ما تقوم الحكومة بإجراءات التفافية وغير مباشرة على مطالب المواطنين عبر الإيعاز للبنوك بتأجيل أقساط قروض المواطن، خاصة أن 60 بالمئة من الشعب عليه قروض مترتبة بشكل شهري".
ورأى المرجي أن "معاناة المواطنين ناجمة عن عدم الزيادة في الرواتب منذ أكثر من 15 إلى 20 عاما، سواء في القطاعين العام والخاص".
وتابع: "بالتالي أصبحت الرواتب قيمتها الحقيقية تتآكل مع تآكل القدرة الشرائية بحيث لا يستطيع المواطن الوفاء بالتزاماته من حيث الأكل والشرب والمواصلات والتعليم والصحة مع تواصل التضخم الذي لا تعترف به الحكومة إلا بأرقام بسيطة".
ولفت الأكاديمي والخبير الاقتصادي إلى أن "ذلك يدفع المواطن إلى اللجوء إلى التقنين وتقديم الأولويات على الأخرى والتي تكون أحيانا على حساب التغذية أو الصحة وغيرها".
ويرى أن "الحكومة لن ترضخ لمطالب المحتجين، كون هناك سياسة متبعة قديمة، وربما تقوم بعمليات تخفيض بسيطة يجري التطبيل لها من قبل النواب والحكومة".
حالة استعصاء
ولفت مرجي إلى أن "الحكومة تسعى إلى جعل صورة المحتجين قاتمة وأنهم يتسببون في أزمات واضطرابات اقتصادية وتحمل المسؤولية لفئة معينة".
ويرى أن "الأزمة ستستمر لنهاية يناير/كانون الثاني 2023 وستدفع لإحداث تغيير في الموازنة العام الجديدة، ورغم ذلك فلن تذهب تلك الموازنة لتحقيق مشاريع جديدة تحدث نوعا من الحركة الاقتصادية".
ودعا مرجي، الحكومة إلى أن "تقر وتعترف بأن تسعيرة المحروقات ظالمة وغير حقيقية وتتفوق على أكثر البلدان صناعية في أميركا وأوروبا التي تكون فيها أسعار المحروقات أقل من الأردن الذي يعد فقيرا ويعاني من مشاكل ناتجة عن سياسات داخلية وسوء إدارة والفساد والهدر الذي يكون في الموازنة العامة والاستدانة من الخارج".
وفي ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة فقد تفاقمت ديون الأردن الخارجية وفاقت 50 مليار دولار.
وينتقد كثيرون منطق المقاربة الأمنية التي تنتهجها السلطات تجاه المحتجين، ولا سيما أن الأردن يشهد احتجاجات دورية كل ثلاثة أعوام تقريبا، نتيجة الوضع الاقتصادي المتدهور.
ولهذا فإن التململ في الشارع ناجم عن نهج الحكومات في مطالبة المواطنين بالتحمل ودفع الضرائب على أمل تحسن الأوضاع.
وفي السياق، يرى الكاتب الصحفي خالد القضاة، أن "الأردن دخل في حالة استعصاء، وهناك جهة ستدفع الثمن، ونأمل أن تكون هذه الجهة الحكومة بتقديم استقالتها من أجل نزع فتيل الاستعصاء".
وأضاف خلال تصريحات تلفزيونية في 16 ديسمبر أن "المطالب بدأت تتوسع مع توسع رقعة الاحتجاجات وأصبح الناس يتحدثون عن مطالب سياسية".
وختم القضاة بالقول: "نعول على مؤسسات الدولة العميقة التي لديها القدرة على قراءة واقعية للأحداث والتدخل في مثل هذه الأحداث وتقدم طروحات تراعي مصلحة الأردنيين وهيبة الدولة".
المصادر
- مظاهرات في الأردن: مقتل ضابط أثناء احتجاجات على ارتفاع أسعار الوقود
- الأردن.. تداول ما قيل للملك عبدالله بعزاء الدلابيح بحضور عمه الأمير الحسن بن طلال
- هدوء حذر في محافظات الجنوب بالأردن بعد مقتل ضابط شرطة باحتجاجات على ارتفاع أسعار المحروقات
- توقيف 44 شخصا شاركوا في أعمال شغب في احتجاجات على ارتفاع اسعار المحروقات في الاردن