ليس حفاظا على القيم.. لماذا جرمت إندونيسيا العلاقات الجنسية خارج الزواج؟

12

طباعة

مشاركة

في 6 ديسمبر/كانون أول 2022 أقر البرلمان الإندونيسي، تعديلات تشريعية تُدخل تغييرات جذرية على القانون الجنائي، أحدها يجرم ممارسة الجنس للإندونيسيين والسياح الأجانب خارج إطار الزواج.

حظر العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، قوبل بترحيب شعبي، لكنه أغضب دول الغرب خشية استهداف الأجانب بالقانون وحبسهم حال سفرهم للسياحة لأبرز جزر إندونيسيا وهي "بالي".

مشرعون ومسؤولون أيدوا التشريع الجديد الذي حاز على أصوات أغلبية النواب، مؤكدين أنه يهدف إلى دعم "القيم الإندونيسية" في أكبر دولة ذات غالبية مسلمة في العالم، لكن آخرين رأوه انتكاسة للحريات لأنه يتضمن مواد قمعية أخرى.

وأكدوا أن القانون يشمل مواد تسجن من ينتقد قادة إندونيسيا مثل بند إهانة الرئيس ونائبه، وتسجن الصحفيين لو انتقدوا المسؤولين، وأخرى تتعلق بسجن من يعادون أيدولوجية الدولة (بانشاسيلا) التي وضعت بعد الاستقلال.

إرث استعماري معدل

وقانون العقوبات الحالي هو إرث من الإدارة الاستعمارية الهولندية، وسعت الحكومات لإصلاحه، وهذا أول تعديل عليه بعد 77 عاما، بحسب ما نشرت وكالة أسوشيتد برس الأميركية في 7 ديسمبر 2022.

وسبق تقديم مسودة بتعديلات إلى البرلمان قبل ثلاث سنوات، لكنها أثارت احتجاجات واسعة وجرى تأجيلها بناءً على نصيحة الرئيس جوكو ويدودو.

ثم جاءت التعديلات الأخيرة التي جرت الموافقة عليها لتثير احتجاجات أقل لمنعها الجنس الحرام، ما عدّه مراقبون رشوة حكومية للإسلاميين خصوصا لعدم مشاركتهم في الاحتجاجات.

ولن يبدأ تنفيذ القانون إلا حين يوقع عليه الرئيس جوكو ويدودو، ولن يدخل حيز التنفيذ قبل ثلاثة سنوات أخرى، أي بدءا من عام 2025 بسبب الحاجة لإصدار الكثير من اللوائح التنفيذية لتطبيقه.

كما يمكن الطعن عليه المحكمة الدستورية، حسبما أكدت اللجنة المكلفة بإعداد القانون برئاسة نائب وزير العدل.

بموجب القانون الجنائي المعدل، الذي أطلق عليه "حظر بالي" سيُعاقب أي شخص إندونيسي أو أجنبي يُدان بالزنا وإقامة علاقة جنسية خارج الزواج بالسجن مدة 12 شهرا، وستة أشهر لمن يعيشون معا بدون زواج، وفق ما نشرت وكالة رويترز البريطانية في 12 ديسمبر 2022.

لكن الحكومة قيدت هذه العقوبة بنص القانون الجنائي على أنه لن تجري مقاضاة جرائم الجنس خارج إطار الزواج والمعاشرة إلا إذا أبلغ عنها من قبل الزوج أو الوالد أو الطفل، ما يعني عمليا أنه من غير المحتمل أن يتأثر به السياح الأجانب.

أكد هذا المسؤولون لدى مواجهتهم هجوم الصحف الغربية على قرار منع الجنس، مؤكدين أنه رغم أحكام القانون ضد ممارسة الجنس خارج إطار الزواج، فلن يتأثر السياح.

ووعد نائب وزير العدل الإندونيسي إدوارد عمر شريف بعدم محاكمة الأجانب قائلا "لن يجري اتهامكم به".

أيضا حاول حاكم جزيرة بالي الإندونيسية "وايان كوستر" طمأنة السياح الذين يتوافدون على الجزيرة الشهيرة، مؤكدا في 12 ديسمبر أن القوانين الجديدة لن تطبق، إلا إذا كانت هناك شكوى من أحد الوالدين أو الزوج أو الزوجة أو الطفل، وهو ما لن يفعله الأجانب.

وقال "كوستر" أيضا إن حكومة بالي ستضمن "عدم التحقق من الحالة الاجتماعية للأشخاص عند تسجيل الوصول في أي إقامة سياحية، مثل الفنادق والفيلات والشقق وبيوت الضيافة والمنتجعات الصحية"، ما يعني عدم عقاب الأجانب غير المتزوجين، بحسب ما نشرت صحيفة الغارديان في 12 ديسمبر.

مع هذا تحركت دول غربية لتدين القرار بدعاوى حقوق الإنسان وحقوق الإباحية بدون زواج في جزر إندونيسيا السياحية، على غرار ما فعلوا مع قطر حين ألغت الخمور في مباريات كأس العالم ومنعت رفع أعلام الشواذ.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، للصحفيين 7 ديسمبر "نشعر بقلق إزاء كيفية تأثير تلك التعديلات على ممارسة حقوق الإنسان والحريات الأساسية في إندونيسيا"، وفق تعبيره.

أضاف: "نشعر بقلق أيضا بشأن تأثير القانون على المواطنين الأميركيين الذي يزورون ويقيمون في إندونيسيا، وكذلك على مناخ الاستثمار بالنسبة للشركات الأميركية".

وزعمت شبكة "سي إن إن" الأميركية في 7 ديسمبر أن قرار البرلمان الإندونيسي قد يضرب السياحة بعد كورونا لا سيما أن اللوائح الجديدة ستطبق أيضا على الوافدين الأجانب والسياح.

وذكرت أنه يُنظر إلى القوانين الجديدة على أنها "استجابة لتصاعد النزعة الدينية المحافظة في إندونيسيا أكبر دولة مسلمة من حيث السكان، إذ تفرض أجزاء من البلاد قوانين إسلامية صارمة".

وزعمت أن هذه التشريعات قد تؤثر أيضا على غالبية السكان من الهندوس الذين يعيشون في جزيرة بالي التي تستقطب السياح الغربيين، ويزورها ستة ملايين سائح سنويا ويميلون إلى التمتع ببيئة اجتماعية أكثر ليبرالية تجذب السياح الغربيين.

ألغام القانون

بعيدا عن حظر الجنس الحرام، عدّ ناشطون وحقوقيون إندونيسيين أن التشريع الجديد الذي وافق عليه البرلمان كجزء من إصلاح أوسع للقانون الجنائي، به مواد تهدد حقوق الإنسان، بحسب الغارديان البريطانية.

وبدورها، نوهت وكالة رويترز البريطانية في تقرير نشرته 8 ديسمبر أن "حظر الجنس ليس التغيير الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للعديد من الإندونيسيين، الذين يرون مجالات أخرى من القانون تهدد حقوق الإنسان وحرية التعبير".

وأكدت أن القانون الجديد يتضمن "أحكاما أخرى"، بخلاف ممارسة الجنس خارج إطار الزواج، تثير قلق المهتمين بالحريات المدنية وحقوق الإنسان.

وأشارت إلى أن أخطر البنود وأكثرها قمعية في التعديل التشريعي الجديد هو إحياء أحكام مناهضة التشهير ضد الرئيس ونائبه والحكومة، التي كانت من مخلفات القانون الاستعماري lèse-majesté الذي كان يحمي سيادة النظام الملكي الهولندي خلال استعماره لإندونيسيا.

وهو تشريع سبق أن ألغته المحكمة الدستورية خلال فترة التحول الديمقراطي في إندونيسيا في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وجري إعادته الآن.

ونقلت "رويترز" عن "إيفا سونداري" العضو السابق في البرلمان وعضو مجلس إدارة منظمة برلمانيون من أجل حقوق الإنسان في الآسيان أن: "القانون الجنائي الجديد يهدد التقدم الكبير نحو الديمقراطية منذ سقوط دكتاتورية سوهارتو".

أوضحت أن القانون الجديد يُجرم إهانة الرئيس أو نائبه، ويعاقب عليها بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات، على الرغم من أن هذا لا يمكن أن يحدث إلا إذا قدم أي من كبار المسؤولين شكوى، كما يجرم تنظيم الاحتجاجات دون إذن.

وتصل عقوبة إهانة الرئيس، وهي تهمة لا يمكن إلا للرئيس الإبلاغ عنها، إلى السجن ثلاث سنوات كحد أقصى، بحسب رويترز.

يحظر القانون الجديد أيضا، المظاهرات دون إذن رسمي، ونشر آراء مخالفة لأيديولوجية الدولة، وإهانة الرئيس والمسؤولين الحكوميين الآخرين، وفق ما قال الحقوقي "راهكا سوسانتو" في مقال نشره على موقع "دويتشه فيله" 8 ديسمبر. 

أوضح "سوسانتو" أن "ما يسمي إصلاح نظام العقوبات في إندونيسيا يشكل خطرا على الديمقراطية"، و"يمكن لأي شخص يتصرف بطريقة معادية للأديان والمعتقدات الست المعترف بها رسميا في إندونيسيا، أن يُعاقب بالسجن خمس سنوات".

والأديان والعقائد المعترف بها في إندونيسيا هي الإسلام والبروتستانتية والكاثوليكية والهندوسية والبوذية والكونفوشيوسية، برغم أن غالبية الشعب (88 بالمائة) من المسلمين، ولم يدخلوا الإسلام عن طريق الفتح بل عبر التجار.

ويحظر القانون أيضا الانتقادات الموجهة إلى أيديولوجية الدولة الإندونيسية، وهي مبادئ "بانشاسيلا" التي أعلنها الرئيس الإندونيسي الأسبق أحمد سوكارنو، غداة الاستقلال، لتكون عقيدة الدولة التي تجمع كل طوائف الشعب.

وتتضمن خمسة مبادئ وهي: الإيمان بالإله، ووحدة إندونيسيا، والإنسانية العادلة والمتحضرة، والديمقراطية التي تقودها الحكمة، والعدالة الاجتماعية.

وعبر تويتر كتبت "إيفي مارياني"، من مجموعة الصحافة العامة Project Multatuli، عن تهديد المادة 263 للصحفيين، إذ تنص على السجن 4 سنوات "لأي شخص يُدان بنشر أخبار كاذبة أو تثير الرأي العام أو اضطرابات".

ووصفت القانون بأنه "حصار على حرية التعبير"، محذرة من أن كل معارض قد توجه له تهم جنائية كامنة.

وقال رئيس تحالف الصحفيين المستقلين "ساسميتو مادريم"، إن القانون يحد من قدرة الصحفيين على العمل لأن به 17 "نقطة إشكالية" مثل انتقاد القادة وتجريم نشر الشيوعية، والتشهير بالموتى، ما يعني أنه سيرسل الصحفيين إلى السجن.

أيضا سيواجه من يرتبطون بمنظمات تتبع الأيديولوجية الماركسية اللينينية عقوبات تصل إلى السجن لمدة 10 سنوات، والسجن لمدة أربع سنوات لنشر الشيوعية، بحسب التعديل القانوني.

وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش 13 ديسمبر إن القوانين التي تعاقب انتقاد القادة في إندونيسيا تتعارض مع القانون الدولي، وحتى لو كانت بعض أشكال التعبير "مهينة" فهذا لا يكفي لتبرير القيود أو العقوبات.

ووصف عثمان حامد، المدير التنفيذي لمنظمة العفو الدولية في إندونيسيا، تعديلات القانون الجنائي بأنها "مروّعة".

وأكد لصحيفة "الغارديان" 6 ديسمبر أن "ما نشهده ضربة كبيرة للتقدم الذي حققته إندونيسيا بشق الأنفس في حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية على مدى أكثر من عقدين من الزمن".

مغازلة الإسلاميين

وكان من المقرر تمرير مسودة سابقة للقانون عام 2019 لكنها أثارت احتجاجات على مستوى البلاد، وتظاهر عشرات الآلاف في ذلك الوقت ضد مجموعة كبيرة من القوانين، لا سيما التي يُنظر إليها على ضد حرية التعبير.

وقبل إصدار القانون، زعم الكاتب الحقوقي الإندونيسي "إدوارد لازاروس" في مقال نشره بموقع the interpreter نهاية أغسطس/آب 2022، أن الرئيس الإندونيسي يسعي لمغازلة الإسلاميين بعقوبات ممارسة الزنا لتحقيق الاستقرار الوطني.

ذكر أن "التوجه المحافظ في القانون (تحريم الزنا) يمكن أن يُنظر إليه على أنه محاولة لتهدئة قوى الإسلام السياسي بعد حملة نفذها الرئيس جوكووي ضدهم وأغضبت الجناح اليميني الإسلامي"، وفق قوله.

وأشار إلى أنه سبق هذا حظر الحكومة جماعتين إسلاميتين متطرفتين هما حزب التحرير الإندونيسي، وجبهة المدافعين عن الإسلام (أو بيمبيلا الإسلام FPI)، على أساس أن أنشطتهما تتعارض مع تعاليم عقيدة الدولة "بانشاسيلا".

وفي 30 ديسمبر 2020 حظرت إندونيسيا جماعة "الجبهة الدفاعية الإسلامية" المتشددة بعد خرق زعيمها قيود مكافحة وباء كوفيد-19، بعد تنظيمه تجمعات، وصدام أنصاره مع الشرطة، وفق وكالة الأنباء الفرنسية.

وقبل هذا أعلنت إندونيسيا في 19 يوليو/تموز 2017، حظر حزب التحرير الإسلامي الذي يدعو إلى إقامة الخلافة، معتبرة أن نشاطاته "تتعارض مع أيديولوجية الدولة".

وكتب "لازاروس": "إذا كان هذا الحظر السياسي على تيارات إسلامية بمثابة نهج العصا، فإن مشروع القانون الجنائي يبدو وكأنه جزرة مغازلة الإسلاميين".

وادعى أن تشريع حظر الجنس الحرام "محاولة من الحكومة لإظهار أنها مستعدة لتلبية تطلعاتهم الدينية والاجتماعية والثقافية بشرط أن لا يفعلوا ذلك بأنفسهم ويشكلون تهديدا سياسيا".

وكان أندرياس هارسونو، الباحث في هيومن رايتس ووتش إندونيسيا، قال في 17 يونيو/حزيران 2022 إن مشروع القانون الجنائي "يعكس التأثير المتزايد للإسلاميين" في إندونيسيا، وفق قناة "الجزيرة" الإنجليزية.

 زعم أن "العديد من الإسلاميين يعدون القانون (لم يكن قد صدر بعد) جوهرة التاج لما يدعون أنه قانون الشريعة الإسلامية رغم أنه سيكون كارثيا ليس فقط على النساء والأقليات الدينية ولكن لجميع الإندونيسيين".