انفراجة وإنذار.. دلالة رفع الأعلام الفلسطينية بكثافة خلال مونديال قطر
ترى مجلة إيطالية أن رفع العلم الفلسطيني بكثافة خلال بطولة كأس العالم قطر 2022 من قبل المشجعين ولاعبي المنتخبات العربية يشير إلى أن "اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل لا تزال تفتقر إلى تأييد الجماهير".
وخلال النسخة الـ22 من البطولة، أظهرت عدسات وسائل إعلام ومواقع التواصل الاجتماعي "حضورا كبيرا" للقضية الفلسطينية في ساحات وملاعب قطر حتى قبل انطلاقها في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
وبرز ذلك الحضور للقضية برفع العلم والرموز الفلسطينية وترديد الشعارات وهتاف الجماهير بالحرية لفلسطين وبالوحدة العربية.
ونقلت مجلة "فورميكي" ما قاله الكاتب في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، إيشان ثارور: "في بطولة تقصفها المخاوف السياسية من جميع الجبهات، كانت القضية الفلسطينية الفكرة المهيمنة".
ونوه ثارور بـ"حشد العرب لصفوفهم وراء القضية الفلسطينية خلال مباريات وفعاليات البطولة التي تقام للمرة الأولى على أراضٍ عربية".
معركة سياسية
بدورها، أكدت المجلة أن "الدور الذي لعبته القضية الفلسطينية في سياق مونديال قطر مهم، لأنه يوضح كيف أن المسألة لا تزال تثير اهتمام العالم العربي".
وأوضحت أن ذلك "تجلى من خلال احتفال لاعبي المنتخب المغربي بالانتصار على إسبانيا والتأهل التاريخي لربع نهائي المسابقة برفع العلم الفلسطيني، وكذلك من خلال الانتشار الواسع لكل ما يرمز لفلسطين بين الجماهير".
وأشارت إلى أنه "في الوقت الذي عملت فيه السلطات القطرية على منع رفع شعارات الشواذ وألوانهم في الأماكن العامة والملاعب وحاولت الحد من أي نوع من الشعارات ضد النظام الإيراني، سمحت في المقابل وعلى نطاق واسع، برفع العلم الفلسطيني كرمز لمعركة سياسية مستمرة منذ سنوات".
وبحسب المجلة الإيطالية، اتخذت قطر هذا الخيار لـ"احتلال مكانة داخل العالم الإسلامي وأن تنفرد أيضا في تأكيد دعمها تجاه الفلسطينيين".
وأضافت أن ذلك يرفع من مكانتها لدى "المجتمعات العربية والمسلمة التي مازالت تعد مصير الفلسطينيين مرتبطا بمصيرها وباهتماماتها الخاصة".
وألمحت "فورميكي" بأن "الأمر له علاقة مباشرة بمسألة التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية، الإمارات والبحرين والمغرب والسودان"، متسائلة عن "الكيفية التي تنظر به الجماهير إلى هذه المسألة".
وفي هذا الصدد، تنقل المجلة عن جورجيو كافييرو، المدير التنفيذي لـ"مركز تحليلات دول الخليج"، إحدى أكثر الشركات الاستشارية نشاطا في العالم العربي ومقرها في واشنطن، قوله إن "عقود الإهانة والسخط والغضب التي يشعر بها الكثير من العرب تجاه إسرائيل لا يمكن أن تتلاشى ببساطة بتوقيع اتفاقيات التطبيع هذه".
وشرح أن "اتفاقيات التطبيع المبرمة في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وتحت رعايته عام 2020، والتي حافظت عليها إدارة الرئيس جو بايدن، تعد الدافع لسلسلة من الديناميكيات الإقليمية التي خلقت بطريقة ما نظاما جديدا في المنطقة".
فيما قالت المجلة إن "النخب الإسرائيلية العربية (السياسية وأصحاب الأعمال)، تعدها عملية انفراج رائعة في العلاقات"، مشيرة إلى مشاركة بعض الدول غير الموقعة بشكل مباشر، مثل السعودية في العملية.
جرس إنذار
كما عرجت "فورميكي" في تأكيدها لما زعمته من أهمية للتطبيع لدى النخب، على ذهاب الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إلى الإمارات في 5 ديسمبر 2022، في زيارة ثانية له خلال عام، حيث التقى نظيره محمد بن زايد، قادما من البحرين حيث أدى زيارة هي الأولى لرئيس إسرائيلي إلى المنامة منذ تطبيع العلاقات بينهما.
وعلقت بأن هذه الزيارات "كانت مستبعدة تماما في الماضي، إلا أنها اليوم باتت ممكنة".
كما أشارت إلى الرحلات الجوية المباشرة من مطار بن غوريون الإسرائيلي نحو العاصمة القطرية الدوحة والتي مكنت الفلسطينيين أيضا من حضور مباريات كأس العالم.
وألمحت المجلة إلى أنه "على غرار الشعور السائد في شوارع قطر 2022، يُنظر إلى هذه الاتفاقيات بطريقة مختلفة بشكل ملحوظ بين تلك النخب والسكان العرب والمسلمين العاديين".
وقالت إن "الشعوب العربية لا تزال تحافظ على مستوى من التشكيك تجاه الإسرائيليين".
وذكرت أن مراسل القناة 12 الإسرائيلية، أوهاد حمو، كان قد صرح بأن "هناك العديد من المحاولات من قبل العديد من الناس هنا (في قطر) من جميع أنحاء العالم العربي لرفض وجودنا لأننا نمثل التطبيع".
وعبر عن استغرابه "رغم أننا وقعنا على أربع اتفاقيات سلام مع دول عربية، إلا أن غالبية الشعوب العربية لا تحب وجودنا هنا".
من جانبها، زعمت كاتبة من صحيفة "جيروزاليم بوست" أن "المسألة لا تعد انتقادا لاتفاقيات إبراهام، ولا للسلام مع الأردن ومصر، لأن جميعها مهمة وقد حققت نتائج إيجابية لإسرائيل وتلك الدول، لكنها تشكل أيضا جرس إنذار بشأن حدود تلك الصفقات".
وعدت المجلة الإيطالية بأن "ما يحدث ليس شيئا جديدا"، مذكرة بمقال كانت قد نشرته من تأليف مدير المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية باولو ماغري، في يناير/كانون الثاني 2020، كان قد قلل فيه من انعكاسات اتفاقيات التطبيع على البلدان العربية ومن نتائجها.
وفي الإطار نفسه، سلطت المجلة الضوء على "نتائج استطلاع أجراه معهد واشنطن قبل بضعة أشهر كان قد أظهر أن الغالبية العظمى من المواطنين العاديين في العديد من الدول العربية، بينهم مواطنو حكومات أعلنت تطبيع العلاقات مع الكيان، يعارضون إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات مع إسرائيل".
كما نقلت عن الصحفي الإسرائيلي، عوزي برعام، استنكاره أخيرا بأنه "بعد توقيع اتفاقيات تطبيع العلاقات مع العديد من الدول العربية عام 2020، قال معلقون من اليمين إن مصير الفلسطينيين لم يعد يهم العرب الآخرين".
وأكدت فورميكي أن "التضامن القوي الذي أظهرته شعوب الدول العربية الأخرى تجاه القضية الفلسطينية خلال نهائيات كأس العالم، يفرض تغييرا في النهج، خاصة على هذا المستوى الاجتماعي والثقافي".