فيلم فرحة.. قصة حقيقية لناجية فلسطينية من مذابح الاحتلال أثارت ذعر إسرائيل

رامي صباحي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

عبر الفن السابع، روج الكيان الإسرائيلي طوال عقود لروايته المزيفة عن معاناة اليهود الذين هاجروا من ظلم الأوروبيين ليصطدموا بـ"عدوانية" الفلسطينيين في حرب "استقلالهم" المزعومة التي يسميها الفلسطينيون "النكبة".

ورغم سيطرة جماعات الضغط الصهيونية على صناعة السينما العالمية، فإنه وبعد طول انتظار خرج إلى العلن فيلم عربي يقدم للعالم رواية مغايرة عن حقيقة الجرائم التي ارتكبتها العصابات الصهيونية بحق آلاف الأسر الفلسطينية البريئة إبان عام 1948.

إنه فيلم "فرحة" الذي كتبته وأخرجته الأردنية دارين سلاّم (35 عاما)، وعرض للمرة الأولى في مهرجان تورونتو السينمائي بكندا في 14 سبتمبر/أيلول 2021 وبدأ بثه على منصة نتفليكس العالمية مطلع ديسمبر/كانون الأول 2022.

ويبدو أن صناع الفيلم بذلوا قصارى جهدهم لإعداد العمل في إطار إنساني عام بلا أي تسميات أو إشارات محددة، أملا في ألا تنقض عليهم الجماعات الصهيونية تحت ذريعة "معاداة السامية"، ومن ثم منع عرض الفيلم وضياع جهدهم.

ومع ذلك لم يسلم الفيلم من آلة القمع والتكبر الإسرائيلية، فهاجمه مسؤولون إسرائيليون وناشطون يمينيون، لدرجة الضغط على شركة نتفليكس وحكومات أوروبية لوقف عرضه، رغم أنه لا يعد نقطة في بحر جرائم العصابات الصهيونية إبان النكبة.

قصة حقيقية

ويحكي الفيلم طوال ساعة ونصف الساعة قصة فتاة يافعة تسمى فرحة عمرها 14 عاما، شهدت بأم عينها جريمة حرب مأساوية، على يد العصابات الصهيونية التي كثفت حينها من غاراتها على القرى الفلسطينية لطرد سكانها عام 1948.

وفي بداية الفيلم تضغط فرحة على أبيها مختار القرية، التي لم تسمها المخرجة منعا للخوض في جدالات، من أجل أن تلتحق بالمدرسة في المدينة (مجهولة أيضا) بعد اجتيازها بنجاح كل دروس القرية.

وتطمح فرحة إلى أن تصبح معلمة وتفتح مدرسة في قريتها لتعليم الفتيات، ورغم موافقة أبيها في النهاية، ضاعت هذه الأحلام هباء أمام الاجتياح الإسرائيلي لقريتها.

وبعد رفض الفتاة الهروب إلى المدينة، وتفضيلها البقاء إلى جانب والدها، يضطر إلى إخفائها في غرفة سرية أشبه بمستودع للمؤن المنزلية لحمايتها قبل أن يذهب للمشاركة في مواجهة العصابات الصهيونية، على أن يعود لإخراجها في أقرب فرصة.

ويطول انتظار فرحة لأبيها في الغرفة لأيام وليال تذوق فيها الأمرين لتلبية احتياجاتها، لكنها من ثقب بجدار الغرفة تشهد مجزرة ارتكبتها قوات الاحتلال بحق أسرة فلسطينية مكوّنة من أب وابنتين وأم أنجبت طفلها للتو.

وكانت قد احتمت الأسرة الفارة من القرية ببيت فرحة مكسور الباب، بعدما جاء الأم مخاض الولادة، لتنجب رضيعها في أيدي والده، لكن تأتي دورية صهيونية فيخفي أسرته ويقابلها، ليعتقلوه ويفتشوا البيت ليعثروا على بقية أفراد الأسرة.

ورغم أنهم عزّل بلا أسلحة يعدمهم الصهاينة بالرصاص على مرأى ومسمع فرحة دون تهمة أو محكمة، بينما ترك قائد الدورية الرضيع لجندي شاب ليقتله، ثم يتركه الأخير على الأرض يبكي حتى خارت قواه ومات.

ولاحقا تعثر فرحة بالصدفة على مسدس مدفون في كيس عدس كانت ترقد عليه، فتستخدمه في فتح الباب والهروب من هذا السجن المرير نحو الحدود.

ويؤكد الفيلم قبل بدء أول مشاهده أن أحداثه تستند إلى واقعة حقيقية، وفي نهايته يقدّم اسم بطلته الحقيقية.

وهي الفلسطينية رضية، التي تمكنت من مغادرة فلسطين إبان النكبة والوصول إلى سوريا ومشاركة قصتها لتبقى حية، بينما بقي مصير والدها مجهولا، مع ترجيح احتمالية استشهاده خلال النكبة.

غضب إسرائيلي

وقبيل عرض الفيلم على منصة نتفليكس وفي دور العرض، بدأت موجة غضب عارمة في إسرائيل، من أجل إيقاف هذا العمل بأي شكل من الأشكال.

وقال وزير المالية في الحكومة الإسرائيلية المنتهية ولايتها أفيغدور ليبرمان، إنه "من الجنون أن نتفليكس قررت بث فيلم هدفه خلق رواية كاذبة والتحريض ضد الجيش الإسرائيلي".

وأضاف في سلسلة تغريدات عبر تويتر في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أنه سينظر في سحب تمويل الدولة من مسرح السرايا في بلدة يافا، ذات الغالبية العربية، التي عرضت الفيلم.

وواصل مزاعمه قائلا: "إسرائيل مكان لتقديم الأعمال الفنية المحلية والدولية، لكنها بالتأكيد ليست مكانا لتشويه سمعة الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن الذين يعملون ليل نهار لحماية جميع المواطنين والمقيمين فيها".

من جانبه، زعم وزير الثقافة الإسرائيلي حيلي تروبر، أن الفيلم يصور "أكاذيب وافتراءات"، وعرضه في دار عرض إسرائيلية "وصمة عار"، وفق ما نقلت عنه القناة "12" العبرية الخاصة.

إضافة إلى ذلك، نظم إسرائيليون حملة إلكترونية لخفض تقييم الفيلم وتسجيل مراجعات سلبية عنه على قاعدة بيانات الأفلام على الإنترنت "آي إم دي بي".

لينخفض تقييم الفيلم مطلع ديسمبر من 7.2 إلى 5.8 في غضون ساعات، ومع تدخل حملة تقييمات أخرى مناهضة للإسرائيليين عاد الفيلم للصعود مجددا ليسجل منتصف ديسمبر تقييما عاليا بلغ 8.6.

فيما اشتكى متابعون من أنّ نتفليكس حذفت الفيلم من قائمة أفلامها، فيما قال آخرون إنه ليس بوسع جميع مشتركي المنصّة الوصول إليه ومشاهدته، وإن الأمر يحتاج إلى استخدام تطبيقات "في بي إن".

من جانبه، استنكر المحلل السياسي الأميركي عمر بدّار هذه الحملة الصهيونية، مؤكدا أن "المسؤولين الإسرائيليين لم يرغبوا في عرض القصة الحقيقية لما حدث للفلسطينيين عام 1948 على نتفليكس".

واستدرك قائلا في تغريدة مطلع ديسمبر: "لكن الشركة صمدت وأصدرت فرحة. شاهدوه!".

فيما كتب الصحفي الأميركي سي جيه ويرلمان: "يصور فيلم فرحة الذي صدر حديثا على نتفليكس القصة الحقيقية للنكبة، عندما مورس التطهير العرقي ضد 800 ألف فلسطيني من جانب إسرائيل عام 1948".

وأضاف في تغريدة عبر تويتر في الثاني من ديسمبر قائلا: "على هذا تأسست الدولة الصهيونية المجرمة".

كما استنكر الصحفي والباحث البريطاني روبرت كارتر هذه الحملة الصهيونية، قائلا: "الغضب الإسرائيلي من عرض فيلم فرحة أضحوكة كبيرة".

وأضاف في تغريدة عبر تويتر، في 4 ديسمبر: "أطلقت نتفليكس أطنانا من أعمال الدعاية المؤيدة لإسرائيل على مر السنين، ومع فيلم فلسطيني واحد تنهار مثل رقاقات الثلج".

توقيت لافت

ولم يقتصر الأمر على الناشطين، إذ أدان فريق عمل فيلم فرحة الذي رشحه الأردن للمنافسة على جائزة "أوسكار أفضل فيلم دولي"، الهجمات الإسرائيلية ضد الفيلم وصناعه "من قبل الحكومة والإعلام وأفراد منسقين".

وقالت مخرجة ومؤلفة الفيلم دارين سلام والمنتجتان ديمة عازر وآية جردانة في بيان مشترك: "نحن فريق الفيلم ندين كل الاتهامات لتشويه سمعة فرحة ونستنكر الحملة المنظمة ضد الفيلم".

وأضفن: "ندين أيضا رسائل الكراهية والمضايقات والاتهامات والتنمر من قبل إسرائيليين والتي استهدفت مخرجة الفيلم على منصات التواصل الاجتماعي وعلى وسائل التواصل الأخرى".

وأكد البيان أن "المخرجة سلام قررت سرد هذه القصة الإنسانية والشخصية ومشاركتها مع العالم. وتدعم منتجتا الفيلم عازر وجردانة قرارها بتحقيق هذه الرؤية الإبداعية سينمائيا دون أي قيود".

ولفت إلى أن توقيت الحملة ليس محض صدفة وجاءت "في ذروة الحملة الدعائية لفيلم فرحة في تمثيل الأردن في سباق الأوسكار بهدف منع مشاهدة الفيلم عالميا وبنية واضحة لإلحاق الأذى به".

وعلى مدى الشهور الأخيرة كان قد شارك الفيلم الذي أدى دور البطولة فيه الأردنية كرم الطاهر (فرحة)، والفلسطيني أشرف برهوم (الوالد)، في عدد من المهرجانات السينمائية الدولية وحصل على جوائز عربية وغربية.

منها جائزة "الأوسكار الآسيوية" في نوفمبر 2022، كأفضل فيلم طويل وشبابي في حفل توزيع الدورة الـ15 من "جوائز آسيا والمحيط الهادئ المرموقة".

كما نال جائزة "الاتحاد الأوروبي" في "مهرجان أسوان الدولي لسينما المرأة"، في فبراير/شباط 2022، كأفضل فيلم أورو متوسطي يتناول قضايا المرأة في دول الاتحاد الأوروبي وحوض البحر المتوسط.

لكن يبدو أن إسرائيل قلقة من مشاهدة الفيلم على نطاق واسع في منصات عالمية مثل نتفليكس أو ضمه لقائمة الأفلام المنافسة على جوائز الدورة الـ95 لأكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة الأميركية "أوسكار".

وهو ما أكدته المخرجة سلام لمجلة "تايم" الأميركية، في 7 ديسمبر بالقول: "في الحقيقة لم نتوقع ردة الفعل هذه، فالفيلم موجود منذ فترة والسؤال، لماذا الآن؟".

وأضافت: "التوقيت غريب وأشعر أن هدفه التأثير على حملة الأوسكار. ونريد التركيز على مشاهدة الفيلم، نعم، أمر صادم، وأفهم أن الحقيقة تجرح ومن حقنا الحديث علنا ومشاركة هويتنا وما حدث لنا".

وأكدت سلام (من أصل فلسطيني ونزحت أسرتها للأردن) أن مزاعم مسؤولين إسرائيليين أن الفيلم يقدم سردا زائفا هو إنكار للنكبة، أي إنكار لي وأنا موجودة. إنه أمر غير إنساني ومهين لأنه ينكر تراجيديا عانى منها أجدادي ووالدي وشاهدوها.

وعن تفاصيل فرحة، قالت سلام إن صناعة فيلم عن النكبة كانت تحديا، وعمل فيلم عن فلسطين بالعموم أمر صعب لأنه موضوع يجرى تجنبه. كما لم يكن الكثيرون راغبين بالاستماع إلى هذا الجانب من السرد، وكان تأمين الدعم صعبا.

وعن تصوير مشهد جريمة تصفية الأسرة البريئة، قالت سلام إنها لم تُظهر أي شيء "مقارنة مع ما حدث في الحقيقة"، وهو ما أثار صدمتها من ردة الفعل الإسرائيلية.

وأضافت: ”ما قدمته هو حادث صغير ولا أعرف سبب غضب بعض المسؤولين الإسرائيليين من المشهد، فهو ضبابي وخارج تركيز العدسة".

حقائق وأرقام

ووفق تقرير أرشيفي لوكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، تعد النكبة أكبر عملية تطهير عرقي شهدها القرن العشرين.

إذ شرد ما يربو على 800 ألف فلسطيني قسرا من قراهم ومدنهم بقوة السلاح والتهديد من قبل العصابات الصهيونية إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المجاورة، من أصل مليون و400 ألف فلسطيني كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية عام 1948، جرى إحلال اليهود مكانهم.

وشملت النكبة أيضا سيطرة العصابات الصهيونية على أكثر من 85 بالمئة من مساحة فلسطين التاريخية والبالغة حوالي 27 ألف كم2 بما فيها من موارد وما عليها من سكان، أي ما يزيد على ثلاثة أرباع مساحة فلسطين التاريخية.

كما سيطرت العصابات الصهيونية خلال النكبة على 774 قرية ومدينة فلسطينية، وجرى تدمير 531 منها بالكامل وطمس معالمها الحضارية والتاريخية، وما تبقى جرى إخضاعه إلى كيان الاحتلال وقوانينه.

وفي تلك الفترة ارتكبت العصابات الصهيونية أكثر من 70 مجزرة بحق الفلسطينيين، تمثل كل واحدة منها جريمة حرب وجريمة بحق الإنسانية، وتصنف في إطار جرائم الإبادة الجماعية.

وتعليقا على هذا الواقع، أكد الصحفي الفلسطيني الشهير عبد الباري عطوان أن ما لا يدركه الإسرائيليون أن محاولاتهم لإخفاء تاريخهم الدموي، ومجازرهم التي ارتكبوها، ومازالوا، في حق الأبرياء العزل في فلسطين المحتلة، ومنع وصول الرواية الفلسطينية الحقيقية إلى مختلف أنحاء العالم تواجه الفشل.

وأضاف في مقال بصحيفة "رأي اليوم"، أن "أوروبا ليست العالم، وحكوماتها ليست شعوبها، وهناك وسائل تواصل اجتماعي بديلة".

وأردف: "الأهم من ذلك أن الجيل الجديد من العرب والمسلمين، ومن ضمنهم الفلسطينيون طبعا، باتوا على درجة عالية من الوعي والإبداع، في الميادين كافة، خاصة الإبداع الفني والاتصال الجماهيري، وهذا سر القلق والسعار الإسرائيلي".

وأشار عطوان إلى أن حالة الكراهية الصادمة التي قوبلت بها محطات التلفزة الإسرائيلية ومراسلوها في مونديال قطر من قبل الغالبية الساحقة من المشجعين العرب، والكثير من الأجانب، وحتى من الدول المطبعة، كانت الدليل الأبرز على فشل كل حملات التضليل الإسرائيلية المتسلحة بسيف "معاداة السامية” المسموم.

ولعل وصول حكومة إسرائيلية فاشية عنصرية برئاسة بنيامين نتنياهو التي بثت الرعب في صفوف الإسرائيليين وتعمق الانقسام بينهم، هي ثمرة لهذه السياسات الإجرامية والفوقية الإسرائيلية، وإسقاط القناع المخادع عن وجهها الدموي القبيح، يختم الصحفي الفلسطيني.