وسط هجمة الإمارات على مونديال قطر.. لماذا "تسلل" ابن زايد للدوحة؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

جملة من التساؤلات أثارتها زيارة رئيس الإمارات محمد بن زايد المفاجئة إلى قطر في 5 ديسمبر/ كانون الأول 2022، وخاصة عن توقيتها، إذ جاءت بالتزامن مع استضافة الأخيرة كأس العالم 2022 وكذلك دلالاتها، فهي الأولى من نوعها منذ قمة العلا التاريخية.

وفي 5 يناير/ كانون الثاني 2021، أنهت قمة العلا الخليجية بالسعودية، ثلاث سنوات من الحصار الدبلوماسي والتجاري المفروض على الدوحة من قبل الرياض وأبوظبي والمنامة والقاهرة اعتبارا من منتصف 2017 متهمة إياها بـ"دعم الإرهاب"، وهو ما نفته قطر.

علاقات أخوية

وخلال الزيارة عقد ابن زايد وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مباحثات تناولت "العلاقات الأخويّة بين البلدين الشقيقين، وسبل دعمها وتوطيدها في مختلف المجالات، وكذلك تعزير العمل الخليجي المشترك"، وفق بيان رسمي قطري في 5 ديسمبر.

وأوضح البيان أن رئيس الإمارات أعرب عن شكره وتقديره لأمير قطر على حسن الاستقبال وكرم الضيافة، مقدما له تهانيه بمناسبة استضافة بطولة كأس العالم 2022، مشيدا بنجاح قطر الاستثنائي في تنظيم واحتضان هذه البطولة العالمية.

من جانبها، ذكرت وكالة أنباء الإمارات في 5 ديسمبر، أن الزيارة جاءت تلبية لدعوة من أمير قطر، وأنها تأتي "انطلاقاً من العلاقات الأخوية التي تربط البلدين وشعبيهما الشقيقين".

كما غرد ابن زايد عبر تويتر قائلا: "وصلت إلى الدوحة التي تستضيف بنجاح بطولة كأس العالم لكرة القدم.. نبارك لأخي تميم بن حمد والشعب القطري الشقيق هذا التميز، وتمنياتي لهم دوام التوفيق والنجاح.. وسعدت ببحث العلاقات الأخوية وسبل تعزيزها وتطويرها بما يخدم المصالح المشتركة".

كذلك غرد الأمير تميم قائلا: أرحب بأخي سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في الدوحة التي أتاحت لنا زيارته للتباحث حول سبل تعزيز العلاقات الأخوية بين بلدينا، وتبادل وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك وفي مقدمتها سبل دعم الأمن والاستقرار في المنطقة.

وسبق أن زار مسؤولون إماراتيون الدوحة، بما في ذلك نائب رئيس الدولة محمد بن راشد آل مكتوم، الذي حضر افتتاح بطولة كأس العالم قطر في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، وقبله بأشهر مستشار الأمن القومي طحنون بن زايد آل نهيان، الذي زار الدوحة مرتين.

وغاب زعيما الإمارات والبحرين عن حفل افتتاح المونديال، فيما حضره كل من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي.

"تصفية الأجواء"

وبخصوص توقيت زيارة ابن زايد للدوحة، والتي لم ينتج عنها سوى ما ذكرته البيانات الرسمية من توطيد للعلاقات بين البلدين، قال أستاذ العلوم السياسية والإعلام في جامعة قطر علي الهيل إن "الزيارة تأتي وسط متغيرات ومعطيات إقليمية ودولية ورغم أنها تأخرت، لكن أن تصل متأخرا خير من ألا تصل مطلقا".

وأضاف الهيل خلال مقابلة مع إذاعة صوت ألمانيا "دويتشه فيله" في 5 ديسمبر: "كنا نتوقع أن اتفاق العلا في 5 يناير 2021 سيقضي على الأزمات بين الأشقاء، ولكن للأسف الشديد ظلت بعض النقاط العالقة".

وأشار إلى أن "زيارة محمد بن زايد تأتي لأسباب كبيرة، أهمها تصفية الأجواء بين الإمارات وقطر، خاصة بعدما قيل إن بعض الجهات والأفراد في دولة الإمارات يحاولون التشويش على مونديال كأس العالم، مثل شراء التذاكر ولا يحضرون".

وتابع: "وكذلك تغريدات الكثير من الإماراتيين الذين لا يقدحون من أذهانهم وإنما يوعز لهم من جهة ما في الإطارات لتشويه المونديال منذ 2010 وحتى هذه اللحظة. ونرجو أن تضع زيارة ابن زايد حدا لتغريدات هؤلاء".

وأكد الهيل أن "التوقيت وأهمية هذه الزيارة تأتي وسط متغيرات ومعطيات إقليمية ودولية إستراتيجية خطيرة، من بينها القمة الصينية السعودية والقمة الصينية الخليجية والقمة العربية في 9 ديسمبر. وهذه القمم مهمة للعرب وللخليج الذي يسعى إلى عالم متعدد الأقطاب".

ولفت الخبير القطري إلى أن "محمد بن زايد ربما اقتنع بالسلوك السياسي القطري، ما جعله يأتي إلى قطر في هذا التوقيت المهم، حيث تستضيف المونديال الذي يتجاوز حجمها الجغرافي، ومع ذلك قبلت قطر التحدي ونجح المونديال إلى أبعد حدود. وأكثر من 1.5 مليون من كل زوايا الأرض جاؤوا إلى قطر".

وزاد الهيل قائلا: "في وقت الأزمة الخليجية التي اندلعت عام 2017 قال بعض المسؤولين الإماراتيين إن قطر إذا ألغت فكرة استضافة المونديال فإن الحصار سيرفع عنها، ولكن اليوم زيارة محمد بن زايد جبت ما قبلها، ونحن نتطلع إلى وحدة الشعوب الخليجية".

"تصفير المشكلات"

في المقابل، رأى الباحث في مركز الإمارات للسياسات محمد الزغول خلال مقابلة مع "بي بي سي" في 7 ديسمبر، أن "الموضوع ليس توقيتا بمقدار ارتباطه بسياق أوسع على مستوى إقليمي، وأيضا سياق محلي في الإمارات".

وأوضح أن "الإمارات أجرت مراجعة لمجموع سياساتها الإقليمية بمناسبة العيد الخمسين لقيام الاتحاد، وأطلقت منظومة مبادئ الخمسين لـ50 عاما المقبلة تشمل الخطوط العريضة لتوجهات الدولة داخليا وخارجيا".

ولفت الزغول إلى أنه "في هذه المراجعة جرى التوافق في الداخل على تصفير المشكلات السياسية الموجودة في المستوى الإقليمي. كذلك الزيارة جاءت ردا على زيارة مجاملة قام بها أمير قطر إلى الإمارات بعد وفاة الشيخ خليفة بن زايد".

وكان أمير قطر قد زار أبو ظبي في مايو/ أيار 2022، لتقديم واجب العزاء بوفاة الشيخ خليفة بن زايد، الرئيس الثاني لدولة الإمارات، الحاكم السادس عشر لإمارة أبو ظبي.

وشدد الزغلول على ضرورة "العودة بالعلاقات الخليجية إلى الحالة الطبيعية، وأن ما حدث (الأزمة الخليجية) كان طارئا واستثناء، وأن الدول بطبيعة الحال تتنافس، وهذا شيء صحي ومطلوب، ولكن أن تتعارض السياسات بشكل يعرقل مسار العمل المشترك هذا هو الشيء المؤسف الذي لم يكن أحد يرغب في بقائه".

وتابع: "الآن العودة إلى الحالة الطبيعية أعتقد أنها باتت ممكنة، فهناك أفق مشترك واسع جدا لتطوير وإدامة العلاقات وتجاوز المرحلة المؤسفة التي مرت بها العلاقات الخليجية- الخليجية والذهاب باتجاه سياق تعاوني جديد مبني على أسس مدروسة من الأطراف ودرك لتباين وتنوع المصالح والسياسات، فلم يعد ممكنا الحديث عن سياسة خليجية واحدة تجاه أي من الملفات المطروحة إقليميا ودوليا".

وأعرب الباحث عن اعتقاده بأن "السياسة الإماراتية تغيرت بالفعل، ليس تجاه قطر فقط، وإنما تجاه القوى الموجودة في الإقليم انطلاقا من قيم ومبادئ جديدة جرى الإعلان عنها صراحة وبشكل رسمي من خلال المبادئ الخمسين".

وأشار إلى أن "السياق الذي تمضي فيه الإمارات يقوم على مرتكزي تحقيق الازدهار والاستقرار لدول المنطقة وتجاوز حقبة صعبة من الصراعات الجيوسياسية في المنطقة وتجاوز حقبة كورونا ما تركته من آثار وجراحات في المنطقة، وتجاوز تلك الخلافات التي لم يخرج منها أي رابح".

وخلص الباحث إلى أن "الإمارات وأثناء مراجعاتها الداخلية لا تعتمد على الموقف السعودي ولا الأميركي، لكن توجهاتها الجديدة هي منطلقات داخلية، والدليل على ذلك أن الانفتاح الإماراتي لم يكن على طرف إقليمي واحد، وإنما سار بشكل متواز، سواء مع إسرائيل أو تركيا أو إيران، والشقيقة قطر".

"إقرار بالوقائع"

وفي السياق ذاته، رأى تحليل نشره "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" في 8 ديسمبر أن زيارة ابن زايد إلى قطر تشكل "تقدما لا إنجازا"، وتؤشر على مدى الواقعية الإماراتية الحالية وكذلك تنوع دبلوماسيتها.

وأوضح المعهد الأميركي أنه "على الرغم من انضمام الإمارات إلى القرار السعودي بإنهاء الحصار على قطر في يناير 2021 إلا أن المسؤولين الإماراتيين بقوا متحفظين تجاه قطر حتى الآن".

وأضاف: "حتى في الآونة الأخيرة مع حفل افتتاح كأس العالم لكرة القدم كان محمد بن زايد غائبا بشكل ملحوظ على الرغم من حضور الزعيم السعودي الفعلي محمد بن سلمان والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي".

ومع ذلك، يتابع التحليل، يبدو أن زيارة ابن زايد إلى الدوحة تعبر عن "إقراره بأن الوقائع المتغيرة تستلزم تحولات في السياسة"، مشيرا إلى أن "الدبلوماسية الإماراتية متعددة الأوجه يمكن أن تكون مربكة بالنسبة للآخرين من خارج المنطقة".

وأشار إلى أنه سيكون من المثير للاهتمام معرفة ما إذا كانت رحلة محمد بن زايد إلى قطر ستُحفّز أي تحول في سياسة البحرين، لافتا إلى أنه بالنسبة لواشنطن، ستدعم زيارة ابن زايد مساعيها الدبلوماسية المتواصلة لتحسين العلاقات مع الشركاء العرب الخليجيين وفيما بينهم.

وكانت إحدى أولوياتها تحسين شبكة الرادارات والدفاعات الجوية التي توفر الحماية لهذه الدول من إيران، جاراتها العدائية عبر الخليج، يضيف المعهد الأميركي.

وتوقع أن "تُسهل الجولة الأخيرة من الدبلوماسية (لابن زايد) هذه المهمة. ولكن بشكل عام، تبدو الأحداث الأخيرة وكأنها تشكل تقدما أكثر من كونها إنجازا مهما".

يشار إلى أن الإمارات وقطر كانتا قد عقدتا أول اجتماع رسمي بينهما في فبراير/شباط 2021 في الكويت، لمتابعة تنفيذ بيان قمة العلا، لكن العلاقة بين البلدين لم تأخذ طريقها إلى التطبيق كما حصل بين الرياض والدوحة، فيما بقيت العلاقة جامدة مع البحرين.