"اعزمهم بمجلسك".. عادات القطريين تنافس ملاعب المونديال في جذب المشجعين

12

طباعة

مشاركة

تأصيلا للثقافة والكرم العربي، استغل مواطنون قطريون مونديال كأس العالم 2022، في تقديم مبادرات مجتمعية تستهدف المشجعين الأجانب للمنتخبات المشاركة بالعرس الكروي.

ولم تكن تلك المبادرات ذات قالب محدد، بل كانت متنوعة ومواكبة للحدث العالمي، وركزت على عكس الثقافة المحلية والعربية أمام الزوار القادمين للاستمتاع بالأجواء الرياضية الاستثنائية.

كرم الضيافة

وأظهر المونديال إلى جانب التنظيم المبهر لفعاليات البطولة من قبل دولة قطر، قدرة شعبها كذلك على التعبير عن كرم الضيافة للجماهير، وخلق صورة نمطية إيجابية جديدة عن طبيعة الشعب العربي المضياف.

ومنذ انطلاق البطولة الكروية في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، بدأ تفاعل المشجعين من جميع جنسيات العالم مع العادات والتقاليد العربية.

أمر أسهم في توظيف القطريين لهذا الحدث، للتعبير عن كرم الضيافة العربية، في المونديال الذي يقام للمرة الأولى في دولة عربية إسلامية.

وبصورة غير مسبوقة ولافتة، خرجت مشجعات المنتخب الأرجنتيني بمنطقة مشيرب قلب العاصمة الدوحة، في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2022، وهن يرتدين العباءة العربية التقليدية ذات اللون الأسود الدارج في منطقة الخليج العربي.

وقامت السيدات الأرجنتينيات بإطلاق هتافات التشجيع لمنتخب بلادهن عشية مباراته ضد هولندا في ربع نهائي كأس العالم.

وتبين أن المظهر الشعبي، الذي خرجن به نساء الأرجنتين، جاء في إطار مبادرة من سيدات قطريات لتعريف جماهير العالم بالثقافة المحلية والخليجية.

وقالت إحدى المشاركات: "أنا من الأرجنتين، وأرتدي العباءة بعد أن دعتني عائلة قطرية جميلة جدا إلى منزلها، ومنحتني العباءة هذه بصفتها هدية محلية، نحن ممتنات جدا لهذا، لذلك نحن الآن نأخذها لتقاليدنا".

الدعوة للمنزل

شكّل المشهد الأكثر حفاوة  تجاه المشجعين الأجانب، حينما بادرت عائلة قطرية بنصب خيمة كبيرة قرب أحد ملاعب البطولة، لاستضافة مشجعي الفرق المشاركة لمشاهدة المباريات، وتقديم لهم الحلوى والقهوة والماء والتمر.

وتجمع أفراد العائلة القطرية أمام الخيمة لاستقبال المشجعين الذين توافدوا على الخيمة.

 وقال شاب قطري، إن "المبادرة فكرة الوالد لإظهار العادات العربية في إكرام الضيف والتعريف بالثقافة العربية والقطرية، لأن هذه كأس العرب".

ولفت إلى أن "الفكرة تقوم على التعريف بالأكل العربي القطري، والشاي والقهوة والكرك (مشروب شعبي ساخن) وفي الوقت نفسه نعلمهم أسس العادات والتقاليد".

بدوره، قال أحد المشجعين من داخل الخيمة، إنه جاء لمشاهدة كرة القدم، لكنه وجد ثقافة على عكس تلك الصورة النمطية التي يروج لها.

وأمام الحضور الواسع للجماهير الأجنبية التي تقاطرت إلى قطر، وإبداء قسم كبير منهم للتفاعل والاندماج مع التقاليد العربية، أطلق القطريون مبادرة تحت هاشتاغ "اعزمهم في مجلسك"، للمساهمة بترويج العادات والتقاليد القطرية خلال كاس العالم.

ومونديال 2022، شكل فرصة استثنائية لقياس مدى انفتاح وتقبل الشعوب الأجنبية للعادات والتقاليد العربية، بعيدا عن أي "أيديولوجيا سلبية" مرسومة مسبقا عن العرب لدى المجتمعات الغربية.

وأصبح الثوب العربي التقليدي الذي يميز دول الخليج المعروف محليا بـ"الجلابية"، يرتديه أغلب المشجعين الأجانب الذين قدموا لحضور كأس العالم، إلى جانب غطاء الرأس العربي التقليدي "الغترة" و"العقال".

وبالفعل، جهز الكثيرون ما يسمى محليا بالمجلس (غرفة الضيوف) في المنزل القطري بمبادرة فردية، إيمانا منهم بضرورة المساهمة في هذه المبادرة عبر استضافة المشجعين من كل الجنسيات يوميا فيها.

وكانت أول المبادرين من المواطنين القطريين، "أم شلهوب" والتي قامت باستضافة 10 مشجعين من كندا بمنزلها، وقامت بتجهيزه كاملا لإبراز اسم قطر، وتبيان عاداتهم وتقاليدهم عبر تقديم الوجبات الشعبية للضيوف، كما قامت برسم الحناء القطرية على أيادي النساء الكنديات.

تعريف بالتراث 

بعض القطريين أمثال خالد العجمي، قام بالاستجابة للمبادرة المذكورة ودعا المشجعين إلى مجلسه غير التقليدي بمنطقة "الثمامة"، الذي يضم مجموعة كبيرة من التحف والأدوات التراثية والتي تصل إلى 1500 قطعة أثرية. 

حتى أن بعض القطريين قاموا بنشر مجسمات في منازلهم تجسد ألعاب الأطفال القديمة وأدوات المنازل واللباس التقليدي وأواني حفظ المياه والوسائد والصناديق القديمة المخصصة لحفظ الألبسة، وصورة عملاقة لشكل البيوت القطرية القديمة.

ولم يقتصر الأمر على دعوة القطريين الضيوف الأجانب إلى منازلهم، بل تعدى ذلك إلى اصطحابهم في نزهات ترفيهية وخوض تجربة ركوب الخيل.

وانتشرت مئات مقاطع الفيديو من داخل مجالس القطريين، وهي تحتضن المشجعين الأجانب، والتي تظهر تناولهم الأكلة الشعبية المشهورة "الكبسة- المندي".

وبدا هؤلاء المشجعون بحالة انسجام تام للتعرف على الثقافة الجديدة، والغوص في تفاصيلها كون أن الكثير منهم للمرة الأولى يزور المنطقة العربية، والذي قادهم إلى حضور النسخة الـ22 من بطولة كأس العالم على أرض عربية.

كما قام مواطن قطري، باستغلال قدوم زوجين من المكسيك اختارا زيارة قطر لقضاء شهر العسل خلال فترة المونديال.

واستضافهما وألبسهما الزي الخليجي الرسمي، بينما قامت الزوجة بارتداء الحجاب، وأطلعهما على الموروث الشعبي في دولة قطر.

وشكّل المونديال فرص للمشجعين للتعرف على المجالس العربية المفتوحة والضيافة فيها والتي تشكل تراثا وعادة عربية تنتشر خاصة في دول الخليج العربي.

وهذه المجالس جرى تجهيزها بشاشات عرض من قبل أصحابها القطريين، جعلت من المشجعين الأجانب يتهافتون عليها من كل الجنسيات ويتلاقون في بيت واحد كأنهم أسرة متعددة الأعراق والأجناس تجمعهم غرفة مساحتها أمتار.

كما كانت مبادرة توزيع التمور بمحيط الملاعب، إحدى المبادرات التي ركز عليها المواطنون القطريون في هذه البطولة.

سفراء الأخلاق

ومنذ أن بدأت وفود المشجعين الأجانب تحط رحالها في الدوحة، حرص القطريون على نشر أطفالهم في الشوارع ومحطات المترو والمطار لتوزيع الورود على القادمين، كعربون محبة لبقية الشعوب.

وأثار كرم القطريين جميع المشجعين الأجانب، حتى أن ذلك دفع برجل من سلطنة عمان لسؤال قطريين: "أنتم طيبون هكذا.. أم فقط لأجل كأس العالم.. وهل تلقيتم أوامر من الدولة لفعل ذلك؟"، ليرد عليه قطري قائلا: "نحن على طبيعتنا ولم تأتينا أي أوامر من أحد".

ورد عليه العماني بالقول: "أشكركم، هذا دين سنرده لكم عندما تأتون إلى السلطنة"، ومضى مؤكدا: "اكتشفت أن طيبة القطريين إضافية هكذا وليس من أجل كأس العالم".

وكشف المتحدث ذاته أن بعض المحلات التجارية القطرية ترفض أخذ المال من بعض المشجعين.  

وبما أن الدول تميل إلى إظهار تراثها وعاداتها وتقاليدها وملابسها، فقد ركزت قطر كثيرا على إبراز الثقافة العربية وتعويمها في هذا العرس العالمي، وإظهار التراث العربي الأصيل في أنشطة كأس العالم كافة.

وفي هذا الإطار، قال القطري، نبيل عبد الله الشيبة، صاحب مبادرة تقدم المشروبات والفواكه والحلويات للجماهير الخارجة من ملعب الثمامة القريب من منزله، إن "هذه الأفعال الصغيرة سيكون لها صدى لاحقا".

وأضاف الشيبة خلال تصريح صحفي في 3 ديسمبر 2022: "عندما يعود هذا المشجع إلى بلده سيكون سفيرا لنا ولأخلاقنا في بلاده، وسيحكي لأصدقائه وأقاربه كيف كان يعامل في منطقة الشرق الأوسط".

واستطرد: "نحن كمسلمين أولا وكعرب ثانيا، فإنه من عاداتنا ذلك، وهو درس لأطفالنا كي يتوارثوه مستقبلا".

وللمفارقة، فقد لمس الكرم القطري، المتابعون للمباريات من وراء الشاشات ويشاهدون تفاصيل العرس الكروي وأجواءه المميزة عبر القنوات الفضائية، ووصفوهم بـ"سفراء الأخلاق".

وتجلى ذلك في التغريدات والمنشورات على منصات التواصل الاجتماعي، التي أشادت بكرم القطريين مع ضيوفهم من كل الأعراق.

وكتب المغرد طارق بن تومي: "قطر لن يستطيع منافستها أحد، طيبة كرم ترفع، شعب كريم ودولة عازمة، أن تجعل هذا المونديال أسطوري إنه سحر الشرق، الشرق الذي أنتج ألف ليلة وليلة من السحر، لكنه في قطر واقع معاش".

أما مؤيد صبوح فغرد قائلا: "يا أخي والله شعب راق وأخلاق عظيمة وعادات جميلة، قمة النجاح عندما تتضافر جهود الدولة والمنظمين والشعب لإنجاح مونديال قطر 2022، تحية لكم شعب قطر".