فاحت رائحة خلافاته الداخلية.. هل ينهار الإطار التنسيقي الشيعي بالعراق؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

لم يمض سوى نحو شهر على تشكيل الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني، حتى بدأت الخلافات تعصف بقوى الإطار التنسيقي (130 من أصل 329 مقعدا بالبرلمان)، ما أثار تساؤلات عدة عن تأثير ذلك على مستقبل أكبر تحالف شيعي في البرلمان، انبثقت منه الحكومة الحالية.

وتشكّل الإطار التنسيقي في 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، لتنسيق مواقف القوى الشيعية الرافضة لنتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة في العاشر من الشهر نفسه، التي حل بها التيار الصدري أولا وأراد تشكيل حكومة أغلبية، لكن بعد شهور انسحب من البرلمان، لتتضاعف مقاعد الإطار ويتمسك بالبرلمان.

ويضم "الإطار التنسيقي" كلا من: ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، وتحالف الفتح بقيادة هادي العامري، وتحالف قوى الدولة بقيادة عمار الحكيم، وحركة عطاء برئاسة فالح الفياض، وحركة حقوق بقيادة حسين مؤنس، وحزب الفضيلة برئاسة عبدالحسين الموسوي.

ورغم تباينات محدودة بينهم، إلا أنهم جميعا يجتمعون على موالاة إيران ويمتلكون مليشيات مسلحة تنافس سلطة الدولة، كما ينخرطون في قضايا فساد واسعة.

إقصاء المليشيات

وانتقلت الخلافات إلى العلن داخل الإطار التنسيقي، لا سيما بين ائتلاف دولة القانون وعصائب أهل الحق (أحد كيانات تحالف الفتح) بعد مطالبة المليشيات الشيعية في "الإطار" برئاسة جهازي المخابرات والأمن الوطني، ورفض رئيس الوزراء ذلك، وإعلان توليه إدارتها بشكل مباشر.

وتبين فيما بعد أن خطوة السوداني هذه كانت بمشورة من زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، الذي أكد خلال مقابلة تلفزيونية في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، أنه نصح السوداني بعدم منح رئاسة الأجهزة الأمنية إلى الأحزاب، لا سيما التي تمتلك أجنحة مسلحة.

وبعد تشكيل الحكومة في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، دار صراع شرس بين كتلة "صادقون" التابعة لـ"عصائب أهل الحق"، وحركة "حقوق" التابعة لـ"كتائب حزب الله" على جهازي المخابرات والأمن الوطني، مبدين استعدادهما للتخلي عن حصتهما من الوزارات مقابل تسلم الجهازين الأمنيين.

ولفتت الوكالة إلى أن الصراع لم يقف عند هذا الحد، بل تعداه إلى "رئاسة هيئة الحشد الشعبي، إذ تسعى قوى داخل الإطار التنسيقي للإطاحة برئيسها الحالي فالح الفياض، وتسمية رئيس أركان الحشد عبد العزيز المحمداوي بديلا عنه، لكن الأمر لم ينل بعد أغلبية رأي الإطار".

ورغم امتلاك "حقوق" 6 مقاعد في البرلمان، لكنها لم تستسلم إلى "صادقون" التي لديها 10 مقاعد برلمانية، وخلق الصراع بين الطرفين على الجهازين الأمنيين خلافا بين القوتين الشيعيتين، حسبما أفادت وكالة "شفق نيوز" العراقية في 21 أكتوبر 2022.

ويرأس كتلة "حقوق" البرلمانية القيادي في "الكتائب" حسين مؤنس، الذي توجه إليه أصابع الاتهام باغتيال الخبير الأمني هشام الهاشمي عام 2021، بعد أن كشف الأخير أن مؤنس هو نفسه صاحب حساب المسؤول الأمني لـ"الكتائب" على "تويتر" المعروف باسم "أبو علي العسكري".

وفي 26 فبراير/ شباط 2020 صنفت الولايات المتحدة أحمد محسن فرج الحميداوي الأمين العام، قائد العمليات الخاصة لكتائب حزب الله العراقية ضمن "لائحة الإرهاب العالمي".

إذ اتهمت "الكتائب" بخطف وقتل وتهجير آلاف العراقيين السنة في العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة 2014 إلى 2017. وكذلك الحال، فإن مليشيا "عصائب أهل الحق" بقيادة قيس الخزعلي، صنفتها الولايات المتحدة عام 2020 على قوائم "الإرهاب".

ويأتي تصنيف "العصائب" على لوائح الإرهاب الأميركية لارتكابها جرائم اغتيال وقتل ضد ناشطين ومحتجين عراقيين عام 2019، وقتل واختطاف على أساس الهوية في المناطق ذات الغالبية السنية إبان الحرب ضد تنظيم الدولة.

مناصب المحافظين

لكن الصراع بين "دولة القانون" و"عصائب أهل الحق" ظهر بشكل علني على وسائل الإعلام، بعد هجوم شنه النائب في البرلمان عن "العصائب" أحمد الموسوي على نوري المالكي، خلال مقابلة تلفزيونية في 3 ديسمبر 2022.

وقال الموسوي خلال المقابلة إنه "ليس من حق المالكي إعطاء حصانة لأي محافظ، وإنه من المعيب أن يدعو زعيم حزب المحافظين للجلوس معهم"، متسائلا: "ما دخلك أنت؟ ماذا يعني جلوسك معهم؟ هل أنت عملك تنفيذي أم أنت مسؤول عليهم؟".

وتابع: "إلا إذا هم طلبوا منك (المالكي) الجلوس معك، والبعض منهم (المحافظين) بالفعل هو من طلب الجلوس مع المالكي، وأنا باعتقادي هذا أمر معيب بحق المحافظ والشخص الذي التقى بهم".

وفي 24 نوفمبر، أعلن مكتب المالكي أن الأخير استقبل سبعة من المحافظين العراقيين، وهم محافظو: "بغداد والبصرة وكربلاء والمثنى والقادسية وبابل وديالى".

وجرى خلال اللقاء مناقشة القضايا المتعلقة بسبل الارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة لأبناء المحافظات، وأهم التحديات التي تعترض عمل الحكومات المحلية والدوائر المرتبطة بها، كذلك أهمية تحديد الأولويات للمشاريع المختلفة.

وأكد المالكي أهمية دعم الحكومات المحلية (المحافظين) من الحكومة الاتحادية وتقديم الدعم المطلوب لتلبية طلبات أبناء المحافظات، كذلك على القوى السياسية توفير بيئة ساندة لهذا التوجه من خلال الدعم السياسي داخل البرلمان ودعم التشريعات التي لها مساس بمطالب المواطن.

في 22 نوفمبر، قال المالكي في مقابلة متلفزة إن السوداني ينوي تغيير المحافظين، لا سيما بالمحافظات التي "تعثرت قضاياها" على حد قوله، في الناصرية وبابل وواسط.

وأضاف المالكي أن السوداني لديه نية أيضا بأن يتحصل على قرار من مجلس النواب بتغيير كل المحافظين وإعادة توزيعهم وفق الاستحقاقات الانتخابية، وأنه أعطى لنفسه مهلة من شهرين إلى 3 أشهر لهذا التغيير، بحسب قوله.  

"تفكك قريب"

وفي هذا السياق، أكد مصدر سياسي عراقي لـ"الاستقلال" أنه "يمكن أن تتسبب الخلافات على المناصب داخل قوى الإطار التنسيقي بانهيار أكبر تكتل شيعي بالبرلمان، وذلك في حال خرج السوداني عن عباءة المالكي كما فعل من قبله حيدر العبادي (رئيس الوزراء السابق)".

وأوضح المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته أن "السوداني بإمكانه تقريب طرف في الإطار التنسيقي على حساب طرف آخر وذلك من خلال منحه المناصب والعقود التي تجلب لهم الأموال، وتهميش الآخرين، لكن هذا الأمر ليس سهلا على رئيس الوزراء الحالي".

وأضاف أن "الحديث يتصاعد عن خلاف دولة القانون والعصائب، وأن واحدا من أسباب الاختلاف كما يبدو حقيقي وسببه التخطيط لانتخابات مجالس المحافظات، وأين يكون موقع رئيس الوزراء. ربما يأخذ الأخير طريقا مبكرا خاصاً له في هذا الصدد".

وعلى نحو مماثل، غرّد الإعلامي العراقي القريب من الإطار التنسيقي، ريناس علي في 7 ديسمبر قائلا: "التنافس غير المعلن بين بعض أطراف الإطار الشيعي للاستحواذ على المناصب والمواقع والأسبقية والزعامة، سيؤدي في النهاية إلى الفشل المؤكد .. الظاهر لم يكن الدرس مفيدا".

في إشارة إلى تخلف قوى الإطار في الانتخابات الأخيرة وراء التيار الصدري الشيعي، الذي انسحب لاحقا من البرلمان إثر منع مساعيه لتشكيل حكومة أغلبية، ومن ثم توزعت مقاعده على بقية الكتل ليصبح الإطار القوة البرلمانية الأكبر.

وفي الاتجاه نفسه، كتب الباحث في الشأن السياسي العراقي القريب من الإطار التنسيقي، حيدر الفتلاوي على "تويتر" في 4 ديسمبر، قائلا: "تفكك الإطار بات قريبا.. خلافات تعصف بين قياداته".

فيما أفاد موقع قناة "البغدادية" في 4 ديسمبر، بأن "هذه الخلافات داخل الإطار التنسيقي عادت عقب هدنة قصيرة، وذلك بسبب محاولات تفرد دولة القانون بالقرارات".

وأوضحت القناة نقلا عن قيادي في الإطار التنسيقي (لم تكشف اسمه) أن "تلك الجهة (دولة القانون) تحاول إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل عام 2014 من خلال السيطرة على الوظائف المهمة، لكن المشكلة في تقاسم الحصص".

وأوضح القيادي الإطاري أن "دولة القانون وراء ما عُدَّ تطهيرا سياسيا يجري تنفيذه في عدد من مفاصل الدولة، وأنه ورغم ذلك يتلقى السوداني اللوم على عدم التحرك تجاه المناصب التابعة للتيار الصدري، والتي لم يجر اجتثاثها بعد".

ولفت إلى أن "هناك قضايا مثل المناصب الأمنية، قيمة الدينار العراقي، تغيير المحافظين، تثير الخلافات داخل الإطار التنسيقي، وكذلك اتهامات متبادلة بالترويج الانتخابي المبكر"، موضحا أن "الخلافات تكررت اليوم بشكل كبير حيث يتعرض السوداني إلى ضغوطات من دولة القانون لإحداث مزيد من التغيير في المناصب".

وفي ظل الحديث عن الخلافات داخل الإطار التنسيقي، لم تصدر أي تصريحات من غريمه السياسي التيار الصدري الذي يمتنع عن التصريح في الشأن السياسي منذ إنهاء زعيمه مقتدى الصدر اعتصامات أنصاره أمام البرلمان في 30 أغسطس/ آب 2022.

لكن "إئتلاف دولة القانون" رد على لسان هشام الركابي مدير المكتب الإعلامي للمالكي خلال تغريدة على "تويتر" في 9 ديسمبر، زعم فيها أن "الإطار التنسيقي موحد ومتماسك وملتزم في دعم الحكومة"، دون التعليق على الخلافات التي طفت على الساحة، ولا سيما تصريحات النائب عن "العصائب".

وأضاف الركابي أن الإطار "يؤكد التزامه في دعم الحكومة، وأن الحكومة مسؤولة أمام الإطار كما هي مسؤولة أمام ائتلاف إدارة الدولة، لذلك نرجو توخي الدقة في نقل المعلومات من مصادرها الرسمية وندين من يسوق الأخبار الكاذبة التي تهدف لتضليل الرأي العام، لكنها لن تفلح".

وتجدر الإشارة إلى أن الفضل يرجع إلى المالكي في إبراز السوداني بالمشهد السياسي قبل عقد من الزمان، كونه كان أحد أعضاء ائتلافه (دولة القانون)، وتوليه أكثر من وزارة في عهده عندما كان رئيسا للوزراء من 2006 إلى 2014، الأمر الذي جعله يصرّ على توليه رئاسة الحكومة خلفا لمصطفى الكاظمي.