لإنهاء "الأزمة الصامتة" بين البلدين.. ما احتمالات زيارة الرئيس الفرنسي للمغرب؟
ضغط إعلامي دبلوماسي مستمر وتسريب يعقبه آخر، أملا في الدفع بإجراء زيارة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب؛ لإنهاء ما أطلق عليه بـ"الأزمة الصامتة".
الأزمة مستمرة منذ أشهر بسبب ملفات متشعبة، أبرزها إقليم الصحراء الغربية والتأشيرات، فيما ينتظر مراقبون نهايتها لفتح "صفحة جديدة" تنهي معاناة المواطنين والمستثمرين والمتضررين من هذه القطيعة.
ومن المحتمل انتهاء هذه القطيعة بحسب ما ترى وسائل إعلام مغربية فرنسية مع زيارة ماكرون المرتقبة للمملكة خلال يناير/كانون الثاني 2023.
الخطوط العريضة
وقالت صحيفة "أفريكا إنتلجنس" الفرنسية، في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 إن زيارة ماكرون للمملكة ستبدأ في يناير 2023 وتمتد ليومين.
وأوضحت أن "ماكرون تسبقه وزيرة الخارجية كاثرين كولونا، حيث من المقرر أن تلتقي مسؤولين من الخارجية المغربية في ديسمبر/كانون الأول 2022، بالعاصمة الرباط، للإعداد للزيارة والاتفاق على الخطوط العريضة".
الصحيفة ذاتها، كشفت مطلع نوفمبر 2022 أن "ماكرون أجرى اتصالا مع الملك محمد السادس، وعبر خلاله عن رغبته في زيارة الرباط، وهو ما تفاعل معه الأخير بشكل إيجابي".
فيما لم يصدر أي تأكيد رسمي من الجانب المغربي أو الفرنسي بشأن ما ذكرته "أفريكا إنتلجنس".
من جانبها، تحدثت مجلة "جون أفريك" الفرنسية، في 18 نوفمبر 2022، عن بعض ما عدتها شروطا مسبقة وضعتها الرباط أمام الإليزيه، لفتح المجال أمام زيارة ماكرون للمغرب.
وقالت المجلة إن "الشرط الأساسي والواضح، هو تعيين سفير جديد لباريس لدى الرباط، إلى جانب توضيح الموقف الفرنسي من قضية الصحراء".
ووصلت "الأزمة" أشدها عقب تعيين العاهل المغربي لسفير الرباط لدى باريس محمد بنشعبون، في مهام أخرى إلى جانب عمله الأساسي.
إذ عينه الملك على رأس مؤسسة محمد السادس للاستثمار (رسمية)، في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2022، ليعيش البلدان "فراغا دبلوماسيا" غير مسبوق.
وجاء تعيين بنشعبون في هذا المنصب قبل أن يتم سنة في منصبه كسفير للمغرب، عندما عين في ديسمبر/كانون الأول 2021.
القرار المغربي جاء بعد تكليف سفيرة فرنسا، هيلين لوغال، من قبل الإليزيه، مطلع سبتمبر/أيلول 2022 كمسؤولة عن "الدائرة الأوروبية للشؤون الخارجية" في الاتحاد الأوروبي.
وفي ذلك الشهر، سحبت باريس سفيرتها في الرباط، وعينتها في المنصب الدبلوماسي المذكور ببلجيكا. وبذلك، استمر منصب السفير الفرنسي في المغرب شاغرا، في الوقت الذي دأبت فيه باريس على تعيين سفير جديد.
وذهبت أغلب التحليلات إلى وصف طريقة تعيين السفيرة في منصب أوروبي بأنها شكل من أشكال "سحب السفير" من المغرب ولكن بطريقة غير علنية، أي بمثابة استدعاء للتشاور، وهو شكل من أشكال الاحتجاج الدبلوماسي.
وجاء الرد عبر تعيين سفير المغربي في منصب جديد، بمعنى أن الرباط قد سحبت السفير، ليصبح محمد بنشعبون السفير المغربي الذي قضى أقل مدة زمنية في سفارة المملكة في باريس منذ عقود في سابقة دبلوماسية.
ونقلت "جون أفريك" عن مصادر مقربة من الرئيس الفرنسي، أن ماكرون يبحث بنشاط كبير عن مرشحين من كبار المسؤولين، على غرار وزراء سابقين أو مستشارين سابقين في القصر الرئاسي، لخلافة السفيرة لوغال.
من جانبه، أكد موقع "هسبريس" المغربي أن "الجمهورية الفرنسية تراهن على تعيين وشيك لسفير جديد يمثل مصالح بلادها بالمملكة وعينُها على إنعاش العلاقات الاقتصادية الثنائية وتطويرها نحو آفاق أرحب، مع حل نقاط الخلاف، لا سيما في مسألتي التأشيرات والقاصرين".
ويبلغ عدد القاصرين المغاربة غير المرفقين في أوروبا، وخصوصا في إسبانيا وفرنسا، نحو 20 ألفا، بحسب جمعيات مغربية غير حكومية، وهم موجودون بشكل غير نظامي في أوروبا ما سبب أزمة مشتركة.
وأوضحت في 30 نوفمبر أن "الأمر يتعلق برجل الأعمال الفرنسي كريستوف لوكورتييه، الذي يشغل مهمة الرئيس التنفيذي الحالي لشركة بيزنيس فرانس، كما أنه مسؤول عن التنمية الدولية للشركات الفرنسية في عدد من الفروع، ويضبط الاستثمارات الدولية في فرنسا وله خبرة في الترويج الاقتصادي والتسويق".
وأوضح المحلل السياسي المغربي نبيل الأندلوسي، أن "الإليزيه وفي إطار التوجه إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الرباط، يستحضر أساسا المصالح الاقتصادية والمكاسب الممكنة للشركات الفرنسية المستثمرة أو التي ستستثمر بالمغرب، لذا اختار بروفايلا يناسب هذا التوجه للقيام بهذه المهمة".
وذكر لموقع "العرب" اللندني في الأول من ديسمبر أن "الأزمة الحالية بين البلدين أثرت سلبا على عدد من الشركات الفرنسية بالمغرب، حيث أعلن عدد منها المغادرة وسحب استثماراته من المملكة، بعد إيقاف التسهيلات والتعامل التفضيلي الذي كان يحظى به".
ويرى الأندلوسي أن "توتر العلاقات الدبلوماسية بين الرباط وباريس لا يخدم مصالح الدولتين، وتجاوز هذا التوتر يعزز المصالح الإستراتيجية لكل منهما، إلا أن الأمر يحتاج إلى وضوح المواقف وتجاوز الخلافات الأخيرة التي عكرت صفو هذه العلاقات ذات الامتداد التاريخي".
شروط خاصة
من جانبه، قال المحلل السياسي المغربي، إسماعيل حمودي، إن "الأزمة الصامتة الفرنسية المغربية هي معلنة ومعروفة، بدأت في اللحظة التي أعلن فيها الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء".
وعد حمودي في حديث لـ"الاستقلال" أن "الموقف الأميركي وضع الفرنسيين في مأزق، وأظهر أنهم غير مستعدين لاتخاذ الخطوة نفسها، وإن كانوا يعترفون بجدية ومصداقية مبادرة الحكم الذاتي المغربية، لكن مقابل مصالح كبرى لهم في المغرب".
وفي 10 ديسمبر/ كانون الأول 2020، أعلن ترامب اعتراف بلاده بسيادة المغرب على إقليم الصحراء، وفتح قنصلية أميركية في مدينة الداخلة بالإقليم.
وتقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا بإقليم الصحراء تحت سيادتها، بينما تدعو جبهة "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.
المحلل السياسي حمودي، قال إن "المغرب يبدو أنه طلب بشكل ما من فرنسا أن تتخذ نفس الموقف الأميركي، لكن باريس فضلت الاستمرار على موقفها القديم، حفاظا على مصالحها مع الجزائر كذلك، أي اللعب على الحبلين من خلال مواقف رمادية، وهو ما يرفضه المغرب، وصرح به الملك في خطاب رسمي".
وفي 20 أغسطس/آب 2022، دعا الملك محمد السادس، في خطاب رسمي، بعض الدول من شركاء المغرب "التقليديين والجدد" التي تتبنى مواقف غير واضحة، بخصوص "مغربية الصحراء"، أن توضح مواقفها وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل.
وبشأن تداعيات ملف إقليم الصحراء، قال حمودي إن "فرنسا حاولت اختلاق خلافات مع المغرب في قضيتي التأشيرة وترحيل القاصرين، لكن المغرب صرح رسميا بأن الخلاف مفتعل، وغير حقيقي، ليؤكد بذلك جوهر الخلاف بين البلدين، أي حول الصحراء".
ومنذ سبتمبر 2021، ظهر التوتر علنيا بين الرباط وباريس إثر قرار الأخيرة تشديد منح التأشيرات للمواطنين المغاربة، وتعزز بعدم تبادل البلدين الزيارات الدبلوماسية منذ تلك الفترة، وذلك بزعم عدم تعاون المملكة في إعادة مهاجرين غير نظاميين وهو ما نفته الرباط
وأمام التشديد الفرنسي في منح التأشيرات، استنكر المغرب في 28 سبتمبر 2021 القرار الفرنسي حين وصفه وزير الخارجية ناصر بوريطة، خلال مؤتمر صحفي في الرباط بـ"غير المبرر".
وفي ذلك اليوم، أعلنت الحكومة الفرنسية تشديد شروط منح التأشيرات لمواطني المغرب والجزائر وتونس بدعوى "رفض الدول الثلاث إصدار التصاريح القنصلية اللازمة لاستعادة مهاجرين من مواطنيها".
وجاء الرد سريعا من وزير الخارجية المغربي، بوريطة، وفي اليوم ذاته، خلال مؤتمر صحفي بالعاصمة الرباط، ومعبرا عن استنكاره للقرار الفرنسي ووصفه بـ"غير المبرر لمجموعة من الأسباب".
وأوضح بوريطة، أن السبب الأول هو أن المغرب "كان دائما يتعامل مع مسألة الهجرة وتنقل الأشخاص بمنطق المسؤولية والتوازن اللازم بين تسهيل تنقل الأشخاص، سواء طلبة أو رجال أعمال، وما بين محاربة الهجرة السرية، والتعامل الصارم حيال الأشخاص الذين هم في وضع غير قانوني".
وتابع أن السبب الثاني يتعلق بكون بلاده "من منطلق هذه المسؤولية أعطت تعليمات واضحة لاستقبال عدد من المواطنين الذين كانوا في وضع غير قانوني (بفرنسا)؛ إذ بلغ عدد وثائق جواز المرور (تسمح للمواطنين بالعودة لبلادهم) التي منحتها القنصليات المغربية خلال 8 أشهر من السنة الحالية (2021) 400 وثيقة".
ورأى بوريطة أن "اعتماد هذا المعيار تشديد شروط منح التأشيرات لمواطني المغرب غير مناسب، لأن البلاد تعاملت بشكل عملي وصارم مع المهاجرين غير القانونيين".
بعد ذلك بأسابيع، خففت باريس شروط التأشيرات لمواطني الجزائر وتونس، وأبقته على المغرب.
ووسط حديث عن بوادر انفراج في الأزمة بين الرباط وباريس، قال حمودي: "أستبعد أي زيارة للرئيس ماكرون إلى المغرب، ما لم يحمل في جعبته شيئا جديدا للمغرب بخصوص قضية الصحراء".
وأرجع ذلك إلى أن "فرنسا تريد الاستمرار في السياسة السابقة نفسها، أي اللعب على الصراع بين المغرب والجزائر".
واستطرد: "لكن يبدو أن المغرب مصمم على انتزاع مواقف صريحة، وهو التصميم الذي نجح مع عدة دول أوروبية، أهمها وأبرزها إسبانيا كقوة استعمارية سابقة، ويرفض (المغرب) أي خطوة جديدة مع فرنسا دون تغيير جوهري في موقفها من الصحراء".
ولفت إلى أن "ماكرون سبق له التعبير عن رغبته زيارة المغرب في أكتوبر 2022، وهو اليوم يعبر من جديد عن رغبته في القيام بزيارة في يناير 2023".
واستدرك: "يبدو أن هناك نخبة فرنسية لا تفهم قواعد السياسة المغربية بشكل جيد، ومازالت تفكر بمنطق استعماري قديم، مرفوض من لدن المغرب".
وشدد حمودي على أنه "ما لم تغير إدارة ماكرون موقفها من الصحراء، وتعترف بالسيادة المغربية، فستظل العلاقات باردة بين البلدين".