رغم تحالفها مع إيران.. لهذا تثير حكومة العراق الجديدة استحسان واشنطن

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

حققت سفيرة واشنطن في بغداد ألينا رومانوسكي، رقما قياسيا غير مسبوق باللقاءات مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، خلال الشهر الأول من عمر حكومته التي شكلتها قوى "الإطار التنسيقي" الشيعي القريبة من إيران في أكتوبر/تشرين الأول 2022.

وفي حصيلة للقاءات رومانوسكي مع السوداني خلال شهر كامل من عمر حكومته، فإن السفيرة الأميركية أجرت 7 زيارات إلى مكتبه، لإجراءات محادثات تصدر فيها الوضع السياسي والاقتصادي في إطار تأكيد التعاون بين البلدين وتنفيذ الاتفاقيات المبرمة بينهما.

ومع نيل حكومة السوداني ثقة البرلمان في 27 أكتوبر، هنأته رومانوسكي عبر "تويتر"، وأكدت أنها تتطلع للعمل قدما مع حكومته لتعزيز الأهداف المشتركة خلال هذه المرحلة المحورية للعراق وشعبه، وأن الشراكة متجذرة في الرغبة المتبادلة لرؤية عراق ديمقراطي يتمتع بالسيادة والأمان والاستقرار.

وعلى ضوء ذلك، أثيرت تساؤلات عن مدى قرب حكومة حلفاء إيران من الولايات المتحدة بعد كل الانتقادات التي كانوا يوجهونها لرئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، واتهامه بأنه يعمل مع واشنطن وأنه منخرط ضمن محورها في المنطقة بالتقارب مع الأردن ومصر والسعودية والإمارات.

إملاءات أميركية

أحدث اللقاءات بين السوداني ورومانوسكي، هو الذي أجرته الأخيرة في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، برفقة أربعة من أعضاء من الكونغرس الأميركي.

وأكدت أن "زيارة الوفد تُظهر تركيز واشنطن المستمر على تعزيز العلاقات الأميركية العراقية، وحماية المؤسسات الديمقراطية، والتزام التحالف الدولي بالهزيمة الدائمة لتنظيم الدولة".

وفي 20 نوفمبر أعلنت السفيرة أنها التقت السوداني، وناقشت معه التعاون بين بغداد وأربيل فيما يتعلق بجهود مكافحة الفساد والخدمات العامة والقضايا الإنسانية والأمنية، وأن "التعاون الموسع مع الحكومة العراقية على مصالحنا المشتركة سيساعد في تحقيق نتائج ملموسة للشعب العراقي".

وقبل هذين اللقاءين، جرت خمسة لقاءات بين الطرفين بعضها جرى إعلانه والبعض الآخر لم يعلن.

لكن موقع "أكسيوس" الإخباري الأميركي، كشف خلال تقرير له في 17 نوفمبر عن فحوى اللقاءات التي جرت ورسائل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى السوداني، والتي كانت توصلها السفيرة في بغداد ألينا رومانوسكي.

ونقل الموقع عن مصادر (لم يكشف هويتها) تأكيدها، أن إدارة الرئيس جو بايدن، أبلغت السوداني، أنها "لن تعمل مع الوزراء وكبار المسؤولين المنتمين إلى الفصائل التي صنفتها الولايات المتحدة على أنها منظمات إرهابية".

وتابع: "مع ذلك، فإن الولايات المتحدة تخطط إلى حد كبير للعمل مع الحكومة العراقية الجديدة، ومنحها فرصة، فالعراق شريك رئيس لإدارة (الرئيس الأميركي جو) بايدن في المنطقة، مع العديد من المصالح الأمنية والاقتصادية الأميركية التي يجب الحفاظ عليها".

وكشفت المصادر أيضا أن "إدارة بايدن قررت بالفعل أنها لن تعمل مع وزير التعليم العالي، نعيم العبودي، وهو عضو في عصائب أهل الحق (بزعامة قيس الخزعلي)، وهو فصيل مسلح تموله إيران".

وأشارت إلى أن "السفيرة الأميركية في العراق ألينا رومانوسكي اجتمعت مع السوداني خمس مرات منذ أن تولى منصبه قبل أقل من ثلاثة أسابيع".

وأكد الموقع أن "رومانوسكي، أبلغت السوداني بالسياسة الأميركية بشأن التعامل مع وزراء الحكومة والمسؤولين المرتبطين بالفصائل".

وتابع: "الرسالة نفسها نقلها مسؤولون آخرون في إدارة بايدن إلى الحكومة العراقية، وتشير إلى رضا واشنطن عن الانخراط البناء مع السوداني حتى الآن".

وأضافت إدارة بايدن أن "أفعاله ستحكم على استقلال رئيس الوزراء الجديد عن النفوذ الإيراني"، مشيرة إلى أن واشنطن "قلقة من أن السوداني لن تكون لديه سيطرة كافية على الفصائل المسلحة".

وفي 23 نوفمبر، قالت السفيرة الأميركية عبر "تويتر" إنها ووزير التخطيط العراقي محمد تميم أعلنا عن الاتفاقية التنفيذية الأولى للتنمية بين الولايات المتحدة والعراق.

وستستثمر واشنطن في تلك الاتفاقية 550 مليون دولار لمشاريع جديدة في الحوكمة والنمو الاقتصادي وأزمة المناخ، ودعم الفئات الهشة لتحقيق نتائج ملموسة إلى الشعب العراقي.

خطوات السوداني

وفي 29 نوفمبر، نشرت وكالة "ناس العراق" دراسة أعدها رئيس مركز "التفكير السياسي" في العراق إحسان الشمري، أوضح فيها أن الظروف الإقليمية والدولية غيرت قليلا من سياسة حكومة بايدن، وخدمت سعي الإطار (التنسيقي) لتشكيل حكومته، وأجادوا اللعبة عندما قدموا السوداني لتشكيل الحكومة؛ كونه شخصية غير جدلية.

وأضاف الشمري أن الولايات المتحدة سارعت إلى مد جسور التواصل مع السوادني منذ الأيام الأولى لإعلان ترشيحه وحتى تكليفه، ومن ثم تشكيل حكومته، لتكون السفيرة الأميركية في بغداد أول من قدّم التهاني للسوداني عند تكليفه رسميا وبعد نيله الثقة من البرلمان.

وحسب دراسة الباحث، فإن حراك السفيرة الأميركية يعكس توجها واقعيا يعبر عن تعاطي الأميركيين مع القرار الداخلي للقوى السياسية ليعكس صورة جديدة، تختلف عما يجرى تسويقه بفرض الأجندة الأميركية على قرار القوى السياسية، أو دعمهم لشخصيات محددة لتولي الحكومة، أو حتى دعمهم لبقاء حكومة الكاظمي.

ورأى الشمري أن السوداني سيركز في المرحلة القادمة على ثلاثة مستويات في علاقته مع واشنطن، الأول: استمرار الدعم الأمني والعسكري من الولايات المتحدة للعراق، خصوصا وأن "الجماعات المتطرفة" ما تزال تمثل تحديا كبيرا للعراق.

وسيضع السوداني في حساباته أن العقلية الأميركية تعتقد بأن القضاء على الإرهاب يمثل مصلحة أميركية مشتركة مع العراق. 

المستوى الثاني، بحسب الشمري، هو التركيز على المبادرات الأميركية من خلال اتفاقية الإطار التنسيقي (جرت بين بغداد وواشنطن عام 2008) في مجال التنمية الاقتصادية والتعليمية وتطوير القطاع المالي والمصرفي، مع الأخذ بعين الاعتبار إمكانية السوداني تحفيز واشنطن بدعم جهوده في مجال مكافحة الفساد. 

أما المستوى الثالث، فإنه التنسيق مع الولايات المتحدة في مجال الطاقة وإمداداتها للأسواق الغربية، حتى لو كانت المواقف العراقية المتخذة تاليا خارج رغبة أو اتفاق الدول المصدرة للنفط أوبك، حسب دراسة الشمري.

وتابع: "سيتجنب السوداني التماهي مع رغبة واشنطن في الحد من النفوذ الإيراني في العراق، لأنه يدرك أن هناك تأثيرا كبيرا لطهران على داعميه، فضلا عن أن التأكيد الأميركي على نزع سلاح الفصائل المسلحة في العراق سيعده جزءا من سياسة داخلية".

وسيحاول إقناع دوائر صنع القرار في البيت الأبيض بإمكانية خضوع هذه الفصائل لعملية دمج تدريجي مع القوات الأمنية الرسمية، وفق تقديره. 

من جهته، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، عمر العادل إن "قوى الإطار التنسيقي الشيعي هي ذاتها التي جاءت مع الاحتلال الأميركي عام 2003، وادعت فيما بعد أنها هي من أسقطت نظام صدام حسين، وأن المليشيات المنضوية ضمن الإطار هي التي رحبت بالأميركيين ووصفتهم بالمحررين، ثم ادعت أنها المقاومة في العراق".

وأوضح العادل لـ"الاستقلال" أن "هذه التشكيلات السياسية التي كانت صنيعة الاحتلال الأميركي تتلون حسب المصلحة، فهي تتهم التيار الصدري ورئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي بأنهم يتلقون الدعم من الولايات المتحدة، لكن أول من هنأ تشكيل حكومتهم كانت سفيرة واشنطن".

ورأى الباحث أن "حلفاء إيران هدفهم الأساسي مسك السلطة في العراق، سواء بالتعامل مع الولايات المتحدة الأميركية كجهة محتلة أو حليفة، فهم يستفيدون من إمكانياتها المالية والعسكرية ثم يصفونها بالمحتلة، وهذه الازدواجية في الخطاب لم تعد تنطلي على العراقيين".

سياسة مماثلة

ومن الملفت في توجهات رئيس الوزراء الجديد بشأن العلاقات الخارجية، أنه اتخذ سياسة مماثلة لما كان عليه سلفه مصطفى الكاظمي والتي اتهم بسببها بالانخراط ضمن المحور الأميركي بالمنطقة، إذ بدأ السوداني أولى جولاته الخارجية بزيارة الأردن في 21 نوفمبر.

وأبدى السوداني خلال لقائه العاهل الأردني عبد الله الثاني، حرص العراق على إقامة علاقات متينة مع الأردن.

وأكد مكتب رئيس الوزراء العراقي خلال بيان في 21 نوفمبر أن الزيارة شهدت جلسة مباحثات موسعة بحثت مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، وملفات التنسيق الثنائي على مختلف الصعد، فضلا عن تعزيز العمل وفق مذكرات تفاهم.

وعن خطوة السوداني وموقف حلفاء إيران السابق من الأردن، علق المحلل السياسي العراقي، نزار حيدر بالقول: "الإطار (التنسيقي) كان قد تهجم قبل تشكيل حكومته كثيرا على مساعي الكاظمي للحفاظ على العلاقة المتميزة بين بغداد وعمان، فقد عدها مهينة للعراق ولا تساهم في النهوض والتنمية".

وأضاف عبر "تويتر" في 22 نوفمبر: "كما عد تلك الجهود دليلا على خيانة وعمالة الحكومة، لكن حكومته اليوم تلتزم نفس السياسات تجاه الأردن والتي أكدها السوداني في عمان بقوله (حريصون على علاقات متينة)".

وأشار الباحث السياسي إلى أنه "إذا فكر العراق في تغيير سياساته الخارجية مع أي دولة، سيظل يستثني الأردن من هذا التغيير، وهو مؤشر واضح على أن عمان بالنسبة للعراق بمثابة جواز العبور للمجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة وحليفاتها في المنطقة".

وأكد حيدر أن "هذه أول زيارة للسوداني منذ توليه رئاسة مجلس الوزراء، ربما تكون لطمأنة دول مجموعة (الثلاثي) الذي بدأ يتشكل منذ عهد حكومة عادل عبد المهدي، بعد أن أشاع بعض قادة وقوى الإطار التنسيقي أنهم سيغادرون (الثلاثي) وإلى الأبد".

وفي يونيو/ حزيران 2021، وبعهد حكومة مصطفى الكاظمي، احتضنت العاصمة العراقية بغداد، آخر جولة من القمة الثلاثية بين العراق والأردن ومصر، استكمالا لما بدأ به سلفه عادل عبد المهدي من جولة أولى استضافتها القاهرة في أغسطس/آب 2020.

وكان الإطار التنسيقي الشيعي من أشد المعارضين لعقد هذه القمة، ووصفها بأنها خطوات للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، منتقدا دور عمان وعقد اتفاقيات مع بلد "غير صناعي"، كما طالب قادته ونوابه في البرلمان آنذاك، بالتوجه للصين بدلا من الأردن.

وفي تبدل واضح في خطاب حلفاء إيران، قال النائب عن الإطار التنسيقي عارف الحمامي، إن "السوداني وكل القوى السياسية، وخصوصا الإطار، يريدون علاقات جيدة وقوية مع جميع دول المنطقة والعالم، وفق المصالح المشتركة وتقديم مصالح العراق العليا على أي مصالح أخرى وعدم الوقوف مع محور ضد آخر".

وأوضح الحمامي في 22 نوفمبر أن "زيارة السوداني إلى الأردن أمر طبيعي كونها دولة جارة للعراق، وأن للأخير مصالح مختلفة معها اقتصادية وأمنية وغيرها، والمرحلة المقبلة ربما تشهد زيارات لدول أخرى"، وفق صحيفة "العالم الجديد" العراقية.

وأردف: "السوداني خلال جولاته الخارجية، سيرسل رسائل إلى هذه الأطراف الدولية بأن العراق مع إقامة علاقات متوازنة مع جميع دول العالم وعدم وقوف بغداد مع أي محور إقليمي أو دولي ضد أي محور".

وفي خطوة قرأها مراقبون بأنها رسالة لاستمرار العلاقات الودية التي كانت في عهد سلفه الكاظمي، هنأ السوداني عبر تغريدة "تويتر" في 22 نوفمبر، المملكة العربية السعودية بفوز المنتخب السعودي لكرة القدم على نظيره الأرجنتيني في أول مباراة يخوضها ضمن بطولة كأس العالم المقامة في قطر.