لا إيران ولا أميركا.. لماذا بدأ رئيس وزراء العراق زياراته الخارجية بالأردن؟
.png)
في أول محطة خارجية له بعد تسلمه قيادة الحكومة العراقية، أجرى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، زيارة سريعة إلى الأردن استمرت ثلاث ساعات فقط، التقى خلالها الملك عبد الله الثاني، ورئيس الحكومة بشر الخصاونة.
وأفاد مكتب السوداني في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، بأن الزيارة شهدت جلسة مباحثات موسعة بحثت مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، وملفات التنسيق الثنائي على مختلف الصعد، فضلا عن تعزيز العمل وفق مذكرات تفاهم.
وما أثار التساؤلات أسباب اختيار السوداني الأردن محطة أولى في جولاته الخارجية، وما الذي يبنى على مثل هذه الخطوة التي اتخذتها حكومة يقودها حلفاء إيران بالعراق الذين سبق أن رفضوا تقارب حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، مع دول الجوار العربي؟
رئيس مجلس الوزراء @mohamedshia يلتقي عاهل المملكة الأردنية الهاشمية الملك عبد الله الثاني بن الحسين، وذلك خلال زيارته الرسمية الى العاصمة عمّان التي وصلها في وقت سابق اليوم. pic.twitter.com/lRgkRtmdKD
— المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء ���� (@IraqiPMO) November 21, 2022
"الشام الجديد"
وتعليقا على اللقاء بين رئيس الوزراء العراقي والعاهل الأردني، أفادت وكالة الأنباء الأردنية "بترا"، في 21 نوفمبر بأنه تناول العلاقات الأخوية بين البلدين، وآليات تعزيز التعاون الاقتصادي واستكمال المشروعات المشتركة بينهما.
وأعرب الملك عبد الله الثاني، عن تمنياته لرئيس الوزراء العراقي بالنجاح في مهامه، مؤكدا اعتزازه بمستوى العلاقات الأخوية الوطيدة التي تجمع البلدين والشعبين الشقيقين.
وحسب الوكالة، فإنه جرى التأكيد على حرص الأردن والعراق على تعزيز التعاون على المستويات كافة ولا سيما السياسية والاقتصادية، والبناء على ما تم إنجازه في المشروعات المشتركة.
وشدد ملك الأردن على أهمية مواصلة التعاون بين البلدين، والثلاثي مع مصر، بصفته نموذجا للتكامل في المنطقة، لافتا إلى أهمية دور العراق في محيطه العربي والإقليم، مشددا على أن أمن العراق يعد ركيزة أساسية لأمن المنطقة واستقرارها.
وجرى التأكيد على ضرورة مواصلة التنسيق والتشاور بين الأردن والعراق حيال مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، بما يحقق مصالحهما ويخدم القضايا العربية، وفق وكالة "بترا".
ومع أن الزيارة لم تكشف عن أسبابها وتفاصيل المحادثات سوى ما أوردته البيانات الرسمية للبلدين، لكن محللين رأوا أن الأردن تمثل "حجر الزاوية" في السياسة الدولية والإقليمية بالمنطقة، إضافة إلى الرغبة في استكمال مشروع "الشام الجديد" بين مصر والأردن والعراق.
وقال الباحث في الشأن العراقي، عدي العزاوي إن "بقاء العراق متمسكا بإيران فقط لا يجوز في السياسة، لذلك لا بد له أن ينفتح على بلدان أخرى ولا سيما الجوار العربي، إضافة إلى أن التحالف الثلاثي المصري العراقي الأردني مشروع لا يراد له الإلغاء، حتى لو كان رئيس الحكومة من قوى الإطار التنسيقي".
وأوضح لـ"الاستقلال" أن "مصر والأردن ينتظران اكتمال هذا المشروع القومي مع العراق الذي عرف تحت مسمى (الشام الجديد)، كونهما مستفيدين بشكل كبير من البلد النفطي، وقد تكون زيارة السوداني إلى الأردن بدعوة من هاتين الدولتين لإتمام المشروع".
وأشار إلى أن "الكاظمي لم يستطع إكمال شيء في هذا المشروع، لأنه كان رئيس حكومة مؤقت وضعيفا كونه غير مدعوم من كتلة برلمانية كبيرة كما يحصل اليوم من قوى الإطار التنسيقي، وتحالف إدارة الدولة الذي يضم الأخير مع القوى السنية والكردية في البرلمان".
ولفت الباحث إلى أن "المشروع الإقليمي بين البلدان الثلاثة لا يزال ساري المفعول، وقد تكون زيارة السوداني إلى الأردن والمضي في التحالف الثلاثي جزءا من محاولة إضفاء الرضى الأميركي على حكومة الإطار التنسيقي".
وأكد العزاوي أن "التقارب العراقي العربي مدعوم من دول الخليج أيضا، لإبعاد العراق عن المحور الإيراني حتى لو كانت الحكومة تقودها قوى قريبة من طهران، وهذا أيضا توجه الولايات المتحدة، والتي لا يمكن للأخيرة أن تطيح بنظام أنشأته في العراق عام 2003، لذلك هي تدعم بقوة حكومة السوداني".
و"الشام الجديد" مشروع اقتصادي يضم العراق، ومصر والأردن ويشمل مد خط أنبوب نفطي من ميناء البصرة العراقية إلى ميناء العقبة في الأردن ومن ثم إلى ميناء نويبع في مصر.
وبناء على هذا المشروع تحصل مصر والأردن على نفط العراق بأسعار منخفضة أقل من سعر السوق الدولي، والعراق يستورد الكهرباء من مصر ويستفيد من الخبرات المصرية والأردنية في مجال الثورة العمرانية وقطاع الزراعة.
"حجر الزاوية"
وفي 24 مارس/ آذار 2019 احتضنت القاهرة، قمة ثلاثية مصرية أردنية عراقية ضمت رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، وملك الأردن عبد الله الثاني، ورئيس وزراء العراق آنذاك عادل عبد المهدي.
وناقشت القمة "أفكارا لتعزيز التعاون والتنسيق والتكامل فيما بين البلدان الثلاث ولا سيما في قطاع الصناعة والطاقة وإعادة الإعمار والبنية التحتية (..) في ظل ظروف دقيقة تمر بها الأمة العربية وتحديات غير مسبوقة".
وعندما تسلم الكاظمي رئاسة الحكومة العراقية، أطلق على المشروع الذي يجمع البلدان الثلاثة اسم "بلاد الشام الجديدة" بعد قمة عقدها قادة الدول الثلاث ببغداد في 21 أغسطس/ آب 2021، وسط ترحيب أميركي وإشادة إيرانية لـ"كل جهد يساعد العراق".
ومن أهم مخرجات القمة الثلاثية، كان الاتفاق على مد أنبوب نفط البصرة-العقبة في الأردن، وصولا إلى الموانئ المصرية، حيث سيتم استخراج المشتقات النفطية فيها وإعادتها للعراق.
لكن المشروع واجه حينها اعتراضات كبيرة من قوى الإطار التنسيقي، والذي وصفته بأنه يضر بالبلد ويخسره مبالغ مالية ضخمة.
من جهته، علق المحلل السياسي العراقي، نزار حيدر عبر "تويتر" في 22 نوفمبر على زيارة السوداني عمان، بالقول: "لا يختلف اثنان على أن الأردن هو حجر الزاوية في السياسة الدولية والإقليمية في المنطقة، ولذلك حرصت كل الحكومات التي تعاقبت على السلطة في بغداد على الاحتفاظ بعلاقة متميزة مع الأردن".
وأوضح حيدر أن "الإطار كان قد تهجم قبل تشكيل حكومته كثيرا على مساعي الكاظمي للحفاظ على العلاقة المتميزة بين بغداد وعمان، فقد عدها مهينة للعراق ولا تساهم في النهوض والتنمية".
وأضاف: "كما عد تلك الجهود دليلا على خيانة وعمالة الحكومة، لكن حكومته اليوم تستمر في الالتزام بنفس السياسات تجاه الأردن والتي أكدها السوداني في عمان بقوله (حريصون على علاقات متينة مع الأردن)".
وأشار الباحث السياسي إلى أنه "إذا فكر العراق في تغيير سياساته الخارجية مع أي دولة من دول الجوار والإقليمية والدولية سيظل يستثني الأردن من هذا التغيير، وهو مؤشر واضح على أنها بالنسبة للعراق بمثابة جواز العبور للمجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة وحليفاتها في المنطقة".
وأكد حيدر أن "هذه أول زيارة للسوداني منذ توليه رئاسة مجلس الوزراء، ربما تكون لطمأنة دول مجموعة (الثلاثي) الذي بدأ يتشكل منذ عهد حكومة عادل عبد المهدي، بعد أن أشاع بعض قادة وقوى الإطار التنسيقي أنهم سيغادرون (الثلاثي) وإلى الأبد".
— Nazar Haidar (@NazarHaidar5) November 22, 2022
أهداف الزيارة
وفي السياق ذاته، رأى الكاتب الأردني ينال برماوي، أن "الزيارة الخارجية الأولى لرئيس الوزراء العراقي للأردن ومباحثاته مع الملك تعكس الاهتمام المتبادل لتعزيز التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية وغيرها.
وأضاف خلال مقال نشرته صحيفة "الدستور" المحلية في 22 نوفمبر، "فضلا عن تسريع وتيرة العمل في المشروعات الإستراتيجية التي تخدم مصالح البلدين، ولا سيما في قطاعات الطاقة والتجارة والنقل والاستثمار والمدينة الاقتصادية المشتركة والخدمات اللوجستية وغيرها".
وأوضح برماوي أن "الزيارة تعطي مدلولات إيجابية لمستقبل التعاون بين البلدين والحرص المشترك للارتقاء بها والوصول بها إلى أبعد مدى، انطلاقا من الأهداف التي يتطلع الأردن والعراق لتحقيقها وبالذات في النواحي الاقتصادية".
وأشار إلى أن "العلاقات الثنائية بين البلدين أخذت زخما كبيرا في السنوات الأخيرة بتوجيهات من قيادتي البلدين ورؤيتهما بأن يكون التعاون الثنائي نموذجا يحتذى على المستوى العربي والتأسيس لتكامل اقتصادي في العديد من المجالات".
وتابع: وذلك من خلال إطلاق العديد من المبادرات والمشاريع التي تستهدف بناء شراكات فاعلة في الإطار العربي وتوفير بيئة محفزة للاستثمار ومحاولة إعادة توطين رؤوس الأموال العربية بالشكل الذي يخدم أهداف التنمية عربيا".
ورأى الكاتب أن "الزيارة تكسب مشروعات التعاون الثلاثي التي تضم مصر والعراق والأردن أهمية خاصة، ويعول عليها كثيرا لإعطاء دفعة قوية للعلاقات الاقتصادية ضمن أولويات مشتركة تنطلق من العمل لمواجهة أزمة الغذاء العالمية وإدامة سلاسل التوريد وتحقيق التكامل الصناعي وتوظيف الموارد والإمكانات المتاحة لخدمة الأطراف كافة".
وعلى الصعيد ذاته، قال المحلل السياسي العراقي غالب الدعمي، إن "البرنامج الدعائي للأحزاب السياسية في الإطار التنسيقي اختلف تماما بعد تشكيل الحكومة، وهذا واضح للجميع، خصوصا أن هذه الأحزاب لم تعترض على أي زيارة للسوداني سواء للأردن أو مصر أو باقي دول الخليج، فهي تدرك أن هذه الدول هي عامل أساس في استقرار هذه الحكومة".
وأوضح الدعمي خلال حديث لصحيفة "العالم الجديد" الإيرانية في 22 نوفمبر أن "قوى الإطار التنسيقي أدركت جيدا أن عدم التعامل مع هذه الدول، قد يؤدي بهذه الحكومة إلى مواجهة عراقيل كثيرة.
وأضاف أن المعروف أن أي رئيس وزراء عراقي جديد يأتي توجه له دعوة لزيارة واشنطن وطهران، لكن السوداني حتى الآن لم توجه له هكذا دعوة وهذا بسبب المشاكل الإيرانية الداخلية وكذلك بسبب الانتخابات الأميركية".
ولفت المحلل السياسي إلى أن "ذهاب السوداني إلى الأردن برفقة محافظ الأنبار، يؤكد ويدل على أن هذه الزيارة لها علاقة بالربط الكهربائي، والجانب الآخر يتعلق بالبضائع والإعفاءات الضريبية واستمرار العراق بتزويد الأردن بنفط مدعوم السعر".
المصادر
- السوداني ينهي زيارته الرسمية للأردن ويعود إلى بغداد
- تحالف "مواجهة التحديات" العربي يتوسع وينتظر قمة "العلمين" (إطار)
- مدلولات زيارة السوداني للأردن
- "حجر الزاوية".. السوداني يتمسك بالأردن وسط انتقادات لموقف "الإطار"
- بأول زيارة خارجية له.. السوداني يبحث ملفات هامة مع ملك الأردن
- أنبوب نفط “البصرة- العقبة”.. هل ينجح رئيس حكومة العراق بتمرير المشروع؟
- “الشام الجديد”.. هل تنجح مصر والأردن والعراق في تنفيذ المشروع؟