سعيد ينفي وصندوق النقد يؤكد.. هل وافقت تونس على شروط القرض؟

12

طباعة

مشاركة

تدخل المفاوضات بين الجمهورية التونسية وصندوق النقد الدولي مرحلتها الأخيرة بعد توقيع اتفاق مبدئي على مستوى الخبراء لتمكين تونس من قرض ملياري.

إلا أن تصريحات الرئيس التونسي قيس سعيد جاءت على نقيض ما أعلن عنه المسؤولون في صندوق النقد الدولي خاصة فيما يتعلق بملف خصخصة جزء من القطاع العام.

كما أن خطاب سعيد الذي أكد على الدور الاجتماعي للدولة، خالف كل الإجراءات التي تنتهجها حكومته لمعالجة آثار الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد.

وتنتظر البلاد مرسوما جديدا من قيس سعيد يحدد فيه الموازنة الجديدة للدولة في ظل أزمة اقتصادية غير مسبوقة وانتظار لتوقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي أكد القائمون عليه موافقة الحكومة التونسية على جل الشروط ومن أهمها بيع المؤسسات العمومية ورفع الدعم.

 إلا أن الرئيس التونسي ينكر كل ذلك، ويفتح الباب على مصراعيه أمام احتمالات خطيرة من بينها فشل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، أو الدخول في صراع مفتوح مع الاتحاد العام التونسي للشغل (النقابة الأكبر في تونس) الذي جدد رفضه جل الإجراءات المقترحة.

وكانت السلطات التونسية وصندوق النقد الدولي قد توصلا، في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2022، إلى اتفاق على مستوى الخبراء لتمكين تونس من قرض بقيمة 1.9 مليار دولار، على 4 سنوات. 

وذكر صندوق النقد الدولي، في بيان له، أن الاتفاق النهائي بشأن الترتيب يخضع لموافقة المجلس التنفيذي التابع له، ومن المقرر أن يناقش طلب برنامج تونس في ديسمبر/كانون الأول 2022.

فوضى التصريحات 

خلال لقائه مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، تطرق سعيد بحسب بلاغ صادر عن رئاسة الجمهورية إلى الوضع العام في البلاد، والتوازنات المالية للدولة. 

وبحسب البيان، أكد قيس سعيد حرصه على مقاربة هذه القضايا مقاربة جديدة تقوم على العدل والإنصاف وعلى عدم تخلي الدولة عن دورها الاجتماعي.

وأشار إلى أن الحل الناجع يجب أن ينطلق من إرادة الشعب، ولن يكون هناك تفريط، كما يدعي البعض، في المؤسسات والمنشآت العمومية. 

وإن كان قيس سعيد لم يكشف عن من يقصدهم بحديثه عن ادعاء التفريط في المؤسسات والمنشآت العمومية، فإن التصريح الوحيد الذي يمكن أخذه على محمل الجد، صدر عن مديرة صندوق النقد الدولي كريستينا جورجيفا في 15 أكتوبر 2022.

أشارت جورجيفا الى أنهم كانوا في صندوق النقد الدولي يتطلعون إلى أن تعمل تونس على خصخصة بعض المؤسسات.

 لكن المبادرة جاءت من الجانب التونسي، الذي أبدى رغبته في خصخصة بعض المؤسسات العمومية، وتابعت القول: إن "هذا إنجاز مستحق بامتياز للحكومة التونسية".

وأقرت أن الخيار الأخير يبقى بيد الدولة ونحن ندعم جهودها بقوة، حسب تعبيرها. 

تلى ذلك تصريحات أخرى للأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، 31 أكتوبر، كشف فيها أن "الحكومة التونسية تعهدت أخيرا لصندوق النقد الدولي بالتفويت (خصخصة) في بنك الإسكان والوكالة الوطنية للتبغ والوقيد وعدد من الأرصفة بميناء رادس".

وأكد الطبوبي، وفق ما نقله موقع "الشعب نيوز" التابع لاتحاد الشغل، أن "الحديث عن التفويت في مؤسسات القطاع العام وكذلك عن رفع الدعم، مرفوض تماما"، حسب تصريحه.

ويخشى الاتحاد من أن الاتجاه نحو الخصخصة سيفقد الدولة دورها الاجتماعي في تعديل الأجور وضمان استقرار مهني لأكثر من 800 ألف موظف وعامل في القطاع العام قد تؤدي الخصخصة إلى التقليص في عددهم.

كما أن اعتماد الدولة على قطاعات استراتيجية مثل النفط وتكرير الفوسفات والمعادن يحفظ توازناتها المالية.

ورغم تطمينات قيس سعيد ونفيه لأي نية للحكومة بشأن خصخصة المؤسسات المملوكة للدولة للمستثمرين من الداخل والخارج، فإن الاتحاد العام التونسي للشغل اتجه نحو التصعيد في لهجته رفضا لأي إجراءات تمس بالقطاع العام.

وحشد الاتحاد عمال مصنع التبغ في العاصمة تونس وألقى أمامهم الأمين العام للمنظمة النقابية نور الدين الطبوبي كلمة وجه من خلالها رسائل عديدة لرئيس الجمهورية وحكومته.

وبين الطبوبي أن "العبرة ليست بالشعارات بل بالممارسة، والاتحاد يأخذ معلوماته من تصريحات مديرة صندوق النقد الدولي والتي مفادها أن برنامج الحكومة التونسية في البرنامج الإصلاحي الذي تقدمت به فيه تفويت في المؤسسات العمومية".

وأضاف الطبوبي "يتحدثون عن التسريح وإعادة الهيكلة الاجتماعية وليس لهم منهج سياسي ورؤية واضحة من أجل الإصلاح.. ما هكذا تسير الدولة ولا بد من وجود إرادة ونظرة شمولية للإصلاح". 

فشل المفاوضات 

ويخشى خبراء الاقتصاد في تونس أن تؤدي تصريحات قيس سعيد تحت ضغط الاتحاد العام التونسي للشغل والخوف من حدوث حراك اجتماعي إلى إدخال تشويش على المرحلة الأخيرة من المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، قد يؤدي لفشلها، مما سيحرم البلاد من أي قروض خارجية فيتسبب في انهيار اقتصادي غير مسبوق.

فكل الدلائل تفيد بأن الحكومة التونسية التي أمضت اتفاقا أوليا مع خبراء صندوق النقد الدولي تعهدت في خطتها الإصلاحية بالبيع الكلي أو الجزئي لعدد من المنشآت والمؤسسات.

كما شرعت في تطبيق هذه التعهدات بقرارات في بيع الدولة لمساهمتها في عدد من البنوك وفتح رأس مال شركة الفولاذ أمام المستثمرين.

وأكد الخبير الاقتصادي التونسي عز الدين سعيدان لـ "الاستقلال" أن "صندوق النقد الدولي ليس له أي إملاءات كما أنه لا يطرح شروطا على تونس، فكل ما يطرح الآن هو برامج إصلاحات تحدثت عنها الحكومة التونسية".

وأضاف سعيدان "من عام 1993 إلى 2013 لم تقترض تونس أي مليّم من صندوق النقد الدولي، وكانت تقترض من جهات مالية أخرى".

لكن في العام 2013 بدأت السوق المالية ترسل إشارات سلبية من خلال رفع سعر الفائدة وبدء مراجعة الترقيم السيادي، وفق قوله.

وبعدها تقدمت تونس ببرنامج إصلاحات من أجل الحصول على قروض وذهبت به إلى صندوق النقد الدولي بصفته الملاذ الأخير، إلا أن الدولة لم تحترم التزامات برنامجها الإصلاحي.

وأضاف الخبير التونسي "هذا الوضع تكرر مرة أخرى عام 2016 مع حكومة يوسف الشاهد ولم تلتزم تونس حينها ببرنامجها الإصلاحي، فاشترط صندوق النقد الدولي توقيع رئيس الحكومة على الاتفاق".

ورغم ذلك "لم تلتزم الحكومة وجرى معاقبتنا بإلغاء مبلغ 1.2 مليار دولار من أصل 2.9 مليار دولار من القرض".

ورأى سعيدان أن "عودة تونس للمفاوضات الآن مع صندوق النقد الدولي عودة بثقة مهزوزة، وفي العادة لا تتجاوز مدة المفاوضات ستة أشهر، إلا أن توقيع الاتفاق المبدئي مع تونس استغرق أكثر من 18 شهرا إذ جرى توقيعه في أكتوبر 2022".

وتابع: "مع كل الدول بعد 5 أيام من توقيع الاتفاق المبدئي يقع توقيع الاتفاق النهائي وصرف القسط الأول من القرض إلا أن موعد الاتفاق النهائي حدد في شهر ديسمبر والسبب هو مسألة ثقة".

وأكد سعيدان أن صندوق النقد الدولي اشترط الاطلاع على قانون المالية التكميلي لسنة 2022، وقانون المالية للعام 2023 للتأكد من أن التوجه فعلا مطابق لبرنامج الإصلاح الذي تقدمت به الحكومة خلال المفاوضات.

وضمن المحاور المتفق عليها بين الدولة التونسية والصندوق محور إصلاح المؤسسات العمومية، كما قال الخبير الاقتصادي.

ولا يشترك صندوق النقد الخصخصة في المؤسسات العمومية إنما يكتفي بالدعوة إلى إصلاحها بالشكل الذي تختاره الدولة بقرار سيادي.

لذلك كان تصريح مديرة الصندوق دقيق جدا عندما تحدثت أن الحكومة التونسية اقترحت الخصخصة في المؤسسات العمومية، وفق المتحدث.

وتساءل سعيدان "هل يمكن أن يتخيل أحد أنه في وضع تونس الآن، الوفد المفاوض ذهب دون تفويض كامل ودقيق جدا من الحكومة وأن هذا التفويض بموافقة رئيس الجمهورية الذي يجمع في يده كل السلطات".

ويرى الخبير الاقتصادي التونسي أنه من الطبيعي اليوم أن تصريحات رئيس الدولة ستؤثر على مسار المفاوضات لأن صندوق النقد الدولي معني بالتزام الحكومة بإجراء برنامج الإصلاحات المتفق عليه، لذلك اشترط هذه المرة أن يوقع رئيس الجمهورية على الاتفاق".

ورجح البنك الدولي في تقرير له خلال سبتمبر/أيلول 2022، أن يصل عجز الميزانية في تونس إلى 9.1 بالمائة سنة 2022، مقابل 7.4 بالمائة سنة 2021.

ويمكن أن يصل العجز الأولي أيضا إلى مستويات عالية جدا في حدود 6.2 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022 مقابل 4.6 بالمائة سنة 2021.