خيار تغيير سعر صرف الدينار لمواجهة الركود.. لماذا تستبعده حكومة العراق؟
منذ أسابيع، يسيطر الركود الاقتصادي على الأسواق العراقية، في ظل دعوات يطلقها سياسيون ينتمون إلى قوى "الإطار التنسيقي" الشيعي الذي يقود الحكومة الحالية بضرورة تغيير سعر صرف الدينار المحلي مقابل الدولار الأميركي.
وخفض البنك المركزي العراقي أواخر عام 2020، قيمة الدينار المحلي مقابل الدولار، إذ رفع سعر الأخير للبنوك وشركات الصرافة إلى 1460 دينارا، بدلا من 1182 دينارا للدولار الواحد، بهدف تعويض تراجع الإيرادات النفطية الناجم عن تدهور أسعار النفط.
وبعد قرار الحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي، رفع قيمة الدولار مقارنة بالدينار المحلي، ارتفعت بشكل كبير أسعار جميع السلع حتى ذات الإنتاج المحلي، الأمر الذي أدى إلى حالة من السخط الشعبي، ولا سيما بعدما فقدت مرتبات الموظفين نحو 20 بالمئة من قيمتها.
وعلى ضوء ما تقدم، برزت تساؤلات ملحة عن الأسباب الحقيقية وراء الركود الاقتصادي في العراق، وكذلك عن إمكانية اتخاذ حكومة محمد شياع السوداني قرارا يقضي بتغيير سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار الأميركي.
عواقب وخيمة
مع بداية تشكيل حكومة السوداني في 27 أكتوبر/تشرين الأول، حصل جدل كبير بخصوص إمكانية عودة سعر الصرف إلى ما كان عليه قبل عام 2020، الأمر الذي أدى إلى حدوث إرباك في السوق العراقي تسبب بحالة ركود اقتصادي لا تزال قائمة حتى يوم 16 نوفمبر/تشرين الثاني.
دفع هذا الجدل رئيس الوزراء العراقي للحديث عن الموضوع في أول مؤتمر صحفي له في الأول من نوفمبر 2022، قال فيه إن "البنك المركزي العراقي هو الجهة الوحيدة المعنية بموضوع سعر صرف الدينار العراقي أمام الدولار"، مشددا على أن "حكومته ملتزمة بتنفيذ القوانين التي يقررها البنك".
ورغم تصريحات السوداني، لكن نوري المالكي رئيس الوزراء الأسبق وزعيم ائتلاف دولة القانون (أكبر قوى الإطار التنسيقي) غرد في اليوم التالي، بالدعوة إلى تخفيض سعر صرف الدولار إلى 1375 دينارا بدل 1450 لكل دولار، وذلك من أجل دفع الضرر عن الاقتصاد الوطني والمواطن.
— Nouri Al-Maliki (@nourialmalikiiq) November 2, 2022
دفعت دعوة المالكي، محافظ البنك المركزي العراقي، مصطفى غالب مخيف، إلى الخروج بتصريح في 10 نوفمبر نقلته شبكة "رووداو" المحلية، أكد فيه "أنهم لا ينوون بأي شكل من الأشكال المساس بسعر الصرف الحالي".
وعن احتمالية الاستجابة للضغوطات، استبعد الخبير الاقتصادي العراقي، أسامة التميمي أي تغيير يجري حاليا على سعر الدينار مقابل الدولار، لأن الاقتصاد العراقي ما زال يواجه الكثير من المشكلات الأساسية التي تؤثر على مستويات تحصيل الدولة لوارداتها، إضافة إلى أن معدلات التضخم النقدي ما زالت مرتفعة".
ورأى التميمي في حديث لـ"الاستقلال" أن "التغيير بحاجة إلى خطوات ضمن خطة اقتصادية معدة ترفع مستوى الواردات بالعملة الصعبة عبر الابتعاد عن الاقتصاد الريعي القائم على النفط وتنشيط القطاعات الاقتصادية الأخرى ومكافحة آفة الفساد واسترداد الأموال العامة وتحويلها إلى مشاريع اقتصادية وخدمية ينتفع منها المواطن".
وعلى نحو مماثل، قال الخبير الاقتصادي العراقي محمود داغر، في 11 نوفمبر إن "أي تحرك إزاء تغيير سعر الصرف الآن ستكون له عواقب وخيمة على الاقتصاد العراقي"، بحسب موقع "المونيتور" الأميركي.
وشدد داغر على أن "الاقتصاد سينهار وستختفي العملة المحلية، وسيضطر الجميع في العراق لاستخدام الدولار فقط"، موضحا أن "ارتكاب حكومة الكاظمي خطأ تغيير سعر الصرف لا يجب أن يلحق بخطأ آخر يتلاعب بقيمة الدولار مرة أخرى من خلال تعديله مجددا".
وأكد أيضا أن الدينار العراقي "غير مجهز" لمواجهة الأعباء المالية التي تفرضها السياسة المالية عليه داخل العراق، داعيا السلطات إلى تقليل كلف الرواتب الشهرية للموظفين واستثمار العائدات المالية لـ"تطوير نمو الاقتصاد المحلي" على حد قوله.
ركود اقتصادي
وعن أسباب الانكماش الاقتصادي الذي يشهده البلد منذ ثلاثة أسابيع، قال الخبير الاقتصادي العراقي أسامة التميمي إن "الكثير من القطاعات والفعاليات الاقتصادية تشهد ركودا".
والأسباب تتمثل بارتفاع معدلات البطالة والتضخم الذي يؤدي إلى ارتفاع قيمة البضائع وهو ما يدفع المواطنين إلى تقنين صرفياتهم باتجاه حاجاتهم الضرورية، لهذا نجد أن الكثير من القطاعات مثل الإسكان والقطاعات الكمالية تشهد عزوفا وحالة من الركود، وفق تقديره.
وتابع: "ناهيك عن عدم إقرار الموازنة التي ترفع نسب الإنفاق الحكومي في المشاريع المنتظرة ودعم القطاعين الخاص والزراعي بما يشعر المواطنين بحالة من الاستقرار على أوضاعهم المالية لمدة سنة قادمة وإطلاق الأموال التي تؤدي إلى دوران حركة العمل في بعض القطاعات المتلكئة ما يوفر سيولة بقدر معين لدى المواطنين".
وكانت وزارة المالية الاتحادية قد أعلنت عن البدء بإعداد قانون الموازنة لعام 2023، ونقلت وكالة الأنباء العراقية (واع) في 31 أكتوبر 2022 عن المستشار المالي في الوزارة عبد الحسن جمال أن "تعديل سعر الصرف الدولار ضمن سياسات الحكومة، ومجلس الوزراء هو من يتخذ القرار، لكن في الموازنة لم يطرح لغاية الآن".
في السياق، قال الخبير الاقتصادي العراقي، عامر الجواهري في 16 نوفمبر، إن "الركود الاقتصادي الآن يضرب جميع دول العالم، خصوصا أن العراق يرتبط بالتأثيرات العالمية كونه يعتمد بدرجة أساسية على الاستيراد"، وفق ما نقل موقع "شفقنا" المحلي.
وأفاد الجواهري بأن "الواقع الاقتصادي في العراق غير منتج، وبالتالي فإن الركود الآن يعد أشد مقارنة مع باقي الدول"، مشيرا إلى أن "هناك العديد من الأسباب التي تقف وراء هذه الأزمة أبرزها اعتماد البلاد على الاستيراد مع تضخم العمالة الأجنبية".
وقال إن "الحكومة الحالية لن تلجأ إلى تغيير سعر الدولار كون هذه العملية تحتاج إلى تغييرات عديدة مرتبطة بسياسية الدولة".
وحسب قول عامر الجواهري، فإن "الحديث عن إمكانية إجراء تغيير على سعر الدولار سيكون له آثار سلبية ويزيد من الركود الاقتصادي الذي يضرب العراق منذ فترة".
أسباب ومعالجات
وعلى صعيد الحلول الواجب اتخاذها من الحكومة العراقية للتخلص من الركود الحالي، حدد الأكاديمي والخبير الاقتصادي العراقي عبد الرحمن المشهداني، الخطوات التي يمكن من خلالها معالجة التضخم الذي يواجه العراق الآن، مؤكدا أن ارتفاع المواد الغذائية ساهم في رفع نسب التضخم.
وقال المشهداني خلال مقابلة تلفزيونية في 11 نوفمبر: إن "هنالك ثلاث خطوات يمكن من خلالها السيطرة على نسب التضخم التي تحصل الآن، ومنها خفض أسعار الوقود على المواطنين والقطاعات التي تستخدمه مثل المولدات".
وأضاف، أن "صفقات الفساد التي تمت من قبل بعض الجهات السياسية ساهمت وبشكل كبير في رفع نسب التضخم من خلال التلاعب بسوق العقار وبأسعار مضاعفة عما كانت عليه"، مشيرا إلى أن "سبب ارتفاع سوق العقارات هو غسيل الأموال خشية مصادرتها".
وطالب المشهداني ضمن الحلول المقترحة، الحكومة الجديدة برئاسة السوداني بـ"العمل على تحسين مفردات البطاقة التموينية من أجل خفض أسعارها التجارية في الأسواق العراقية".
ويتسلم الفرد العراقي سلة غذائية منذ فرض الحصار الاقتصادي على البلاد عام 1993 جراء غزو الكويت، وتضم سلعا أساسية، منها: "الدقيق، الأرز، السكر، الزيت، مساحيق الغسيل، الجبن، العدس، الحمص، الفاصولياء"، لكن بعد عام 2003 لم يتبق منها أربعة مواد تقريبا.
وتصدر العراق قائمة الدول العربية الأكثر نموا في الناتج المحلي الإجمالي للعام 2022، وجاء في المرتبة الثانية ضمن قائمة الدول العشر الأعلى نموا في العالم، حسب تصنيفات صندوق النقد الدولي الصادرة في تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي" في أكتوبر 2022.
ولعل الأسباب التي ساعدت العراق على تسجيل نسبة نمو مرتفعة خلال 2022، تعود إلى النمو المتحقق بنسبة 9.4 في المئة.
وأيضا الزيادة في صادرات البلاد بنحو مليون برميل مقارنة بفترة ظهور جائحة كورونا، إذ يعد العراق مصدّرا رئيسا للخام، وثاني أكبر منتج للنفط في منظمة "أوبك" بمتوسط إنتاج يومي بلغ 4.6 ملايين برميل يوميا.
المصادر
- تراجع رئيس الحكومة العراقية عن تعديل سعر الصرف يثير الجدل
- محافظ البنك المركزي العراقي: لن نمس سعر صرف الدولار مقابل الدينار
- المالكي يقدم مقترحاً يخص سعر الدولار - عاجل
- السوداني يتحدث عن سعر الدولار ويرهن الانتخابات المبكرة بشرط
- مختصون يحددون ثلاثة أسباب للركود الاقتصادي في العراق
- الدينار العراقي "سيختفي".. تقرير أميركي يناقش ملف تغيير سعر الدولار
- الركود الاقتصادي يسيطر على الأسواق.. هل تظهر دعوات خفض الدولار مجددًا؟
- سعر الصرف.. تذبذب وفوضى أثقلا كاهل المواطن
- اقتصادي يحدد خطوات محاربة التضخم في العراق
- العراق أعلى معدل نمو... ولكن؟