إمدادات النفط الإيراني.. رحلة طويلة لتبييض وجه حزب الله وسط سواد لبنان

12

طباعة

مشاركة

تحت جنح الليل تعبر الشاحنات الإيرانية المحملة بالوقود بشكل متقطع إلى الحدود السورية، كحصص خاصة من طهران لذراعها "حزب الله" اللبناني.

تلك الآلية التي تتبعها طهران منذ سنوات في مد "حزب الله" بالمحروقات، تلقت "ضربة موجعة" أخيرا، عبر تدمير قافلة من الوقود الإيراني عند الحدود السورية كانت متوجهة للحزب.

واستهدف قصف جوي مجهول في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، على الحدود السورية العراقية، قافلة تضم صهاريج محروقات وأسلحة، بعد عبورها من العراق إلى شرق سوريا قادمة من إيران.

ضربة موجعة

وأفاد التلفزيون الإيراني الرسمي، في 9 نوفمبر 2022، بأن القصف استهدف شاحنات إيرانية تحمل محروقات تشمل 22 صهريجا كانت متجهة إلى لبنان.

فيما ذكرت مواقع عراقية أن القصف أسفر عن مقتل نحو 20 عنصرا من مليشيات طهران المرافقة لها، بعضهم إيرانيون.

وعلى الفور، اتهمت إيران الولايات المتحدة بالمسؤولية عما حصل، وتوعدت بالرد.

وفي مقابلة مع قناة "الميادين" المدعومة من طهران، في 10 نوفمبر 2022، قال مساعد الرئيس الإيراني للشؤون البرلمانية، محمد حسيني: "سنرد حتما على قصف صهاريجنا عند ​الحدود العراقية السورية​".

وأضاف حسيني "لدينا مدن من ​الصواريخ​ تحت الأرض، ولدينا أسلحة لم نعلن عنها بعد، وإسرائيل ليست أقوى من ​الولايات المتحدة​ التي لقناها درسا"، وفق تعبيره.

من جانبهم، أكد مسؤولون عراقيون لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، في 9 نوفمبر 2022،  أن قافلة الناقلات كانت تحمل شحنة وقود قانونية أرسلتها إيران إلى لبنان.

وقال أشخاص مطلعون على الهجوم للصحيفة، إنه "يعتقد أن بعض المركبات على الأقل كانت تنقل ذخائر وصواريخ بالإضافة إلى النفط".

كما أكد مسؤول في حرس الحدود العراقي لوكالة "فرانس برس" في 9 نوفمبر 2022، أن "القافلة مؤلفة من 22 شاحنة قادمة من إيران، وفي طريقها إلى لبنان عبر العراق".

وأضاف المسؤول (لم تذكر اسمه) أن "عشر شاحنات منها تعرضت للقصف بعدما عبرت الحدود إلى الجانب السوري، وقد احترقت أربعة منها تماما".

وأشار إلى أن "سائقي الشاحنات تمكنوا من النجاة".

من جهته، قال التحالف الدولي بقيادة واشنطن لوكالة "فرانس برس" في 9 نوفمبر 2022، إنه "لم تشن أي من الدول الأعضاء فيه، وبينهم الولايات المتحدة، الغارة".

وعقب القصف كذلك، حذرت الولايات المتحدة لبنان من قبول هدايا وقود مجانية من إيران.

لكن صحيفة "وول ستريت جورنال" نقلت عن مصادر وصفتها بالمطلعة قولها إن "طائرات إسرائيلية قصفت قافلة يشتبه في قيامها بتهريب أسلحة إيرانية بعد أن عبرت الحدود من العراق".

وتشن إسرائيل حملة موسمية من القصف الجوي ضد أهداف إيرانية في سوريا، بهدف وقف تهريب طهران للأسلحة إلى "حزب الله" اللبناني ووكلائها في سوريا، لكن نادرا ما تعترف إسرائيل بالهجمات علنا.

ورغم ذلك، فإن عملية نقل الوقود الإيراني إلى حزب الله الذي تعده الولايات المتحدة "منظمة إرهابية"، ينتهك العقوبات الأميركية المتعلقة بشراء النفط الإيراني.

ويخضع حزب الله بالفعل لعقوبات أميركية رغم أن الجماعة جزء من الحكومة اللبنانية، لكنها تعمل بشكل مستقل عنها، وخاصة من ناحية تأمين احتياجاتها الأساسية عبر إيران، ولو بـ"طرق التفافية".

وحزب الله كيان مليشياوي مستقل، وليس كبقية القوى السياسية في لبنان، وولاؤه لإيران التي تدعمه بالسلاح والمال، منذ تأسيسه عام 1982، وبات لاحقا يهيمن على البلد بقوة السلاح.

لعبة الحلفاء

وكل خطوة تقريبا في رحلة الوقود الإيراني لحزب الله تمثل تحديا جديدا للولايات المتحدة التي تفرض عقوبات على إيران وذراعها في لبنان، ولهذا استهدفت شحنة الوقود ومنعت وصولها في هذا التوقيت إلى لبنان، وفق مراقبين.

ويعاني لبنان من نقص حاد في المحروقات، الذي يسبب انقطاعا متواصلا للكهرباء إلى منازل اللبنانيين، فضلا عن ترك العديد منهم ينتظرون في طوابير طويلة لملء خزانات سياراتهم بالوقود.

كما أن العامل الأبرز في الضربة هو تحول أزمة الوقود إلى "لعبة مواجهة" بين حزب الله وحلفائه والولايات المتحدة حول من يمكنه التصرف بشكل أسرع لتخفيف آلام اللبنانيين، وهي جولة كسبها حزب الله عام 2021.

وحينها عزف زعيم حزب الله حسن نصر الله على وتر أزمة الوقود في منتصف سبتمبر/أيلول 2021، بعدما تسلم حزبه أكثر من مليون كالون من وقود الديزل الإيراني عبر شاحنات دخلت من سوريا.

وحينئذ قال نصر الله، إن الوقود دفع ثمنه رجال أعمال لبنانيون لم يكشف عن أسمائهم، زاعما أن معظمه سيجري التبرع به لمؤسسات تشمل المستشفيات الحكومية ودور رعاية المسنين والأيتام والصليب الأحمر اللبناني والمنظمات العاملة في توزيع المياه.

ولفت نصر الله إلى أنه "سيجري بيع الوقود بسعر مخفض للمستشفيات الخاصة ومصانع الأدوية والمخابز ومحلات السوبر ماركت وشركات الكهرباء الخاصة".

ومضى قائلا: "هدفنا ليس التجارة أو الربح.. هدفنا هو تخفيف معاناة الناس".

وفي نهاية نوفمبر 2021، زعم نصر الله أن حزبه أنفق أكثر من 10 ملايين دولار على وقود مجاني ومدعوم مصدره إيران منذ سبتمبر من العام المذكور، حيث جرى نقل الوقود بواسطة قوافل شاحنات من ميناء بانياس السوري إلى لبنان في محاولة لتجنب عقوبات أميركية محتملة على لبنان.

ويعد الوقود القادم عبر البحر إلى موانئ سوريا، هو الطريقة الثانية لتزويد لبنان بالمحروقات، لكن رحلة الوصول طويلة تمتد لأسابيع وربما شهور نظرا لعملية التفاف البواخر الإيرانية هربا من المراقبة الأميركية

وبلغ نقص الوقود في لبنان ذروته خلال صيف 2021، لكنه خف بعد أن أنهت الحكومة جميع أشكال الدعم تقريبا، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار وانخفاض الاستهلاك.

رحلة الوقود

وفتح تدمير إمدادات إيران لحزب الله بالوقود، الباب أمام كيفية وصول تلك الشحنات إلى لبنان، في ظل لعب قاعدة "التنف" العسكرية جنوبي سوريا، التي تتمركز فيها قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، دورا في قطع تعطيل الأنشطة المتحالفة مع إيران في جميع أنحاء العالم.

ويسمح موقع القاعدة الإستراتيجي ضمن المثلث الحدودي السوري مع العراق والأردن، للطائرات الإسرائيلية التحليق فوق منطقة قاعدة "التنف" حين شنها غارات جوية متكررة على مواقع المليشيات الإيرانية في الأراضي السورية، وذلك لتجنب تعرضها للدفاعات الجوية التابعة لنظام الأسد.

ونقل موقع "المونيتور" الأميركي في يونيو/حزيران 2020، عن مسؤول دفاعي أميركي سابق (لم تسمه) قوله إن "الطائرات الإسرائيلية تحب استخدام ممراتنا الجوية، لأن الدفاعات الجوية السورية لا يمكنها معرفة الفرق إلا بعد فوات الأوان".

وتدرك طهران أن تحركاتها مراقبة ومرصودة، خاصة في الأراضي السورية، ولذلك فإنها منذ تدخلها عسكريا عام 2012 لمنع سقوط نظام بشار الأسد إثر ثورة شعبية ضده في 2011، كان دعم حزب الله في طليعة أهدافها كذلك.

ولا سيما أن حزب الله يواجه ضغوطا كبيرة من باقي القوى السياسية تتعلق بسلاحه التي تطالبه بنزعه أو تحويله إلى ملك الجيش، وهو ما يرفضه.

ولذلك فإنه عقب تمدد إيران أكثر في سوريا وسيطرتها على مناطق إستراتيجية شرق هذا البلد منذ نهاية عام 2017، مهدت المنطقة لخط بري يصلها بحليفها في لبنان.

ومن أجل ذلك قسم الحرس الثوري الإيراني البادية السورية التي تعد قطعة أرض مفتوحة، لقطاعات تتمركز فيها مليشيات تتبع لها محلية وأجنبية لتأمين مرور قوافل الشاحنات والسيارات العسكرية.

وتمر قوافل الوقود الإيراني بثلاث مراحل قبل أن تصل إلى معقل حزب الله اللبناني في الضاحية الجنوبية لبيروت، والتي تحكم لجان الحزب كل ما يتعلق بالأمور الأمنية فيها بموجب اتفاقات القوى السياسية بالبلاد.

الأولى تبدأ من الحدود الإيرانية إلى الحدود العراقية السورية عند مدينة البوكمال شرقي سوريا، والثانية من الحدود السورية إلى مدينة القصير بحمص (15 كم عن الحدود اللبنانية) التي يسيطر عليها حزب الله منذ يونيو/حزيران 2013.

وتمر تلك القوافل داخل الأراضي السورية دون جمارك أو تفتيش أمني من حواجز نظام الأسد لمسافة 465 كيلومترا من البوكمال حتى القصير.

وفي المرحلة الثالثة، يبدأ حزب الله بإدخال الوقود إلى مناطق نفوذه في لبنان عبر معابر غير شرعية خاصة به، غير تلك الرسمية الموزعة على الشريط الحدودي الممتد على مسافة 375 كيلومترا والبالغ عددها خمسة، وهي "المصنع، الدبوسية، جوسية، تلكلخ، العريضة".

ومدينة البوكمال التي جرى السيطرة عليها من قبل المليشيات الإيرانية في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 بعد معارك مع تنظيم الدولة، تعد حاليا معقل النفوذ الإيراني في سوريا.

وهي راهنا بمثابة محطة توزيع شاملة للمليشيات الإيرانية في البلاد، سواء بالطعام أو الوقود أو السلاح والعتاد، فضلا عن تحولها لمركز عمليات واجتماعات دورية لضباط الحرس الثوري الإيراني بقادة المليشيات المحلية.

تحسين الشعبية

وفي هذا الإطار، أكد الصحفي اللبناني سمير عاصي، أن حزب الله ينعم بالوقود الإيراني من خلال "تخزينه وتجنيب القطاعات التابعة للحزب سواء السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية من نقص الوقود في ظل أزمة الطاقة التي تعيشها البلاد".

وأوضح عاصي لـ"الاستقلال" أن "حزب الله يوزع الوقود لغايات ربحية بنسب محددة على عشرات محطات الوقود التابعة للحزب في الضاحية الجنوبية لبيروت، بإشراف مؤسسة اسمها الأمانة تعمل لصالح الحزب".

ومضى قائلا: "فضلا عن عمليات بيع حزب الله المحروقات في سعر أعلى بالسوق السوداء المحلي وتهريب قسم آخر إلى الجارة سوريا وبيعه هناك بأسعار مضاعفة عبر وكلاء محليين من خلال معابر غير شرعية بمحافظة بعلبك–الهرمل مخصصة لصهاريج نقل المشتقات النفطية، مما يشكل دخلا ماليا كبيرا للحزب".

ولفت عاصي إلى أن "ما يهم حزب الله هو مد حاضنته الشعبية بالوقود وتمييزها عن باقي المناطق، لا سيما أن جميع المحلات والمصالح والشركات بحاجة لمحروقات لتشغيل مولدات الطاقة جراء انقطاع الكهرباء الحكومي لأكثر من 18 ساعة يوميا".

لكن رغم ذلك، فإنه لأغراض سياسية ومجتمعية، وفي ظل الاستعصاء السياسي في اختيار رئيس جمهورية جديد خلفا لميشال عون الذي انتهت فترة ولايته نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2022، أو الفشل في تشكيل حكومة جديدة، يسعى حزب الله لاستغلال هذا الفراغ لـ"غسل" صورته شعبيا.

ويؤكد مراقبون، أن الوقود الإيراني لن يغير قواعد اللعبة من حيث تلبية الطلب المتزايد عليه في لبنان، وهو مرغوب به لتحسين شعبية "حزب الله" فقط.

وفي سبتمبر/ أيلول 2022، بحث وفد من بيروت تفاصيل "هبة إيرانية" تتعلق بتزويد لبنان بالمشتقات النفطية لتشغيل معامل إنتاج الكهرباء في هذا البلد، وإذا ما تمت الصفقة، فإن شحنات الوقود ستكون هي أول الشحنات التي ترسلها إيران مباشرة للحكومة اللبنانية.

وآنذاك، كشف وزير الطاقة اللبناني، وليد فياض، أن الهبة أتت نتيجة مبادرة أمين عام حزب الله حسن نصر الله، وبعد اقتراح من وزير الخارجية السابق جبران باسيل أحد أقوى حلفاء الحزب في لبنان.

ومنذ نحو عام، يعاني لبنان انقطاعا في التيار الكهربائي عن المنشآت والمنازل لساعات طويلة، نتيجة شح الوقود المخصص لتشغيل محطات التوليد، جراء عدم توفر النقد الأجنبي المخصص للاستيراد.

وحاليا يحصل لبنان على الفيول العراقي المخصص لتوليد الكهرباء، إذ إن بغداد تزود بيروت بـ80 ألف طن في الشهر، لكن الكمية انخفضت إلى 40 ألف طن، وبالتالي هي تؤمن ساعتين من التغذية بدل 4 ساعات.

والصفقة اللبنانية العراقية هي "مقايضة مبهمة"، حيث سيوفر العراق زيت الوقود عالي الكبريت مقابل السلع والخدمات اللبنانية.

ولكن نظرا لعدم توافق زيت الوقود عالي الكبريت مع محطات توليد الكهرباء في لبنان، اختارت بيروت شركة "إينوك" في دبي، في مناقصة لمبادلة الشحنة بوقود متوافق.