تونس بلا أدوية.. هكذا يضاعف قيس سعيد آلام أصحاب الأمراض المزمنة

12

طباعة

مشاركة

أزمة صحية غير مسبوقة تنتظر شركات بيع وتوزيع الأدوية في تونس، تنذر بكارثة نفسية وروحية على أصحاب الأمراض المزمنة والخطيرة، دون أي تدخل آني من السلطات المعنية.

وتعالت أصوات المهنيين والمواطنين محذرين حكومة الرئيس قيس سعيد من تداعيات غياب الأدوية في الصيدليات والمستشفيات، لأن ذلك يهدد حياة عشرات الآلاف من المواطنين، خاصة مرضى السرطان.

وتشهد تونس أزمة اقتصادية خانقة على خلفية أخرى سياسية، منذ 25 يوليو/تموز 2021، حين اتخذ سعيد إجراءات انقلابية، منها: تجميد اختصاصات البرلمان، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وإقالة الحكومة وتعيين أخرى جديدة.

وضعية حرجة

وفي 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، أعلنت "الغرفة النقابية الوطنية للمؤسسات الصيدلية الموزعة للأدوية بالجملة"، في بيان، قرارها تعليق أنشطتها منتصف نوفمبر؛ لعدم توصلها بـ"شهادة الإعفاء من الخصم من المورد" على مبيعاتها برسم هذا العام.

وأوضحت أن "عدم حصول مؤسسات توزيع الأدوية بالجملة على شهادة الإعفاء من المورد سيضعها في وضعية مالية حرجة يمكن أن تهدد ديمومة القطاع وتنعكس سلبا على المنظومة الصحية ككل".

وشددت الغرفة أنه "رغم اللقاءات المتعددة التي انعقدت مع السلطة المعنية، يؤكد المكتب التنفيذي أن حرمان مؤسسات الصيادلة الموزعين للأدوية بالجملة من شهادة الإعفاء من الخصم من المورد على مبيعاتها من الأدوية لسنة 2022 دون الترفيع في هامش الربح مع الارتفاع المتواصل للأعباء المالية لهاته المؤسسات سبب لها أزمة مالية خانقة".

وشددت الغرفة النقابية على أن حرمانها من الشهادة "من شأنه أن يزيد من أزمتها المالية الخانقة".

وتحظى مؤسسات توزيع الأدوية في تونس بدعم حكومي منذ عام 2006، يتمثل في منح هذه المؤسسات شهادة تفيد بأحقيتها في الحصول على خصم من موردي الأدوية.

وبعد قرار "الغرفة الموزعة للأدوية بالجملة"، طالب "المجلس الوطني لهيئة الصيادلة"، من رئيسة الحكومة نجلاء بودن، ومن كل الجهات المسؤولة، التدخل العاجل لإيجاد حل إثر قرار إيقاف نشاط موزعي الأدوية بالجملة، وذلك "تفاديا لما سينجر عنها من عواقب على صحة المواطنين وسلامتهم".

وأبدى المجلس الوطني لهيئة الصيادلة، عبر بلاغ صادر في 4 نوفمبر 2022، انشغاله "لما سينجر عن هذا القرار من اضطراب على منظومة توزيع الأدوية في البلاد وأثره على الصحة العامة".

وأوضح أن "عدم حصول مؤسسات توزيع الأدوية بالجملة على شهادة الإعفاء من المورد سيضعها في وضعية مالية حرجة يمكن أن تهدد ديمومة القطاع وتنعكس سلبا على المنظومة الصحية ككل".

ويبلغ عدد المؤسسات الناشطة في مجال توزيع الأدوية في تونس 77، تغطي مختلف مناطق البلاد، ويقدر هامش ربحها من إعادة توزيع الأدوية على الصيدليات بـ8 بالمئة، وفق تصريحات صحفية سابقة لعضو الغرفة النقابية لموزعي الأدوية بالجملة، رازي ملياني.

ويأتي قرار وقف أنشطة مؤسسات توزيع الأدوية لينضاف إلى تداعيات فقدان أدوية في تونس مؤخرا، وعقبات تواجه "الصيدلية المركزية"، الجهة الوحيدة المخول لها قانونيا حق توريد الأدوية، في التزود بالأدوية بسبب تراكم ديونها لدى المزودين الأجانب لتبلغ نحو 225 مليون دولار.

وأيضا عجزها في الوقت نفسه عن تحصيل ديونها لدى المستشفيات والمؤسسات الصحية، بحسب موقع "أصوات مغاربية" الأميركي.

وقال الصحفي نصر الدين السويلمي، إن "تونس تفتقد إلى العديد من الأدوية، خاصة أدوية الأمراض المزمنة وأنواع السرطانات، بينما الوعود أطول بكثير من الواقع بل تحولت إلى عملية تسويف معهودة".

وأضاف السويلمي، في تدوينة عبر فيسبوك في 5 نوفمبر، أن "القطاع يبدو أنه سيشهد المزيد من الانهيارات وليس العكس كما تدعي سلطة الانقلاب، وذلك بعد أن قررت المؤسسات الصيدلية الموزعة للأدوية إيقاف نشاطها منتصف الشهر".

من جانبه، استنكر حزب "التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات" (يساري) في بيان 6 نوفمبر، ما وصفه بـ"تعاطي حكومة سعيد السلبي أمام الصعوبات المالية للصيدلية المركزية التي تهدد أمننا العام الصحي وتسببت في خسارة عشرات مواطن الشغل في قطاع الأدوية".

النفي ليس حلا

وقبل إعلان "توقيف توزيع الأدوية" بأيام، قررت ثلاث شركات أجنبية متخصصة في صناعة وتسويق الأدوية مغادرة تونس؛ بسبب "تعقيدات وطول الإجراءات الإدارية المتعمدة".

لكن وزير الصحة، علي المرابط، قلل من تداعيات تلك المغادرة على سوق الأدوية الوطنية، بل رأى فيها "محفزا" لبلاده للاستثمار ودعم المؤسسات الوطنية المتخصصة في إنتاج الدواء.

وخلال تصريحات صحفية، في 3 نوفمبر 2022، قال المرابط: "يجب على تونس أن تعول على نفسها في صناعة الدواء واللقاحات".

وعد أن "هذا القرار لا يعني غياب الأدوية، هم قرروا فقط إيقاف الترويج لأدويتهم لدى الصيدليات التونسية".

وأشار وزير الصحة إلى أن "هذا القرار يعد فرصة لتونس حتى تعول على نفسها في صناعة الأدوية، علينا التعويل على أنفسنا".

أيضا نفى الوزير في تصريحه "وجود غياب في أدوية الأمراض المزمنة".

لكن رئيس النقابة التونسية لأصحاب الصيدليات الخاصة، نوفل عميرة، علق على تصريح وزير الصحة قائلا: "النفي لا يحل المشكل..".

وأوضح عميرة خلال برنامج "ميدي شو" في 4 نوفمبر 2022، أن ''قائمة الأدوية المفقودة متحركة، لكن تبقى بعض الأدوية غير موجودة، ومؤخرا تفاقمت العملية، خاصة مع المشاكل مع المخابر الأجنبية..''.

وأوضح أن فقدان بعض الأدوية في تونس يعود إلى 3 مشاكل أساسية، من بينها أن منظومة التغطية الاجتماعية تمر بصعوبات كبيرة، مما أدى إلى فقدان السيولة لدى الصيدلية المركزية.

كما انتقد رئيس النقابة التونسية لأصحاب الصيدليات الخاصة طول المدة الزمنية التي يستغرقها دخول دواء جديد إلى تونس، قائلا: "كي يدخل دواء جديد فذلك يتطلب 5 سنوات، بينما في الإمارات مثلا، الأمر لا يستغرق سوى 45 يوما".

وفي سياق متصل، أوضح عميرة أن "المخابر الأجنبية تستثمر في المخابر التونسية، وبالتالي خروجها من تونس ليس في صالح المصنعين المحليين".

نقص فادح

"جمعية التحدي لمكافحة السرطان" في تونس، أطلقت "صيحة فزع" بعد قرار غرفة المؤسسات الصيدلية الموزعة للأدوية إيقاف نشاطها.

وقال رئيس الجمعية، نبيل فتح الله، إن "الأدوية الأساسية لمعالجة السرطان وأدوية العلاج الكيميائي وأدوية الأشعة مفقودة في الصيدليات لأكثر من ثلاثة أشهر، ما تسبب في تداعيات جسيمة على المرضى يمكن أن تتفاقم مع إعلان الغرفة إيقاف النشاط".

ولفت في تصريح لوكالة أنباء تونس الرسمية، في 3 نوفمبر، إلى أن "أزمة فقدان الأدوية أودت بحياة العديد من المرضى الى جانب تأخير المواعيد، ما يتسبب في تقدم مراحل المرض فضلا عن التداعيات النفسية على المرضى بسبب عدم تمكنهم من الحصول على الأدوية وشعورهم بأن حياتهم في خطر".

وأشار إلى أن "مرض السرطان يشهد انتشارا كبيرا، حيث سجلت تونس سنة 2021 أكثر من 18 ألف حالة جديدة".

وأعرب عن استغرابه "من تواصل الوضع المتأزم لقطاع الأدوية في تونس الذي طال حتى الأمراض المزمنة، بسبب عدم توفر الأدوية المعالجة".

وعد فتح الله أن "جميع القطاعات مترابطة ويجب معالجة الإشكاليات العالقة وإيجاد الحلول الكفيلة التي تضمن حق الصحة لجميع المواطنين ومبدأ تكافؤ الفرص في الحصول على العلاج".

رئيس قسم أمراض الدم بالمستشفى الجامعي فرحات حشاد بسوسة، الدكتور عبد الرحيم خليف، أكد "تسجيل نقص فادح في عديد الأدوية، وخاصة منها المرتبطة بسرطانات الدم الحادة التي تؤثر بشكل مباشر على حياة المريض والتي يعد تأخر توفيرها مجازفة حقيقية بحياة المرضى".

وذكر خليف لصحيفة "الصباح" في 2 نوفمبر 2022، أن "هذا الوضع يعيش تداعياته النفسية الطاقم الطبي بقسم أمراض الدم، إذ قد يدفع المريض حياته في أحيان كثيرة ضريبة فقدان الدواء".

وشدد على أنه "تم إشعار الصيدلية المركزية منذ أغسطس/آب 2022 ولفت انتباهها إلى أن النقص الفادح وغير المقبول في أدوية سرطانات الدم الحادة، لا تعوض بأخرى من خلال توجيه أكثر من مراسلة، غير أن الوضع بقي على حاله وبقي المريض والطبيب يتحملان الوزر ويعيشان الضغط النفسي".

ورأى رئيس قسم أمراض الدم أن "تسجيل اضطراب ظرفي في التزود بالأدوية الحياتية بسبب خلل في سلسلة الإنتاج قد يحصل حتى في بلدان متطورة على غرار أميركا، إلا أن هذه الدول تكون مستعدة للطوارئ ولتغطية النقص من خلال تخصيصها مسبقا لمخزون احتياطي من الأدوية".

وختم خليف حديثه بالقول: "تسجيل نقص في أدوية حياتية دون اتخاذ الاحتياطات اللازمة هذا ما لا يمكن القبول به، لأن بلوغ مستوى صفر مخزون هو في حقيقة الأمر استهتار بأرواح البشر وسوء تصرف، فالمريض لا يهتم بالأسباب بقدر ما تهمه النتيجة، لأن التخطيط والتسيير والتوقع والاستشراف ليس من مشمولاته".