التجنيد الإلزامي يثير انقساما في العراق.. عسكرة وفساد أم ضرورة وطنية؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

يشهد العراق حالة من الانقسام السياسي والشعبي بعد إعلان البرلمان عزمه تشريع قانون يعيد التجنيد الإلزامي في صفوف الجيش.

ويرى المؤيدون للمشروع أن التجنيد ضرورة للحفاظ على الهوية الوطنية وحماية لأمن البلد، فيما يعده المعارضون بابا جديدا للفساد وعسكرة للمجتمع.

وفي 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، قرر البرلمان تأجيل قراءة مشروع قانون "خدمة العلم" (التجنيد الإلزامي) إلى جلسة أخرى.

فيما أعلنت النائبة العراقية زهرة البجاري، أن "النواب نجحوا في سحب‏ مشروع قانون الخدمة الإلزامية من جدول أعمال الجلسة، ولن يقدم مستقبلا".

خلاف برلماني

من أكثر الداعمين لإقرار القانون، كان رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، الذي أعلن عبر "تويتر" في 3 نوفمبر 2022، أن المضي بتشريع "خدمة العلم" يضمن إعداد جيل من الشباب أكثر قدرة على مواجهة مصاعب الحياة، مُلِمٍّ بالحقوق والواجبات، ومتحفِّز لحفظ الدولة وسيادتها، ويسهم في تعزيز منظومة القيم والأخلاق والانضباط والالتزام بالهُوية الوطنية.

من جهته، رأى النائب، سكفان سندي، العضو في لجنة الدفاع النيابية، في 6 نوفمبر 2022، أن "تشريع قانون (الخدمة الإلزامية) ضروري لوجود مخاطر تتعلق بالإرهاب في البلاد"، وفق حديث لوكالة الأنباء العراقية (واع) .

وأوضحت لجنة الأمن والدفاع أن تطبيق مشروع قانون خدمة العلم سيجرى بعد تشريعه وبعد سنتين من نشره بجريدة الوقائع العراقية، مما يعني وجود متسع من الوقت لتهيئة مستلزماته المالية كافة وتهيئة المعسكرات.

ولفت إلى أن المنضمين إلى الخدمة يحصلون على راتب شهري يتراوح بين 600 و700 ألف دينار (نحو 480 دولارا).

من جانبه، قال عضو اللجنة النائب ياسر وتوت، إن "البرلمان ماضٍ في تشريع القانون، وهو من أولويات عمل اللجنة"، مشيرا في تصريحات للصحفيين، أن "مشكلتنا الوحيدة في هذا الجانب قلة المعسكرات، لذا نأمل أن نجد الخطة المناسبة، بما يخصّ مراكز التدريب أو التطوع، وهو ما يعاني منه رئيس أركان الجيش".

وفي المقابل، رأى النائب الإيزيدي صائب خدر في 6 نوفمبر 2022 أن "عسكرة المجتمع لن تخلق محبة للوطن، وهناك خلط بين سلوك الماضي والواقع الحالي في عقول البعض، الشباب العراقي ليس بحاجة تجنيد إلزامي، بل هناك حاجة حقيقية لفرص عمل لتنشيط القطاع الخاص".

وأشار خدر إلى أن "الاهتمام بالتعليم لغرض خلق وعي وطني وقضايا أخرى تساعدهم على تحقيق وجودهم خير لهم من الخدمة الإلزامية التي لن تعالج قضايا اجتماعية أو وطنية أو ثقافية كما يتوهم البعض إنما العكس"، وفي حديث لوكالة الصحافة الفرنسية.

فيما أعلن النائب المستقل، رائد المالكي، عبر بيان رسمي في 5 نوفمبر 2022، رفضه "تشريع قانون الخدمة الإلزامية في الوقت الحالي وإنما يجب الالتفات الى استكمال عمل مؤسسات مهمة أخرى وخلق بيئة اقتصادية وتنظيم التشكيلات العسكرية والأمنية وتخليصها من الفساد والمحاصصة".

من جهته، قال النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني ماجد شنكالي، إننا "نحتاج حاليا إلى تكثيف جهود الحكومة والبرلمان بالملف الاقتصادي لأن الشعب يعاني من قلة فرص العمل والبطالة والفقر"، مؤكدا أن "هذا الملف أهم من الذهاب إلى عسكرة المجتمع إذ لا بد من احتواء الشباب".

وأوضح النائب خلال تصريح لوكالة "شفق نيوز" العراقية في 5 نوفمبر أن حزبه "لن يدعم قانون خدمة العلم وليس مؤمنا بعسكرة المجتمع".

وأشار إلى أن "عدد المتطوعين في السابق قليل جدا وكانوا يستخدمون هذا القانون للحروب وغيرها، أما الآن فلسنا بحاجة إليه، والأفضل استخدام الأموال التي ستصرف لتنفيذ المشاريع الصناعية والزراعية".

ومن المقرر أن يشمل القانون في حال تشريعه من هم ما بين أعمار 18 و35 عاما، وأن "عمر الخدمة يحدد على وفق التحصيل الدراسي لكل مستحق".

فمن يمتلك شهادة متوسطة يخدم 18 شهرا، والإعدادية 12 شهرا، والشهادة الجامعية أو المعهد أو ما يعادلها 9 أشهر، وشهادة الماجستير أو ما يعادلها 6 أشهر، أما حامل شهادة الدكتوراه فمدة خدمته 3 أشهر، وفق قوله.

تحذيرات وانتقادات

وعلى وقع التبيان بين النواب في البرلمان بخصوص تشريع القانون، نشر السياسي والوزير العراقي السابق لؤي الخطيب، سلسلة تغريدات على حسابه بموقع "تويتر" في 4 نوفمبر 2022 حذر فيها من تداعيات إقرار الخدمة الإلزامية على مستقبل الشباب العراقي.

وقال الخطيب: "لن أناقش جدلية التجنيد الإلزامي فقد أُشبع نقاشا وانتُقد من مجمل الأوساط العراقية في بيان سلبياته خصوصا في موضوع عسكرة المجتمع. لكن هل يعلم مجلس النواب أن هذا القانون سيمنع الفرد العراقي من استحصال فيزا للدول الغربية التي تحظر كل مَن تدرب على السلاح في بلدان كانت حاضنة للإرهاب؟".

وأوضح السياسي العراقي أن "التجنيد الإلزامي سيؤثر سلبا على حركة الشباب العراقي خارج البلاد خصوصا شريحة الطلبة الذين يرومون الدراسة أو الابتعاث أو السياحة وتحديداً إلى الدول الغربية التي تقيّد منح التأشيرة لكل من تدرب على السلاح وفنون القتال في بلد تعرض للحروب والانفلات الأمني أو كان حاضنة للإرهاب".

ولفت إلى أن "التجنيد الإلزامي لا يضمن تهذيب الشباب، لأن موضوع التهذيب عائد إلى البيئة الاجتماعية والأسرة".

وبين أن "البديل لضبط سلوكيات الشباب يكون من خلال ترشيد الخطاب الإعلامي وتوفير مراكز التدريب المهني وجعلها ملزمة ليكتسبوا مهارات تعينهم في تطوير كفاءاتهم وزجهم في مشاريع إعادة إعمار العراق".

وعلى الصعيد ذاته، انتقد الخبير بالشأن السياسي عبد الجبار أحمد، خلال تغريدته في 5 نوفمبر، التوجه لإقرار قانون الخدمة الإلزامية، بالقول إن "الهوية الوطنية التي تريدونها، عبر (خدمة العلم)، لن تتحقق، لأنكم أصلا ضربتم المواطنة والهوية الوطنية بسلاح المحاصصة".

وأضاف أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، قائلا: "من يرد الهوية الوطنية فطريقها واضح، اعدلوا في توزيع الثروات، وامنحوا فرص العمل، وافتحوا المنتديات للشباب، وتنازلوا عن مسمياتكم الفرعية، عندها تتحقق الهوية الوطنية".

وفي السياق، رأى الإعلامي العراقي، عزيز الربيعي عبر "تويتر" في 4 نوفمبر أن "قانون التجنيد الإلزامي يأتي ضمن خطة وضعتها القوى السياسية في العراق لتنفيذ ما يعرف بمشروع حماية النظام، حمايته من الشباب المطالبين بالحقوق عبر زجهم في معسكرات التجنيد بهدف السيطرة على تحركاتهم".

"إنهاء للغبن"

وعلى النقيض من الانتقادات والتحذيرات، رأى الخبير الأمني العراقي المستشار السابق في وزارة الدفاع، معن الجبوري، أن "الجيش العراقي بحاجة إلى تجديد طاقاته البشرية، لأن هؤلاء المنخرطين فيه حاليا هم ممن تطوعوا في بداية إعادة تشكيله عام 2004، وأعمارهم اليوم ربما تصل إلى 50 عاما".

وأوضح الجبوري خلال مقابلة تلفزيونية في 6 نوفمبر أنه "الآن توجد نحو 40 مليون قطعة سلاح بيد الشارع العراقي بين العشائر أو غيرهم، ومن النادر أنك لا تجد قطعة سلاح في كل بيت، والدليل أن النزاعات التي تحصل بين العشائر تستخدم فيها الأسلحة المتوسطة والثقيلة، بمعنى أن الخصومات بينهم تحل بحروب داخلية".

وتابع: "كذلك هناك فصائل مسلحة كثيرة قد يصل عددها لنحو 100 خارج نطاق الدولة، وهذه كلها عسكرة للمجتمع".

لكن عندما يكون الجندي يعمل وفق سياقات دولة ويحمي البلد ويحارب الإرهاب والعصابات الخارجة عن القانون ويعمل بإمرة الدولة والقائد العام للقوات المسلحة، نسميها عسكرة مجتمع؟، وفق تساؤله.

وأردف: "صحيح أن السلاح المنتشر بيد العشائر وغيرها لن ينسحب إذا أعيد التجنيد الإلزامي، لكن على الأقل تكون هناك قوة ضاربة مدربة تستطيع أن تسيطر على هذه العشائر وتقوم بعمليات احتواء السلاح والمعارك، لكن لماذا أسمح للعشائر والأحزاب والخارجين عن القانون بالتسلح ولا أسمح بجيش عراقي وطني؟".

وبخصوص شرط إلزامية التجنيد ما دام باب التطوع مفتوحا، قال الجبوري إن "الأكراد لديهم قوات البيشمركة والأسايش (أمن الإقليم) إضافة إلى نسبتهم في القوات المسلحة، لكن المكون السني يتحدث عن غبن في الجيش سواء في أعداد الضباط أو المنتسبين، مما أدى إلى أن تكون مناطقهم لقمة سائغة للتنظيمات الإرهابية".

وشدد الجبوري على ضرورة "إحداث توازن في الجيش، لذلك فالتجنيد الإلزامي سيجمع جميع أبناء الوطني تحت هوية وطنية واحدة ويكلفون بواجب واحد، وبالتالي يجب أن تكون هذه الفرضية السائدة، وأن الغبن يبقى لطرف دون آخر إذا بقي الأمر على صيغة التطوع الحالية".

من جهته، قال المفكر والسياسي العراقي، غالب الشابندر خلال مقابلة تلفزيونية في 6 نوفمبر 2022 إن "تأسيس جيش قوي لا يعني عسكرة المجتمع أبدا.

وأرجع ذلك إلى أن "عسكرة المجتمع علميا تعني تجييشه بكل ما يملك من طاقات وقابليات وخيرات لصالح عقيدة معينة أو حزب معين أو شخص معين".

وأضاف: "العسكرة هي أن تتأسس تشكيلات عسكرية بعد ثورة أو انقلاب، وأن تكون هناك تكتلات مسلحة بعنوان عقائدي، على عكس الجيش الحيادي الذي ينقذ البلد من أي شيء يعسكر المجتمع".

وشدد الشابندر على أنه "لا يغني وجود الحشد الشعبي أو قوات الشرطة الاتحادية عن وجود جيش في البلاد لحماية الحدود من الغزوات الخارجية، فهذه إيران التي تعتمد على الحرس الثوري لم تستغن عن جيشها".

ولفت إلى أن هناك من يتهم الجيش العراقي الحالي، بأنه انسحب أثناء دخول تنظيم الدولة للبلد عام 2014، ولكنهم نسوا أن من كانوا وراء الانسحاب هم مجموعة ضباط والمسؤول عن ذلك هو رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، لأنه لم يحسن الاختيار وكذلك سياسته لم تنجح ببناء جيش قوي".

ويعود التجنيد الإلزامي في العراق إلى عام 1932، وانتهى عام 2003 بقرار من الحاكم الأميركي المدني بول بريمر بحل الجيش العراقي، ثم جرى تأسيس جيش جديد وفق نظام التعاقد والتطوع بدون إلزام.

وخلال 19 عاما تلت تأسيس الجيش الجديد، تضخمت أعداد المنتسبين للقوات الأمنية العراقية بمختلف تشكيلاتها (جيش، داخلية، مكافحة إرهاب، حشد شعبي، بيشمركة) لتصل إلى نحو 1.8 مليون عنصر، منها نحو 700 ألف عنصر بالجيش العراقي فقط.