السوداني يوسع نفوذ مليشيات إيران في الحكومة العراقية.. ما التداعيات؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

أثار تعيين رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، عددا من كبار المسؤولين في الحكومة ومكتبه الخاص، تساؤلات كثيرة حيال توجهاته في إدارة كابينته الوزارية، والتداعيات المحتملة التي قد تترب على النهج المتبع في شغل هذه المناصب المهمة.

وفي 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، نالت حكومة السوداني ثقة البرلمان العراقي، بعد التصويت على 21 وزارة، من أصل 23، إذ جرى تأجيل الإعلان عن وزيري البيئة، والإعمار والإسكان المخصصتين للمكون الكردي، لخلافات بين الأحزاب الكردية على تقاسمها.

تمكين وتطهير

وفي خطوة تشير إلى تمكين المليشيات من مناصب حكومية عليا، عين السوداني في حكومته وزيرين ينتميان لمعسكر إيران المسلح، الأول زعيم مليشيا "جند الإمام" أحمد الأسدي، وزيرا للعمل والشؤون الاجتماعية، والثاني، القيادي في "عصائب أهل الحق" نعيم العبودي، وزيرا للتعليم العالي والبحث العلمي.

ولم يكتف السوداني عند هذا الحد، فسلم إدارة مكتبه الإعلامي الخاص إلى الصحفي ربيع نادر الذي عمل في وسائل إعلام مختلفة تابعة للمليشيات، أبرزها "قناة الاتجاه" التابعة لـ"كتائب حزب الله" و"قناة العهد" المملوكة لـ"عصائب أهل الحق"، واللتان تصنفهما واشنطن "جماعتين إرهابيتين".

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2019، عندما كان عادل عبد المهدي رئيسا للحكومة التحق نادر بالمكتب الإعلامي لرئاسة الوزراء، لكنه بقي في هذا القسم طوال فترة ولاية عبد المهدي، ثم جرى تهميشه لاحقا عندما تولى مصطفى الكاظمي منصب رئيس مجلس الوزراء.

ومن ضمن تغييرات السوداني، تعيين النائب العراقي السابق إحسان العوادي مديرا لمكتب رئيس الوزراء، بعدما كان مديرا لدائرة دول الجوار في وزارة الخارجية العراقية، وهو متهم بالكثير من السرقات ونهب المال العام، إضافة إلى سوء الإدارة.

وفي إجراءات وصفت بأنها عملية تطهير لقادة ومسؤولين ومستشارين معروفين بموقفهم المضاد لسياسات طهران بالعراق، أقدم السوداني مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 على إعفاء 400 مسؤول من منصبه، واستبدال بعضهم بمجموعة من الموالين لإيران.

كما قرر السوداني الذي يمثل قوى الإطار التنسيقي القريب من إيران إلغاء جميع الأوامر الديوانية الصادرة عن حكومة الكاظمي بعد تاريخ 8 أكتوبر 2021، بحجة أنها صدرت عن حكومة تصريف للأعمال بعد الانتخابات المبكرة التي جرت في الشهر نفسه.

وشملت حركة الاعفاءات كلا من رئيسي جهاز المخابرات رائد جوحي وجهاز الأمن الوطني حميد الشطري، ومستشار رئيس جهاز الأمن الوطني مهند نعيم، وكذلك إعفاء المستشار السياسي لرئيس الوزراء مشرق عباس، ومحافظي النجف وذي قار وبابل الجنوبية وصلاح الدين الغربية.

وأقال السوداني بصفته القائد العام للقوات المسلحة الفريق الركن حامد الزهيري من منصب قائد الفرقة الخاصة المسؤولة عن حماية المنطقة الخضراء، وكذلك أعفى صفية السهيل، وعمر البرزنجي من منصبهما كوكيلين لوزارة الخارجية.

كما أحال السوداني الفريق محمد البياتي، إلى إدارة الإمرة، وهي وظيفة هامشية في وزارة الدفاع، بعد أن كان السكرتير العسكري للكاظمي، وعين بدلا منه الفريق الركن سعد العلاق.

"رصاصة الرحمة"

وفي ظل حركة التطهير التي اتخذها السوداني في بداية عهده، وتعيين شخصيات تنتمي للمليشيات الموالية لإيران وأخرى عليها مؤشرات فساد، حذر مراقبون من تداعيات محتملة على حكومته، واصفين هذه التعيينات بأنها قد تكون بمثابة "رصاصة الرحمة".

وقال مصدر سياسي عراقي لـ"الاستقلال"، مفضلا عدم الكشف عن هويته، إن "تعيين إحسان العوادي مديرا لمكتب رئيس الوزراء يعد بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة على حكومة السوداني، لأنه معروف بتاريخه الأسود في وزارة الخارجية من جميع الموظفين فيها".

وأضاف أن "العوادي يوصف بالسارق داخل الوزارة، فقد حصل على درجة (وزير مفوض) في الخارجية في عهد الوزير الأسبق إبراهيم الجعفري،  وهو شخص سبق أن حكم عليه بجناية من محكمة استئناف الديوانية بتاريخ 25 يونيو 2014".

ولفت المصدر إلى أن "العوادي أسس لدمار وزارة الخارجية العراقية بعدما سلم له الجعفري مقاليد الأمور بالوزارة، فهو بعقلية أمنية وعنده متابعات إدارية بنفسية انتقامية، لذلك فإنه إذا تسلم منصبه الجديد فهي بداية دمار السوداني".

وفي السياق ذاته، علق تقرير صدر عن "معهد واشنطن" في 3 نوفمبر 2022 على تعيين مدير مكتب إعلام السوداني، بالقول: "لدى ربيع نادر تاريخ طويل في العمل مع كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق، الجماعتين اللتين وضعتهما الولايات المتحدة على قائمة الإرهاب، لذا فإن تعيينه قد يعرض مكتب السوداني لخطر العقوبات المحتملة".

ونصح المعهد الأميركي في تقريره الحكومات الغربية بألا "تنخدع بقبول الفكرة القائلة إن مدراء المحتوى في قناتين تابعتين لكتائب حزب الله وعصائب أهل الحق هم مجرد تكنوقراط، وإعلاميون يقومون بوظائفهم".

وتابع: فالموظفون في قناتي الاتجاه والعهد يخضعون للتدقيق الأمني ​​الشخصي من قبل الحرس الثوري الإيراني، ويتم اختيارهم بشكل عام على أساس التقارب الأيديولوجي المعلن مع هذه المنظمات.

وأردف: لذلك، يجب أن ينظر بقلق إلى عملية وضع مسؤول دعائي من أوساط المليشيات على رأس مكتب إعلام السوداني، وأن تعد هذه الخطوة شكلا من أشكال الأدلة الداعمة التي قد تعرض مكتب رئيس الوزراء نفسه للعقوبات.

وفي 3 نوفمبر 2022 أجرى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن اتصالا هاتفيا مع السوداني، قدم فيه تهانيه بمناسبة تشكيل الحكومة ومباشرة مهامه"، حسبما أفاد بيان للخارجية الأميركية.

ووفق البيان، فإن بلينكن نقل خلال الاتصال "حرص الولايات المتحدة على العمل مع حكومة وشعب العراق لتعزيز احترام حقوق الإنسان وزيادة الفرص الاقتصادية وتعزيز استقلال العراق في مجال الطاقة ومعالجة أزمة المناخ"، دون مزيد من التفاصيل.

"منزلق خطير"

وعلى صعيد التداعيات ذاته، قال أستاذ العلوم السياسية في العراق مهند الجنابي، إن "رئيس مجلس الوزراء لم يقم باختيار شخصيات إدارة الكابينة الجديدة على أسس الكفاءة والنزاهة"، لافتا إلى أن "سلوكيات بعض الوزراء وعوائلهم أظهرت حكومة السوداني بين أسوأ التشكيلات الوزارية منذ 2003".

ولفت الجنابي خلال تصريح لموقع "ألترا عراق" مطلع نوفمبر إلى أن "تكليف وزير متهم بالتزوير وآخر دون مؤهلات وشخصيات من هذا النوع في المناصب الرفيعة، يشير إلى حجم الأزمة التي يعيشها نظام الحكم في العراق، وقد يدفع البلاد إلى منزلق خطير جدا، في ظل تجاهل الرغبة الشعبية العارمة بالتغيير".

وقبل ذلك، طرح الكاتب العراقي صادق الطائي جملة تساؤلات بالقول إن "التحديات التي ستواجه حكومة السوداني هي ذات التحديات التي واجهت الحكومات السابقة، فهل يستطيع هو أن يقدم خدمات الكهرباء والماء والصحة والنقل أفضل من سابقيه؟ وهل يستطيع إنقاذ الاقتصاد المتهاوي المرتبط بسعر النفط والذي سينهار مع أول هزة في أسعار البترول العالمية؟".

وتابع الطائي خلال مقال نشرته صحيفة "القدس العربي" في 22 أكتوبر: "هل يستطيع السوداني محاربة الفساد، وتايكوناته (حيتان الفساد) تحيطه إحاطة السوار بالمعصم؟ وهل سيضبط الأمن ويسيطر على السلاح المنفلت؟ بالتأكيد هذه التحديات كبيرة".

وعن التحديات الإقليمية التي تواجه حكومة السوداني، قال الطائي: "فما نزال نعاني من نفس الدوامة، وطالما سيطر الولائيون (موالون لإيران) على مفاصل حكومة السوداني فإن التأثير الإيراني، وانعكاس الأوراق التي تلعبها إيران إقليميا ستكون عامل توتر إقليمي بالنسبة لحكومة السوداني".

وخلص الطائي إلى أنه "مع كل الترحيب الدبلوماسي الذي أعلنته دول المنطقة بشكل عام ودول الخليج بشكل خاص بخروج العراق من حالة الانسداد السياسي، إلا أن التوتر الإيراني الخليجي سيكون له الكلمة الفصل في وجهات التوترات الإقليمية وانعكاسها على العراق".

وخلال مؤتمر صحفي عقده مطلع نوفمبر، برر السوداني إلغاء قرارات حكومة الكاظمي بالقول إن: "حكومة تصريف الأعمال ليس لديها صلاحية إصدار أوامر التعيين والاتفاقات وفقا لقرار المحكمة الاتحادية".

وادعى السوداني أن "إلغاء قرارات تعيين رؤساء أجهزة ومستشارين ليس ضمن حسابات سياسة أو إقصاء جهات معينة"، مشيرا إلى أن "قرارات المحكمة الاتحادية واجبة التطبيق، وأن منهج عمل هذه الحكومة سيكون باتجاه تنفيذ القانون والقرارات القضائية".