بعد اتفاقه وإسرائيل.. احتمالات نجاح لبنان بترسيم حدوده البحرية مع قبرص

لندن - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

ودع الرئيس اللبناني ميشال عون فترة ولايته الرئاسية التي انتهت في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2022 برميه على الطاولة ملف ترسيم الحدود البحرية مع قبرص المعطل منذ عام 2007.

وعقب لقاءات عقدها وفد من قبرص مع مسؤولين لبنانيين، في 28 أكتوبر 2022، خلال زيارة إلى بيروت، أعلن لبنان التوصل إلى صيغة لترسيم الحدود البحرية بينهما.

واجتمع الوفد القبرصي بوزير الأشغال اللبناني "علي حمية" المحسوب على حزب الله (شيعي)، بحضور أعضاء هيئة قطاع النفط وضباط من مصلحة الهيدروغرافيا في الجيش اللبناني.

نقطة الالتقاء

وجرى التوصل خلال الاجتماع إلى صيغة وفق الإجراءات القانونية المتبعة والمتعلقة بتعديل الحدود البحرية تستند إلى المرسوم 6433، واعتماد النقطة 23 جنوبا الحدودية، بحسب ما جاء ببيان للرئاسية اللبنانية.

وأوضح نائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب، أن الصيغة تعتمد شمالا خط الوسط بين لبنان وقبرص، على أن تحدد نقطة الالتقاء بعد أن يتفق عليها بيروت ودمشق.

كما استقبل عون وكيل وزارة الخارجية القبرصية السابق تاسوس تزيونيس والوفد المرافق، في قصر الرئاسة اللبنانية، بحضور بو صعب.

وفي وقت لاحق قرر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي تشكيل لجنة برئاسة وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية، مهمتها إجراء ما يلزم في سبيل التحضير والإعداد لمشاريع تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة من الجهتين الغربية والشمالية مع كل من قبرص وسوريا.

ومنذ بداية المفاوضات بين لبنان وقبرص حول الترسيم المذكور كانت نتائجها محسومة بعدم التوصل لاتفاق.

وجاء ذلك نتيجة لعدم مشاركة النظام السوري في مباحثات ثنائية مع قبرص أو لبنان حول ترسيم الحدود البحرية مع كليهما.

وأيضا لوجود نقاط خلافية حول النقاط البحرية مع إسرائيل، مما أوجد ثغرات خلافية بين بيروت ونيقوسيا.

لكن قبرص توصلت إلى اتفاقية ثنائية مع إسرائيل حول ترسيم الحدود البحرية بينهما ودخلت حيز التنفيذ في 25 فبراير/شباط 2011.

وراهنا، وجد لبنان أن الفرصة سانحة أمامه لتحريك ملف ترسيم الحدود البحرية مع قبرص مجددا دون وسيط، في ظل الظروف الدولية التي باتت فيه الطاقة وتأمينها الشغل الشاغل للدول عقب حرب روسيا على أوكرانيا منذ 24 فبراير/شباط 2022.

حدود متشابكة

أما المحرك الأساس الذي أعطى لبنان دفعة للأمام لتسريع حسم الملف الحدودي البحري مع قبرص، هو توصله لاتفاق مماثل مع إسرائيل وصف بـ"التاريخي".

وفي 27 أكتوبر 2022 وقع لبنان مع إسرائيل، واللذان لا يزالان من الناحية الفنية في حالة حرب منذ عام 1948، اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بينهما بوساطة أميركية لإزالة العقبات أمام إنتاج الغاز الطبيعي قبالة سواحلهما، بعد مراسم أقيمت في قاعدة للأمم المتحدة بالقرب من الحدود.

ويأمل لبنان أن يمهد ترسيم الحدود البحرية الطريق للتنقيب عن الغاز للمساعدة في انتشاله من أزمته الاقتصادية التي دخل بها منذ عام 2019، وأوقعت ثلاثة أرباع سكانه في براثن الفقر.

ففي أبريل 2009 توصلت لجنة لبنانية إلى ترسيم الحدود البحرية للبنان جنوبا وشمالا، إذ أصبح الطرف الجنوبي هو النقطة الثلاثية "23" جنوب النقطة رقم "1" والطرف الشمالي النقطة الثلاثية 7 شمال بات النقطة رقم "6".

وفي يوليو/تموز 2010 أودع لبنان الأمم المتحدة إحداثيات حدود منطقته الاقتصادية الخالصة الجنوبية بشكل منفرد، وإحداثيات الحدود الشمالية مع سوريا في النقطة "7".

ورغم ذلك، فإن لبنان وقع مع قبرص في 17 يناير/كانون الثاني 2007 اتفاقية حول تعيين حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بدءا من النقطة "1" إلى "6"، بهدف توطيد علاقات حسن الجوار والتعاون فيما بينهما لاستثمار الثروات النفطية.

وبحسب موقع الجيش اللبناني، استندت هذه الاتفاقية إلى القوانين المرعية في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وجرى تحديد المنطقة الخالصة بين لبنان وقبرص على أساس خط الوسط.

لكن بعد توقيع قبرص اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل عام 2011، لتحديد المنطقة الاقتصادية الخاصة بينهما، اتهم لبنان الجزيرة بتجاهل ما جرى الاتفاق عليه معها، ما أدى إلى خسارته مساحة مائية تزيد على 860 كلم2 من منطقته الخاصة التي تحتوي كميات كبيرة من النفط والغاز.

وبموجب الاتفاقية المذكورة جرى تحديد النقطة "1" كنقطة تقاطع مشتركة بين الحدود الثلاثة، اللبنانية والقبرصية والإسرائيلية.

وفي عام 2009 صدقت قبرص على هذه الاتفاقية، لكن لبنان لم يفعل، إذ أدركت بيروت أنه بسبب خطأ فني كانت المساحة الممنوحة له أصغر من تلك التي تحق له بموجب قانون البحار.

وعليه صححت الحكومة اللبنانية الخطأ بمرسوم (6433/2011) وأرسلت إلى الأمم المتحدة قائمة الإحداثيات الجغرافية التي تحدد منطقتها الاقتصادية الخالصة مع قبرص وإسرائيل.

ووفقا لهذه القائمة جرى نقل النقطة "1" إلى النقطة "23" الواقعة جنوبا، وهذا يعطي لبنان 860 كيلومترا مربعا إضافيا.

ومع ذلك، فإن اتفاقية إسرائيل وقبرص أخذت بالاعتبار نقطة الفصل "1"، مما أدى إلى نزاع على مساحة 860 كيلومترا غنية بالنفط والغاز الطبيعي بين بيروت وتل أبيب.

وحينها تدخلت الولايات المتحدة كوسيط وانطلقت مفاوضات بين لبنان وإسرائيل عام 2010 انتهت بالتوصل لاتفاق عام 2022.

واتهم لبنانيون الطبقة السياسية بتخليها عن أكثر من 1430 كلم2 لإسرائيل، فيها ثروة نفطية وغازية تزيد عن مئات مليارات الدولارات.

نقاط عالقة

المساحة البحرية المشتركة بين لبنان وقبرص تبلغ حوالي 31265.34 كلم2، وإذا ما جرى تقاسم هذه المساحة المائية نسبة لطول الاتجاه العام للشاطئ لكلا الدولتين، فإن حصة لبنان تبلغ 20217.551 كلم2، وحصة قبرص تبلغ 11047.791 كلم2.

وفي حال فشل المفاوضات حول تعديل الاتفاق بين لبنان وقبرص، يمكن اللجوء إلى التحكيم بموجب الملحق السابع من اتفاقية قانون البحار.

تتألف الجزيرة القبرصية حاليا من دولتين مستقلتين، إحداهما معترف بها وعضو في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وهي الجمهورية القبرصية وعاصمتها "نيقوسيا"، ومقامة على 65 بالمئة من مساحة الجزيرة.

والثانية مستقلة لكن غير معترف بها سوى من تركيا وتسمى "جمهورية شمالي قبرص التركية"، وتضم 35 بالمئة من بقية مساحة الجزيرة وعاصمتها "ليفكوشا".

وقبرص هي ثالث جزر البحر الأبيض المتوسط من حيث الحجم بعد جزيرتي صقلية وسردينيا، وتقع في الشمال الشرقي لهذا البحر المهم في طرق الملاحة الرئيسة العالمية، يفصلها عن الشاطئ الجنوبي التركي 75 كم، وعن غرب سوريا 105 كم، وعن لبنان 264 كم.

وتمتلك قبرص، التي تطمح لأن تصبح لاعبا رئيسا في مجال الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط​​، منطقة اقتصادية حصرية رئيسة، مقسمة إلى 12 كتلة وربما غنية بالغاز.

ويؤكد مراقبون أن قبرص تطمح لتعزيز الإمدادات الأوروبية بالغاز ضمن خطة الطاقة للتكتل الأوروبي لخفض الاعتماد على الغاز الروسي.

ولهذا جاء الاجتماع الجديد بين لبنان وقبرص لمناقشة النقاط العالقة بينهما حول موضوع الترسيم البحري.

وسيدخل الطرفان في مناقشات جدية لتصحيح النقاط والإحداثيات، وفي حال الاتفاق عليها يجري إعادة تثبيتها لدى الأمم المتحدة بعد التوقيع عليها رسميا.

إلا أن المسألة العالقة مع قبرص باتت محصورة في نقل الإحداثيات التي كانت قائمة على أساس تصرفات إسرائيل عندما اعتمدت الخط "1" إلى الإحداثيات الجديدة بعد تثبيت الخط "23" من قبل الجانبين اللبناني والإسرائيلي عقب الاتفاق الأخير.

كما أن النقاش سيبقى تمهيديا بين لبنان وقبرص كونه مستندا على ملحق اتفاق العام 2007 من حيث إحداثيات الحدود، لإجراء التعديلات النهائية عليه والتي فكت عقدها الاتفاق الجديد بين بيروت وتل أبيب.

وكذلك لحين انتخاب لبنان رئيس جمهورية جديد بعد انتهاء ولاية ميشال عون في 31 أكتوبر، وخاصة أن المادة 52 من الدستور اللبناني تنص على أن رئيس الجمهورية مسؤول عن التفاوض على الاتفاقيات الدولية.

فضلا عن أن النظام السوري ألغى في 25 أكتوبر 2022 زيارة مقررة لوفد لبناني إلى دمشق، لإجراء محادثات حول ترسيم الحدود البحرية بينهما، معللا ذلك بسبب "عدم وجود وقت ولارتباطات سابقة من الجانب السوري".

لكن بيروت كانت واضحة فور الاجتماع مع الوفد القبرصي، إذ أعلن نائب رئيس مجلس النواب اللبناني إلياس بو صعب أن على لبنان أن يتوصل إلى اتفاق مع سوريا بشأن ترسيم الحدود الشمالية للمضي قدما في ترسيم الحدود البحرية مع قبرص، حيث توجد نقطة حدودية مشتركة بين الدول الثلاث.

ومضى بو صعب يقول في 29 أكتوبر، إن لبنان لن ينهي ملف ترسيم الحدود البحرية مع قبرص إلا بعد التفاهم مع سوريا.

وزاد قائلا: "أوضحنا للطرف القبرصي أننا لسنا في وضع يسمح لنا بترسيم الحدود من جانب واحد، دون اتفاق مع سوريا".

دوافع التحريك

وأمام كمية العقبات التي تعترض طريق توصل لبنان وقبرص لاتفاق مماثل مع إسرائيل، فإن هناك جملة من الأسباب التي دعت بيروت لتحريك الملف المتشابك في هذا التوقيت.

وفي هذا الإطار، ذكرت مصادر مطلعة لموقع "الجمهورية" اللبناني، أن ما بقي عالقا يتصل بضرورة انتظار أن تكتمل المفاوضات مع الجانب السوري، والتي لم تبدأ بعد، لإنهاء البحث بالنقطة الفاصلة بين المناطق الاقتصادية الثلاث اللبنانية والسورية والقبرصية.

وهو أمر انتهى إلى صيغة تقول بضرورة أن تعتمد عملية الترسيم شمالا "خط الوسط بين لبنان وقبرص" باستثناء النقطة الوحيدة العالقة بين الدول الثلاث.

وهنا تبرز الإشكالية الكبرى، إذ إن نجاح التوصل لاتفاق لترسيم الحدود بين لبنان وقبرص مرهون بموافقة النظام السوري حليف روسيا الأول في الشرق الأوسط.

واعتمدت سوريا خطا مستقيما يجعل ما بين 750 كيلومترا مربعا، وألف كيلومتر مربع متداخلا مع لبنان، فصارت منطقة بحرية متنازعا عليها.

وازداد الأمر تعقيدا بفعل الدخول الروسي بالمسح والتنقيب عن النفط في البلوك رقم "1" بعدما وقع النظام السوري في مارس/آذار 2021 عقدا لاستكشاف هذه المنطقة مع شركة كابيتال المحدودة الروسية.

وحينها التزم لبنان الصمت ولم يبد اعتراضه على هذا التنقيب، بسبب وجود حلفاء للنظام السوري لا يريدون التصعيد معه، وفق مراقبين.

وبالتالي فإن روسيا أدخلت نفسها في ملف الحدود السورية اللبنانية المعقد، مما يعني أن لبنان ربما يكون قد بات رهينة أزمة العلاقات بين روسيا والدول الغربية عقب حرب أوكرانيا.

كما أن هناك 36 إشكالية عالقة بين دمشق وبيروت حول ترسيم الحدود البرية أيضا، لوجود عدة مناطق بين البلدين غير مرسمة على طول سلسلة جبال لبنان الشرقية وصولا إلى مزارع شبعا، وهذا ما يعقد التوصل لاتفاق بين قبرص ولبنان.

ويرجع خبراء اقتصاديون إحجام النظام السوري في هذا التوقيت لترسيم الحدود مع لبنان، لوجود مصالح مشتركة بينه وبين حزب الله اللبناني المدعوم من إيران للاستمرار في التهريب البري والبحري وكسر العقوبات الأميركية.

كلمة السر

وبين لبنان وسوريا منطقة بحرية متنازع عليها تبلغ مساحتها أكثر عن 900 كلم مربع، بحسب ما أعلن عون منتصف أكتوبر 2022.

وبات من المتاح الآن حل أزمة الحدود مع قبرص المحاذية للحدود البحرية اللبنانية والإسرائيلية، بعد التوصل إلى اتفاق بين الطرفين.

وذلك بتحديد النقطة الحدودية "23" التي تلتقي فيها حدود هؤلاء الثلاثة جنوبا، فيما تبقى النقطة الحدودية شمال غربي لبنان عالقة، وتنتظر حل النزاع الحدودي مع سوريا.

ويرى لبنان أن المنطقة الواقعة بين النقطة "23" والنقطة "1" لبنانية ويجب ألا تدخل في نص الاتفاق مع قبرص.

وتعد قبرص أن حدودها البحرية تنطلق من النقطة "1"، بينما يعد لبنان أن النقطة "23" هي حدوده البحرية.

ويرى الكاتب والصحفي اللبناني داوود رمال، "أن كلمة السر الأميركية سرعت تحريك لبنان لترسيم الحدود مع قبرص، لأن الجانب الأصعب الذي تمكنت واشنطن من إنجازه هو ترسيم الحدود البحرية الجنوبية بين بيروت وتل أبيب، مما يعني الانتقال بسهولة لترسيم بقية الحدود بالمنطقة الاقتصادية الخالصة مع قبرص وسوريا".

وأضاف رمال في تصريحات تلفزيونية بتاريخ 29 أكتوبر 2022، أنه "في الاتفاق بين لبنان وإسرائيل كان هناك ملاحق سرية تتضمن وعودا من واشنطن لتسهيل مباحثات ترسيم الحدود البحرية مع قبرص، على أن يتولى فريق لبناني آخر ترسيمها مع سوريا".

ولفت رمال إلى أن النظام السوري "لن ينجز ملف ترسيم الحدود البحرية مع لبنان إلا مع الجهة الحليفة له في هذا البلد، وما تكليف وزير الأشغال علي حمية المحسوب على حزب الله للترسيم مع قبرص ثم مع سوريا إلا دلالة على أن النظام السوري يرتاح لهذا المفاوض للتوصل إلى خط وسط توافق عليه الدول الثلاث".

وألمح رمال إلى أن "سوريا كانت معترضة منذ بداية التفاوض بين قبرص ولبنان عام 2007 على أنه سار بشكل منفرد دون التنسيق معه من الجانب اللبناني زمن حكومة فؤاد السنيورة التي توترت العلاقة آنذاك عقب اغتيال رفيق الحريري، إذ إن دمشق وقتها كانت ترى أن الملف يجب أن ينجز بشكل ثلاثي". 

وسبق أن قال رئيس الحكومة اللبنانية السابق فؤاد السنيورة في تصريحات تلفزيونية بتاريخ 14 يونيو 2022، إن "البعض يستخدم ملف ترسيم الحدود البحرية لتحسين شروط التفاوض مع الخارج".

وأشار السنيورة إلى أن "لبنان لم يقم حتى الآن بعمليات تنقيب حقيقية عن الغاز". ولفت السنيورة إلى أن "إسرائيل حددت حدودها البحرية مع قبرص من دون الرجوع إلينا بحسب الاتفاقيات".