اتهامات للحكومة.. ما حقيقة استهداف تنظيم الدولة مزارا شيعيا في إيران؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

مع دخول الاحتجاجات الشعبية في إيران شهرها الثاني، إثر مقتل الشابة مهسا أمينتي على يد "شرطة الآداب"، شهدت مدينة شيراز جنوبي البلاد، هجوما مسلحا على مزار شيعي في 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، أودى بحياة 15 شخصا وإصابة 19 آخرين.

الهجوم المسلح على مزار ومرقد "شاهجراغ" في شيراز الإيرانية، تبناه تنظيم الدولة عبر بيان تداولته وكالات إخبارية وحسابات على موقع "تويتر"، لكن محللين شككوا في هذه الرواية، نظرا لأن التنظيم لم يشن هجمات داخل إيران منذ عدة سنوات.

وكان آخر هجوم تبناه التنظيم في إيران عام 2018، إذ استهدف استعراضا عسكريا بمدينة الأحواز حضره الرئيس السابق حسن روحاني، وأودى بحياة 29 شخصا، علما بأن حركة "النضال العربي لتحرير الأحواز" أعلنت أيضا مسؤوليتها عن هذه العملية "الفدائية".

"حادث مدبّر"

على غرار هجوم الأحواز عام 2018، شككت جهات إيرانية معارضة وأخرى موالية في تبني تنظيم الدولة للهجوم الدامي الذي استهدف مزار "شاهجراغ" في شيراز، إذ وصفته بأنه "حادثة مدبرة"، وأن النظام هو المستفيد الوحيد منها.

وقالت منظمة "مجاهدي خلق" الإيرانية المعارضة إن "انتفاضة الشعب الإيراني بلغت ذروة جديدة اليوم مع نهوض المواطنين في 62 مدينة على الأقل، وبجميع المدن الكبرى و61 جامعة و35 سوقا.

وأضافت في بيان بتاريخ 27 أكتوبر، أنه "في مثل هذه الظروف لا يستفيد أحد أكثر من نظام الملالي وقوات الحرس الثوري ووزارة المخابرات العاجزة من هذه الكارثة اللاإنسانية". 

وتابعت أنه "رغم إعلان تنظيم الدولة مسؤوليته عن الجريمة، فإن الأمر مشكوك فيه. وحتى يثبت العكس، يجب الافتراض أن النظام يقف خلف الكواليس على غرار العديد من الحالات الأخرى".

وأشارت "مجاهدي خلق" إلى أن "مقطع الفيديو الذي تبلغ مدته 30 ثانية والذي نشرته قناة تلغرام لفيلق القدس الإيراني على عجل منذ لحظة بدء الهجوم يزيد من الشكوك والغموض".

وأظهر مقطع فيديو بثته وسائل إعلام محلية في 26 أكتوبر، وقالت إنه من كاميرا مراقبة في المرقد، شابا ذا لحية خفيفة يحمل بندقية رشاشة (كلاشنيكوف) ويطلق النار قرب ما يعتقد أنه ممر عند مدخل المرقد، ويقوم بتلقيم سلاحه مرارا.

وفي السياق ذاته، وجهت قناة على تطبيق "تليغرام" تتبع الشبكة التلفزيونية الإيرانية الأولى (tv1irib_sima)، اتهامات لرئيس استخبارات الحرس الثوري الإيراني السابق ورجل الدين حسين طائب.

وربطت القناة بين "ضبط نفس" النظام بعد الاحتجاجات المندلعة في البلاد منذ سبتمبر 2022، وشملت هتافات نالت المرشد علي خامنئي وحرق صور الخميني وإصابة عناصر من الباسيج والحرس الثوري، و"تعريض طائب وعصابته البلاد للخطر بعمل غبي"، في إشارة إلى هجوم شيراز.

وأشارت القناة إلى إقالة حسين طائب من رئاسة استخبارات الحرس الثوري الإيراني بسبب عدم جدارته وعمالته، مشيرة إلى أن "هذه العصابة المفلسة والملوثة والمشبوهة، حاكت حبلا داخليا ودوليا آخر لشنق النظام عبر تدبيرها حادثة شاهجراغ المشؤومة".

وكشفت القناة التابعة لهيئة الإذاعة والتلفزيون الإيراني، بعض التفاصيل حول هجوم المزار الديني في شيراز، بالإشارة إلى أن مسؤولي الأمن في "شاهجراغ"، الذين فتحوا البوابات أمام "عميل" حسين طائب، لإدخال السلاح بسهولة إلى المرقد، هم أيضا متواطئون.

"ثغرة البيان"

كما وضع العديد من الخبراء والمحللين السياسيين عددا من الملاحظات على الهجوم، مشككين أيضا في أن يكون تنظيم الدولة يقف وراءه، رغم البيان المنسوب للأخير والذي نشر على نطاق واسع وتبنت روايته وكالات محلية وعالمية.

وقال جمال سلطان رئيس تحرير صحيفة "المصريون" عبر تويتر في 26 أكتوبر إنه "على مدار سنوات طويلة، تغزو إيران عواصم عربية وتقتل الآلاف، ولم يقم تنظيم الدولة بأي عملية داخل إيران".

وأضاف: وعندما تفجرت ثورة الشعب الإيراني ضد نظام الملالي وبدأ النظام يترنح، أعلن التنظيم اليوم تفجير أحد المراقد في إيران، ليقدم حبل إنقاذ للنظام من ورطته ويجمل سمعته، ماذا نفهم من ذلك؟".

من جانبه، قال السياسي العراقي غيث التميمي عبر تويتر إنه "ليس خافيا بأن تنظيم الدولة سلاح مأجور لمن يدفع، لكن الراصد الحاذق يعلم أن هذا التنظيم يمتاز بقدرات إعلامية متقنة ورصينة وخصوصا في التحرير واللغة، الغريب في هذا البيان ركاكة النص ولغته والأغرب أن الأربعاء لا يوافق 30 من ربيع الأول".

وعن نفس النقطة هذه، علق الصحفي السعودي حسين الغاوي على تويتر قائلا: "تنظيم الدولة نشر بيانا يتبنى تفجير ضريحا بمدينة شيراز الإيرانية البارحة. بعيدا عن هذه اللعبة الايرانية المكشوفة والتي تهدف إلى وقف المظاهرات ظهر البيان بتاريخ 30 /3 هجري بينما تاريخ البارحة 1 / 4 وربيع الأول يوم 29 لا 30".

من جهته، طرح صاحب حساب "مجتهد كوردستان" على تويتر جملة من التساؤلات، بالقول: "الغريب لماذا تنظيم الدولة لم يقم بمثل هذه الأفعال بإيران في قمة قوته بين 2013 إلى 2018؟ لماذا يتزامن هذا الهجوم مع تظاهرات الشعب الإيراني؟"

وفي ظل الجدل الحاصل بخصوص الهجوم وتوقيته مع اشتداد الاحتجاجات الشعبية، أعلنت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية، في 28 أكتوبر، أي بعد يومين من الهجوم، وفاة المتهم بتنفيذ الهجوم متأثرا بجراحه.

وأوضحت الوكالة نقلا عن مسؤول في محافظة فارس (لم تكشف عن هويته)، قوله: إن "جميع الجهود من أجل إبقاء منفذ هجوم شيراز على قيد الحياة، استنفدت، وأنه توفي"، وذلك بعدما تحدثت وسائل إعلام إيرانية أن منفذ الهجوم بحريني الجنسية، قبل أن تتراجع عن روايتها.

وأفادت وكالة أنباء "فارس نيوز" التابعة للمؤسسة الأمنية للحرس الثوري الإيراني في 26 أكتوبر بأن "منفذ الهجوم يُدعى حامد بدخشان ويحمل الجنسية الإيرانية ويبلغ من العمر 30 عاما".

لوم الاحتجاجات

فيما وجه مسؤولون إيرانيون اللوم للاحتجاجات الشعبية بشأن وقوع الهجوم، إذ رأى الرئيس إبراهيم رئيسي خلال خطاب متلفز في 27 أكتوبر أن "أعمال الشغب" تمهّد الأرضية لوقوع هجمات "إرهابية"، متوعدا بالرد على ذلك، دون تفاصيل.

وقال رئيسي: "نيّة العدو هي إعاقة تقدم البلاد ومن ثم أعمال الشغب هذه تمهّد الطريق أمام أعمال إرهابية (...) لذا يأتون إلى مرقد شاهجراغ ويطلقون النار على الأبرياء الذين كانوا يقومون بعبادة الله، ومن ثم يتبنى تنظيم الدولة المسؤولية".

من جهته، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان خلال بيان في 27 أكتوبر: "بالتأكيد لن نسمح للإرهابيين والمتطفلين الأجانب الذين يدعون الدفاع عن حقوق الإنسان بالعبث بالأمن القومي لإيران ومصالحها".

وأضاف: "هذه الجريمة جعلت النوايا الآثمة لمروّجي الإرهاب، والعنف في إيران واضحة جلية. هناك معلومات موثوقة بأن الأعداء وضعوا مشروعا متعدد المستويات لزعزعة أمن إيران".

وألقى وزير الداخلية أحمد وحيدي باللوم على الاحتجاجات التي تجتاح إيران في تمهيد الطريق لهجوم شيراز.

وفي 29 أكتوبر 2022، دعت صحيفة "اطلاعات" إلى ضرورة عدم استغلال النظام لحادثة شيراز، وقالت إنه ينبغي أن "لا تؤثر حادثة شيراز على ضرورة القيام بالإصلاحات الأساسية والحوار الوطني".

وتابعت الصحيفة: "يجب على النظام أن لا تؤثر عليه هذه الحادثة في محاولاته معرفة أسباب جذور الأزمة والتي يرجع معظمها إلى المشاكل الاقتصادية وعدم رضا المواطنين من استمرار هذا الوضع السيئ".

وأصبحت الاحتجاجات الشعبية الإيرانية أحد أجرأ التحديات التي تواجه القيادة الدينية منذ ثورة 1979، حيث جذبت الكثير من الإيرانيين إلى الشوارع، وهتف البعض داعين إلى إسقاط "الجمهورية الإسلامية" و"موت المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي".

ولم تعلن السلطات الإيرانية، التي اتهمت الولايات المتحدة ودولا غربية أخرى بإثارة ما تسميه "أعمال شغب"، عن عدد القتلى الذين سقطوا خلال الاحتجاجات الشعبية، لكن وسائل الإعلام الرسمية أشارت إلى أن نحو 30 من أفراد قوات الأمن قتلوا خلال منذ 16 سبتمبر، فيما تجاوز عدد القتلى من المدنيين نحو 250 شخصا.