بعدما كان مقصدا للهجرة.. لماذا ارتفعت معدلات اللجوء من الخليج لأوروبا؟

12

طباعة

مشاركة

رغم أنها من أكثر بلاد العالم رفاهية وارتفاعا لمعدل دخل الفرد، إلا أن الآلاف من مواطني الخليج العربي يتركون بلادهم بحثا عن وطن بديل، وواقع أفضل، وحياة أكثر أمنا.

وكشفت تقارير حقوقية وإعلامية عن زيادة في السنوات الأخيرة طرأت على طلبات اللجوء المقدمة من خليجيين لدول أوروبية، لا سيما من الكويت والسعودية والإمارات.

ورغم أن الأعداد أقل من مثيلاتها بالدول الأخرى، إلا أن معدلات التصاعد مقارنة بالسنوات السابقة يؤشر إلى أن الأمر يتحول إلى ظاهرة، خاصة مع تنوع الراحلين بين الشباب والنساء إلى قادة الفكر والرأي.

وتثير هذه التحركات تساؤلات عديدة، خاصة أن المجتمعات الخليجية قبلية تغلب عليها العصبيات، ما يجعل فكرة اللجوء بحد ذاتها مثيرة ومختلفة عن أي بلاد أخرى تشهد اضطرابات وتدنيا في مستوى المعيشة. 

لكن على صعيد الحقوق والحريات تشهد بلدان مثل السعودية والإمارات حملات أمنية مكثفة واعتقالات، حتى غدت سجونهما من أسوأ مقار الاحتجاز في العالم، ويقبع فيها آلاف المواطنين.

تقرير صادم

وفي 21 أكتوبر/ تشرين الثاني 2022، أعلن المستشار السابق لرئيس دولة الإمارات، "عبدالخالق عبدالله"، صدمته من بيانات أوروبية رسمية تؤكد ارتفاع عدد المواطنين الخليجيين المتقدمين للحصول على حق اللجوء في أوروبا.

السياسي الإماراتي، غرد عبر "تويتر" أن "2630 مواطنا خليجيا طلبوا حق اللجوء في عدة دول أوروبية، بينهم 1925 مواطنا كويتيا".

وتساءل مندهشا: "لاجئ خليجي واحد يثير الاستغراب، فما بالكم بهذا العدد الكبير من اللاجئين الخليجيين".

 وعلق: "هل أصبحت دولنا طاردة لشبابها ومواطنيها؟ ما التفسير لهذه الظاهرة؟".

وكان موقع "AGBI" المختص بشؤون الخليج، قد نشر إحصائية في 4 أكتوبر 2022 عن "وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء" حول أعداد المتقدمين الخليجيين للجوء منذ عام 2017.

وذكر أن الاتحاد الأوروبي تلقى ما يقرب من ألفي طلب لجوء من الكويت تحديدا على مدى السنوات الخمس الماضية.

وأفادت وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء بأن 1925 كويتيا تقدموا بطلبات لجوء بين عامي 2017 و2021 ، أي ما يقرب من ثلاثة أرباع 2630 مواطنا من دول مجلس التعاون الخليجي الست الذين تقدموا بطلبات خلال نفس الفترة.

وأظهرت البيانات أيضا أن 535 كويتيا تقدموا بطلبات لجوء في عام 2017، وانخفض العدد إلى 440 في 2018 ، و455 في 2019 ، و265 في 2020، و230 في 2021، إذ حدت جائحة فيروس كورونا من السفر الدولي بين الخليج وأوروبا.

وأضافت أنه في المتوسط تمت الموافقة على معظم طلبات المتقدمين الخليجيين على اللجوء من قبل مسؤولي الاتحاد الأوروبي.

وكانت اليونان على سبيل المثال الوجهة الأوروبية الرئيسة المفضلة لطالبي اللجوء الكويتيين في عام 2017، بينما كانت فرنسا المفضلة منذ عام 2018.

 

وجهة الكويتيين

وبحسب الإحصائية ظلت فرنسا خلال عام 2021 الأكثر شعبية ، حيث سجلت 145 طلبا كويتيا، تليها ألمانيا (35) والنمسا (15)، وسلوفينيا (10)، وخمسة في كل من أيرلندا ورومانيا.

وذكرت أنه لدى الاتحاد الأوروبي بيانات متاحة فقط للأشهر الأربعة الأولى من عام 2022، والتي أظهرت أنه تم تقديم 100 طلب من الكويت. وتتوقع 300 للعام بأكمله ، بزيادة تقارب الثلث عن عام 2021.

فيما قالت كريستين سميث ديوان، وهي باحثة مقيمة أولى في معهد دول الخليج العربي في واشنطن العاصمة، خلال تصريحها لموقع "AGBI" أنها فوجئت بالعدد الكبير من طلبات اللجوء من الكويت.

وعقبت: "لا يحب الكويتيون مغادرة بلدهم. كل الكويتيين الذين عرفتهم، حتى أولئك الذين نجحوا في مجال عملهم، يعودون إلى الكويت في الغالب. لقد وجدت ذلك مفاجئا للغاية ".

ثم استطردت: "إنه من المرجح أن المتقدمين كانوا في الغالب من قبائل البدون في شمال البلاد.. كنت أشك بشدة أنهم من البدون، فهؤلاء أشخاص ليس لديهم جنسية".

وقالت: "كانت هذه نتيجة حتمية لسياسة حكومة قررت أن تضغط فعلا على هؤلاء السكان المغبونين".

ووافق أستاذ دراسات الشرق الأوسط في الجامعة الأميركية في دبي الدكتور فريد السالم، على هذه النظرية وقال إنه "لم يفاجأ بزيادة الأعداد من الكويت".

وأضاف أن "قبائل البدون يتعرضون للتمييز، ومع أنهم يعدون بمثابة كويتيين، لكن لا يتمتعون بأي امتيازات رغم خدمتهم في الجيش والشرطة الكويتية".

ومصطلح "البدون" يطلق على من لم يحصلوا على جنسية الكويت منذ استقلالها عام 1961، ويتم وصفهم وفقا لمواد القانون الكويتي بـ"غير محددي الجنسية".

وتعود مشكلتهم إلى عدم تطبيق مواد قانون الجنسية الكويتي بعد الاستقلال وإهمال البعض التقدم بطلب الحصول على الجنسية الكويتية قديما.

ووفقا لتقرير صادر عام 2018، عن منظمة "هيومن رايتس ووتش"، يبلغ عدد البدون في الكويت حوالي 100 ألف شخص.

ونظرا لعدم حصولهم على جنسية فإنهم "يعانون من الحرمان من الحقوق التي يتمتع بها المواطن الكويتي"، حسب مؤسسات حقوقية محلية ودولية.

 

خصوصية السعودية

وكان لدى السعودية 450 طالب لجوء إلى الاتحاد الأوروبي على مدى السنوات الخمس الأخيرة، يليها 115 من البحرين، و75 من عمان، و 60 من الإمارات، وخمسة من قطر.

وذكرت وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء أنه من حيث مدى نجاح طالبي اللجوء، تمت الموافقة على 65 بالمئة من البحرينيين، يليهم السعوديون بنسبة 54 بالمئة، ثم الإماراتيون بنسبة 42 بالمئة، والكويتيون بنسبة 25 بالمئة، والعمانيون بنسبة 6.7 بالمئة.

فيما لم يجر قبول أي من القطريين الخمسة الذين تقدموا بطلبات منذ عام 2017.

لكن مع تزايد التقارير عن نسبة لجوء الخليجيين، ستظل للسعودية خصوصيتها أيضا، كونها أكبر مجلس دول التعاون الخليجي من حيث المساحة والسكان. 

وفي 19 يناير/ كانون الثاني 2019، نشرت مجلة الإيكونومست تقريرا لها بعنوان "آلاف العرب الخليجيين يتخلون عن أوطانهم"، كشفت فيه عن زيادة كبيرة في طلبات اللجوء المقدمة من الخليجيين لدول أوروبا.

وذكرت المجلة البريطانية أن السعوديين تهافتوا لتقديم طلبات اللجوء في الوقت الذي يعزف فيه ولي العهد محمد بن سلمان على أوتار دعم الشباب وتبني قضاياهم.

وتساءلت: ما الذي يدفع السعوديين إلى الفرار نحو أوروبا رغم مستوى الحياة المرتفع لديهم؟

لكن "الإيكونوميست" عادت وشددت على أن ظاهرة هروب السعوديين تحديدا ومساعيهم لمغادرة بلادهم، سبقت وصول ابن سلمان للمشهد السياسي.

وأشارت إلى طبيعة الحياة المحدودة سياسيا وفكريا في المملكة، والتي باتت طاردة لمواطنيها في ظل تمسكها ببعض السياسات التي لم تعد تلقى قبولا لدى قطاع كبير من الشعب.

وأوضحت أن معدلات طلب الهجرة من قبل السعوديين زادت بنسبة 318 بالمئة خلال عام 2019 مقارنة بما كانت عليه في 2012.

وذكرت أن 815 سعوديا تقدموا بطلبات رسمية للهجرة لدول أوروبا وأميركا خلال عام 2017 فقط، وفقا لوكالة الأمم المتحدة للاجئين.

وأوضحت أن التوجه نحو مغادرة الوطن لا يقتصر على السعوديين فحسب، بل إلى الإماراتيين أيضا، والذين كانوا الأقرب للسعوديين في هذا الاتجاه.

إذ زادت معدلات طلب اللجوء لدى الإماراتيين قرابة 300 بالمئة مقارنة بعام 2012، فيما تذيل القطريون قائمة الدول الأكثر طلبا للجوء بين الخليجيين.

المغادرة في صمت 

وفي 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، تناولت صحيفة "واشنطن بوست" أيضا قضية لجوء السعوديين إلى الغرب. 

وذكرت الصحيفة الأميركية أن الذين اضطروا إلى ذلك الخيار الصعب، إنما هربوا من واقعهم حيث المغادرة في صمت، كسفر عادي تحول بعد ذلك إلى إقامة كاملة في دولة خارجية.

وأضافت أنه في أحيان كثيرة يتطور الأمر، إذ يتم تضييق الخناق، ثم يتحول السفر الطويل والإقامة إلى طلب لجوء كامل.

واستشهدت الصحيفة بقضية الصحفي السعودي الراحل جمال خاشقجي، حيث كشفت قضية مصرعه المأساوي هذا الواقع بصورة مؤلمة.

فالرجل لم يغادر بلاده بطلب لجوء إلى أي دولة، لكنه اختار أن يعيش في المنفى الخارجي، ما بين لندن وواشنطن والعواصم الغربية، ظنا منه أنه سيكون في مأمن من الخوف وبطش السلطات الذي كان يلاحقه في بلاده.

وعلقت: ورغم أن الرجل لم يكن من طالبي اللجوء فقد قتل غدرا داخل مقر قنصلية بلاده في إسطنبول، في أكتوبر 2018.

وخلصت إلى القول: "هناك الآلاف مثل خاشقجي، وطلبات اللجوء لا تعكس الحجم الحقيقي لحالات الهروب من المملكة".

وتوقعت الصحيفة الأميركية زيادة معدلات لجوء السعوديين بعدما تحولت بلادهم إلى سجن كبير لكثير من المغردين والدعاة وأصحاب الرأي.