البحر الأحمر تحت الحماية السعودية.. ما مصير النفوذ التاريخي للدولة المصرية؟

12

طباعة

مشاركة

في مقابل خفوت نجم السياسة المصرية إقليميا ودوليا، لا سيما مع إحكام رئيس النظام عبد الفتاح السيسي قبضته على الحكم منذ عام 2013، تسعى السعودية جاهدة من أجل توسيع نفوذها الإقليمي، وخاصة في المرافق والممرات البحرية الدولية.

وفي مطلع عام 2020، نجحت السعودية في تأسيس مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، الذي ضم السودان واليمن وجيبوتي والصومال وإريتريا والأردن، إضافة إلى مصر التي كانت قبل سنوات قليلة القوة الأولى في هذا المعبر الاقتصادي الهام.

وكان صعود السعودية في البحر الأحمر متوازيا مع تراجع مصري لافت، في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية التي أدخل السيسي البلاد فيها.

لدرجة أن السيسي نفسه دعم الهيمنة السعودية على البحر الأحمر، عبر بيع جزيرتي تيران وصنافير لها، لتصبح الرياض تتحكم في مدخل خليج تيران الممر الملاحي الرئيس على خليج العقبة.

وهكذا أصبحت السعودية صاحبة الكلمة العليا في المنطقة، وتواصل جهودها في هذا الصدد عبر استثمارت كبيرة على جانبي البحر، في مدينة نيوم الجديدة بالسعودية، وفي مدينة شرم الشيخ بشبه جزيرة سيناء المصرية، وهو أمر يحذر رجال أعمال مصريون من تداعياته.

هيمنة كبيرة 

وفي 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، أكدت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المختصة بشؤون الاستخبارات، أن السعودية تسعى لتصبح قوة بحرية وازنة، وتستعد لإطلاق شركة "خطوط فرعية" جديدة في البحر الأحمر. 

وأضافت أن جميع جهود صندوق الاستثمارات العامة السعودي حاليا تصب في تعزيز مصالح البلاد في منطقة البحر الأحمر لزيادة الهيمنة عليها.

وتابعت: "يعمل ممثلو صندوق الاستثمارات العامة السعودي بنشاط على توظيف مستشارين من بين شركات الشحن الرئيسة التي تأسست في ميناء جبل علي بدبي وميناء خليفة في أبو ظبي".

ويعرض الصندوق دفع 250 دولارا في الساعة لموظفي شركات مثل (Maersk) و(CMA CGM) و(MSC) و(Hapag-Lloyd) و(PSA) في موانئ الإمارات للحصول على خدماتهم الاستشارية، توضح المجلة الفرنسية.

وأشارت إلى أن الهدف الأول للصندوق من تلك الخطوة هو ترسيخ نفوذه في البحر الأحمر من خلال الوصول إلى أهم الموانئ الرئيسة.

وأوضحت أن الرياض بالفعل ستصبح المهيمن الرئيس على الخطوط الفرعية لسفن الحاويات التي تمر عبر موانئ مصوع وعصب (في إريتريا) وبورتسودان (في السودان) وجيبوتي وبربرة (في الصومال) والحديدة وعدن (في اليمن)".

ويعمل قسم الموانئ والبنية التحتية للمواصلات في صندوق الاستثمارات العامة على إنشاء أسطوله من سفن "الخطوط الفرعية"، ويديره رانجيث باول الذي عمل مسؤولا عن الاستثمارات اللوجستية لدى شركة "ADQ القابضة " في أبو ظبي، كما عمل لدى شركة موانئ دبي العالمية.

وفي أغسطس/ آب 2022 بدأ القسم في الحصول على جزء كبير من السفن من سوق المنتجات المستعملة باليونان.

وحصل من ميناء (Cosmoship) في مدينة بيرايوس اليونانية على (سفينة 2011 Kalliroe) مقابل 35.4 مليون دولار، وهي سفينة خطوط فرعية بنيت عام 2011 بسعة 1740 TEU .

وفي 28 يوليو/ تموز 2022 فازت شركة "محطة بوابة البحر الأحمر" التابعة لصندوق الاستثمارات العامة والعاملة في ميناء جدة بأول عقد لها لتشغيل الموانئ الخارجية مع محطة باتينجا في ميناء شيتاغونغ في بنغلاديش.

وتغلبت الشركة بذلك على شركة موانئ دبي العالمية الرائدة في المنطقة، والتي تواجه منافسة من الرياض.

كما استفادت الشركة من تقزم دور مصر في البحر الأحمر، خاصة بعدما ضاع مشروع إقليم قناة السويس، والذي كان يستهدف أن يجعل مصر منافسا قويا لموانىء دبي أيضا، لكن ذهب أدراج الرياح مع انقلاب السيسي عام 2013. 

الرؤية السعودية 

وعن رؤية السعودية إزاء منطقة البحر الأحمر، ذكرت وكالة الأناضول التركية أنه من حيث الجغرافيا يتشكل الشاطئ الشرقي للبحر الأحمر من السعودية واليمن، وعلى الشاطئ الغربي كل من مصر والسودان وجيبوتي والصومال وإريتريا.

أما الشاطئ الشمالي من خليج عدن فتنفرد اليمن به، في حين تتشارك جيبوتي والصومال بشاطئه الجنوبي. ويطل الأردن من خلال خليج العقبة، شمالا، على البحر الأحمر.

وأضافت في تقرير بتاريخ 12 ديسمبر/ كانون الأول 2018، أن تلك الممرات والمضائق البحرية بمسافاتها الضيقة تشكل أهمية أمنية للدول المعنية بالتجارة العالمية عبر خليج عدن والبحر الأحمر الذي تقع قناة السويس أقصى شماله، وتشكل منفذا رئيسا لحركة التجارة بين آسيا وأوروبا.

وبسبب أن الاقتصاد السعودي يعتمد في معظمه على تصدير النفط فإن الوصول إلى ممرات الشحن البحرية أمر بالغ الأهمية للمملكة.

وأوضحت أن السعودية تصدر النسبة الأكبر من منتجاتها النفطية المستخرجة من المنطقة الشرقية على الخليج العربي، عبر مضيق هرمز بين سلطنة عمان وإيران التي طالما هددت بإغلاق المضيق أمام حركة السفن.

لذلك فإن السعودية تسعى بقوة لتأمين نفسها أولا، وثانيا للاستفادة من تلك المميزات التجارية والاقتصادية الهائلة، تؤكد الوكالة التركية.

ساويرس يحذر 

النفوذ السعودي المتقدم في البحر الأحمر دفع رجل الأعمال المصري الشهير نجيب ساويرس لانتقاده. 

وفي 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، تحدث ساويرس خلال مؤتمر حابي الاقتصادي بمصر، عن الاستثمارات المتصاعدة التي تنوي الرياض تطويرها في منطقة البحر الأحمر، وقال إنها تهدد المشروعات والسيادة المصرية.

وقال ساويرس إن "الاستثمارات التي تنفذها السعودية في البحر الأحمر سواء في نيوم أو غيرها لا شك ستهدد استثماراتنا في البحر الأحمر وشرم الشيخ وهذه المناطق الإستراتيجية التي كانت تقع في زمام السيطرة المصرية".

وأضاف أن "الرؤية الاقتصادية المصرية غير واضحة، وإحساسي الشخصي أننا في الطريق إلى الركود".

وأشار إلى أن الوضع الاقتصادي العالمي لم يكن في وضع أخطر مما عليه الآن.

وفي 21 حزيران/ يونيو 2022، أعلن عبد الحميد أبو موسى رئيس مجلس الأعمال المصري السعودي، أن الاستثمار السعودي في مصر يعد أكبر استثمار عربي في البلاد، وتجاوز 53 مليار دولار.

وأورد أنه تم إبرام 14 اتفاقية، وأن هذه التعاقدات تغطي جميع القطاعات والمجالات من لوجستية وصناعية وتجارية وزراعية، ويتركز جزء كبير منها في سيناء والبحر الأحمر.

نحو مصر

التوغل السعودي الناعم في البحر الأحمر لم يقف عند إحكام النفوذ، بل اتجه إلى داخل الأراضي المصرية نفسها. 

وفي 4 أغسطس/ آب 2022، نشر موقع "المونيتور" الأميركي، أن محمد بن سلمان يعتزم الاستثمار في مدينة شرم الشيخ المصرية كجزء من مشروع نيوم الخيالي الذي تقدر تكلفته بـ500 مليار دولار.

وكشف الموقع عن خطة ابن سلمان لضخ استثمارات ضخمة في مصر في إطار مشروع نيوم السعودي، ستتركز بمنطقة شرم الشيخ السياحية على ساحل البحر الأحمر. 

وفي 26 يوليو/ تموز 2022، قال ابن سلمان إن المملكة تخطط للاستثمار في مصر لاستكمال مشروع نيوم، بما في ذلك منطقة شرم الشيخ السياحية.

وأضاف خلال مؤتمر صحفي خصص لإعلان تصاميم مدينة "ذا لاين" المستقبلية في إطار نيوم أيضا: "سننشئ استثمارات ضخمة في مصر"، دون مزيد من التفاصيل بحسب موقع العربية السعودي.

فيما نقل المونيتور عن مسؤول سعودي لم يسمه، أن مشروع نيوم سيحول 50 جزيرة في البحر الأحمر إلى منتجعات فاخرة.

ويأتي ذلك بعد أعوام من إعلان السيسي التنازل عن جزيرتي "تيران وصنافير" للسعودية، رغم الرفض الشعبي، وما ترتب على ذلك من متغيرات سياسية واقتصادية وأمنية كبيرة بالمنطقة.

وها هو ولي العهد يستعد للدخول بجحافله إلى شرم الشيخ (جنوب سيناء)، على الجانب الآخر من تيران وصنافير، ويضخ استثمارات ضخمة على أمل الاستحواذ استثماريا على أبرز مدن مصر الساحلية الإستراتيجية على البحر الأحمر.

مستغلا في ذلك الفجوة التمويلية الكبيرة التي يعاني منها النظام المصري، فيما يحاول السيسي حلحلة الأزمة عبر فتح الأبواب لكفلائه الخليجيين، أملا في منحه مساعدات جديدة من القروض والمساعدات المعروفة شعبيا باسم "الأرز". 

وتأتي هذه التطورات بعد أن توقفت عجلة التنمية في سيناء ومدنها السياحية على مدار سنوات حكم السيسي الذي دمر كثيرا من مدنها وهجر آلافا من سكانها.