هكذا ضاعفت حرب أوكرانيا أزمات الغذاء في إفريقيا جنوب الصحراء
دقت صحيفة إيطالية ناقوس الخطر بشأن أزمة الديون التي تنهش في جسد الدول الإفريقية جنوب الصحراء الكبرى، محذرة من أن الأمن الغذائي لـ123 مليون شخص بهذه المنطقة سيواجه مخاطر حقيقية بحلول نهاية عام 2022.
وفي هذا السياق، طالبت صحيفة "نيغريسيا"، المؤسسات المالية الدولية، وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي، بتقديم تمويلات إضافية لهذه الدول، لتجنب الانهيار التام والوقوع في الهاوية، على حد تعبيرها.
حرب أوكرانيا
وذكرت الصحيفة الإيطالية أن 19 بلدا في إفريقيا جنوب الصحراء تعاني اليوم بالفعل أو تواجه خطر التخلف عن السداد الكلي لديون بلغت لأول مرة منذ 20 عاما 60 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
بينما يشير صندوق النقد الدولي إلى أربعة أهداف إستراتيجية ينبغي التركيز عليها لتجنب الوقوع في الهاوية.
إذ نشر الصندوق قبل أيام تقريرا بشأن التوقعات الاقتصادية الإقليمية لإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، استعرض فيه توقعاته للمشهد الاقتصادي الحالي للمنطقة.
وعلقت الصحيفة بأن عنوان التقرير "العيش على حافة الانهيار" ليس مفاجئًا بالنظر إلى الجمود المفاجئ لعملية التعافي السيئة بالفعل الذي حدث في بداية عام 2021.
وجاء في التقرير: "يبدو أن التوقعات للربع الأخير غير مؤكدة للغاية ويتعين على الفاعلين السياسيين مواجهة الوضعية الأكثر خطورة في السنوات الأخيرة".
ويأتي هذا التقرير في وقت تسجل فيه التحديات الاقتصادية حضورا بارزا على المستوى العالمي.
فيتوقع البنك الدولي تسجيل نمو بنسبة 3.6 بالمئة على المستوى العالمي في عام 2022 بعد أن كان في حدود 4.7 في عام 2021.
ويعود ذلك إلى انخفاض الاستثمارات وتدهور العمليات التجارية عالميًا، مع تباطؤ عام في الاقتصاد وزيادة التقلبات في أسعار المواد الأساسية.
كما وجهت الحرب في أوكرانيا ضربة موجعة أكثر للظروف العالمية الحرجة بالفعل.
ويتجلى ذلك في الزيادة الهائلة في تكاليف الغذاء والطاقة في المناطق الأكثر ضعفًا في جنوب الصحراء، إلى جانب ارتفاع الدين العام والتضخم إلى مستوى لم يشهده العالم منذ عقود.
كما دفع ارتفاع تكاليف المعيشة ملايين الأشخاص إلى العيش في ظروف ينعدم فيها الأمن الغذائي المطلق.
وهو ما يلقي بثقله على النمو الاقتصادي، ويقوض في الوقت نفسه الاستقرار الاجتماعي والسياسي لمختلف البلدان.
مهمة صعبة
وبحسب تقرير المؤسسة البنكية العالمية يتضح أن أكثر البلدان عرضة للخطر تتواجد في شرق إفريقيا.
فيما أفاد تقرير التوقعات بأن ما يقرب من 123 مليون شخص قد يواجه انعدامًا مؤقتًا للأمن الغذائي بحلول نهاية 2022، يمثلون 12 بالمئة من سكان إفريقيا جنوب الصحراء.
يضاف هذا الوضع إلى آثار جائحة كوفيد التي طال أمدها، الأمر الذي جعل مهمة السياسيين والمشرعين في المجال الاقتصادي، من بين أصعب المهمات في السنوات الأخيرة، وفق الصحيفة الإيطالية.
لذلك، وفقا للتقرير، أصبح الدعم الدولي لمواجهة التحديات المسجلة، بما في ذلك انعدام الأمن الغذائي والتحول البيئي، أكثر أهمية.
من ناحية أخرى، وصل الدين العام إلى 60 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو وضع يعيد الأوضاع إلى المستوى الذي كانت عليه في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، تشير الصحيفة.
لذلك، حث صندوق النقد الدولي على ضرورة الحاجة لتقديم المزيد من التمويل للقارة الإفريقية، بالتزامن مع قرب انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ بمصر في نوفمبر/ تشرين الأول 2022.
وأوضح أن معالجة انعدام الأمن الغذائي يجب أن تكون أولى أولويات سياسات الحكومات في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى محددا أربع أولويات للسياسيين في منطقة جنوب الصحراء الكبرى.
ففي سياق انعدام الأمن الغذائي المتزايد، فإن الأولوية المطلقة هي حماية الفئات الأكثر ضعفا، ويجب أن تذهب الموارد المتاحة لهم، ولذلك يجب تحديد تدابير الطوارئ الكاذبة وإلغاؤها.
وأضاف أنه "من أجل مكافحة التضخم والقيود المرتبطة بالفوائد على الديون، يجب على صانعي السياسة، مع توخي الحذر اللازم، زيادة السيطرة على التضخم المتفاقم وأسعار الصرف واحتياطيات النقد الأجنبي.
توصيات قاسية
ثالثا أكد صندوق النقد الدولي على ضرورة أن يفكر الفاعلون السياسيون في جنوب الصحراء في توطيد المالية العامة لحماية الاستدامة المالية، ولا سيما في سياق الرفع من أسعار الفائدة.
ويمكن لإدارة جادة للديون أن تخلق ظروفا مواتية لخفض تكلفة أي قروض. في بعض الحالات، سيكون من الضروري إعادة هيكلة الدين نفسه، والتزاما أيضا بتطبيق الإطار المشترك الذي وضعته مجموعة العشرين.
وأخيرا خلص صندوق النقد الدولي إلى التأكيد بأنه "في سياق تغير المناخ المتدهور، يجب تهيئة الظروف لتحقيق نمو عالي الجودة".
ويشرح بأن هذا ممكن من خلال الاستثمار من ناحية في بنى تحتية جديدة صديقة للبيئة ومقاومة، ومن ناحية أخرى من خلال الاستفادة من مجموعة كبيرة من موارد الطاقة المتجددة في هذه المنطقة من القارة.
لكنها عملية تتطلب تمويلا خاصا مبتكرا وإصلاحات جادة في قطاع الطاقة.
لذلك، سيكون الدعم والتمويل الأكبر للاحتياجات المتزايدة للدول التي تعاني من قدر أكبر من انعدام الأمن الغذائي وتفاقم الظروف المناخية أمرًا حاسمًا في المنطقة.
وذلك لدفع البلدان إلى الشروع في مسار تنموي يعتمد على الخفض من استهلاك الطاقة الأحفورية ومقاومة أفضل لتغير المناخ.
لكن فيما يتعلق بتقليل استخدام الطاقة الأحفورية، يبدو أن الأفارقة اليوم يسيرون في الاتجاه المعاكس لما أشار إليه صندوق النقد الدولي، توضح الصحيفة الإيطالية.
ودعم صندوق النقد الدولي إفريقيا جنوب الصحراء بحوالي 50 مليون دولار منذ أزمة الوباء وقام كذلك بتدخلات أخيرة لدعم برامج التنمية في بنين، والرأس الأخضر، وموزمبيق، وتنزانيا، وزامبيا، وكان لذلك تأثير إيجابي على أزمة الغذاء.
ووافق الصندوق أخيرا على نافذة جديدة للدعم لمعالجة أزمة الواردات الغذائية وكذلك تصدير الحبوب.