بين السوفيت وبوتين.. القصة الكاملة للنفوذ الروسي في مصر وسوريا والعراق
ترى "المجلة التركية لدراسات الشرق الأوسط" أن روسيا في عهد الرئيس فلاديمير بوتين نجحت في استعادة نفوذها العسكري بالشرق الأوسط الذي وصل مرتبة عالية إبان عهد الاتحاد السوفيتي (1922 - 1991).
وعبر مقارنة معالم ذلك النفوذ في دول رئيسة بالشرق الأوسط، مثل مصر وسوريا والعراق، أكدت المجلة في ورقة بحثية للكاتب "مليح يلديز، أن نفوذ روسيا البوتينية بالشرق الأوسط حاليا أكثر صلابة مما كان بعهد السوفيت.
نفوذ واسع
وذكرت المجلة أنه لطالما كانت جغرافية الشرق الأوسط واحدة من المناطق ذات الأولوية للسياسة الخارجية الروسية على مدار قرون.
وتمكنت موسكو من تحقيق هذا الهدف بعد الحرب العالمية الثانية عندما تم وضعها كواحدة من أقوى جهتين فاعلتين في النظام الدولي.
وبدأ اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية بزيادة نفوذه في الشرق الأوسط من منتصف عام 1950 وأصبح لاعبا هاما في المنطقة.
واجتذبت الأهمية الإستراتيجية للشرق الأوسط منافسة القوى العظمى في المنطقة ودفعت كلا من واشنطن وموسكو إلى زيادة نفوذهما على دول المنطقة.
في هذه العملية، بدأ الاتحاد السوفيتي في إنشاء تأثير سريع النمو على بعض البلدان في المنطقة منذ منتصف 1950. وكانت الأداة الأكثر فعالية منشآته المتقدمة في المجال العسكري.
وخلقت صفقة الأسلحة المصرية التشيكوسلوفاكية، التي بلغت قيمتها 200 مليون دولار عام 1955 وأزمة السويس في العام التالي، عندما أظهرت موسكو علنا دعمها للرئيس المصري جمال عبد الناصر بتهديداتها ضد المعتدين، أرضية قوية للزيادة السريعة للنفوذ السوفيتي في مصر في الفترة التالية.
وفي مارس/ آذار 1956، بعد ستة أشهر من اتفاق الأسلحة، عقدت سوريا أيضا صفقة لشراء الأسلحة السوفيتية.
وبينما كانت سوريا تعاني من أزمة كبيرة مع الولايات المتحدة وتركيا في خريف عام 1957، رأى الاتحاد السوفيتي هذه الأزمة كفرصة لتحسين العلاقات مع حليفه الجديد في الشرق الأوسط.
وكانت تحذيرات موسكو لكل من تركيا والولايات المتحدة بأنها ستتدخل، في حال شنت هجوما على سوريا، فعالة في إنهاء الأزمة، وفي الوقت نفسه قدمت مساهمة كبيرة في تطوير العلاقات بين موسكو ودمشق.
وخلال فترة الحرب الباردة شكل العراق ركيزة أخرى للنفوذ العسكري للاتحاد السوفيتي في الشرق الأوسط.
فبعد الانقلاب في العراق عام 1958، أجرت إدارة عبد الكريم قاسم تغييرات كبيرة في السياسة الخارجية.
ومع إخراج قاسم العراق من حلف بغداد وتحركه لتحسين العلاقات مع موسكو، كانت إحدى قضاياه ذات الأولوية هي توريد الأسلحة.
وفي السنوات الأربع التي أعقبت الانقلاب، أبرمت ثلاث صفقات أسلحة مع الاتحاد السوفيتي بلغ مجموعها 370 مليون دولار.
وتعكس حصة الاتحاد السوفيتي في صادرات الأسلحة خلال فترة الحرب الباردة في الشرق الأوسط أهمية المنطقة لمصالح موسكو العالمية ونفوذ موسكو العسكري في المنطقة.
وأحد أهم الأسباب التي دفعت الاتحاد السوفيتي إلى تطوير علاقاته العسكرية مع مصر في 1960 هو أن موسكو أرادت أن تكون فعالة في جغرافيا مهمة مثل البحر الأبيض كشرط لوضعها كقوة عظمى.
أدت العلاقات العسكرية التي تطورت مع القاهرة إلى أن تقرر موسكو الاحتفاظ بسفن حربية دائمة في البحر المتوسط في بداية عام 1964 والإنشاء الرسمي لأسطول البحر المتوسط السوفيتي عام 1967.
بالإضافة إلى القواعد البحرية، ساهمت القواعد الجوية التي قدمتها مصر للاتحاد السوفيتي أيضا بشكل كبير في قوة موسكو في البحر المتوسط.
وعلى الرغم من أن الوجود العسكري السوفيتي في مصر وصل إلى ذروته في أوائل 1970، إلا أن تغيير القيادة في مصر أدى إلى نهاية هذا الوجود في منتصف 1970.
وحقيقة أن الاتحاد السوفيتي بدأ يفقد نفوذه العسكري في مصر في 1970 أدى بموسكو إلى تعويض هذه الخسارة من خلال تطوير العلاقات العسكرية مع سوريا.
وبعد حرب عام 1973، سرعان ما أعادت موسكو تسليح دمشق وزادت عدد المستشارين العسكريين في سوريا إلى نحو ثلاثة آلاف.
والعلاقات العسكرية بين موسكو ودمشق واجهت أزمة خطيرة مع الغزو السوري للبنان في عام 1976.
ونتيجة للاستجابة السلبية لمطالبه بإنهاء الاحتلال، توقف الاتحاد السوفيتي عن تزويد سوريا بالأسلحة، ورد حافظ الأسد بطرد عدد كبير من المستشارين العسكريين السوفييت ومنع البحرية السوفيتية من الوصول إلى الموانئ السورية.
وكانت العلاقات بين العراق والاتحاد السوفيتي تقتصر إلى حد كبير على تجارة الأسلحة في 1960، واكتسبت زخما مع توقيع معاهدة الصداقة والتعاون في 1972.
ولكن بحلول بداية عام 1991، وصلت العلاقات العسكرية إلى نقطة الانهيار؛ لأن الاتحاد السوفيتي كان على وشك التفكك والعراق هزم من قبل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في حرب الخليج.
روسيا الفتية
وكل من المشاكل الاقتصادية وعدم الاستقرار الداخلي التي بدأت قبل فترة طويلة من التفكك جعلت من الصعب جدا على روسيا الحفاظ على نفوذها في المنطقة مع خفض اهتمامها في الشرق الأوسط إلى مستوى محدود في 1990.
وكان من الصعب جدا على روسيا أن تظل غير مبالية بالتطورات في الشرق الأوسط، الذي يعد جغرافيا ذا أهمية إستراتيجية كبيرة لروسيا، لفترة طويلة.
وبدأت عملية زيادة نفوذ موسكو في الشرق الأوسط وأصبحت لاعبا مهما في المنطقة مرة أخرى في أوائل عام 2010.
فكان لتفكك الاتحاد السوفيتي آثار كبيرة على صناعة الدفاع الروسية وصادرات الأسلحة، كما هو الحال في العديد من المجالات الأخرى. وبعد عام 1991 حدث انخفاض كبير في صادرات الأسلحة.
انخفضت صادرات الأسلحة السوفيتية، التي كانت أكثر من خمسة عشر مليار دولار خلال النصف الثاني من 1980، إلى أقل من خمسة مليارات دولار بعد التفكك، ولم تتمكن من تحقيق نمو كبير حتى نهاية 1990.
في حين كان العراق أحد أهم حلفاء روسيا في الشرق الأوسط، أدى تفكك الاتحاد السوفيتي وحرب الخليج في عام 1991 إلى عدم قدرة موسكو على الحفاظ على نفوذها في العراق.
ومع ذلك، بدأ هذا الوضع يتغير بعد عام 2003 مع تزايد تجارة الأسلحة بين موسكو وبغداد. وفي أعقاب الغزو الأميركي والإطاحة بصدام حسين بدأ العراق في إعادة بناء جيشه، ومنذ عام 2004 بدأ استيراد الأسلحة.
وعلى الرغم من أن نفوذ واشنطن الكبير في العراق بعد الغزو وضع الولايات المتحدة في وضع متميز في واردات الأسلحة، بدأت بغداد في شراء الأسلحة من روسيا بدءا من عام 2006.
وزادت روسيا بسرعة حصتها من واردات العراق من الأسلحة، خاصة مع صفقات الأسلحة التي بلغت قيمتها 4.2 مليارات دولار والتي تم توقيعها في العام 2012.
وجعلت صادرات الأسلحة المتزايدة إلى العراق موسكو ثاني أكبر مورد للأسلحة إلى بغداد بعد الولايات المتحدة.
وفي الفترة 2004-2020، كانت حصة الولايات المتحدة في واردات العراق من الأسلحة 51.8 بالمئة، في حين كانت حصة روسيا 26.2 بالمئة.
عميل رئيس آخر للأسلحة الروسية في الشرق الأوسط في الفترة الأخيرة كان سوريا، حيث كانت قد تأثرت العلاقات بسبب رفض الرئيس السوري حافظ الأسد سداد ديونه للاتحاد السوفيتي لروسيا.
وفي حين تم حل الأزمة عندما وافقت دمشق على دين قدره 11 مليار دولار في عام 1994، بدأ الحليفان السابقان في إعادة تمثيلهما في أواخر التسعينيات.
وبدأ إحياء تجارة الأسلحة بين البلدين بعد عام 2008، في حين أن تحول دمشق إلى أكبر مشتر للأسلحة الروسية في المنطقة حدث في أوائل عام 2010.
ولعبت الحرب الأهلية في البلاد دورا مهما في زيادة واردات سوريا من الأسلحة. وتلقت سوريا أسلحة بقيمة مليار دولار تقريبا من روسيا في عام 2011، عندما بدأت الحرب الأهلية".
وعلى الرغم من أن الشرق الأوسط، الذي شهد انخفاضا كبيرا في صادرات الأسلحة إلى العراق وسوريا في أوائل عام 2010، حقق زيادة قصيرة الأجل في حصة موسكو من صادرات الأسلحة.
إلا أنه بعد عام 2014 بدأت المنطقة في الحصول على حصة متزايدة باطراد من صادرات الأسلحة الروسية.
وكان العامل الأكبر وراء ذلك هو الزيادة الكبيرة في صادرات الأسلحة إلى مصر خلال هذه الفترة.
فبدأت مصر في إعادة التسلح بسرعة في عهد الجنرال الانقلابي عبد الفتاح السيسي، وأصبحت واحدة من أكبر مستوردي الأسلحة في العالم.
وفي عملية إعادة التسلح الأخيرة في مصر، برزت روسيا إلى الواجهة بصفتها المورد الرئيس.
وفي فترة ما بعد عام 2015، عندما زادت حصة روسيا بسرعة، انخفضت حصة الولايات المتحدة إلى 8.6 بالمئة في عام 2017 وإلى 2.4 بالمئة في عام 2020.
كما ترجع الزيادة الأخيرة في الوجود العسكري الروسي في الشرق الأوسط إلى حد كبير إلى زيادة نفوذها العسكري في سوريا.
وبدأت العملية التي مكنت روسيا من زيادة نفوذها العسكري في سوريا ونفوذها في الشرق الأوسط بتدخلها في الحرب الأهلية في سوريا.
ودعمت روسيا بشار الأسد من خلال زيادة إمداداتها من الأسلحة منذ بداية الحرب الأهلية، إلا أنها أصبحت متورطة بشكل مباشر في الحرب الأهلية في سبتمبر/ أيلول 2015 من أجل الحفاظ على نظام الأسد واقفا على قدميه عندما بدأ هذا الدعم في الفشل.
وبعد عام 2015 بدأت فترة أنشأت فيها روسيا مستوى من النفوذ العسكري في سوريا لم يكن لديها من قبل. ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الأنشطة العسكرية المكثفة لروسيا خلال الحرب الأهلية.
خلال السنوات الثلاث الأولى من التدخل، تم نشر أكثر من 68,000 ضابط روسي وجندي محترف بالتناوب في سوريا لفترات من عدة أشهر.
وفي بداية عام 2019، تم نشر ما يقرب من 60 بالمئة من أفراد الشرطة العسكرية الروسية في سوريا في فترات معينة، في حين خدم ما يقرب من 87-97 بالمئة من أفراد الطيران القتالي في سوريا مرة واحدة على الأقل.
وقد أدى النشاط العسكري الروسي لموسكو في سوريا إلى وضع دمشق بشكل متزايد تحت النفوذ الروسي. والذي أدى إلى زيادة وجودها العسكري في البحر المتوسط.
وأوضح: أن تدخل روسيا غير المباشر في السنوات الأولى من الحرب الأهلية وتدخلها المباشر بعد عام 2015 مكنها من زيادة وجودها في البحر الأبيض المتوسط وجعلها ضرورية.
وكانت إعادة إنشاء أسطول البحر المتوسط الروسي في 2013 وتخصيص قاعدة طرطوس لروسيا لمدة 49 عاما باتفاق بين روسيا وسوريا في 2017 خطوات عززت الوجود العسكري الروسي بالبحر المتوسط.