أدوية فاسدة تقتل أطفال اليمن.. هكذا تمول "الحوثي" حربها وتحقق الثراء
خلال سنوات الحرب اليمنية، حولت مليشيا الحوثي المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى حقل تجارب للأدوية المهربة ومنتهية الصلاحية بهدف التربح وزيادة الخزينة في العاصمة صنعاء.
ولم يكتف الحوثيون بتجنيد الأطفال الأصحاء والزج بهم في حروبها العبثية، بل تعدى الأمر إلى المرضى الذين راح العشرات منهم ضحية أدوية فاسدة أدخلت عبر شبكات تهريب تابعة للمليشيا.
وتتصاعد معاناة آلاف السكان بمناطق سيطرة الحوثيين، بسبب انعدام شبه كلي للخدمات الطبية، وتفشي عديد من الأمراض والأوبئة، وخروج أكثر من نصف المرافق الصحية في اليمن عن الخدمة.
وفي خضم ذلك، فُجع عدد من الأسر في اليمن بداية أكتوبر/تشرين الأول 2022، بوفاة أطفالهم المصابين بسرطان الدم "اللوكيميا"، على مدار أيام متفرقة بعد تلقيهم جرعات من دواء ملوث نهاية سبتمبر/أيلول في صنعاء جرى تهريبه إلى البلاد.
مصدر ثراء
بعد انقلابها على الدولة نهاية 2014، شرعت مليشيات الحوثي في مضايقة الشركات الخاصة، وأنشأت أسواقا سوداء في مختلف القطاعات منها قطاعي النفط، والأدوية، بغرض الربح ومضاعفة مواردها.
ومنذ تعيينه في منصب وزير الصحة بحكومة الحوثيين في 12 مايو/أيار 2018، شرع القيادي الحوثي طه المتوكل، في تنفيذ مخطط المليشيا الرامي إلى استكمال تجريف القطاع الصحي والسيطرة على سوق الأدوية في صنعاء وبقية المناطق الخاضعة لسيطرتها.
ونفذ المخطط عبر فرضه إتاوات على شركات الأدوية ومصنعي الدواء المحليين لصالح المجهود الحربي، وإلزامهم بتوفير العلاج المجاني لجرحى المليشيات.
والمتوكل هو خطيب وإمام جامع "الحشوش" في حي "الجراف" شمالي العاصمة. وبحسب مصادر إعلامية فإنه متزوج من شقيقة زعيم المليشيا عبد الملك الحوثي، ويعد من المرجعيات الدينية لها.
ويسعى الحوثيون عبر وزارة الصحة للهيمنة على أموال المنظمات الدولية وشحنات الأدوية والمساعدات التي تتدفق إليها، إلى جانب سوق وتجارة الأدوية.
وأكد عاملون في القطاع الصحي، في 18 أغسطس/آب 2021، أن مليشيات الحوثي فرضت جبايات غير قانونية على القطاع الصحي الخاص.
وهو ما انعكس سلبا على المواطنين من خلال رفع أسعار الخدمات المقدمة للمرضى، وفق صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية.
وكشفت مصادر في الهيئة العليا للأدوية التي تديرها المليشيا، بأن رئيس الهيئة محمد المداني، فتح الباب أمام قيادات الحوثيين لتأسيس شركات خاصة لاستيراد الأدوية.
إضافة إلى سماحه باستيراد أصناف دوائية غير مطابقة للمعايير والمواصفات، لقاء الحصول على رشاوى ضخمة، تصل إلى 20 ألف دولار، لتسجيل الصنف الدوائي الواحد والسماح باستيراده، بحسب ما نقل موقع "مأرب برس"، في 21 مايو 2018.
أما القيادي الحوثي دغسان أحمد دغسان، المطلوب رقم 22 على لائحة التحالف السعودي الإماراتي، وتاجر المبيدات والأسلحة الشهير، فأنشأ شركة جديدة لاستيراد الأدوية، بتسهيل من رئيس هيئة الأدوية محمد المداني.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن مرضى السرطان في اليمن البالغ عددهم 35 ألف شخص، يواجهون خطر الموت بسبب انقطاع التمويل وعدم توفر الأدوية.
حُقن قاتلة
وتتضارب المعلومات حول الأعداد الحقيقية لضحايا الدواء الفاسد بصنعاء، وقالت وزارة الصحة التي تديرها مليشيات الحوثي، في 13 أكتوبر 2022، إن "10 أطفال توفوا من بين 19 طفلا من المصابين بسرطان الدم، وتتراوح أعمارهم بين 3 إلى 15 سنة، بسبب مضاعفات تلقيهم دواء جرى تهريبه إلى صيدلية خاصة".
وأرجعت الأسباب إلى تأخر دخول تلك الأدوية من المنافذ الخاضعة لسيطرة التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، واتهمته بمنع دخول الأدوية الحيوية الخاصة بأمراض سرطان الدم.
لكن مصادر طبية يمنية أفادت بوفاة 18 طفلا في أيام متفرقة بعد تزويدهم بدواء منتهي الصلاحية نهاية سبتمبر 2022، في "وحدة علاج السرطان" بمستشفى الكويت، فيما جرى نقل بقية الأطفال إلى أقسام العناية المركزة بمستشفيات صنعاء.
واتهمت المنظمة اليمنية لمكافحة الاتجار بالبشر، وزارة الصحة الخاضعة للحوثيين في صنعاء بصرف جرعة منتهية من الأدوية بعد تغيير تاريخ الصلاحية ما تسبب في وفاة وإصابة عشرات الأطفال المصابين بالسرطان.
وأكدت المنظمة خلال بيان لها في 5 أكتوبر 2022، أن "سلطات صنعاء تتستر على الجريمة وتمنع نشر أي معلومات عنها خاصة في ظل العلاقة القوية بين وزير صحة الحوثيين الفاشل المدعو طه المتوكل ومدير مستشفى الكويت الفاسد أمين الجنيد".
وحملت الحكومة اليمنية مليشيات الحوثي مسؤولية وفاة أكثر من 18 طفلا مصاب بالسرطان في صنعاء إثر إعطائهم دواء ملوثا، وطالبت منظمة الصحة العالمية بفتح تحقيق عاجل في الحادثة وملاحقة المتورطين فيها ومحاسبتهم.
وقال وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني، إن التقارير تؤكد أن مليشيات الحوثي وزعت كمية من الأدوية منتهية الصلاحية على المستشفيات بعد التلاعب بتاريخ الانتهاء، مما تسبب في وفاة أكثر من 18 طفلا من مرضى سرطان الدم.
1-نحمل مليشيا الحوثي الإرهابية التابعة لإيران المسئولية الكاملة عن فاجعة وفاة أكثر من (18) طفل من مرضى سرطان الدم،بعد توزيعها جرعة دواء كيميائي منتهي الصلاحية، تم تكديسه لفترات طويلة في مخازن المليشيا، وحقن الأطفال الضحايا بالجرعة الملوثة في احد المستشفيات بالعاصمة المختطفة صنعاء
— معمر الإرياني (@ERYANIM) October 14, 2022
وأضاف عبر حسابه على تويتر في 14 أكتوبر أن "مليشيات الحوثي تتحمل المسؤولية الكاملة عن فاجعة وفاة أكثر من 18 طفلا من مرضى سرطان الدم، بعد توزيعها جرعة دواء كيميائي منتهي الصلاحية".
وبين أن الدواء جرى تكديسه لفترات طويلة في مخازن المليشيات، وحقن الأطفال الضحايا بالجرعة الملوثة في أحد المستشفيات بالعاصمة المختطفة صنعاء.
دعوات للتحقيق
وأشار الوزير اليمني إلى أن التقارير تؤكد أن المليشيات المسلحة وزعت "جرعة من الأدوية منتهية الصلاحية، كانت قد حصلت عليها كمساعدة مجانية من منظمة الصحة العالمية وجهات مانحة أخرى".
كما باعت جزءا منها، وخزنت كميات أخرى لفترات طويلة، قبل أن تتلاعب بتاريخ الانتهاء وتوزيعا على المستشفيات، وفق المصدر.
وتعليقا على هذه الفاجعة، قال مدير عام الخدمات الطبية والعلاجية بوزارة الصحة اليمنية، عبدالرقيب محرز، إن "الحادث الأليم الذي حصل بصنعاء يجب ألا يمر مرور الكرام ولا بد من فتح تحقيق على مستوى عال من قبل المنظمات الدولية الإنسانية والحقوقية ومحاسبة المتسببين في وفاة الأطفال وتهريب الأدوية".
وبين في حديث لـ "الاستقلال"، "وزارة الصحة العامة والسكان بالحكومة الشرعية تتابع باهتمام بالغ وقلق كبير مصير الأطفال الذين ما يزالون في وضع صحي متدهور".
وشدد على دعوة الوزارة "للكفاءات الطبية الشريفة والمؤهلة الموجودة في صنعاء إلى الاهتمام والعناية بالأطفال والإشراف والمتابعة لحالتهم الصحية والعمل على التخفيف من مضاعفات الأدوية".
وعبر المسؤول اليمني، عن تعازي وزارة الصحة بالحكومة الشرعية لأسر الضحايا الأطفال.
كما طالب المنظمات الدولية كافة بالضغط على مليشيات الحوثي، من أجل "السماح بدخول اللقاحات والأدوية المتعلقة بالأطفال وحملات التحصين لحماية الأطفال والنساء من الأمراض القاتلة".
ودعت منظمات حقوقية محلية، في 14 أكتوبر 2022، إلى فتح تحقيق دولي عاجل في وفاة الأطفال.
وقال بيان مشترك صادر عن منظمة سام للحقوق والحريات والمركز الأميركي للعدالة ومنظمة جسور، إنه "ينبغي على المجتمع الدولي، ولا سيما منظمة الصحة العالمية ويونيسيف (منظمة الأمم المتحدة للطفولة)، فتح تحقيق دولي في أسباب وفاة وتدهور أحوال عشرات الأطفال داخل أحد المشافي الخاضعة لسلطة الحوثي، بعد إعطائهم أدوية فاسدة".
بعد ارتفاع أعداد الضحايا إلى 20 طفلا
— منظمة سام (@SAM4rights_Ar) October 14, 2022
منظمات حقوقية تدعو لفتح تحقيق دولي عاجل في وفاة وإصابة عشرات الأطفال المصابين بمرض السرطان داخل مستشفى يخضع لسلطة جماعة #الحوثي بعد إعطائهم أدوية منتهية الصلاحية.
بيان: https://t.co/KorMKGR7Kd pic.twitter.com/6i6aqhv65L
كما دعا أطباء يمنيون وناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي سلطة المليشيا التي تعمل على السماح بتهريب وبيع الأدوية في مناطق سيطرتها مقابل مبالغ مالية كبيرة يدفعها الوكلاء، إلى التحقيق العاجل في الحادثة، ومحاسبة المتورطين في ذلك.
شبكات تهريب
وأشار المسؤول الطبي اليمني إلى أن "كل الأدوية التي تدخل البلد تشرف عليها الهيئة العليا للأدوية وتفحص العينات قبل الإذن بالاستخدام وهذا الإجراء يتم في كل المنافذ والمطارات والموانئ البرية والبحرية".
وأوضح محرز أن "هناك أدوية تدخل عن طريق التهريب ويبقى دور الهيئة العليا للأدوية في الرقابة والإشراف على الصيدليات لمصادرة أي أدوية مهربة أو منتهية الصلاحية أو سيئة التخزين ومحاسبة القائمين عليها حسب القانون".
وهذا يحد من ظاهرة التهريب والتزوير وبيع الأدوية التالفة والمنتهية الصلاحية، كما قال.
وختم بالقول: "لكن في مناطق سيطرة الحوثيين يجرى تهريب وبيع الأدوية التالفة والمنتهية الصلاحية دون رقابة من سلطتهم غير الآبهة بحياة الأطفال والمجتمع عموماً".
وخلال سنوات الحرب ازدهرت سوق تهريب الأدوية في اليمن، وغرقت البلاد بالكثير من الأصناف التي لا تخضع لأي رقابة، ويموت كثير من اليمنيين سنويا بسبب الأدوية المهربة الفاسدة.
وبحسب مصادر صيدلانية، فإن مليشيا الحوثي عمدت إلى إغراق السوق الدوائية اليمنية، لا سيما في العاصمة صنعاء، بكميات مهولة من الأدوية المهربة.
وبين أن الأدوية المذكورة تدخل البلد دون وكيل رسمي ولا معايير طبية، عبر ميناء الحديدة الخاضع لسيطرتها، على هيئة شحنات غير قانونية تستورد خارج النُّظم المعمول بها، بهدف زيادة مصادرها الإيرادية.
وإلى جانب الجبايات وتجارة النفط في السوق السوداء، تشكل تجارة الأدوية واحدة من أهم قنوات تراكم الثروة لمليشيا الحوثي، بحسب تقرير نشره موقع "العاصمة أونلاين"، في 4 مايو 2019.
إذ أنشأت المليشيات عشرات الشركات والمؤسسات لإدارة سوق بيع الدواء في مناطق سيطرتها، بعد أن عطلت عمل العديد من شركات الأدوية.
وجعلت الأمر برمته قيد تحكمها وفي نطاق سلطتها فقط، بصفته مصدرا مهما للثراء، وفق مختصين في مجال توريد الأدوية.
وكشف وكالة "أسوشيتيد برس" الأميركية، عن ارتباط قيادات في مليشيا الحوثي، سرا بشبكات وعصابات تهريب الأدوية إلى اليمن.
ونقلت الوكالة، في 14 أكتوبر 2022، عن مصادر طبية في صنعاء قولهم: إن مسؤولين حوثيين يعملون سرا بالشراكة مع مهربي الأدوية، الذين يبيعون في كثير من الأحيان أدوية منتهية الصلاحية لعيادات خاصة من مخازن منتشرة في جميع أنحاء البلاد.
المصادر
- وفاة عشرة أطفال يمنيين مرضى بسرطان الدم في صنعاء بعد حقنهم بدواء "ملوث"
- مستشفى الكويت في اليمن: غضب بعد وفاة عشرات الأطفال بسبب "أدوية فاسدة"
- تحركات وزير حوثي لـ«حوثنة» سوق الدواء وقيادات في الجماعة ينشئون شركات طبية جديدة
- الانقلابيون ينهبون 20% من عائدات المنشآت الطبية في صنعاء
- الدواء الفاسد يقتل أطفال اليمن المصابين بالسرطان
- "العاصمة أونلاين" يفتح ملف تجارة الحوثيين بالأدوية.. سوق سوداء وثراء واستغلال الأوبئة
- صنعاء.. جرعة دواء فاسدة تتسبب بوفاة عشرات الأطفال المصابين بالسرطان
- Expired drug kills 10 child leukemia patients in Yemen