لأول مرة منذ اندلاع الحرب.. ماذا وراء تبادل الزيارات بين السعودية والحوثيين؟

12

طباعة

مشاركة

في تطور لافت، زار وفد من السعودية العاصمة اليمنية صنعاء الخاضعة لسيطرة مليشيا "الحوثي"، لإجراء محادثات بشأن ملف الأسرى، فيما زار وفد آخر من "الحوثيين" الرياض لنفس الأمر.

وهذه المرة، عادت المفاوضات بين السعودية والحوثيين بشكل علني ومباشر، بعدما كانت تجرى سابقا بوساطة عمانية أو بصورة سرية بين الجانبين.

وتأتي هذه التطورات بعد انقضاء أسبوعين على انتهاء الهدنة، والتي لا تزال مستمرة عمليا في توقف المواجهات العسكرية واستمرار الرحلات الجوية من مطار صنعاء، بالإضافة إلى تدفق الوقود إلى ميناء الحديدة (غرب اليمن)، الذي يسيطر عليه الحوثيون.

كما تتزامن هذه الزيارات مع تحولات كبيرة في العلاقات السعودية الأميركية، على خلفية قرار "أوبك بلس" في 5 أكتوبر/تشرين الأول 2022، خفض إنتاج النفط في ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية منذ 24 فبراير/شباط 2022 وتداعياتها على الاقتصاد العالمي.

زيارات مفاجئة

وكشف رئيس ما يعرف بـ"اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى"، التابعة للحوثيين، عبد القادر المرتضى، في 12 أكتوبر 2022، عن وصول وفد سعودي إلى صنعاء، مقابل ذهاب وفد من لجنة الحوثيين إلى الرياض، للتحقق من أسماء الأسرى.

وقال المرتضى، عبر "تويتر"، إنه "ضمن آلية التحقق من الكشوفات للمرحلة الأولى للإفراج عن الأسرى، والذي تم التوافق عليه في جولة سلطنة عمان الأخيرة، ذهب وفد فني من لجنة الأسرى إلى السعودية".

من جانبه، قال المتحدث باسم التحالف السعودي الإماراتي، تركي المالكي في بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية في 2 أكتوبر 2022، إنه "تم تبادل زيارة وفدين من التحالف والحوثيين لزيارة الأسرى لدى الطرفين كمبادرة حسن نوايا، وضمن جهود بناء الثقة لتمديد الهدنة باليمن".

وعد هذه الزيارة "كإحدى مكاسب الهدنة والسعي لتمديدها وتوسيع مكاسبها على حياة اليمنيين من النواحي الإنسانية والاقتصادية والمعيشية؛ لبدء العملية السياسية والوصول إلى سلام شامل باليمن".

وقال السياسي اليمني ووزير الخارجية السابق، أبو بكر القربي، إن "تبادل الزيارات في هذه الأثناء بين التحالف والحوثيين إلى كل من صنعاء وأبها دليل على أن الطرفين قد تجاوزا الكثير من النقاط التي تهمهما".

وأضاف القربي في تغريدة عبر حسابه على "تويتر"، في 12 أكتوبر، أن "الطرفين وضعا أسس الحل والضمانات ولم يبق لنا إلا انتظار أسلوب إعلان الاتفاق".

من جهته، قال المحلل السياسي، القيادي بحزب المؤتمر الشعبي العام، عادل الشجاع، إن "المفاوضات العلنية بين السعودية والحوثيين تشير إلى تغيرات جوهرية تلوح في الأفق، حيث من المتوقع أن تقدم الرياض مزيدا من التنازلات للحوثيين على حساب استعادة الشرعية بمختلف مؤسساتها".

وأضاف في منشور على صفحته بـ"فسيبوك"، أن "ما أقدمت عليه السعودية من حوارات مباشرة بعيدا عن مجلس القيادة الرئاسي الذي تم اختياره من قبلها رغما عن إرادة اليمنيين يعد طعنة في ظهر مجلس القيادة، بل يعد استخفافا به".

خطوات مكملة 

وتأتي هذه التطورات بعد انتهاء هدنة إنسانية هشة، بدأت في أبريل/نيسان 2022 برعاية الأمم المتحدة.

وبعد انتهائها مطلع أكتوبر 2022، لم تتفق الأطراف على تمديد الهدنة رغم الجهود الدولية والإقليمية المتواصلة لإنهاء الحرب المستمرة منذ 7 أعوام.

ورفض الحوثيون تمديد الهدنة، وهددوا باستهداف شركات النفط العاملة في السعودية والإمارات، ودعوها لترتيب أوضاعها ومغادرة البلدين.

وقال متحدث القوات المسلحة التابع للحوثيين، يحيى سريع، إن قواتهم تمنح الشركات النفطية العاملة في الإمارات والسعودية فرصة لترتيب وضعها والمغادرة ما دامت ما وصفها بـ"دول العدوان" غير ملتزمة بهدنة تمنح الشعب اليمني حقه في استغلال ثروته النفطية لصالح راتب موظفي الدولة.

وأضاف في بيان نقلته قناة "المسيرة" الحوثية في 2 أكتوبر، أن "كل شيء محتمل ووارد، لأن موقف شعبنا هو الحق ولديه القدرة على أخذ حقه متى ما سدت أمامه الطرق السلمية.. فابقوا معنا".

لكن الحوثيين لم يشنوا أي عملية هجومية ضد السعودية أو الإمارات، بينما شهدت جبهات الحرب الداخلية في اليمن مواجهات متقطعة، وهو ما يراه متابعون مؤشرا على رغبة حوثية في استئناف الهدنة.

وفي 14 يونيو، كشفت وكالة "رويترز" البريطانية، عن استئناف المحادثات المباشرة بوساطة سلطنة عمان، بين كبار المسؤولين من السعودية والحوثيين، في مايو/أيار 2022، بشأن الأمن على طول حدود المملكة والعلاقات المستقبلية في إطار أي اتفاق سلام مع اليمن.

وفي 22 أبريل 2022، وصل وفد عماني إلى مطار صنعاء، أقلت أكثر من 80 جريحا من الحوثيين، برفقة فريق التفاوض الحوثي برئاسة محمد عبد السلام المقيم في مسقط، وهي الزيارة الثانية بعد أشهر من زيارة سابقة.

وهدفت زيارة الوفد العماني إلى متابعة الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة ومناقشة آخر المستجدات مع رئيس المجلس السياسي الأعلى التابع للحوثيين، مهدي المشاط.

إضافة إلى الشروع في تنفيذ خطوات جديدة لبناء الثقة بين أطراف الصراع، بما يقود إلى عملية سلام شاملة.

تحول مفصلي

وتأتي الزيارات المتبادلة بين السعودية والحوثيين بعد مرور 6 أشهر على تشكيل مجلس القيادة الرئاسي برئاسة رشاد العليمي وسبعة أعضاء آخرين، بناء على رغبة سعودية إماراتية.

وفي مقدمة اختصاصات هذا المجلس، إدارة عملية التفاوض مع الحوثيين لوقف إطلاق نار دائم في جميع أنحاء اليمن.

ومن ثم التوصل إلى حل سياسي نهائي وشامل يتضمن مرحلة انتقالية تنقل البلاد من حالة الحرب إلى السلام، وفق إعلانه التأسيسي.

وهو ما ظهر جليا في خطوات المجلس الرئاسي الذي وافق على هدنة مع الحوثيين في 2 أبريل 2022، واستمرت لشهرين وتم تمديدها مرتين لنفس المدة.

ورغم تبادل الاتهامات خلال فترة الهدنة، بين الحكومة اليمنية ومليشيات الحوثي بخرق وقف النار، وعدم الالتزام ببنود الاتفاق وخصوصا ما يتعلق برفع حصار الحوثيين عن مدينة تعز، لكنه نجح بالفعل في خفض مستويات العنف بشكل كبير في البلد الذي يعيش واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.

وتتزامن التحركات السعودية الأخيرة مع تهديدات أميركية بإعادة تقييم العلاقة مع الرياض على خلفية قرار "أوبك بلس" النفطي الذي تقوده الرياض في 12 أكتوبر 2022، بخفض إنتاج النفط بنحو 2 مليون برميل بدءا من نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

وهو القرار الذي تخشى إدارة الرئيس بايدن، من أن يؤدي إلى ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة قبل أسابيع فقط من انتخابات التجديد النصفي للكونغرس المقررة في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

ويرى خبراء في الشأن اليمني أن الرياض "تخشى من عودة هجمات الحوثيين على منشآتها النفطية عبر إيعاز من واشنطن، وهو ما دفعها للتفاوض المباشر مع الحوثيين".

وتسببت هجمات غير مسبوقة ضد منشآت لشركة "أرامكو" النفطية في سبتمبر/أيلول 2019 في توقف حوالي نصف الإنتاج السعودي لأيام.

وكانت آخر الهجمات الحوثية قصف منشآت نفطية وأهداف أخرى في العاصمة السعودية الرياض ومنطقتي أبها وجيزان، بطائرات مسيرة في 11 مارس/آذار 2022، تسببت بحرائق في مصفاة تكرير البترول بالعاصمة الرياض.

وبحسب شبكة "سي إن إن"، قدم ثلاثة مشرعين ديمقراطيين بالكونغرس بداية أكتوبر مشروع قانون "لإنهاء الحماية الأميركية لشركاء الخليج" من خلال سحب القوات من السعودية والإمارات، وهي عضو آخر في "أوبك بلس".

وذكرت الشبكة في تقرير لها في 14 أكتوبر، أن رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ السيناتور بوب مينينديز دعا إلى تجميد فوري للعلاقات الأميركية السعودية، بما في ذلك وضع حد لمبيعات الأسلحة بما لا يتجاوز ما هو مطلوب للدفاع عن الأفراد الأميركيين.

تنازلات إضافية 

وحول هذه التطورات الدراماتيكية في مسار الصراع في اليمن، قال الصحفي اليمني، فهد سلطان، إن "السعودية تبحث منذ قرابة عام عن طريقة حقيقية للخروج من الحرب في اليمن".

وأضاف لـ"الاستقلال": "عندما لم يصل الحوار السعودي الإيراني الذي احتضنته بغداد على مدى أكثر من عام نحو نتائج مرضية وخاصة في الملف اليمني، تحاول السعودية أن تعيد تنشيط الحوارات السابقة مع جماعة الحوثي والتي بدأت عام 2017 ولم تصل إلى نتيجة".

وعقدت السعودية وطهران سلسلة من الاجتماعات في العاصمة العراقية بغداد، بلغت 5 اجتماعات منذ بداية العام 2022، وتركزت حول إعادة تفعيل العلاقات ومناقشة الملفات في المنطقة.

ومنذ عام 2016، انقطعت العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية، بعد أن هاجم محتجون إيرانيون السفارة السعودية في طهران وأضرموا النيران فيها على خلفية إعدام السلطات السعودية لرجل الدين الشيعي البارز، نمر النمر.

وقال الصحفي سلطان: "يبدو أن السعودية حاليا في صدد طرح تنازلات جديدة مع الحوثي، وخاصة حول جزئية قطع العلاقات مع إيران، مقابل جملة من الحوافز المالية والاعتراف بهم كأمر واقع يسيطرون على أجزاء كبيرة من شمال اليمن".

ومضى بالقول "الجديد أن السعودية هذه المرة ستدخل في حوارات مباشرة مع جماعة الحوثي، وسيكون على المجلس الرئاسي الموافقة على أي نتيجة تصل إليها هذه الحوارات".

وشدد على أن "مؤشر انتهاء الحرب لا يزال بعيدا، فالسعودية حسمت الملف الداخلي في السيطرة على السلطة وهو القضية التي بموجبها اتجهت نحو الحرب في اليمن، لكن حسم الحرب ليست بالأمر السهل وخاصة بسبب الملفات المعقدة". 

ويرى سلطان أن "العالم يبحث عن تهدئة مؤقتة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية وتبحث السعودية عن حل للحرب لكن دون حل للملفات المعقدة المتعلقة بالملف الإنساني والاقتصادي".

ومنذ أكثر من 7 سنوات يشهد اليمن حربا مستمرة بين القوات الموالية للحكومة، مدعومة بتحالف سعودي إماراتي، وبين الحوثيين المدعومين من إيران والمسيطرين على محافظات بينها العاصمة صنعاء (شمال) منذ سبتمبر/ أيلول 2014.