قناة فرنسية تمنع ظهور زعيم "القبائل" بالجزائر.. لماذا أقحمت باريس المغرب؟
ضجة أثارها منع ظهور تلفزيوني مع زعيم "الحركة من أجل استقلال منطقة القبائل" في الجزائر، فرحات مهني، في برنامج مباشر على قناة فرنسية، وصل صداها إلى المغرب.
واختارت فرنسا سفارتها في الرباط، من أجل الرد على الاتهامات الموجهة إلى قصر "الإليزيه" بالضغط على القناة الإخبارية الفرنسية "CNEWS"، لمنع ظهور مهني، في برنامجها المباشر.
وأعرب الإعلام المغربي عن رفضه الواسع لبيان سفارة باريس "الخارج عن السياق" وإقحام المملكة في شأن "فرنسي جزائري"، ومحاولة ممارسة الوصاية على تغطية وسائل الإعلام والتضييق على حرية التعبير التي تدعي صونها بفرنسا.
رد غير مناسب
وفي الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2022، حضر "مهني" إلى مقر القناة واستقبل من قبل صحفيي "سي نيوز"، وأجريت الترتيبات الأولية قبل الشروع في الحوار الذي كان مقررا على الساعة الثامنة و25 دقيقة ليلا، قبل أن يطلب منه الانتظار في القاعة المخصصة لذلك.
غير أن الانتظار طال، ولما حاول الضيف فهم ما يجرى، أُبلغ بأسف، أن الحوار جرى تأجيله إلى أجل غير مسمى.
وأرجع محللون إلغاء اللقاء المباشر مع زعيم "الحركة من أجل استقلال القبائل" إلى ضغوطات من السلطات الجزائرية على الإليزيه قبيل زيارة رئيسة وزراء فرنسا إليزابيث بورن إلى الجزائر في 9 أكتوبر 2022، حتى لا تعكر تصريحاته الاستعداد للزيارة.
و"الحركة من أجل استقلال القبائل" (تعنى بمناطق يقطنها الأمازيغ شرق العاصمة الجزائر) هي حركة انفصالية تصنفها الجزائر إرهابية، ويقيم زعيمها بشكل دائم في فرنسا.
وقالت السفارة الفرنسية لدى الرباط، في 5 أكتوبر، إنها اطلعت على المقالات الصحفية والتعليقات التي تحدثت عن تدخل لسلطات باريس وضغطها على قناة تلفزيونية من أجل منع مرور أحد ضيوف برنامج من برامجها، مؤكدة أنها تنفي نفيا قاطعا كل هذه الاتهامات.
وأفادت بأن "فرنسا تظل ملتزمة بحرية الصحافة والتعبير في جميع أنحاء العالم"، مضيفة أن "تعددية وسائل الإعلام، والحق في الإعلام، أو الحصول على المعلومات والقدرة على التعبير عن وجهات النظر النقدية، ضرورية للنقاش الديمقراطي".
وختمت السفارة الفرنسية بأن "الدفاع عن هذه المبادئ، التي تطبقها على نفسها، هو أيضا من أولويات سياستها الخارجية".
البلاغ أثار استنكارا لدى الرأي العام في المغرب، وقال الإعلامي عبد الصمد ناصر في تغريدة: "بيان غريب! نفيٌ من الرباط لحدث وقع لشخصية غير مغربية على الأراضي الفرنسية!".
��بيان غريب!
— عبد الصمد ناصر (@NacirAbdessamad) October 5, 2022
نفيٌ من الرباط لحدث وقع لشخصية غير مغربية على الأراضي الفرنسية! https://t.co/E4uspGCvoB
من جانبها، غردت المواطنة فاطمة الزهراء سلامي، متسائلة: "ما الذي يدفع السفارة الفرنسية في المغرب لأن تتحفنا -نحن المغاربة- بتكذيب لا يعنينا؟".
ما الذي يدفع السفارة الفرنسية في #المغرب لأن تتحفنا -نحن المغاربة- بتكذيب لا يعنينا؟
— sellami fati (@fifitta_fati) October 6, 2022
البيان الصادر عن السفارة الفرنسية ب #الرباط غير مناسب تماما لأن هذه البعثة الدبلوماسية تتفاعل مع جمهور مغربي غير معني على الإطلاق بحادث وقع في فرنسا، على قناة تلفزيونية فرنسية، بشأن منطقة القبائل pic.twitter.com/Q7k6z7GEGW
وأضافت في 6 أكتوبر، "البيان الصادر عن السفارة غير مناسب تماما، لأن هذه البعثة الدبلوماسية تتفاعل مع جمهور مغربي غير معني على الإطلاق بحادث وقع في فرنسا، على قناة تلفزيونية فرنسية، بشأن منطقة القبائل".
موقع "الأحداث" المغربي، أشار إلى أن "الصحف المغربية لم تكن الوحيدة التي تطرقت إلى الموضوع، بل هناك صحف ووسائل إعلام دول أخرى تناولت الخبر بالتفصيل، واستندت إلى مصادرها الخاصة لتكشف أن الرئاسة الفرنسية كانت وراء منع فرحات مهني، وأن التدخل جاء استجابة لمطالب جزائرية" .
وأضاف في مقال نشره في 5 أكتوبر 2022، أن "السؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي آلم السفارة الفرنسية في تطرق الصحف المغربية لقضية مرتبطة بالرقابة على حرية التعبير في فرنسا التي تعد بلد الحريات؟".
وتساءل: "هل انتفضت كل سفارات فرنسا في العالم للرد على هذه الصحف؟ إذ إن الصحف المغربية لم تكن الوحيدة التي نشرت الخبر، بل هناك وسائل إعلام إسرائيلية مثل موقع قناة i24news وسعودية مثل arabnews وقطرية مثل العربي الجديد وصحف تنتمي لدول أخرى".
ورد الموقع: "لا أعتقد أن سفارات إسرائيل والسعودية وقطر (...) تملك من الوقت ما يجعلها تتفرغ للرد على وسائل الإعلام".
وتابع: "هل أصبحت السفارة ناطقة باسم قناة cnews؟ إذ كان من الأولى والأجدر أن تدافع القناة عن نفسها وسط سيل الاتهامات التي طالتها حول ممارسة الرقابة على صحفيين ومنع ضيوفهم دون تقديم مبررات".
ورأى أن "تكذيب السفارة الفرنسية لم يكن سوى تأكيد للاتهامات السابقة ولم يفلح في النفي بقدر ما فضح المفضحات كما يقال".
وختم موقع "الأحداث" مقاله بالقول: "في ذلك يقول المغاربة مثلهم الشهير: جا يكحل ليها عماها!!! وبلغة كرة القدم فهي حالة تسلل فاضحة".
استغراب شديد
وبعد الجدل، أبدى الناطق باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، استغرابه الشديد، من اختيار فرنسا لسفارتها في الرباط، من أجل الرد على الاتهامات الموجهة إلى قصر "الإليزيه" بالضغط على القناة المذكورة من أجل منع ظهور مهني إعلاميا.
وخلال ندوة صحفية عقب الاجتماع الأسبوعي لمجلس الحكومة في 6 أكتوبر، تساءل بايتاس: "هل هذا يدخل في إطار الأعراف؟ هل سفارات فرنسا في مختلف دول العالم تقوم بمثل ما قامت به في المغرب؟"
من جانبه، قال الباحث المغربي في العلوم السياسية، أمين الإدريسي، إن "الواضح من خلال الفيديوهات المسربة من داخل القناة المقربة من الإليزيه أن هناك اتصالا مهما تدخل في آخر لحظة لمنع اللقاء التلفزيوني مع مهني".
وأفاد الإدريسي لـ"الاستقلال" أن "ضغوطا وتوجيها صارما من أعلى السلطات في فرنسا ورد لإدارة القناة لإلغاء اللقاء الذي أعلنت عنه الشبكة الإخبارية على مدار أسبوع محتفية بالمقابلة المرتقبة".
وبين أن "الذي حصل بعد المنع أن وسائل الإعلام في المغرب كما في دول العالم قامت بتغطية لخبر المنع، وهذا ربما أزعج فرنسا التي ما زالت تحافظ على أساليبها الاستعمارية في التعامل مع دول القارة السمراء".
وأشار الإدريسي إلى "أننا الآن أمام حالتين سلبيتين وجب على باريس الإقرار بخطئها الشنيع بمنع لقاء مهني والذي أتى قبيل زيارة رئيسة وزراء فرنسا إليزابيث بورن إلى الجزائر (9 أكتوبر 2022)".
وتابع: "هنا تطرح استفهامات عديدة بخصوص التهديد الجزائري بعدم استقبال المسؤولة الفرنسية في حال السماح باللقاء المباشر، ما يؤكد للجميع أن أفلاطونية فرنسا بحرية الرأي والتعبير انتهت، وهي التي تسلط قناتها (فرنسا 24) يوميا لانتقاد أي حادث عرضي في دول شمال إفريقيا".
واستطرد: "الحالة الثانية أنه بدل توضيح أسباب منع اللقاء، لجأت إلى أسلوب دبلوماسي جديد من خلال سفارتها للرد على أمر أولا لا علاقة للمغرب به وثانيا هو أسلوب شاذ كان الأولى بالخارجية المغربية أن تستفسر بخصوصه بدل استغراب الناطق الرسمي للحكومة".
وختم الإدريسي حديثه بالقول: "فرنسا (إيمانويل) ماكرون وفي الألفية الجديدة تواصل تعاملها مع دول الجنوب كأنها مستعمرة تابعة لها، وهذا يقتضي من دول إفريقيا وفي مقدمتها المغرب وقفة قوية للرد بالطرق الممكنة على أي تجاوزات للأعراف والدبلوماسية المتكافئة".
يذكر أن العلاقات المغربية الفرنسية تشهد توترا صامتا منذ فترة تخفيه شجرة رفض تأشيرات دخول المغاربة إلى فرنسا، ما يطرح تساؤلات عن مستقبل العلاقات بين البلدين الشريكين على أكثر من صعيد.
ومنذ سبتمبر/ أيلول 2021، ظهر التوتر بشكل علني بعد قرار باريس تشديد القيود على منح تأشيرات للمواطنين المغاربة، وتعزز بعدم تبادل البلدين الزيارات الدبلوماسية منذ تلك الفترة.
خلط الأوراق
وقال الأكاديمي عمر الشرقاوي: "في الوقت الذي كان ينتظر فيه الجميع أن تخرج الخارجية الفرنسية بتوضيح رسمي حول حيثيات قرار إلغاء مقابلة تلفزيونية لقناة فرنسية مع زعيم جمهورية القبائل، تفاجأ الرأي العام ببيان نفي على لسان السفارة الفرنسية بالمغرب تكذب فيه بعض المقالات الصحفية والتدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي".
وأضاف في تدوينة عبر فيسبوك "حقا إنه من غرائب الممارسة الدبلوماسية ما ذكرته السفارة الفرنسية ببلادنا، بينما كان من المفروض على سفارة فرنسا في الجزائر أو وزارة الخارجية الفرنسية نفسها أو القناة الفرنسية أن تصدر البيان التوضيحي".
ولفت إلى أنه "من الغريب حقا وصدقا، أن يصدر هذا الكلام عن سفارة بدولة لا علاقة لها بالموضوع، فمتى كانت السفارة الفرنسية بالمغرب أو غيرها من الدول تكذب أخبارا تهم دولة لا تدخل ضمن مجالها الترابي. رغم أن الأدلة الصارخة تظهر تدخل الرئاسة الفرنسية من أجل إلغاء المقابلة التلفزيونية، بناء على اتصال من الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون".
وشدد الشرقاوي على أن "ما فعلته السفارة يؤكد أن فرنسا تعيش حالة من اللخبطة الدبلوماسية اتجاه بلدنا تدفعها إلى نهج لعبة خلط الأوراق وإقحام المغرب دون مبرر وسط ملف لا صلة له به لا من قريب ولا من بعيد".
وأرجع ذلك إلى "تغطية باريس على قرار المنع وازدواجية معايير جمهورية الأنوار وضربها لمبدأ حرية الصحافة الذي تظل كل يوم تعطي فيه الدروس للعالم".
وأكد أنه "واهم من يعتقد أن فرنسا جنة ديمقراطية وحرية الصحافة، فهي يمكن أن تفعل أي شيء، واتخاذ كل ما يلزم من قرارات لممارسة الرقابة على وسائل الإعلام داخل حدودها من أجل عدم الإضرار بمصالحها العليا، فلا شيء لديها يعلو عن مصلحة فرنسا حتى وإن تعارضت مع قيم جمهورية الأنوار وهذا حقها على كل حال".
واستطرد: "خلاصة القول إن ما صدر من سفارة فرنسا يعكس حالة الانسداد الدبلوماسي التي تمر منها العلاقات المغربية الفرنسية اليوم، وما يرافقها من تعقيدات وضربات تحت الحزام، والمؤكد أن فرنسا هي المسؤولة عنها، مسؤولية مباشرة وصانعة بقوة حالة التشنج".
وتابع: "أو بعبارة أخرى أن باريس تريد مصالحها دون تقديم أي مقابل للآخرين، وهو ما يجعلها في علاقتها ببلدنا لا تظهر عقلانية في الممارسة الدبلوماسية، بل لا تتحرج من قرارات دبلوماسية أكثر غرائبية كما وقع مع بلاغ سفارتها بالمغرب".
وهاجم موقع “هيسبريس” المغربي، السفارة الفرنسية بالرباط، متهما إياها بـ"محاولة الحجر على الصحافة المغربية وتقييد حقها في التعبير، تأسيا بما فعلته فرنسا الرسمية التي صادرت حرية القناة الفرنسية، ومنعتها في آخر لحظة من استقبال فرحات مهني".
وقال الموقع المعروف بخطه القريب من التوجهات الرسمية، إن "بيان الحقيقة الذي نشرته السفارة لم يتعمد فقط التدخل السافر في الخط التحريري للمنابر الإعلامية الوطنية، بل تخطى حاجز التحفظ المفروض في العمل الدبلوماسي والقنصلي".
ولفت إلى أنه قد “انبرى يتحدث حتى عن التعليقات المنشورة”، مضيفة أن "السفارة الفرنسية لم تخاطب الصحافة المغربية بمفردها، بل توجهت حتى إلى أصحاب التعليقات والتدوينات".
ورأى "هسبريس" تصريح السفارة الفرنسية، أنه “اجتهاد غير مسبوق في عمل التمثيليات الأجنبية بالمغرب".