ذكرى المولد النبوي في اليمن.. لماذا نظمت "الحوثي" احتفالا ضخما رغم الفقر؟
ضمن مسلسل إفقار الشعب اليمني وتجويعه، حولت مليشيا "الحوثي" ذكرى المولد النبوي في المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى مناسبة لابتزاز المواطنين وسرقة أموالهم، وأنفقوا أموالا طائلة على احتفالاتهم المليئة بالشعارات الطائفية، في وقت يعاني فيه المواطن من أجل تأمين قوت يومه.
ومنذ سيطرتهم على العاصمة صنعاء أواخر عام 2014، يستغل الحوثيون مناسبة المولد النبوي التي توافق سنويا الثاني عشر من ربيع الأول من كل عام هجري، بالمبالغة في الاحتفالات الطائفية، وتقليد حركات التيار الشيعي في المنطقة.
وتستغل مليشيا الحوثي إمكانيات الدولة كافة، من موارد اقتصادية وساحات عامة ومواصلات لنقل حشودها إلى ميادين الاحتفالات الخاصة بذكرى المولد النبوي، كجزء من مشروعها العنصري في اليمن.
فضلا عن تسخير وسائل الإعلام الرسمية التي سيطرت عليها لترويج برامجها الدعائية في التحشيد للاحتفاء بهذه المناسبة، وبث الأفكار الطائفية المسمومة التي تبث التفرقة بين اليمنيين وتقدس سلالة المليشيا كونهم، زورا، "أحفاد رسول الله".
عبث وجبايات
واحتفل الحوثيون في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2022 بذكرى المولد النبوي في ميدان "السبعين" وسط العاصمة صنعاء، وحشدوا الآلاف من أنصارهم.
وخلال الاحتفال دعا زعيم المليشيات عبدالملك الحوثي، في كلمة عبر دائرة ضوئية، أنصاره إلى "مواصلة التصدي للعدوان في حال استمراره، كون ذلك مسؤولية دينية وجهادا مقدسا يجب القيام به"، على حد تعبيره، في إشارة لقوات الحكومة اليمنية والتحالف السعودي الإماراتي التي تخوض حربا ضد الحوثيين منذ العام 2015.
وجدد الحوثي "الدعوة لتحالف العدوان على اليمن إلى وقف العدوان ورفع الحصار وإنهاء الاحتلال ومعالجة ملفات الحرب فيما يتعلق بالأسرى والأَضرار"، وفق وكالة "سبأ" بنسختها الحوثية.
حشود جماهيرية ضخمة تفيض بالحب المحمدي في ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء احتفاء بالمولد النبوي الشريف . pic.twitter.com/7gsu3jw6s3
— محمد عبدالسلام (@abdusalamsalah) October 8, 2022
وقبل أيام من المناسبة، بدأت المليشيات استغلال الذكرى بممارسة جباية الأموال من الناس وإصدار توجيهات عبر بعض الدوائر الحكومية تلزم ملاك المحال التجارية برفع الأعلام الخضراء وطلاء الأبواب.
وحشد الحوثيون لفعاليات في المؤسسات الحكومية والخاصة والمدن الرئيسة وعلى مستوى الأحياء، سواء بمهرجانات أو فعاليات أخرى.
وبرزت الزينة والأضواء الخضراء بشكل متفاوت على حجم المؤسسة أو الجهة التي تنفذ ذلك في واجهتها.
ويحتفل الحوثيون مطلع شهر ربيع الأول الهجري من كل عام بالمولد النبوي من خلال إقامة ندوات ومهرجانات ونشر الأفكار المذهبية وتزيين الشوارع والمحلات التجارية باللون الأخضر.
وبحسب متابعين، تكمن خطورة خطوة الحوثيين بفرض تكاليف الاحتفال ببدعة المولد النبوي على الأفراد والدولة السنية، في كونها محاولة لنزع الهوية الإسلامية السنية لليمن، وفرض احتفالات بدعية رافضية على المجتمع السني.
ولاقت الطريقة التي سلكها الحوثيون في الاحتفال بــ"المولد النبوي" انتقادات كثيرة من قبل عدد من الكتاب والمثقفين، وقال سفير اليمن لدى اليونسكو، محمد جميح، إن مليشيات الحوثي "فتحت بازارا كبيرا باعت فيه الشعارات والطائفية باسم رسول الله".
فتح الحوثي بازاراً كبيراً باع فيه الشعارات والطائفية، وتكسب فيه من السحت والأخماس والإتاوات، ثم كتب على البازار اسم رسول الله!
— د. محمد جميح (@MJumeh) October 8, 2022
ولما تم الاعتراض على استغلال اسم النبي صلى الله عليه وسلم للتكسب السياسي والاقتصادي، اتهم المعترضين بأنهم أعداء الله ورسوله.
لك الله يا رسول الله!
وفي تغريدة على "تويتر"، أشار جميح إلى أنه "لما تم الاعتراض على استغلال اسم النبي صلى الله عليه وسلم للتكسب السياسي والاقتصادي، اتهم الحوثي المعترضين بأنهم أعداء الله ورسوله".
خرافة وتحشيد
من جانبه، قال وزير الأوقاف والإرشاد اليمني، محمد عيضة شبيبة، إن "يوم المولد النبوي عند الحوثيين يوم سلالي كونهم يحتفلون بالرسول كأب لا كنبي، فهم يزعمون أنه جدهم وهم أولاده".
وفي تدوينة عبر "فيسبوك" في 7 أكتوبر 2022، ذكر شبيبة أنه "من لم يحتفل حسب طقوسهم ويعلق خرقهم ويشهد مهرجاناتهم فهو عندهم كافر ومنافق، يوالي الكفار ويكره الرسول عليه الصلاة والسلام".
وتعليقا على هذا الموضوع قال نائب رئيس هيئة علماء اليمن، أحمد بن حسن المعلم، أن "مولد النبي صلى الله عليه وسلم يتم استغلاله سياسيا وماليا وطائفيا من قبل الحوثيين".
وأضاف لـ"الاستقلال" أن "الحوثيين وظفوه سياسيا لإظهار قوتهم ولتجميع الناس حولهم ولتأليب أتباعهم على خصومهم، ولأغراض أخرى من خلال هذه الطقوس التي تصب في تحقيق مصالحهم السياسية وتكريس الطائفية، وأن هذا هو جدنا وهذا الذي إليه ننتسب وهذا الذي منحنا الإمامة وغيرها مما يقولونه في أدبياتهم".
وتابع المعلم: "الحوثيون يستغلون مثل هذه المناسبات للحشد العسكري من خلال تحريض الناس بالكذب والتزوير وبث مشاعر العداء والحقد".
وزاد: "كما أن الحوثيين يستغلون مثل هذه المناسبات لتحميل الشعب أعباء مالية كبيرة وأخذ أموال الناس بالباطل، والغريب أن طريقتهم للاحتفال بالمولد تخالف الطرق كلها بغض النظر عن مشروعية الاحتفال به من عدمه".
ولفت المعلم إلى أن "الحوثيين يخالفون من ينكرون المولد وإقامته".
ومضى شارحا: "إذا نظرنا إلى الجانب الشيعي والرافضة الذين هم مخترعو المولد لوجدنا أن الفاطميين الذي اخترعوا الموالد الخمسة أو الستة، ومنها مولد النبي، كانوا ينعمون على شعوبهم، وكان المواطن يفرح بذلك ويتطلع إلى مواسم هذه الموالد".
واستدرك المعلم قائلا: "أما هؤلاء فقد جعلوا الاحتفال بالمولد بابا للتعاسة والشقاء وأذية الشعب الذي تسلطوا عليه، فإذا أقبل المولد حزن الناس وفجعوا بما قد يصيبهم من غرامات أو عقوبات إذا هم امتنعوا عن بذل الأموال".
تقليد طائفي
وقبل اجتياح الحوثيين للعاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014، كانت ذكرى المولد النبوي فعالية دينية بحتة، يجري إقامتها غالبا في المساجد ومن قبل شيوخ الصوفية والمتأثرين بها من المذاهب الأخرى في منازلهم، وخصوصا بعض المتصوفة المحسوبين على مذهب الشافعية.
وكانوا يقيمون احتفالات عشية الذكرى يطلق عليها "المولد"، يحضرها جمع غفير من الناس من مختلف القرى والأرياف، ويتخلل هذه المناسبة إقامة مأدبة العشاء وغيرها، وتلقى فيها القصائد والأناشيد والمواويل الخاصة بالفعالية، والاحتفاء بها حتى مطلع الفجر في العديد من المحافظات اليمنية.
إلا أن تلك الصورة المرسومة للمناسبة اختلفت كثيرا وبدأت في التلاشي خلال الأعوام الأخيرة بصورة ملفتة، وتحولت مناسبة المولد إلى فعالية سياسية طائفية يحشد فيها "الحوثي" أنصاره وينشر أفكاره المذهبية الدخيلة على المجتمع اليمني.
وخرجت المناسبة الدينية التي كان يمارسها بعض المتصوفة عن سياقها الطبيعي ومسارها المعهود لتأخذ بعدا سياسيا صرفا، حين عمدت مليشيات الحوثي على رعاية احتفالات كبيرة تحشد لها عشرات الآلاف من مختلف المحافظات إلى العاصمة صنعاء.
واستعد الحوثيون لمناسبة المولد النبوي هذا العام منذ شهر تقريبا بزخم غير مسبوق يرافقه تحشيد إجباري لطلاب المدارس والجامعات وموظفي القطاع العام في جميع المناطق الخاضعة لسيطرتهم، إلى جانب فرض جبايات إجبارية على المواطنين والتجار وأصحاب العقارات وتزيين الشوارع والمباني بالشعارات والأضواء الخضراء.
وبحسب ناشطين، تهدف مليشيات الحوثي من إقامة الاحتفال بذكرى المولد إلى الدعاية السياسية والتعبير عن الوجود والتأثير على الجماهير، والتعتيم على بعض الممارسات والمظالم والفساد كتفجيرهم للمساجد ودور القرآن، واقتحام حرمة البيوت ونهب المقدرات والمكتسبات العامة والسيطرة على الوظائف العامة.
ويعتقد متابعون للشأن اليمني أن مليشيا الحوثي تستغل المناسبات الدينية للتوغل أكثر في المناطق التي طالما كانت محرما عليها ممارسة طقوسها الدينية فيها، وخصوصا المناطق الوسطى ذات الطابع السني الشافعي، بالإضافة إلى إرسال رسائل لخصومها بامتلاكها قواعد جماهيرية موازية لها.
ويتزامن احتفال الحوثيين هذا العام مع انتهاء الهدنة الأممية في اليمن، في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2022، دون التوصل إلى اتفاق لتمديدها رغم الجهود الدولية والأممية المستمرة.