رغم دعمها انقلابه.. قيس سعيد يسعى للتخلص من النقابات الأمنية في تونس

12

طباعة

مشاركة

تتوالى الأزمات في تونس على عدة جهات، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية والسياسية المتفاقمة منذ انقلاب 25 يوليو/تموز 2021، إذ تشهد المؤسسة الأمنية صراعا حادا داخلها بين وزارة الداخلية و"النقابات الأمنية".

ويرى متابعون أن السلطة الجديدة في تونس اتخذت قرارا بتفكيك العمل النقابي داخل وزارة الداخلية، وبدأت بتفعيل جملة من الإجراءات في سبيل تحقيق هذا الهدف.

وتفجر الخلاف بعد قرار وزير الداخلية، توفيق شرف الدين، مطلع سبتمبر/أيلول 2022، منع اقتطاع مساهمات منتسبي النقابات من أجور الأمنيين، قبل أن يقرر فض اعتصامات للنقابات بالقوة وإيقاف عدد من أعضائها.

مقترح رئاسي 

وبدأت فصول التوتر بين الرئيس، قيس سعيد، ونقابات قوات الأمن الداخلي خلال أغسطس/ آب 2022، وتحديدا بعد مشاحنة حصلت بين الممثل المسرحي لطفي العبدلي وعدد من قوات الأمن المنتسبين لأحد النقابات، على خلفية ما عدوه "مسا بكرامة الأمنيين" في محتوى مسرحية يقدمها.

وقررت إحدى النقابات الأمنية عدم تأمين العرض المسرحي، واحتل عدد من عناصرها الركح لإيقاف العرض، مما أثار استهجانا واسعا في صفوف الجماهير وانتقادات واسعة للحادثة.

وخلال استقباله وزير الداخلية، في 10 أغسطس/آب 2022، قال سعيد إن "الحق النقابي بالنسبة للأمنيين حق معترف به دستوريا، لكن الدستور ذاته ينص على أن هذا الحق لا يشمل الإضراب، وأن عدم تأمين أي تظاهرة تحت أي ذريعة كانت هو إضراب مقنع وإخلال بالواجب المهني".

وبحسب بلاغ رئاسة الجمهورية، دعا سعيد إلى "توحيد نقابات الأمن الداخلي في هيكل واحد يقوم على أساس الانتخاب ويقتصر على الجوانب الاجتماعية دون سواها".

وذكر في هذا السياق أنه كان قد تقدم بهذا المقترح منذ سنة 2012 لإنشاء هيكل نقابي موحد تحت اسم "الاتحاد العام التونسي لقوات الأمن الداخلي"، حسب البلاغ ذاته.

في نفس اليوم جاء الرد من نقابة قوات الأمن الداخلي عبر بيان قالت فيه "بأي صفة يطالب سعيد بنقابة موحدة؟ ليس من حقه فرض إملاءات كهذه على الهياكل النقابية".

وخلصت النقابة إلى أن "المبادرة بالتوحيد يجب أن تكون منها وليس بطلب من أحد، ولسنا نهدد فنحن في خدمة تونس، لكن لا يكون ذلك بالإملاءات، ومن المفروض أن نجلس على طاولة لنتناقش، لا عن طريق الأوامر الفوقية وصيغة الأمر.. التعددية النقابية موجودة في كل دول العالم، وتونس ليست استثناء".

أكبر من نقابة 

ويعود تأسيس النقابات الأمنية إلى فترة قصيرة بعد ثورة العام 2011، وفرار الرئيس الراحل، زين العابدين بن علي، خارج البلاد مخلفا وراءه تركة كبيرة لنظام بوليسي حكم البلاد منذ استقلالها عام 1956.

ويعد المرسوم 42 الصادر في 25 مايو/ أيار 2011 أي في عهد حكومة الراحل، الباجي قايد السبسي، أول مرسوم يسمح بإنشاء نقابات أمنية.

وينص هذا المرسوم في الفصل 11 منه على أن "لأعوان (موظفي) قوات الأمن الداخلي الحق في ممارسة العمل النقابي، ويمكن لهم لهذا الغرض تكوين نقابات مهنية مستقلة عن سائر النقابات المهنية واتحاداتها".

وبمجرد إصدار هذا المرسوم تم تشكيل عدد كبير من النقابات الأمنية التي تداخلت أسماؤها وتشابكت مهامها.

وأعلن نقابيو الأمن، أن دورهم سيقتصر على الدفاع عن الحقوق المهنية والاجتماعية لرجال الأمن، لكن هذه النقابات حادت بحكم حساسية مواقع مؤسسيها عن دورها المهني في بعض الحالات، لتنخرط في الصراع السياسي الدائر عبر اتخاذها لمواقف عدت "سياسية" ولا شأن لها بالعمل النقابي.

ومن بين هذه المواقف، تهديد "نقابة أعوان الأمن" لرئيس الحكومة، مهدي جمعة (ترأس حكومة تكنوقراط عام 2014)، ووزير الداخلية لطفي بن جدو، باتخاذ إجراءات تصعيدية في حال عدم التحقيق في تهجم الناشط السياسي عماد دعيج عليهم.

إضافة إلى رفع بعض النقابات الأمنية لشعار "ارحل" في وجه الرؤساء الثلاثة (رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي، ورئيس الحكومة علي العريض، ورئيس البرلمان مصطفى بن جعفر) في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2013، بثكنة العوينة أثناء تأبين ضابطين من الحرس الوطني.

وانخرطت عدد من النقابات الأمنية في الصراع السياسي، خاصة في أوج الانقسام عامي 2013 و2014، حيث أصبح الحضور الإعلامي للنقابيين الأمنيين شبه دائم على شاشات التلفاز، وتكرر اتهامهم المباشر لحركة "النهضة" بضلوعها في عمليات الاغتيال والإرهاب وتجنيد التونسيين للقتال في العراق وسوريا.

وبعد انتخابات العام 2019 شهدت العلاقة بين النقابات الأمنية وحزب ائتلاف "الكرامة" صراعا كبيرا والذي عرف أوجه فيما بات يعرف بـ"حادثة المطار"، حين تدخل عدد من نواب "الكرامة" للدفاع عن امرأة تم منعها من السفر دون وجود قرار قضائي يدينها.

وفي مارس/آذار 2021 شهد مطار تونس قرطاج الدولي شجارا بين عناصر من أمن المطار ومحامين ونواب في "ائتلاف الكرامة"، إثر محاولة الأخيرين الدفاع عن مسافرة منعت من مغادرة البلاد لدواع أمنية بموجب ملحوظة "إس 17".

وملحوظة "إس 17" تعليمة أمنية كانت معتمدة خلال عهد ابن علي لوصم كل من تحوم حولهم شبهة علاقة بتنظيمات إرهابية.

الحادثة أخذت منحى تصعيديا بعد انقلاب 25 يوليو 2021، حيث تم اتخاذها حجة من أجل محاكمة قيادات الحزب عسكريا.

ويتهم الكثير من الناشطين النقابات الأمنية في المشاركة في الانقلاب، ومساندة سعيد في مساره، وهو ما تم التعبير عنه في عدد من البيانات.

وتعيش تونس أزمة سياسية مستمرة منذ انقلاب سعيد في 25 يوليو، إثر حله البرلمان ومجلس القضاء وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية.

تصعيد في الشارع

ودخل عدد من الأمنيين بدعوة من نقاباتهم في اعتصامات جهوية، احتجاجا على على دعوة سعيد لحل الأنشطة النقابية وحصرها في صبغة اجتماعية وضمن هيكل موحد.

إلا أن السلطات الأمنية قررت فض هذه الاعتصامات بالقوة مساء 2 سبتمبر/أيلول 2022، حيث أطلقت قوات قنابل الغاز المسيل للدموع لفض اعتصامات واحتجاجات النقابات.

وأظهرت مقاطع فيديو مناوشات بين عناصر أمنية نقابية بزي مدني وقوات أمنية بالزي الرسمي، إثر فض اعتصام باستخدام الغاز المدمع، على مقربة من مقر إقليم الأمن الوطني في صفاقس، جنوب شرق العاصمة تونس.

وذكرت  الناطقة باسم وزارة الداخلية، فضيلة الخليفي، خلال مؤتمر صحفي في 2 سبتمبر 2022، أن "الوحدات الأمنية تعرضت للاعتداء من قبل نقابيين أمنيين تعمدوا إضرام النار في خيمة اعتصام وهاجموا الوحدات الأمنية بالغاز المشل للحركة".

وعلى خلفية هذه الأحداث، تم في 23 أيلول/سبتمبر 2022 إصدار 8 قرارات إيداع بالسجن من قبل قاضي التحقيق العسكري بحق 8 أمنيين، بتهم "إرباك الأمن العام والعصيان". 

وفي 26 يوليو 2022 أغلقت قوات الأمن المقر المركزي للنقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي، بحجة تنفيذ حكم قضائي استعجالي بالقوة العامة.

واستغرب الناطق باسم النقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي، شكري حمادة، أن يتم تنفيذ هذا الحكم القضائي بحوالي 20 سيارة أمن و15 مسؤولا أمنيا".

وفي حديث لوسائل إعلام محلية، قال حمادة: "ما حدث يأتي في نطاق النزاع والخلاف بين النقابة ووزارة الداخلية حول العمل النقابي".

وتساءل: "هل تذكرت اليوم الوزارة الحكم الاستعجالي بالتنفيذ؟ هي فقط تريد تضييق الخناق على النقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي، لكننا نملك مقرا فرعيا ونشاطنا فيه لم يتوقف".

نهاية الدور

فصول التشويق في الصراع بين وزارة الداخلية والنقابة المذكورة لم تتوقف، حيث ذكرت الوزارة في بلاغ أنه "تم العثور على خزانة حديدية بالمقر المذكور وبالتنسيق مع عدل التنفيذ وبحضور ممثل النقابة تم فتحها والعثور داخلها على مبلغ مالي نقدي قدر بحوالي 600 ألف دينار (180 ألف دولار)".

وأفاد مكتب الإعلام والاتصال بالمحكمة الابتدائية بتونس، بأنه بعد حجز المبلغ المالي في 26 سبتمبر 2022، خلال تنفيذ حكم قضائي مدني، تم الإذن إلى أحد الفرق المركزية التابعة للحرس الوطني بفتح بحث في الموضوع، فتم العثور على مبالغ مالية هامة أخرى بالحسابات البنكية التابعة للنقابة المذكورة.

وأضاف في بيان صادر في 4 أكتوبر 2022 أنه "تم الإذن للفرقة المتعهدة بالبحث بحجز هذه المبالغ المالية الموجودة في الحسابات البنكية للنقابة، والاستماع لجميع الأطراف ذات العلاقة بالموضوع".

وباتت المواجهة اليوم مفتوحة بين النقابات الأمنية وأجهزة الدولة، معركة بلغت أشواطا متقدمة وتطورات متسارعة وقد تحمل الساعات أو الأيام القليلة القادمة مستجدات جديدة، خاصة ما يتعلق بالأبحاث والتحقيقات الجارية بخصوص المبالغ المالية.

وعد المحلل السياسي، علي اللافي، أن "النقابات مثلها مثل الكثير من الأطراف السياسية والاجتماعية في تونس، ليست وحدة متكاملة، لأن تأسيسها عام 2011 كان بخلفية سياسية لتلغيم الأوضاع في المرحلة التي تلت الثورة".

وأوضح اللافي، في حديث لـ"الاستقلال"، أن "فكرة النقابات الأمنية فكرة إيجابية أن يكون هناك نقابيون يدافعون عن مصالح منظوريهم ويبحثون عن تحسين الواقع الأمني هيكليا واجتماعيا ومن كل النواحي، وبالتالي يؤسس لأمن جمهوري، لكن خلفية التأسيس كانت خاطئة وتحولت إلى أداة لتعطيل عمل الحكومات" .

وعد أن "بعض هذه النقابات، وليست جميعها طبعا، استعملت لتكون جزءا من منظومة 25 يوليو 2021، والآن انتهى دورها الوظيفي ويراد التخلص منها".

وأكد اللافي أن "النقابات الأمنية يمكن لها أن تلعب دورا وطنيا في المستقبل من أجل الدفاع عن أمن جمهوري، ولكن بالأدوار التي تقوم بها اليوم ستبقى مستهدفة وسيتم بناء على التطور السياسي التعاطي معها، فمن سيرفض منها توحيد النقابات الأمنية ومساندة السلطة الحالية سيجد نفسه مستهدفا".