الملكية الفكرية للأطعمة.. قوانين تشبع "بارونات الغذاء" وتجوع ملايين الفقراء
في 25 سبتمبر/ أيلول 2022، كشفت صحيفة "القاهرة 24"، أن شركة أميركية رفعت عدة قضايا أمام المحاكم المصرية تقاضي فلاحين مصريين لسرقتهم "ملكية فكرية" لنوع من العنب يسمى "شوغراثرتين" (Sugrathirteen)، تزرعه في إسرائيل وقبرص.
وطورت شركة "صن ورلد"، هذا النوع من العنب الأسود الخالي من البذر، وسجلته باسمها وحصلت على حقوق الملكية الفكرية، وفقا لموقع "فريش فروت بورتال" الأميركي الخاص بالمنتجات الزراعية.
وحين تحايل فلاحون مصريون بمدن طنطا والإسكندرية والقاهرة، وحصلوا على شتلات من هذا العنب وزرعوها دون الرجوع إلى الشركة الأصلية لدفع حقوق الملكية، توفيرا للنفقات، قامت الشركة بمقاضاتهم.
وحكم القضاء المصري لصالحها، وقامت الشرطة المصرية باقتلاع ما زرعه هؤلاء الفلاحون من أشجار، وقبل ذلك صدرت أحكام بغرامات ضد مزارعين مصريين في يوليو/ تموز 2022 بسبب نوع آخر من العنب يسمى "إيرلي سويت" (Early Sweet) تمتلك شركة أميركية أخرى ملكيته الفكرية.
ورغم أن الملكية الفكرية للطعام ليست شيئا مستحدثا، فهي موجودة منذ ما يقرب من ثلاثة عقود، عقب إنتاج أطعمة معدلة وراثيا، إلا أن هناك مخاوف دولية كبيرة من أن تتسبب هذه الملكية الفكرية في أزمة طعام وتسونامي جوع.
وتزامنت هذه المخاوف مع كشف منظمة "ETC Group7" في 7 سبتمبر، وهي منظمة للعدالة البيئية مقرها كندا، عن سيطرة 4-6 شركات ضخمة على معظم سلاسل الغذاء العالمية ما يضع الأمن الغذائي العالمي في خطر بسبب هذا الوضع الاحتكاري.
انتشار الملكية الفكرية للأصناف الغذائية، وهيمنة سلاسل غذائية محدودة ممن يطلق عليهم "بارونات الغذاء" على طعام العالم، يعد بهيمنتهم على كل غذاء العالم وفق مراقبين، خاصة مع تزايد انتشار الأغذية المجهزة في المختبرات.
وتمكنت شركات كبرى من السيطرة على الإنتاج الزراعي، عبر إنتاج أطعمة منتجة تكنولوجيا في المعامل مثل اللحوم المخلقة أو بدائل اللحوم النباتية، وهيمنة تلك الشركات المحدودة عبر الملكية الفكرية على الطعام قد يكون وبالا على العالم.
ويعيش في العالم ما يصل إلى مليار وثلاثمئة مليون شخص في فقر متعدد الأبعاد، نصفهم من الشباب والأطفال، وفق الأمم المتحدة.
قصة الملكية الفكرية
ونقلت صحيفة الشروق المصرية في 26 سبتمبر، عن مدير عام مكتب حماية الأصناف النباتية بوزارة الزراعة المهندسة "محاسن فواز"، أنه يرجع تصديق مصر على قانون حقوق الملكية الفكرية إلى عام 2002".
وذلك بعد انضمامها لـ"الاتفاقية الدولية لحماية الأصناف النباتية"، لذا تقبل المحاكم المصرية قضايا الملكية الفكرية من شركات أجنبية عديدة وتوقع عقوبات على المزارعين المصريين المخالفين.
ويجرم قانون الملكية الفكرية زراعة أصناف محمية من دون موافقة صاحب الصنف، وينص على أنه في حالة تكرار الواقعة تكون العقوبة الحبس لمدة تتراوح ما بين ثلاثة أشهر إلى سنة بالإضافة إلى الغرامة.
ولا يقتصر الأمر على مصر، فهناك أمثلة لا حصر لها عن الشركات الكبرى التي تلاحق مزارعين آخرين في العالم، يزعم أنهم انتهكوا قواعد الملكية الفكرية، رصدتها صحيفة "الغارديان" البريطانية في 12 فبراير/ شباط 2013.
أبرزها قيام شركة "مونسانتو" الزراعية العملاقة في أميريكا بمقاضاة المئات من صغار المزارعين الأميركيين لأنهم استخدموا تقنيات سجلتها الشركة باسمها، وربحت بموجبها منهم في المحاكم 23 مليون دولار.
أيضا رفعت شركة بيبسيكو الأميركية عام 2019 دعوى قضائية شهيرة على عدد من المزارعين الهنود لزراعتهم صنفا من البطاطس تمتلك براءة اختراعه، وتزرعه الشركة خصيصا لشركة "ليز" لرقائق البطاطس، وفق وكالة رويترز الدولية في 26 أبريل/ نيسان 2019.
شركات أخرى، مثل "باير" و"داو دوبونت" و"سينجينتا" نجحت أيضا في الحصول على براءات اختراع لمساحات كبيرة من أصناف المحاصيل عالية الإنتاج، وصارت تتحكم في نسبة كبيرة من بذور العالم المعدلة وراثيا.
ويؤكد تقرير لموقع "موردر إنتلجنس" الهندي حول توقعه للوضع بين عامي 2022 و2027 أن شركات بذور مثل "باير" و"مونسانتو" و"دو بونت" و"سينجينتا" ستمتلك نحو 50 بالمئة من سوق البذور المعدلة بالعالم.
وتوقع الموقع الاستشاري في مجالات الغذاء أنه من المتوقع أن يصل حجم هذا القطاع إلى 90 مليار دولار بحلول عام 2024.
وتستغرق براءات الاختراع في مجال البذور ما بين ثمانية إلى اثني عشر عاما لتطويرها وتسويقها، وبسبب هذه الاستثمارات الكبيرة بررت شركة "باير" الأميركية سبب سعيها الحصول على حقوق الملكية الفكرية.
وفي الوقت الحالي هناك أكثر من 13 ألف نوع من النباتات الحاصلة على براءة اختراع في العالم، ارتفاعا من 120 نوعا فقط عام 1990، بحسب "المبادرة الأوروبية المناهضة لبراءات اختراع البذور".
ولا توجد إحصائيات عن نسبة النباتات التي تنطبق عليها الملكية الفكرية، مقارنة بعموم النباتات الغذائية، لكن الجمعيات المناهضة لبراءات اختراع البذور والنباتات، تحذر من تزايدها سنويا بما قد يؤدي إلى تجويع العالم مستقبلا باحتكار هذه البذور.
بارونات الغذاء
مثلما تسيطر شركات محدودة على قطاع البذور بدعوى الملكية الفكرية، يسيطر عدد محدود آخر من الشركات العملاقة على سلاسل توزيع الغذاء، ما يجعل العالم تحت رحمة نوع جديد من المحتكرين أو ما باتوا يعرفون بـ"بارونات الغذاء".
ويقصد بسلاسل توزيع الغذاء، الشركات الكبرى المتعددة الجنسيات وأغلبها غربية وصينية التي تتولى توزيع الغذاء وشحنه عبر دول العالم عبر خطوطها الجوية والبحرية.
وتسيطر هذه الشركات على سلسلة الغذاء العالمية، عبر استغلالها الذكاء الصناعي وتحليل البيانات، بحسب دراسة لمجموعة ETC.
وفقا للدراسة، تسيطر شركتان فقط على 40 بالمئة من سوق توزيع البذور على مستوى العالم، بينما قبل 25 عاما كانت 10 شركات تتشارك نفس الحصة من السوق، ما يعني زيادة الاحتكار على الغذاء.
وأوضحت المسؤولة في مجموعة "ETC" فيرونيكا فيلا لموقع "اسكرول" الهندي، في 22 سبتمبر، أن عدم المساواة الهيكلية واحتكار الشركات يؤديان إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
ولفتت إلى أن تجارة السلع الزراعية والبذور باتت تتركز في أيدي عدد ضئيل من التجار إذ تسيطر 10 شركات فقط على سوق تبلغ قيمتها نصف تريليون دولار.
أشارت إلى صعود الشركات الصينية وازدياد حصتها في الهيمنة على سوق المنتجات الزراعية إذ أصبحت شركة "كوفكو" المملوكة للحكومة الصينية ثاني أكبر شركة في العالم لتجارة السلع الزراعية بعد شركة كارغيل الأميركية.
إذ تجاوزت مبيعات الشركة الصينية من المنتجات الزراعية 100 مليار دولار عام 2020 مقابل 134 مليار دولار للشركة الأميركية.
ووفقا للتقرير فإن شركة "سينجنتا" الصينية للبذور والمبيدات الحشرية والتكنولوجيا الحيوية، التي تملك الحكومة الصينية حصة الأغلبية بها، أصبحت في عام 2020 تسيطر وحدها على ربع السوق العالمية في الكيماويات الزراعية بمبيعات بلغت 15 مليار دولار.
كما تمتلك الصين شركتين ضمن أكبر 10 شركات للكيماويات الزراعية في العالم.
وفي عام 2020 استحوذت مجموعة ADQ القابضة المملوكة للحكومة الإماراتية على 45 بالمئة من أسهم شركة لويس دريفوس التي تعد واحدة من أكبر الشركات في العالم في قطاع الزراعة ومعالجة الأغذية والشحن الدولي.
ونقلت صحيفة الغارديان البريطانية عن "جيم توماس" من مجموعة ETC، قوله إن سيطرة عدد قليل من الشركات على سوق السلع الزراعية وتنامي هذه الهيمنة "أمر مثير للقلق بخاصة في ظل ارتفاع أسعار السلع الغذائية وأزمة المناخ".
وكانت أسعار المواد الغذائية ارتفعت بشكل كبير خلال الأشهر الأخيرة عقب بدء الحرب الروسية على أوكرانيا وبسبب أزمة سلاسل التوريد التي ظهرت عقب وباء كوفيد 19.
وسبق أن حذر تقرير أصدرته الأمم المتحدة في 23 يوليو/ تموز 2009 من أن هناك مشكلة خطيرة تتعلق بالأمن الغذائي ناتجة عن "هيكل احتكار القلة لتقديم المدخلات"، والذين يسيطرون بشكل متزايد على أسعار المواد الغذائية.
تسونامي جوع
ويزعم مؤيدو تدابير حماية الملكية الفكرية الزراعية المشددة أنها تساعد على دفع الابتكار، بدعوى أنها توفر في المياه وتزيد الجودة وهناك أنواع من الابتكارات التي توفر محاصيل أعلى أو مقاومة للحرارة، ومن ثم تفيد من يشتريها.
وزعمت شركة "مونسانتو" لموقع "دويتشه فيله" الألماني في 3 سبتمبر 2019، أن هذه البراءات ضرورية لتمويل الابتكارات الجديدة في الزراعة، والتي يمكن أن تصل في بعض الأحيان إلى "ملايين الدولارات يوميا في مجال البحث والتطوير".
لكن الأمم المتحدة تؤكد في تقرير أصدرته 23 يوليو 2009 أن هناك بعض المخاطر الجسيمة فيما يتعلق بقيود الملكية الفكرية المطبقة على هذا القطاع الزراعي.
وأوضحت أن براءات الاختراع تقيد التنوع البيولوجي في الزراعة بشكل خطر، بينما حين يزرع المزارعون مزيجا متنوعا من المحاصيل يكونون في وضع أفضل للتغلب على تهديدات مثل الأمراض وتغير أنماط الطقس من أولئك الذين لديهم محاصيل موحدة تماما.
وفي 15 سبتمبر 2022 حذر تقرير أصدرته الأمم المتحدة بأن مئات الملايين من الأشخاص حول العالم يواجهون خطر الجوع، ما يشكل حالة طوارئ غذائية غير مسبوقة، وقرعت أجراس الخطر مما أسمته " تسونامي الجوع".
وقال المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية، ديفيد بيزلي، لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إن 345 مليون شخص يواجهون انعداما حادا للأمن الغذائي في 82 دولة حيث يعمل البرنامج.
وأبدى انزعاجه من أن 50 مليونا من هؤلاء الأشخاص في 45 دولة يعانون سوء تغذية حادا جدا و"على باب المجاعة"، وعد أن "ما كان يمثل موجة جوع هو الآن تسونامي من الجوع".
ويقول برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، إن العالم يواجه حالة طوارئ بحجم غير مسبوق، وأن عدد الأشخاص الذين كانوا يعانون انعدام الأمن الغذائي الحاد قبل جائحة كورونا تضاعف عقب الجائحة.
وتحذر منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) في تقريرها الصادر ديسمبر/ كانون الأول 2021 من أن هذه الملكية الفكرية قد تسبب إن لم تكن أحد أسباب الجوع القادم المحتمل.
المصادر
- Food Barons 2022 Crisis Profiteering, Digitalization and Shifting Power
- Small number of huge companies dominate global food chain, study finds
- شركة أمريكية تقاضي فلاحين مصريين لسرقتهم ملكية فكرية لزراعة نوع جديد من العنب
- Patents on plants: Is the sellout of genes a threat to farmers and global food security?
- SEED MARKET - GROWTH, TRENDS, COVID-19 IMPACT, AND FORECAST (2022 - 2027)
- في مجلس الأمن مسؤولون أمميون يحذرون من "تسونامي جوع" تؤججه الصراعات والأزمات
- الأمم المتحدة، اليوم الدولي للقضاء على الفقر، موضوع عام 2022: الكرامة للجميع