لعزلهم عن مرجعيتهم الإسلامية.. هكذا تتلاعب حكومة أخنوش بهوية المغاربة

عالي عبداتي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

تتعرض الهوية المغربية ومكوناتها الأصيلة، وعلى رأسها القيم الدينية والأخلاقية، وكذا مؤسسة الأسرة، إلى هجمات متواصلة لتغيير معالمها وتبديل بوصلتها، بما يمسح البصمة الأخلاقية المميزة للمجتمع.

ووفق مراقبين وباحثين، تزايدت هذه الهجمات منذ وصول عزيز أخنوش، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، إلى السلطة ورئاسة الحكومة في أكتوبر/ تشرين الأول 2021.

ويؤكد الخبير في قضايا الفكر المعاصر الدكتور عبد العزيز الإدريسي، أنه جرى تسجيل هجوم مباشر في الفترة الأخيرة على ثقافة وقيم المجتمع، دون مراعاة للثوابت والأعراف المغربية التي تستمد من المرجعية الإسلامية.

وربط الإدريسي لـ"الاستقلال" هذا الوضع بما يحدث على الساحة الدولية التي تشهد تحولات كبيرة، تجعل المهتم بقضايا الهوية يلاحظ كما هائلا وممنهجا لاستهداف منظومات القيم المؤطرة لشبكة العلاقات الاجتماعية، ومن أهمها مؤسسة الأسرة والمدرسة والإعلام وغيرها.

انحراف علني

جملة من الأحداث التي وقعت بالمغرب استهدفت الهوية المجتمعية، وكانت موجهة خصوصا للفئات الشابة واليافعين، وسط غضب شعبي وانتقاد عام دون أدنى تفاعل من الحكومة.

ومن آخر هذه الأحداث، تصريح مغني راب يدعى "طوطو" خلال ندوة صحفية عقدها بمناسبة مشاركته في مهرجان "الرباط عاصمة الثقافة الإفريقية"، في 25 سبتمبر/ أيلول 2022، أنه يتعاطى الحشيش.

وعد أن الأمر يخصه وحده، كما استخدم فوق المسرح قاموسا من الكلام النابي والساقط، بما يسيء إلى الثقافة المغربية ويشجع الشباب واليافعين على التشبه به.

هذا الحادث دفع الناقد الفني والسينمائي مصطفى الطالب إلى التأكيد أن ما وقع بالمهرجان يستدعي اعتذارا رسميا من وزارة الثقافة، كما يستدعي من الوزير نفسه المهدي بنسعيد، المنتمي لحزب الأصالة والمعاصرة، أن يقدم استقالته.

وشدد في تصريحات لموقع "العدالة والتنمية"، في 29 سبتمبر، أن ما جرى لا يليق بالرباط كعاصمة للثقافة، ولا يليق بهذا المشروع الذي يرعاه جلالة الملك محمد السادس.

وذكر الطالب أن ما وقع سقط بنا في الحضيض، ما يستوجب مساءلة وزير الثقافة، كونه المسؤول عن المجال الفني، وكونه أيضا المسؤول عن المهرجان، والذي استدعى هذا الشخص الذي لا يفقه شيئا لا في الفن ولا في الإبداع.

وحمل المتحدث ذاته الحكومة، بدءا من وزير الثقافة مرورا بوزير التربية الوطنية والتعليم العالي والشؤون الإسلامية، وصولا إلى رئيس الحكومة نفسه، كامل المسؤولية فيما يقع من أحداث مؤلمة لكل مغربي غيور على وطنه وثقافته وغنى حضارته، وغيور أيضا على نفسه وذوقه الفني والثقافي.

وفي المهرجان نفسه قام أحد المطربين بالقيام بحركة جنسية وتلفظ بكلام فاحش خلال أدائه لأغنية برفقة المطرب الشاب خالد، وسط تنديد من عدد من الحاضرين للسهرة.

في السياق ذاته، أصدر ائتلاف اليوسفية للتنمية (غير حكومي) بلاغا استنكاريا، في 28 سبتمبر، يستهجن من خلاله ما أسماه بـ "المهزلة والفضيحة" التي سجلتها وزارة الثقافة والشباب والتواصل، بالسماح لمن هب ودب اعتلاء منصات مهرجانات الرباط، والتطبيع مع الانحراف من خلال توظيف كلام ناب من طرف مغني راب يتفاخر بالبوح به دون خطوط حمراء.

وحمل ائتلاف اليوسفية للتنمية في بيان المسؤولية المباشرة لوزير الثقافة، داعيا إياه إلى اعتذار رسمي للرأي العام، وأن يقدم استقالته، وأن يسحب بطاقة ذلك الفنان، لأنه لا يتوفر على الشروط والمقومات التي يجب أن تكون في الفنان.

بلا خجل

وقبل هذين الحدثين صرح وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عبد اللطيف ميراوي، المنتمي أيضا لحزب الأصالة والمعاصرة، في برنامج إذاعي على "ميد راديو"، في 23 سبتمبر 2022، بأن "فن الشيخات يفتخر به، وأنه جزء أصيل من التراث والثقافة المغربية".

والشيخات هن نسوة يرقصن في المهرجانات وبعض الحفلات والملاهي الليلية، وارتبطت صورتهن في البلد بدلالات سلبية، تمس الحياء والشرف في كثير من الأحيان.

تصريح وزير التعليم العالي لقي استهجان عدد من المراقبين والناشطين، ومن هؤلاء حسن حمورو، القيادي الشبابي بحزب العدالة والتنمية المعارض، والذي وصف تصريح الوزير ودعوته لتعليم ما أسماه فن الشيخات بأنه "صفاقة وقلة حياء"، مستنكرا حديث الوزير بهذا الأسلوب في المغرب ذي الجذور والعراقة.

وتساءل حمور في تدوينة عبر فيسبوك، في 24 سبتمبر، من أين تسلط هذا الوزير، وأمثاله كثر، على المغاربة... ألم يجد في التراث والهوية المغربية سوى الشيخات؟

وأكد أن هوية المغرب في صلبها الإسلام وقيمه ومبادئه، هوية المغرب صقلها ورسخها رجال أشداء شيمتهم الاعتزاز بدينهم، والذود عن حياض الوطن بالغالي والنفيس، وتمثل قيم الحشمة والوقار والعدل والإنصاف.

وتابع حمورو قائلا: "يا للعار! هل هذا وزير نستأمنه على نخب المستقبل؟.. يريد لهم أن يتعلموا وينشغلوا بتراث الشيخات، لكي يتفرغ هو للتمكين لفرنسا وغيرها ببلادنا، ويتفرغ للصفقات وما يجنى منها.. يا للوقاحة".

كما أثارت صفحات من كتاب اللغة الفرنسية، موجهة لطلبة المستوى الثانية إعدادي ببعض المدارس الخاصة في المغرب، جدلا واسعا، لاحتوائه على إيحاءات جنسية وصور ورسوم لشخصيات تتبادل القبل.

ووفق ما نقلت الجريدة الإلكترونية "القناة"، في 12 سبتمبر 2022، أدانت الهيئة الديمقراطية المغربية لحقوق الإنسان اعتماد بعض المؤسسات الخصوصية لهذه المقررات.

وعدت الهيئة أن غياب المراقبة سبب في إدراج مثل هذه الصور الخادشة بالحياء في المقرر الدراسي، قائلة: "كل الإدانة، كتاب مدرسي يخدش في الحياء والأخلاق العامة يدرس لمستوى الثانية إعدادي ببعض المدارس الخاصة في غياب الرقابة".

شذوذ عام

وفي أغسطس/ آب 2022، انتشر في الأسواق المغربية عدد من الأدوات المدرسية تحمل شعار الشذوذ الجنسي، بل تم نشر إشهار لها عبر لوحات إعلانية في شوارع بعض المدن الكبرى، دون أي تدخل من الوزارة الوصية على القطاع، أو أي جهة أخرى.

ونقلت جريدة "أخبارنا"، في 31 أغسطس، عن الفاعل التربوي عبد الوهاب السحيمي، قوله إن هذا "التوجه مقصود من أجل نشر الشذوذ الجنسي في صفوف الناشئة"، مضيفا أن "هناك هجوما تشنه لوبيات تروم إذاعة الشذوذ وسط المجتمعات".

وشدد السحيمي على أن هذا الاستهداف لا يقتصر على المجال التعليمي فقط؛ بل سبقته مجالات الرياضة والثقافة والإعلام، عبر عرض إشهارات عالمية تضم ألوان "قوس قزح".

وكانت ذروة استهداف هذه الحكومة للهوية المغربية حين أذنت وزارة الثقافة والاتصال بعرض فيلم "لايت يير" Lightyear من إنتاج ديزني، وهو داعم للشذوذ الجنسي في يونيو/حزيران 2022، في وقت منعت دول عدة عرضه، سواء بالعالم العربي والإسلامي أو بغيرها، ومنها الصين.

ووفق ما نقلت جريدة "العمق المغربي"، في 18 يونيو 2022، وقعت أزيد من 420 شخصية مغربية، ضمنهم سياسيون وأكاديميون ودعاة وأطباء وكتاب وفنانون، عريضة تدعو لوقف عرض الفيلم الموجه إلى الأطفال بالقاعات السينمائية المغربية، بسبب تحريضه على الشذوذ الجنسي.

ووصف الموقعون قرار عرض الفيلم بالمغرب بأنه "أمر شنيع"، داعين إلى إيقاف ما أسموه بـ "العبث الذي يرمي إلى إفساد فلذات أكبادنا ومسخ دينهم والإجهاز على ما تبقى من مروءتهم وأخلاقهم".

كما دعوا الشعب المغربي إلى التصدي لكل المخططات الرامية إلى هدم صروح الأسر المغربية واستهداف أبنائها وبناتها.

ولأن عقدة الحكومة مع الشيخات ربما متأصلة، فقد شكل مسلسل رمضاني عرض هذه السنة حول شخصية "شيخة"، محطة جذب ونقاش عمومي، لا سيما وأن عرضه في ساعة الذروة، وعلى شاشة عمومية، وفي شهر كريم، وبتمويل عمومي، كان بالمبرر نفسه الذي ساقه وزير التعليم العالي، من أن "الشيخات" جزء من الثقافة المغربية الأصيلة.

وفي هذا السياق، وصف الداعية ياسين العمري، مسلسل "الشيخة"، الذي يعرض على القناة العمومية الثانية، بأنه "يفسد الأخلاق العامة وينقل صورة عكس الواقع".

وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي، فيديو لياسين العماري تجاوز حاجز المليون مشاهدة، وهو ينتقد دور "الشيخة" في مسلسل "لمكتوب"، مفيدا بأن "الشيخة" ليست نموذجا للافتخار، وأن معظم الأسر المغربية يعدونها "وسمة عار"، وأن هذا الواقع الذي يتحدث عنه المسلسل لا يمثل الواقع المغربي.

 

استهداف ممنهج

ووصف حزب العدالة والتنمية المعارض ما يقع بخصوص الهوية الإسلامية المغربية بأنه "استهداف ممنهج للمرجعية الإسلامية".

وذكر الحزب في بيان صادر عن الأمين العام عبد الإله بنكيران، في 7 يوليو 2022، أنه مستمر في متابعة ورصد مظاهر هذا الاستهداف، الذي ما فتئت تعبر عنه بعض الجهات، متعهدا بمواصلة الدفاع عن أركان الهوية المغربية الأصيلة التي يمثل الإسلام عمودها الأساسي.

بدوره، قال الدكتور الإدريسي، إن الحكومة الحالية، مسؤولة عن الدفاع على الهوية المغربية، والمحافظة على مميزات الشخصية المغربية من خلال الجمع بين ثوابت وقيم الأمة المغربية والانفتاح على متطلبات العصر ومستجداته.

وفي هذا السياق، يردف الباحث في قضايا الفكر المعاصر، لا بد أن تقوم الحكومة من خلال وزارة الإعلام ووزارة العدل ووزارة التربية الوطنية وغيرها من الوزارات والمؤسسات الرسمية بأدوارها الدستورية في تأهيل المواطن المغربي والاستجابة لحاجياته، وعلى رأسها ما يتعلق بالهوية الإسلامية.

واستدرك: لكن نجد أن هذه الحكومة بعيدة كل البعد عن هموم المواطن المغربي وضروراته الحياتية، وما الأحداث التي صدرت منها خلال المدة القصيرة إلا خير دليل على هذه الحالة من الابتذال والسفاهة والتفاهة التي تتبناها في بعض الأحيان جهات وقطاعات تابعة للحكومة.

واسترسل الإدريسي، لذا، لابد أن تضطلع جمعيات المجتمع المدني والمنظمات الأهلية والمجتمعية بدورها الدستوري وواجبها الوطني والأخلاقي في المنافحة عن هوية الوطن ومرجعيته الإسلامية، من خلال الانخراط الإيجابي والرسالي في التدافع مع قوى الإفساد والتفاهة والسفاهة، وعدم ترك الميدان لها.

كما دعا هذه الجهات إلى الاشتغال على تحصين الأسرة، والتنشئة السوية والمتوازنة والوسطية للناشئة بما يضمن وقايتهم من تيارات الانحراف والتطرف والانحلال والتشدد.

خصوصا وأن شباب المغرب اليوم في حاجة ماسة إلى القدوات الناجحة والنماذج الرائدة في العلم والثقافة والفن والسياسة والمعرفة والرياضة، لا إلى بعض ما يتم الترويج له الآن في بعض القنوات والمهرجانات، يختم الباحث المغربي.