رسالة لأميركا.. لماذا شنت إيران هجمات ضد معارضيها في كردستان العراق؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

على وقع الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في إيران منتصف سبتمبر/ أيلول 2022، شنت طهران هجمات عنيفة ضد مواقع بإقليم كردستان العراق، ما أدى إلى سقوط عشرات الضحايا بين قتيل وجريح، وسط تنديدات محلية ودولية لانتهاك السيادة العراقية.

وبدأت إيران القصف في 24 سبتمبر 2022، بحجة استهداف مقرات تابعة لأحزاب كردية- إيرانية معارضة، إذ أعلن التلفزيون الإيراني أن "القوات البرية للحرس الثوري استهدفت عدة مقرات لإرهابيين انفصاليين في منطقة شمال العراق بصواريخ دقيقة ومسيرات مدمرة".

الهجمات على أراضي العراق التي تزامنت مع الاحتجاجات ضد مقتل الشابة الإيرانية الكردية مهسا أميني، أثارت تساؤلات عدة عن أبعاد القصف الحالي، ولا سيما أن مقرات الأحزاب المعارضة موجودة منذ سنوات في إقليم كردستان.

إدانات واسعة

الهجمات الإيرانية على الأراضي العراقية جوبهت بتنديدات واسعة محلية ودولية، إذ رفض رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي خلال اجتماع لمجلس الأمن الوطني العراقي مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 2022 القصف الإيراني، مشددا على رفض المحاولات لاتخاذ العراق ساحة لتصفية الحسابات".

وأكد الكاظمي في بيان أن "الحكومة تتابع اتخاذ جميع الإجراءات المتطلبة لإيقاف هذه التصرفات، ومعالجة كل ما ينافي مبدأ حسن الجوار الذي يؤمن به العراق وينتهجه في علاقاته مع جيرانه، وأن يتم التعامل بشأن التحديات الأمنية من خلال القنوات الدبلوماسية والتعاون الأمني المشترك".

وقبل ذلك، استدعت وزارة الخارجية العراقية في 29 سبتمبر السفير الإيراني لدى بغداد، وسلمته مذكرة احتجاج شديدة اللهجة بشأن قصف الحرس الثوري مواقع في إقليم كردستان العراق، حسب تصريح نقلته وكالة الأنباء العراقية عن المتحدث باسم الوزارة أحمد الصحاف.

وفي 28 سبتمبر أعربت وزارة الخارجية الأميركية عن "الإدانة الشديدة لاستخدام إيران للصواريخ الباليستية وهجمات الطائرات بدون طيار ضد إقليم كردستان العراق كونه انتهاكا غير مبرر لسيادة العراق وسلامته الإقليمية".

وأشار المتحدث باسم الخارجية، نيد برايس إلى أن إدارة واشنطن "على علم بتقارير تفيد بسقوط ضحايا مدنيين وتأسف لأي خسائر في الأرواح نجمت عن الهجوم".

وعلى الوتيرة ذاتها، أدانت وزارات خارجية فرنسا وألمانيا وبريطانيا والسعودية والأردن ومصر خلال بيانات منفصلة "القصف العشوائي" الإيراني الذي يستهدف المدنيين، وطالبوا طهران بالتوقف عن الانتهاك الصارخ والسافر لسيادة العراق.

وتتخذ أحزاب وتنظيمات معارضة كردية إيرانية يسارية، ولا سيما حزبا "بيجاك" و"كولمه"، من إقليم كردستان العراق مقرا لها، وهي أحزاب خاضت تاريخيا مواجهات مسلحة ضد النظام الإيراني رغم تراجع أنشطتها في السنوات الأخيرة، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.

إلا أن هذه التنظيمات لا تزال تنتقد بشدة الوضع في إيران على منصات التواصل، عبر مشاركة مقاطع فيديو للمظاهرات التي تشهدها البلاد منذ وفاة الشابة مهسا أميني منتصف سبتمبر 2022 بعد ضربها من قبل "شرطة الأخلاق".

تبريرات إيرانية

على الصعيد الإيراني، بررت وزارة الخارجية الإيرانية على لسان المتحدث باسمها ناصر كنعاني خلال مؤتمر صحفي في 3 أكتوبر  الهجمات، بالقول إن "بلاده ترفض أن تكون أراضي العراق مقرا لتهديد الأمن القومي الإيراني".

وأضاف كنعاني: "قلنا للمسؤولين في بغداد وإقليم كردستان بأننا نرفض أن تتحول الأراضي العراقية لمقر تهديد للأمن الإيراني"، زاعما أن "جميع الإجراءات التي اتخذتها إيران كانت ضمن الأطر القانونية".

وفي السياق، قال مساعد مدير مكتب التوجيه العقائدي والسياسي للشؤون السياسية العميد رسول سنائي راد، إن القصف على شمال العراق "يأتي ردا على مشاركتهم الفاعلة في إثارة أعمال الشغب وأعمالهم الانفصالية داخل البلد"، في إشارة لأحزاب المعارضة الإيرانية الكردية.

ونقلت وكالة "فارس" الإيرانية عن سنائي في 29 سبتمبر قوله إن "الأمن دوما هو الخط الأحمر لإيران وهذا الهجوم يعد نوعا من التحذير للإرهابيين بشأن تدخلاتهم ومحاولة زعزعتهم للأمن".

وتابع: "إثر الاحتجاجات التي تلت وفاة السيدة مهسا أميني، حاولت الزمر الإرهابية المناهضة للثورة والانقلابية، ومنها الزمر الانفصالية، استغلال هذه الأحداث".

ونقلت وكالة أنباء "مهر" الإيرانية في 29 سبتمبر عن قائد القوات البرية للحرس الثوري العميد محمد باكبور، قوله إن الهجمات نفذها مقاتلو معسكر حمزة التابع للحرس بـ73 صاروخا باليستيا وعشرات الطائرات الانتحارية المسيرة، وأصابت أهدافها بدقة في 42 موقعا.

ووفق التلفزيون الإيراني، فإن القصف استهدف مقار أحزاب "كومله الكردستاني" و"الديمقراطي الكردستاني" و"الحرية الكردستاني"، الذين تصنفهم السلطات الإيرانية على لائحة "الإرهاب".

وفي 28 سبتمبر أعلنت إيران قصفها شمال العراق بـ 73 صاروخا باليستيا، إذ قال قائد القوات البرية الإيرانية كيومرث حيدري إنه "جرى إطلاق 73 صاروخا باليستيا على قوات إرهابية كردية شمال العراق وضرب أهداف في 42 مكانا منها على مسافة 400 كيلومتر".

وأضاف حيدري في بيان نقلته وكالة "بغداد اليوم" أنه "كانت هناك ثلاث موجات من الهجمات، الموجة الأولى كانت 25 والثانية 25 والأخيرة كانت 23، كان هناك بضع دقائق بين كل موجة وأخرى".

وكان "الحرس الثوري الإيراني" أعلن، في 24 سبتمبر عن إطلاقه عملية عسكرية جديدة داخل أراضي إقليم كردستان باسم "القصف والحريق" من أجل ما وصفه بـ"حماية أمن الحدود الإيرانية".

واتهم الحرس الثوري السلطات في إقليم كردستان العراق بـ"التقصير في كبح أنشطة الإرهابيين (المعارضين الأكراد) المتكررة" ودعا سكان الإقليم إلى "الابتعاد عن محيط مقار الإرهابيين".

هروب للأمام

وبخصوص أبعاد الهجمات تزامنا مع حراك الإيرانيين بالداخل، قال الكاتب العراقي جواد ملكشاهي، إن "القصف الهمجي لا يمكن أن يكسر إرادة الشعب الكردي ولا يمكن لطهران تحقيق أهدافها المتوخاة من قصف مقرات ومنازل عوائل معارضيه والمدنيين من سكان إقليم كردستان".

ورأى الكاتب خلال مقال نشره موقع "رووداو" الكردي العراقي في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2022 أن "النظام الإيراني يعاني من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية خانقة، إذ إن غالبية الإيرانيين من الطبقات الفقيرة التي وصلت إلى حد لا يمكنها تأمين قوتها اليومي".

وأوضح: "بمعنى أن ثورة الجياع بمثابة قنبلة موقوتة مهيأة للانفجار وستنفجر كلما سنح لها فرصة لتعبر عن سخطها واستيائها من الأوضاع المزرية الحالية والخلاص من الموت التدريجي الذي تعاني منه في ظل الحصار الاقتصادي والبطالة وتفشي الفساد في معظم مؤسسات الدولة الإيرانية".

وتابع: لذلك يحاول النظام الإيراني تصدير هذه الأزمات خارج حدوده وصرف أنظار الشارع عن الواقع المزري الذي يواجهه المواطن، وما عملية القصف الوحشي لمقرات قوى المعارضة الكردستانية إلا جزءا من سيناريو فاشل ومحاولة يائسة للسيطرة على الأوضاع في داخل البلاد".

ورأى ملكشاهي أن "ردود أفعال الدول الكبرى كالولايات المتحدة وبريطانيا كانت بمثابة رسائل مباشرة إلى إيران، مفادها بأنه لا يمكن القبول بهذه التجاوزات المتكررة على الأراضي العراقية، وينبغي الكف عن استمرار قتل  المدنيين العزل".

وبين الكاتب أن "افتعال الأزمات داخل إيران وخارج حدودها لا يمكن أن يخفف من حدة الغضب والاستياء الجماهيري ضد النظام، وعلى العكس سترتفع أصوات المعارضة المتعطشة للحرية أكثر فأكثر".

لذلك على النظام في طهران مراجعة سياساته على المستويين الداخلي والخارجي واتباع سياسة مرنة مع شعبه وسياسة عقلانية مع شعوب المنطقة وإلا سيسوقها الغرور والعنجهية إلى الزوال الأبدي، يؤكد ملكشاهي.

ووصلت حصيلة قتلى قصف إيران على إقليم كردستان العراق إلى 13 شخصا، وإصابة 58 آخرين أغلبهم من المدنيين، وفق بيان أصدره جهاز "مكافحة إرهاب" بإقليم كردستان العراق في 29 سبتمبر 2022.

من جهته، قال الكاتب العراقي عامر القيسي، إن "القيادة الإيرانية بدل أن تبحث عن الحلول الجذرية لمعالجة أزمتها السياسية الداخلية مع الجمهور الإيراني، اختارت ما تعتقده حلا بالهروب إلى الأمام بقصف مناطق جبلية شمال أربيل عاصمة إقليم كردستان.

وأضاف خلال مقال نشره موقع "كتابات" في 26 سبتمبر، أن "طهران تزعم وجود إرهابيين يستهدفون النظام الإيراني، وهي التسمية التي تطلقها عادة على معارضيها في كل مكان بما في ذلك المحتجين داخل إيران".

وأردف: "قبل عدة أشهر قصفت إيران بالصواريخ موقعا في قلب أربيل ادعت أنه مقر لنشاطات الموساد الإسرائيلي، وأثبتت لجنة نيابية وحكومية مشتركة كذب هذا الادعاء مؤكدة في تقريرها أن المكان المقصوف مدني بالكامل، وهو بيت عائد لأحد الشيوخ الأكراد يستقبل فيه ضيوفه".

ولفت القيسي إلى أن "سياسات خلق الأعداء وإيهام الجمهور بهم فاشلة وبليدة في عصر تكنولوجيا المعلومات التي تتيح الحقائق للجمهور بسهولة ويسر".

وأكد أن الشعب الإيراني يدرك أن ادعاءات النظام كاذبة، وأن من يسميهم النظام بالإرهابيين هم في الحقيقة المعارضات الشعبية لنظام استبدادي قسري خارج كل المعايير الحضارية.

وزاد أن النظام الإيراني يحاول صرف الأنظار عنه بالعدو الخارجي الوهمي وخرق سيادة العراق لـ"معالجة" هذا العدو، بدل أن يبحث عن الأسباب الحقيقية لوجود "الأعداء" وكثرتهم واحتجاجاتهم الواسعة والمستمرة من أجل حقوق مضاعة لشرائح متنوعة من الشعوب الإيرانية  على مختلف انتماءاتهم القومية والإثنية والطائفية.

صراع إرادات

وفي سياق آخر، قال الكاتب العراقي عبد الجبار الجبوري إن "القصف الإيراني يجري وسط صمت مطبق للإطار التنسيقي (موال لإيران) والتيار الصدري الشيعيين، عن إدانة هذا العدوان، فيما خرجت جماهيرهما في عموم المحافظات الجنوبية والفرات الأوسط منددة وغاضبة جدا على القصف التركي لقضاء زاخو ودهوك في 23 يوليو/ تموز 2022".

وأضاف الجبوري خلال مقال نشره موقع "شبكة أخبار العراق" في 2 أكتوبر أن "هذه الازدواجية السياسية تعبر عن روح الولاء والتبعية الإيرانية للأحزاب التي ترد الدين إلى إيران".

وعد القصف من تداعيات "الصراع السياسي القائم في العراق بين الكتل والأحزاب، وتنوع الولاءات السياسية والعقائدية، وتتبع أغلب هذه الكتل إيران، ما بين إطلاعات (وزارة الأمن الإيرانية) والحرس الثوري، ما جعل من تشكيل حكومة أغلبية، مستحيلا".

وتابع: "كذلك صراع أجنحة إيران داخل الأحزاب والكتل الولائية، وكل هذا يجري بسبب فشل الاتفاق النووي، بين إيران من جهة، وأميركا والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى، وكذلك حرب روسيا على أوكرانيا".

وأشار الجبوري إلى أن "الضغوط الإيرانية أخذت أشكالا متنوعة، منها السياسية، والدينية، والعسكرية، وحتى الاجتماعية، وقد نجحت في قسم كبير منها، والدليل هو انبثاق تحالف (إدارة الدولة) بدخول كتلة السيادة السني فيه، ومحاولة إلحاق الحزب الديمقراطي الكردستاني عبر قبول بعض شروط ومطالب الحزب من قبل الإطار التنسيقي".

وأعلنت قوى الإطار التنسيقي في 25 سبتمبر تشكيل ائتلاف "إدارة الدولة" مع "تحالف السيادة السني، وتحالف عزم السني، والحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، وحركة بابليون المسيحية، لكن عضو الديمقراطي الكردستاني وفاء محمد أكد في اليوم ذاته لراديو "المربد" العراقي أنه لا يوجد اتفاق على تشكيل  الائتلاف.

وأردف الجبوري: "نعتقد في النهاية، سيركع ويخضع الديمقراطي الكردستاني للضغوط والتهديدات والقصف الإيراني لكردستان العراق، لإدماجه في كتلة إدارة الدولة وتشكيل حكومة يرأسها محمد شياع السوداني، مرشح الإطار التنسيقي".

وذلك بعد اعتزال مقتدى الصدر عن السياسة وانصرافه عن تشكيل الحكومة، بعدما نجحت إيران في إبعاده من البرلمان بالترغيب والتهديد، مضيفا: "إذن التدخل الإيراني تغلب على التدخل الأميركي في الشأن العراقي".

ومنذ الانتخابات البرلمانية العراقية في 10 أكتوبر 2021 لم تتمكن القوى السياسية من تشكيل حكومة جديدة بسبب خلافات على شكل الحكومة "توافقية أم أغلبية"، والتي دفعت التيار الصدري للاستقالة من البرلمان في يونيو/ حزيران 2022، بعد عجزه عن تشكيل حكومة الأغلبية.


المصادر