شخصية القائد.. لماذا تتردد المعارضة في ترشيح كليتشدار أوغلو لرئاسة تركيا؟
قبل نحو 8 أشهر من الانتخابات الرئاسية التي توصف بـ"المصيرية" في تركيا، خيمت أجواء محمومة على مناقشات قوى المعارضة لاختيار مرشح مشترك؛ لمواجهة الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي تتزايد شعبيته بصورة لافتة خلال الأسابيع الأخيرة.
فقبل أيام برز تصدع كبير فيما بات يعرف بـ"الطاولة السداسية" للمعارضة، بعد تصريحات أدلت بها زعيمة حزب "الجيد"، ميرال أكشنار، تحفظت فيها على إصرار حليفها الأقرب، رئيس حزب "الشعب الجمهوري"، كمال كليتشدار أوغلو، على ضرورة الدفع به كمرشح مشترك في انتخابات الرئاسة ضد أردوغان.
و"الطاولة السداسية" إطار يضم 6 من أحزاب المعارضة، هي الشعب الجمهوري برئاسة كليتشدار أوغلو، والجيد برئاسة أكشنار، والديمقراطية والتقدم برئاسة علي باباجان، والمستقبل برئاسة أحمد داود أوغلو، والسعادة برئاسة تمل كارمولا أوغلو، والديمقراطي برئاسة جولتكين أويصال.
وفي أكثر من مناسبة أكد كليتشدار أوغلو رغبته في الترشح لرئاسيات صيف 2023، لكن التوافق على اسمه بقي مثار جدل، لأسباب عديدة تتلخص في أنه "لا يمتلك القدرات اللازمة" لمواجهة أردوغان المرشح عن "تحالف الشعب" الذي يضم حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية.
ضجة كبيرة
وفي خطوة فاجأت الرأي العام في تركيا، أطلق زعيم المعارضة، رئيس أكبر أحزابها كليتشدار أوغلو، في 23 سبتمبر/ أيلول 2022، دعوة إلى قوى المعارضة بصفة عامة، ولأعضاء حزبه خصوصا، طالبهم فيها بإظهار موقفهم من ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة.
وقال كليتشدار أوغلو (73 عاما) في مؤتمر لحزبه في مدينة إزمير (غرب): "أنا عازم على مواصلة هذا الطريق، ولا شيء يمكنه أن يحيدني عنه، وأنا على ثقة أننا سنهزم أعداء الشعب عبر هذا الكفاح".
واستدرك: "لكن الآن يجب علي أن أعرف.. هل أنتم حقا معي؟ فبعضكم صامت، وهذا يلحق بي كثيرا من الضرر، لذا قرروا الآن".
Halk düşmanları ile mücadele etmek isteyenleri yanıma çağırıyorum. Ne çeteler ne varlıkçılar ne tefeciler ne faizciler ne de borsa manipülatörleri, hiçbiri yanımda olmasın. Hatta mümkünse hepsi karşımda olsun. Ama siz olun. Siz olun ve hep beraber olsun! pic.twitter.com/2IyAaHuhW9
— Kemal Kılıçdaroğlu (@kilicdarogluk) September 23, 2022
وكان لافتا أنه فور هذا الخطاب أعلن رئيسا بلديتي أنقرة، منصور يواش، وإسطنبول، أكرم إمام أوغلو، دعمهما لكليتشدار أوغلو، رغم أنهما كانا مرشحين بارزين للرئاسة وكانت تؤيدهما أكشنار لخوض هذا السباق ضد أردوغان.
فغرد عمدة أنقرة عبر "تويتر" قائلا: "سنكون دائما إلى جانبكم من أجل غد عادل ومستقبل سعيد لتركيا".
Adil yarınlar, huzurlu bir gelecek için her zaman yanınızdayım. @kilicdarogluk pic.twitter.com/HpGNlbPQgQ
— Mansur Yavaş (@mansuryavas06) September 23, 2022
وكذلك الأمر بالنسبة لإمام أوغلو، الذي كتب: "أنا دائما مع رئيسنا السيد كليتشدار أوغلو وفي كل الأحوال".
Her koşulda Sayın Genel Başkanımızın #yanındayım @kilicdarogluk
— Ekrem İmamoğlu (@ekrem_imamoglu) September 23, 2022
ورأى مراقبون أن بهذه الخطوة أغلق كليتشدار أوغلو باب الترشح للرئاسة في حزب الشعب الجمهوري الذي جرت كثير من المناقشات بشأنه خلال الشهور الأخيرة، كما أنها بعثت رسالة قوية للطاولة السداسية في هذا الشأن.
وردا على هذه الرسالة، قال رئيس حزب الديمقراطية والتقدم، باباجان، إن الطاولة السداسية لم تحدد مرشحها للرئاسة، وننظر لدعوة كليتشدار أوغلو لمن يؤيدونه لتحديد موقفهم على أنها رسالة إلى حزبه.
وأضاف خلال تصريحات صحفية في 26 سبتمبر، "ذاهبون إلى انتخابات من غير المرجح أن ينجح فيها حزب واحد، لهذا السبب نهدف إلى مرشح مشترك".
وأكد باباجان أنها "عملية حرجة للغاية، لأنه وفقا للنظام الدستوري الحالي سنشهد فترة انتقالية يجب أن نحكم فيها البلاد قبل التحول من النظام الرئاسي إلى البرلماني المعزز، ونفضل أن يعلن المرشح المشترك عن خريطة الطريق للعملية الانتقالية".
لكن الرد الأقوى جاء من أكشنار، إذ أشارت إلى تأكيد كليتشدار أوغلو عند تشكيل الطاولة السداسية في فبراير/ شباط 2022، أن "المرشح الرئاسي سيحدد عبرها"، وقالت: "هو من كلف الطاولة بهذه المهمة وألزم نفسه بذلك، لذا فنحن لسنا كاتب عدل سيصادق على ما يقوله".
وأضافت خلال حوار مع قناة "خبر ترك" في 27 سبتمبر، أن "كليتشدار أوغلو لديه الحق في الترشح، وزعماء الطاولة الآخرون لديهم الحق في ذلك أيضا، أنا الوحيدة التي قلت لن أترشح، لكن المطلوب هو مرشح قادر على الفوز"، في إشارة إلى ضعف فرص الأول في الفوز ضد أردوغان.
ولفتت أكشنار إلى أن "المرشح الرئاسي قد يكون من حزب الشعب الجمهوري، لكن المهم هو ضمان الفوز"، مؤكدة في الوقت ذاته أنه ليس لديها اعتراض على ترشح رئيسي بلدية إسطنبول إمام أوغلو، وأنقرة يافاش للمهمة.
رؤى مغايرة
من جانبه، رأى الصحفي التركي تشاغلار جيلارا، في تغريدة عبر تويتر، أن أكشنار ردت عبر هذه التصريحات على رسالة كليتشدار أوغلو، كما أنها عبر تركيزها على إشارة "مرشح قادر على الفوز"، فتحت الطريق أمام الحديث عن خيارات وترشيحات أخرى.
Meral Akşener “biz noter değiliz” diyerek aday olmak isteyen Kemal Kılıçdaroğlu’na mesaj gönderiyor. Ayrıca “kazanacak aday” vurgusu ile de farklı seçeneklerin konuşulmasını istiyor.pic.twitter.com/5Yl0aEqsOg
— Çağlar Cilara (@caglarcilara) September 27, 2022
فيما وصف الكاتب الشهير المقرب من حزب العدالة والتنمية، عبد القادر سيلفي، تصريحات أكشنار في مقال بصحيفة "حرييت" في 29 سبتمبر، بأنها "زلزال هز الطاولة السداسية، بل ترقى إلى قنبلة قد تفجر هذا التحالف تماما".
وأضاف أن هذه التصريحات "جعلت ادعاءات هذه الطاولة للشعب أنها أمل تركيا وبديل أردوغان، تتبخر، فقبل حتى بدء الانتخابات بات أعضاؤها يتشاجرون ويهزون أصابعهم لبعضهم البعض عبر وسائل الإعلام، فكيف سيدير هؤلاء الدولة عند وصولهم للحكم؟!".
وأوضح سيلفي أن "كليتشدار أوغلو كاد أن ينهي مسألة الترشح للرئاسة، ولم يبق سوى الإعلان عن ذلك عبر اجتماع الطاولة السداسية في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، لكن أكشنار أفسدت عليه الأمر"، لافتا إلى دورها في منع ترشيح الرئيس التركي السابق عبد الله غل لرئاسيات عام 2018، والدفع بالمرشح محرم إنجه.
وهو ما تحقق بالفعل، إذ عقدت الطاولة السداسية في ذلك اليوم اجتماعها السابع في مقر "الشعب الجمهوري"، ومر دون التوصل إلى اتفاق بشأن اسم المرشح المشترك لخوض السباق الرئاسي.
وأكد سيلفي أن هذه التطورات ستحدد مصير الطاولة السداسية، وسيكون لها تأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية، وبعد هذه المرحلة ضعفت فرص الخروج بمرشح مشترك للطاولة، في ظل إصرار كليتشدار أوغلو على ترشحه.
وعن تفاصيل هذه الاختلافات، أوضح الكاتب ظافر شاهين في مقال بصحيفة "ملييت" في 27 سبتمبر، أن إصرار كليتشدار أوغلو على الترشح يزعج أكشنار التي إن قدمت الدعم له فلن تكون قادرة على توحيد حزبها، وإذا تركت الطاولة فسينظر لها بأنها "مبعثرة التحالف"، وستتحمل المسؤولية إذا فشلت المعارضة بالانتخابات.
ويعترض غالبية أعضاء حزب "الجيد" القومي على العلاقات التي أقامها كليتشدار أوغلو بين حزبي "الشعب الجمهوري" و"الشعوب الديمقراطي" الكردي المعروف بارتباطه بحزب العمال الكردستاني (بي كا كا) الذي تصنفه تركيا "إرهابيا" وانفصاليا.
وأشار شاهين إلى أن كليتشدار أوغلو نجح خلال الأيام الأخيرة في سحب ورقتي يافاش وإمام أوغلو من يد أكشنار وإعلانهما دعمهما له، لكنها تبقي هذين الاسمين على جدول الأعمال من أجل القدرة على المساومة.
وأضاف أن مهمة أكشنار صعبة للغاية "بسبب الخشية من عدم قدرتها على الحفاظ على حزبها إذا أصبح كليتشدار أوغلو المرشح المشترك للطاولة السداسية"، لكنه لفت في الوقت نفسه إلى أنها "قد تدعمه في النهاية كرها بعد تحميله المسؤولية السياسية والشعبية لقراره".
شخصية القائد
وفي تحليل لها في 17 سبتمبر، سلطت إذاعة صوت ألمانيا (دويتشه فيله) الضوء على أبرز مرشحي المعارضة الذين قد يواجهون أردوغان في سباق الرئاسة المرتقب.
وقالت إن كليتشدار أوغلو الأوفر حظا حاليا في المنافسة، فتحت قيادته حقق حزب الشعب الجمهوري فوزا تاريخيا في الانتخابات البلدية عام 2019، حيث انتصر مرشحا الحزب في أنقرة وإسطنبول، اللتين سيطر عليهما لعقود حزب العدالة والتنمية.
واستدركت: "لكن منتقدي كليتشدار أوغلو يشككون في قدرته على هزيمة أردوغان، في ظل الخسائر العديدة التي ألحقها الأخير به طوال فترة رئاسته للشعب الجمهوري منذ عام 2010، وقبلها خسر نفسه انتخابات بلدية إسطنبول في 2009 أمام العدالة والتنمية".
وأضافت أن "عمدة إسطنبول إمام أوغلو، مرشح محتمل أيضا، لكن يؤخذ عليه أنه خلال أزمات أو كوارث وقعت في فترته، كان في إجازة، وهو ما انتقده الرأي العام بشدة".
أما عمدة العاصمة أنقرة يافاش، فقالت عنه إنه تركي قومي، وهو ما يبعد عنه الناخبين الأكراد ويحرمه من أصواتهم، التي تعد مهمة للغاية في الانتخابات، ولكن رغم ذلك فإنه ليس من المستبعد أن يصوت له الكثير لغياب البدائل.
ولفتت إذاعة "صوت ألمانيا" إلى أنه ما ليس في صالح المرشحين، إمام أوغلو ويافاش، هو أن عليهما ترك منصبهما، ما يعني أن المعارضة ستفقد إدارة إسطنبول وأنقرة، لأن العدالة والتنمية يملك الأغلبية في مجلس المدينتين وبالتالي سينتخب العمدة من بين صفوفه.
فيما أكدت مديرة "معهد إسطنبول للأبحاث السياسية"، سيرين سلفين كوركماز، أن شخصية القائد تلعب دورا مهما في الثقافة السياسية التركية، مضيفة أن "ما يهم الناس قبل كل شيء هو القائد وماذا يقول؟".
وأضافت للإذاعة الألمانية أنه "من المنتظر أن يتم الإعلان عن اسم المرشح المنافس لأردوغان بداية العام المقبل، وأيا كان، فإن لديه الفرصة للفوز، بشرط أن يكون فعلا المرشح الوحيد للمعارضة وأن يستمر هذا التحالف السداسي الهش على الأقل حتى انتخابات يونيو 2023".
كما قد نجح حزب العدالة والتنمية طوال الـ12 عاما الأخيرة، في إلصاق صور سلبية بشخصية كليتشدار أوغلو، أهمها أنه تابع للغرب وداعم للانفصاليين والإرهابيين، فضلا عن أنه منسوب للطائفة العلوية، ما يعني أن شريحة الأتراك المحافظين الواسعة "لن تصوت له".
وفي تحليل مماثل عن المرشحين المقترحين للسباق الرئاسي، قالت صحيفة "فايننشال تايمز" الأميركية، إن بعض الأصوات المعارضة تتخوف من إصرار كليتشدار أوغلو على ترشيح نفسه لمنافسة أردوغان، مشيرين إلى أن الرئيس التركي "سيلتهمه حيا".
ونقلت عن مسؤول كبير بأحد أحزاب المعارضة الخمسة الأخرى في الطاولة السداسية، في 4 مايو/ أيار 2022، إن كليتشدار أوغلو "يموت من أجل الترشح"، مضيفا أنه "لا شك في أنه سيكون أفضل المرشحين المحتملين، لكن فرصته في الفوز متدنية".
شعبية متزايدة
وبينما تواجه المعارضة كل هذه التحديات، تكشف مراكز الاستطلاع التركية، وحتى المحسوبة على المعارضة، عن زيادة ملحوظة في شعبية الرئيس أردوغان بفضل النجاحات الدبلوماسية والصورة الإقليمية القوية التي أكسبها لبلاده في ظل الغزو الروسي على أوكرانيا منذ 24 فبراير/شباط 2022.
وأكد مركز "ميتروبول" للأبحاث مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 2022، أن نسبة الرضا عن قيادة أردوغان وأدائه الرئاسي تشهد زيادة ملحوظة، فيما تنخفض نسبة منتقديه.
وأوضح أن نسبة مؤيديه بلغت نهاية سبتمبر/ أيلول 2022 نحو 47 بالمئة، بزيادة نحو 3 بالمئة عن الشهر السابق له.
Erdoğan’ın görev yapış tarzını onaylıyanlarda belirgin bir artış, onaylamayanlarda ise düşüş var. pic.twitter.com/x9mUQ9xY8p
— Ozer Sencar (@ozersencar1) September 30, 2022
كما كشف المركز أنه إذا نظمت الانتخابات البرلمانية مطلع أكتوبر 2022، سيتصدر العدالة والتنمية النتائج بنسبة 29 بالمئة، وسترتفع إلى 33.6 بالمئة، عند توزيع الأصوات المترددة.
وحل ثانيا الشعب الجمهوري بنسبة 21.4، وترتفع إلى 24.8 عند توزيع الأصوات المترددة.
Bu pazar seçim olsa hangi partiye oy verirsiniz? pic.twitter.com/5NkX6UayJ5
— Ozer Sencar (@ozersencar1) October 1, 2022
وفي هذا الإطار أكد الكاتب بولنت أرانداتش في مقال نشره بصحيفة "تقويم"، أن النظام العالمي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الأولى انتهى، وتحالف الشعب بقيادة أردوغان يسعى حاليا إلى جعل تركيا أكثر عظمة وقوة في النظام العالمي الجديد.
واستدرك قائلا: "بينما الطاولة السداسية التي يقودها كليتشدار أوغلو ومن ورائه حزب الشعوب الديمقراطي توجه أنظارها إلى الغرب وأميركا".
ويبدأ كليتشدار أوغلو زيارة إلى الولايات المتحدة بين 9 إلى 13 أكتوبر 2022، من أجل لقاء مجموعة من أعضاء الكونغرس الأميركي، وفق بيان لحزب الشعب الجمهوري.
وذكر أرانداتش أنه "بينما يقوم أردوغان بتحركات جيوسياسية في إطار رؤيته لجعل القرن الحالي قرن تركيا، تسعى الطاولة السداسية لعرقلة ذلك، وها هو كليتشدار أوغلو يذهب إلى أميركا للحصول على إجازة لمخططه".
وختم بالقول إن "الشعب التركي لن يقف مع الناظرين إلى أميركا، ولن يتخلى عن الرئيس أردوغان في منتصف الطريق، فتركيا حاليا تمتلك زعيما كبيرا، وليست مجرد بيدق كما كانت، والشعب يعي ذلك جيدا".