بعد قرار التعبئة العسكرية في روسيا.. هل أنباء الفرار الجماعي مبالغ فيها؟
تحدث موقع "إنسايد أوفر" الإيطالي عن "مناخ الخوف والتوتر" الذي يسود روسيا بعد قرار الرئيس فلاديمير بوتين إعلان التعبئة العسكرية العامة للقتال في أوكرانيا.
وأعلن بوتين في 21 سبتمبر/أيلول، التعبئة العسكرية الجزئية في البلاد، في ظل تقدم القوات الأوكرانية في المناطق الشرقية.
وقال في كلمة مباشرة بثها التلفزيون الرسمي، إنه وقع مرسوما نشر على موقع الكرملين الإلكتروني، بشأن التعبئة الجزئية التي بدأت في ذات اليوم.
واتهم بوتين الغرب بالضلوع في "ابتزاز نووي"، مشيرا إلى تصريحات كبار ممثلي دول حلف شمال الأطلسي "الناتو" حول "إمكانية استخدام أسلحة الدمار الشامل النووية ضد روسيا".
وخاطب الغرب بالقول: "أود أن أذكركم بأن بلادنا لديها أيضا وسائل تدمير مختلفة وأكثر حداثة من الموجودة في دول الناتو".
وأضاف: "عندما تتعرض وحدة أراضي بلدنا للتهديد، فسنستخدم بالتأكيد الوسائل المتاحة كافة لحماية روسيا وشعبها (..) هذا ليس هراء".
وجاءت تصريحات بوتين بعد يوم من إعلان عدة مناطق تسيطر عليها موسكو شرق وجنوب أوكرانيا، إجراء استفتاء للانضمام إلى روسيا.
بين المبالغة والحقيقة
وتطرق موقع "إنسايدر أوفر" إلى الصور التي تظهر طوابير كيلومترية على مقربة من الحدود الروسية خاصة مع فنلندا وجورجيا، وكذلك ارتفاع عدد تذاكر الطيران إلى وجهات بدون تأشيرة، واحتجاجات دعاة السلام في 21 سبتمبر واعتقال المئات.
وذكر أنه في فنلندا وحدها، سجل مركز حركة الهجرة دخول أكثر من 4800 روسي في 21 سبتمبر مقارنة بـ 3100 شخص عبروا الحدود في الأيام السبعة السابقة.
أكد الموقع أن القراءات الكارثية فيما يتعلق بالفرار خارج الحدود مبالغ فيها "لأن التاريخ يشهد أن التوتر في الساحات والهروب إلى الخارج تعد ظواهر نموذجية لأي دولة تعيش حالة الحرب".
وأضاف بأن "الدور جاء على روسيا اليوم عقب إعلان التعبئة العامة، كما حدث في أوكرانيا بالأمس وفي الولايات المتحدة خلال الحروب في فيتنام والعراق".
أشار إنسايد أوفر إلى أنه "لا ينبغي المبالغة لأن الأرقام المتاحة من روسيا، تشير إلى هجرة النخبة من الطبقة الوسطى والبرجوازية الليبرالية بشكل أساسي عن طريق الجو".
خاصة أن أثرياءها باستطاعتهم دفع ما يصل إلى 10 آلاف دولار مقابل تذكرة ذهاب فقط إلى الدوحة أو دبي، وثانيا عن طريق البر بتسجيل موجة صغيرة من هجرة الأدمغة والشباب والعائلات العادية، وفق قوله.
في المقابل، شدد الموقع على ضرورة عدم التقليل من حركة مقاومة التعبئة التي على الرغم من أنها ما زالت في مهدها لكن يمكن أن يكون لها أصداء سياسية في المستقبل القريب.
وأشار إلى أن الاستقرار الاجتماعي في روسيا معلق بخيط يسمى الحرب في أوكرانيا.
أفاد الموقع الإيطالي بأن معبر Torfyanovka يعد أكثر المعابر الحدودية ازدحاما في الأيام الأخيرة، حيث توجد نقاط تفتيش تقع خلفها مدينة فاليما (Vaalima) الفنلندية القريبة من مدينة سانت بطرسبرغ الروسية، مسقط رأس بوتين وكذلك أكبر مدن روسيا "الأوروبية".
وأكد أن العاصمة السابقة لروسيا القيصرية ومناطقها المجاورة تمثل إلى جانب موسكو، مراكز رفض قرار التعبئة والقتال في أوكرانيا.
وأشار إلى أن استطلاعات رأي أجريت قبل صدور قرار بوتين، أظهرت أن 3 بالمئة فقط من الروس على استعداد لحمل السلاح على الرغم من الدعم العام للعملية في أوكرانيا.
ويلاحظ أن استطلاعات الرأي هذه تؤكد الاتجاه السائد في الرأي العام في غرب البلاد، المطابق لمثيله في أوروبا.
لذلك يفر السكان من سانت بطرسبرغ، وكذلك من موسكو حيث تشهد المطارات ارتفاعا في عمليات المغادرة إلى المدن الأجنبية القليلة التي لا يزال الوصول إليها متاحا.
صدام داخلي
كما يتجلى رفض الحرب والتعبئة من خلال الاحتجاجات خاصة بين فئة الشباب من مواليد ما بعد عام 1991، "الذين يرفضون الإنصات إلى خطاب القومية".
فهؤلاء نشأوا في مجتمع قائم على المعايير الأوروبية والغربية وفكرة التعبئة لمواجهة الحرب ببساطة لا تتناسب مع منظورهم، وفق تعبير الموقع.
أوضح الموقع أنه يُنظر إلى الحرب بشكل مختلف، مرجحا بأن تخلق وجهات النظر المختلفة في المستقبل غير البعيد، تصدعات عميقة داخل المجتمع الروسي.
وتابع بأنها "لا تتعلق بالمسافات الجغرافية، أي أن الصدام ليس فقط بين روسيا أوروبية وأخرى شرقية بل هناك اختلافات داخل هذا التقسيم في حد ذاته".
ويشرح أنه "في المدن الكبرى، على سبيل المثال في سانت بطرسبرغ، المواطنة بعيدة جدا عن فكرة التعبئة بينما بالانتقال إلى المناطق الريفية، حتى في جانب جبال الأورال، يتغير الوضع".
في الواقع، لا تعني كلمة "روسيا العميقة" أنها بعيدة جغرافيا عن أوروبا فحسب، بل تعني أيضا تركزها في الريف الشاسع ليس بعيدا عن المناطق الحضرية، يضيف الموقع.
كما ألمح إلى أن الصراع الحقيقي الداخلي قد يكون بين الأجيال، "فالأصغر سنا لا يريدون القتال بينما يحقق خطاب الكرملين مزيدا من الاختراقات بين كبار السن".
واستنتج بأنه "بغض النظر عن الكيفية التي ستسير بها الأمور في أوكرانيا، سيكون على روسيا المستقبل أن تختار من تداخل الرؤى والانقسامات المتعددة، الجغرافية والسياسية، وبين الأجيال".
وبين الموقع أنه تواصل "بعض الروس، من فئات عمرية مختلفة ينتمون إلى مراكز اقتصادية مختلفة ويقيمون في كل من روسيا الأوروبية والآسيوية، للحصول على فكرة ووصف لما يحدث".
أكدت "أزات"، طالبة تدرس بموسكو من مواليد 2000 "وقوع احتجاجات ضد التعبئة في العاصمة يشارك فيها أشخاص من جميع الأعمار".
وقالت إن "الطلاب يشعرون بالخوف سواء بسبب الذهاب إلى الجبهة أو ببساطة النزول إلى الشوارع وكثير منهم يفضلون الفرار من البلاد، لا إلى فنلندا وجورجيا وتركيا فحسب وإنما جرى بيع جميع تذاكر خط موسكو-أستانا".
استياء الضواحي
رأى الموقع الإيطالي "أن الوضع لا يبدو مختلفا تماما بين شباب الضواحي المنسية، والذين يتذكرهم الكرملين في أوقات الحرب، مثل كراسنويارسك وبورياتيا".
ونقل عن "إيرينا"، طالبة في كراسنويارسك، وسط سيبيريا، قولها إن أخبار الحرب تتدفق إلى القرى من خلال ما تنشره وسائل التواصل الاجتماعي، كما أنه في مناطق، مثل بورياتيا وداغستان، يملك الجميع أخا أو أبا أو صديقا غادر إلى أوكرانيا".
وبحسب الطالبة، "كل من أراد التجنيد من أجل كسب المال فعل ذلك" بينما من يشارك في الاحتجاجات اليوم "هم الرافضون للتجنيد أو النساء اللاتي لا يردن أن يذهب رجالهم للحرب".
وأضافت بأن "الأقليات العرقية تشارك في الاحتجاجات وتندد بصوت عالٍ وبشكل متزايد بالتطهير العرقي للأقليات".
ونقل الموقع شهادة "بير" من بورياتيا إحدى الجمهوريات الروسية التي تحكم ذاتيا، وهي تقع في جنوب المنطقة الوسطى من سيبريا، مركز الاعتصامات والاحتجاجات المناهضة للتعبئة.
ويقول بير إن هناك "العديد من الناس يتجهون إلى منغوليا على أمل الهروب من التعبئة بينما يسود شعور بالخوف".
وبحسب شهادته، "كثيرون لا يعرفون ماذا يفعلون ولا يعتقدون أن البقاء في روسيا آمن".
بالنسبة إلى "فاليريج" فإنه "بعيدا عن المسافة بين أي مدينة في روسيا وأوكرانيا، يدرك الجميع الحرب ويصعب على الشخص العادي التمييز بين الأخبار الصحيحة والكاذبة عنها".
وقال إن حجم الدعاية على التلفزيون كبير ومن الواضح أن "أولئك الذين يستخدمونه كمصدر رئيس للمعلومات يعتقدون اعتقادا راسخا أن بوتين يساعد الأوكرانيين في محاربة النازيين الجدد".
لذلك هناك التزام حقيقي بسرد الكرملين والاندفاع للتجنيد، لأن "الكثير من الناس يؤيدون الحرب حقا ويعتقدون أننا إذا لم نقاتل في أوكرانيا اليوم، فإنها ستهاجمنا في المستقبل".
وأضاف أن "عددا متزايدا من الشباب في المنطقة يخير أن يصبح جنديا لأن الأجر أفضل بكثير مما يكسبه من الوظيفة العادية".
من جانبها، قالت "ناتاليا"، شابة أخرى من بورياتيا، إنه "ليس من السهل معرفة عدد الأشخاص الذين يدعمون الحرب وعدد الذين لا يدعمونها"، لكنها تعتقد "بشكل عام" أن "الناس يدعمونها".
وبحسب رأيها، الفرار ليس ممكنا دائما لأن "كثيرا من الناس ليس لديهم مدخرات كافية لحزم أمتعتهم والمغادرة"، وهو وضع يشمل "ثلثي الروس لكن 30 بالمئة فقط يمتلكون جواز سفر".
وهذا "يحد بشكل كبير من قائمة البلدان التي يمكن الفرار إليها، والتي تضم أرمينيا وكازاخستان وقيرغيزستان ومنغوليا وبيلاروسيا".