تسجيل عقود لإيرانيين.. هل تنازلت الإمارات عن جزرها "المحتلة" إلى طهران؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

لم يمضِ سوى شهر على إعلان أبوظبي إعادة سفيرها إلى طهران بعد ست سنوات على سحبه تضامنا مع الرياض التي أحرق محتجون سفارتها بإيران عام 2016، حتى اتخذ القضاء الإيراني قرارا بإصدار سندات ملكية رسمية خاصة بجزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، المتنازع عليها مع الإمارات.

وقال متحدث باسم السلطة القضائية في 20 سبتمبر/أيلول 2022 إن "الجزر الثلاث باتت في الدوائر العقارية الإيرانية بصفتها أراضيَ مملوكة للدولة ضمن سندات تمليك رسمية وقانونية، بحيث يُدرج اسم إيران في الخانات المخصصة لاسم المالك لهذه الأراضي".

هل من تداعيات؟

وعن تأثير الخطوة الإيرانية على تطبيع العلاقات مع أبوظبي، رأى الأكاديمي العراقي والباحث في شؤون الخليج، وائل عباس إن "التزام الصمت من الإمارات حتى الوقت الحالي مؤشر على أنها لن تتخذ أي خطوة مضادة تجاه إيران تعيق تطبيق العلاقة".

وقال عباس لـ"الاستقلال" إن "الإمارات تسعى إلى تجنب أي تصعيد مع إيران حفاظا على أمنها واقتصادها، لأن مسيّرات جماعة الحوثي اليمنية- التي تزودهم بها طهران- لن تكون بعيدة عن مطاري دبي وأبو ظبي كما حصل في يناير/ كانون الثاني 2022".

وأعرب الباحث عن اعتقاده بأن "دولة الإمارات لن يكون بوسعها فعل شيء حيال الخطوة الإيرانية سوى ابتلاع الموضوع، والدعوة مرة أخرى لحل القضية عبر الحوار، كما دأبت عل ذلك منذ سبعينيات القرن العشرين"، مشيرا إلى أن الدولة الخليجية "أبقت علاقاتها الاقتصادية منذ سحب سفيرها عام 2016".

ولفت إلى أن "خطوات إيران في الجزر الثلاث بدأت تتصاعد منذ مدة حينما أعلنوا بناء مطارات والبدء بإسكان المواطنين الإيرانيين فيها بشكل رسمي، ولم يكن للإمارات أي رد، بل ذهبت إلى تصفير المشاكل مع طهران بشكل منفرد عن حليفتها السعودية وعقدت لقاءات عدة مع المسؤولين الإيرانيين".

وفي 21 أغسطس/ آب 2022، أفادت وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية بعودة سفيرها إلى العاصمة طهران، سيف محمد الزعابي، خلال الأيام القادمة، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الإماراتية (وام).

وقالت الوكالة إن ذلك يأتي في إطار حرص الإمارات على تعزيز علاقاتها مع إيران، وتنفيذا لقرارها السابق برفع مستوى التمثيل الدبلوماسي إلى درجة سفير، واتصال هاتفي جرى في 26 يوليو/ تموز 2022 بين وزير الخارجية الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان ونظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في هذا الشأن.

وأكدت الوزارة أن "السفير الزعابي سيعود لممارسة مهامه الدبلوماسية في سفارة الإمارات لدى إيران خلال الأيام القادمة، للمساهمة في دفع العلاقات الثنائية إلى الأمام بالتنسيق والتعاون مع المسؤولين في طهران بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين الجارين والمنطقة".

وكانت الإمارات خفّضت تمثيلها الدبلوماسي في إيران عام 2016، لكنها أبقت على علاقات اقتصادية مع طهران، وسعت في الأشهر الأخيرة إلى الانخراط في حوار معها لحلحلة المسائل العالقة بين البلدين، وجرى تبادل زيارات.

وقبل ذلك، قال المستشار الرئاسي الإماراتي أنور قرقاش في يوليو 2022، إنّ بلاده تدرس إعادة سفيرها إلى طهران، مؤكدا أنه "لا يمكن أن يكون العقد المقبل على غرار العقد الماضي. في العقد الجديد، كلمة خفض التصعيد يجب أن تكون هي المفتاح، وإن أبوظبي "ليست طرفا في أي محور بالمنطقة ضد إيران".

وبلغت قيمة مستوردات الإمارات من إيران مليارين وأكثر من 700 مليون دولار، خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري، حسبما ورد في إحصاءات الجمارك الإيرانية في 7 سبتمبر 2022.

وأعلن المتحدث باسم الجمارك، روح الله لطيفي، أن الإمارات استوردت 5 ملايين طن من السلع غير النفطية من إيران، وبقيمة بلغت مليارين و781 مليون دولار، وجاءت في المرتبة الثانية بعد العراق الذي اشترى 8 ملايين و655 ألف طن من البضائع، بقيمة مليارين و961 مليون دولار.

"خطوة استفزازية"

رغم صمت الجانب الرسمي لدولة الإمارات حيال الخطوة الإيرانية حتى يوم 20 سبتمبر 2022، فإن عبد الخالق عبد الله الأكاديمي الإماراتي والمستشار السابق لرئيس الدولة محمد ابن زايد، رأى أنها "خطوة إيرانية استفزازية للإمارات".

وغرّد عبدالله على "تويتر" في 19 سبتمبر بالقول إن "إيران تصدر سندات ملكية بجزر الإمارات طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى. خطوة إيرانية استفزازية جديدة بالجزر المحتلة".

وطرح الأكاديمي القريب من السلطات الإماراتية مجموعة تساؤلات، قائلا: "لماذا تتعمد إيران الرد على تحية الإمارات بأسوأ رد؟ ولماذا لا يتابع الإعلام الإماراتي ما يجري في جزرنا المحتلة؟"

وفي السياق ذاته، قال الكاتب اللبناني فلاح الحسن خلال مقال نشره موقع "أساس ميديا" في 18 سبتمبر إن "خطوة إعلان القضاء الإيراني إصدار سندات ملكية بالجزر الثلاث العائدة لدولة الإمارات تعد خارج كل السياقات الدبلوماسية".

ولفت إلى أن الخطوة الإيرانية الجديدة لجهة إصدار "سندات ملكية"، أقل ما يقال فيها إنها خطأ مركب، في الإستراتيجية والتكتيك. فهذا القرار يطيح بكل الجهود المبذولة لحل الأزمة عن طريق الحوار والتفاهم، سواء بشكل ثنائي أو عبر المؤسسات الدولية".

وأوضح الحسن أن ذلك "يعيد العلاقة بين البلدين إلى دائرة جديدة من التوتر والتصعيد، خاصة أن القرار جاء بالتزامن مع الإعلان عن عودة السفير الإماراتي إلى مقر سفارة بلاده في العاصمة طهران ومباشرته لمهمته الدبلوماسية بعد القطيعة نتيجة اعتداء عناصر متشددين ومؤيدين للنظام على مقر السفارة والقنصلية السعودية في طهران ومشهد وإحراقهما".

ونوه الكاتب إلى أن "هذه الخطوة الإيرانية وفضلا عن آثارها السلبية على المسار الحواري القائم بين طهران وابوظبي، فإنها تدحض إعلان طهران أخيرا عن مساعٍ لترطيب العلاقات وخفض التوتر في سياق الجهود لفتح قنوات تواصل وعلاقات سليمة مع جوارها العربي خاصة الخليجي".

ورأى الحسن أن "إصدار القضاء الإيراني سندات ملكية بالجزر الثلاث لا يحسم الجدل حول شرعية السيادة عليها من عدمها، لأنها خطوة تكشف ضعف الأسس التي يعتمد عليها النظام الإيراني في ادعاءاته تلك"، وإلا فما الحاجة لمثل هذه الخطوة إذا كان واثقا من امتلاكه لها وسيادته عليها؟"

وأردف: "هل من الممكن أن يطلب والد سندا من المحكمة بأبوته لولده، إلا إذا كان مشككا بهذه الأبوة والأبوية؟".

وشبه الكاتب اللبناني الخطوة الإيرانية بالاستيطان في فلسطين، بالقول إن "إيران التي تدعي دعم (مقاومة) الاحتلال الإسرائيلي تحذو حذو تل أبيب في الاستملاك".

توقيت لافت

لكن المفارقة أن الخطوة الإيرانية جاءت بعد أسبوعين من نشر شبكة "بي بي سي" البريطانية في 31 أغسطس 2022 وثائق سرية كشفت من خلالها عن صفقة بين الإمارات وبريطانيا من أجل تسليم ثلاث جزر إماراتية لإيران في أعقاب انسحاب المملكة المتحدة من منطقة الشرق الأوسط.

ورغم الاستقلال عن بريطانيا وبداية تشكل الدول العربية الخليجية، البحرين وقطر وتوحد الإمارات، فقد ظل موضوع الجزر الثلاث المتنازع عليها مع إيران دون حل.

ويتعلّق الأمر بجزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى اللتين تتبعان إمارة رأس الخيمة، وجزيرة أبو موسى التي تتبع إمارة الشارقة، واحتلتها إيران قبل أيام من استقلال الإمارات في الثاني من ديسمبر/ كانون الأول 1971.

وذكر تحقيق شبكة "بي بي سي" أن الجزر الثلاث أصبحت جزءا من الإمارات في ذلك التاريخ، ولكن إيران لم تُسقط مطالبتها بها.

وحسب وثيقة سرية لوزارة الخارجية الإيرانية أشار إليها تحقيق "بي بي سي"، فقد قال الشاه الإيراني لوزير الخارجية البريطاني آنذاك، أليك دوغلاس هيوم، إن "هذه الجزر ملك لنا ويجب أن تعاد إلينا، سنستعيدها مهما كلّف الثمن".

وظل المسؤولون البريطانيون يصرّون علنا على أن الجزر الثلاث تعود للإمارات المتصالحة، ولكن "بي بي سي" قالت إن لديها أدلة على أن الدبلوماسي والإداري الاستعماري المخضرم البريطاني السير وليام لوس، اتفق سرا مع الشاه على إعادة الجزر إلى إيران بعد انسحاب القوات البريطانية من منطقة الخليج في ديسمبر 1971.

ورغم احتجاج الإمارات المتكرر على احتلال الشاه للجزر الثلاث في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1971، فقد كان رئيس الدولة زايد ونائبه راشد قد أحيطا علما بالقرار البريطاني قبل احتلالها من قبل القوات البحرية الإيرانية.

ووفقا للوثائق السرية التي تطرق إليها تحقيق شبكة "بي بي سي"، فإن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ونائبه الشيخ راشد آل مكتوم، مؤسسي دولة الإمارات العربية المتحدة، وافقا على قرار بريطانيا تسليم الجزر الإماراتية الثلاث لإيران قبل تنفيذه.

وأعلنت إيران في فبراير/شباط 2022 عن افتتاح أول مطار رسمي في جزيرة طنب الكبرى بحضور قائد القوات البحرية بالحرس الثوري الأدميرال علي رضا تنكسيري.

كما سيّرت أول رحلة بين طهران ومطار طنب الكبرى في خطوة قال تنكسيري إنها ستؤدي إلى تنشيط حركة التجارة في هذه المنطقة، وتعزيز مستوى الأمن المستدام بمياه الخليج، وفق تعبيره.

توطين مستمر

أما عن الموقف المعلن للإطارات بشكل دائم، فهو حث طهران على التفاوض، أو قبول إحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، بينما تصر إيران على أن سيادتها على الجزر ليست محل نقاش، وتدعو الطرف الإماراتي إلى "تفهم الموقف".

ودائما ما تؤكد بيانات مجلس التعاون الخليجي، على سيادة دولة الإمارات الجزر الثلاثة، وكان آخرها بيان الاجتماع الوزاري لهذه الدول في الأول من يونيو/حزيران 2022.

وقال البيان إن "المجلس الوزاري أكد مواقف وقرارات مجلس التعاون الثابتة الرافضة لاستمرار احتلال إيران لجزر دولة الإمارات الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى".

وأكد البيان "دعم سيادة دولة الإمارات على جزرها ومياهها الإقليمية والإقليم الجوي والجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة بصفتها جزءا لا يتجزأ من أراضيها، والنظر إلى أي ممارسات أو أعمال تقوم بها إيران فيها على أنها باطلة ولاغية وليست ذات أثر على حق سيادة (الدولة الخليجية)".

ودعا المجلس الوزاري الخليجي في بيانه إيران إلى "الاستجابة لمساعي دولة الإمارات العربية المتحدة لحل القضية عن طريق المفاوضات المباشرة أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية".

وفي 29 أبريل/نيسان 2020 أصدر المرشد الإيراني علي خامنئي قرارا لإسكان الإيرانيين في الجزر المتنازع عليها مع الإمارات، إذ ربطها مراقبون بعمليات التغيير الديمغرافي التي عرف بها التاريخ الإيراني، ولا سيما في إمارة الأحواز العربية التي احتلتها عام 1925.

ونقلت وكالة "فارس" الإيرانية تصريحات لقائد القوة البحرية للحرس الثوري الأدميرال علي رضا تنكسيري، قال فيها: "الحرس الثوري بدأ بتنفيذ أوامر خامنئي. نعتزم إيجاد بنية تحتية في هذه الجزر لتأهيلها من أجل توطين السكان فيها تنفيذا للأمر الصادر عن القائد العام للقوات المسلحة".

وأضاف تنكسيري للوكالة الإيرانية في 30 أبريل 2020: "حينما يقول الرجل الأول في الدولة (خامنئي) بأنه يجب توطين السكان في هذه الجزر، فذلك يعني أننا نسعى من أجل أمن المنطقة".

وتبعد جزيرة أبو موسى نحو 80 كيلو مترا عن الإمارات، ويقول مراقبون إن إيران دفعت بقواتها بكثافة إليها، ونصبت صواريخ ومعدات عسكرية أخرى، وهو ما يشكل تهديدا للأراضي الإماراتية، بينما تؤكد طهران بشكل ثابت على أن "نواياها" سليمة تجاه جيرانها في دول الخليج.