"جاءت متأخرة".. كيف تخطط دول عربية للاستفادة من مونديال قطر 2022؟

12

طباعة

مشاركة

على الرغم من أن كأس العالم في قطر 2022 يشكل نافذة جديدة للعالم على الشرق الأوسط، فقد جاء بتوقيت تجتهد فيه دول عربية لتحقيق مكانة سياحية تدر عوائد اقتصادية جديدة عليها.

وبأهداف استثمارية لحدث كروي يبدأ من 20 نوفمبر/تشرين الثاني حتى 18 ديسمبر/كانون الأول 2022، استطاعت عدد من الدول العربية أن تطوع قوانين تأشيرات الدخول إليها طمعا في الاستفادة من هذا العرس العالمي اقتصاديا.

إذ إنه بالتوازي مع انتهاء الدوحة من الترتيبات اللوجستية كافة لتنظيم واستضافة أول نسخة من كأس العالم لكرة القدم على أرض عربية، أصدرت عدد من الدول العربية تسهيلات خاصة لأكثر من مليون زائر قادم لمتابعة الشغف الكروي.

السر في "هيّا"

ويتعين على المشجعين من أصحاب الوثائق الدولية القادمين إلى الدوحة ممن يحملون تذاكر مباريات المونديال الحصول على بطاقة "هيّا" الإلزامية والتي تعد بمثابة تصريح دخول إلى قطر.

وتتيح "هيّا" للمشجعين دخول الملاعب وحضور المباريات (شرط الحصول على تذكرة المباراة)، والاستخدام المجاني لوسائل النقل العام في أيام المباريات، وكذلك حضور عدد من الفعاليات والأنشطة المصاحبة للبطولة.

فكرة بطاقة "هيّا" ألهمت دولا عربية في استثمارها، وتحويلها إلى "تأشيرة" جديدة وتصريح مرور لذلك الجمهور لدخول دولها، دون تكلف عناء الحصول على فيزا مسبقة لبعضها.

إذ أعلنت سلطنة عمان جاهزية برنامجها المتزامن مع مونديال قطر 2022، وتوفير خيارات متعددة للجماهير القادمة الدوحة.

وفي مؤتمر صحفي عقد بالعاصمة العمانية مسقط في 7 سبتمبر 2022 أكد وكيل وزارة التراث والسياحة العماني رئيس اللجنة التسييرية لإدارة البرنامج عزان بن قاسم البوسعيدي، "تقديم تأشيرة مجانية لمشجعي كأس العالم لدخول السلطنة، متعددة الرحلات معززة بميزة الاستخراج عند الوصول وفترة صلاحية تصل إلى 60 يوما".

هذا بالإضافة إلى برنامج للرحلات الجوية اليومية بين السلطنة وقطر، وبرنامج تسهيلات المطارات والتنقل، ضمن مخطط السلطنة لمونديال قطر، بحسب ما نقلت "وكالة الأنباء العمانية" الرسمية.

بدورها، قررت وزارة الداخلية الأردنية في 6 سبتمبر اعتماد بطاقة حضور مباريات كأس العالم لغايات منح تأشيرات، ولعدة سفرات دون الحاجة إلى موافقات مسبقة لجميع الجنسيات دون استثناء بالدخول إلى الأردن.

وسيسمح لحامل البطاقة بدخول الأردن بتأشيرة من المعبر الحدودي وعبر المطار مباشرة لدخول أراضي المملكة، ولن تكون هناك أي جنسية مستثناة، وفق الداخلية الأردنية.

وأكد الناطق باسم وزارة الداخلية الأردنية طارق المجالي وجود استعدادات لتأمين كافة الخدمات التي يتطلبها السائح "بما يعكس صورة حضارية وإيجابية عن إمكانيات الأردن وما يزخر به من مواقع سياحية ودينية وأثرية".

ومضى المجالي يقول: "هذا القرار يهدف بشكل مباشر إلى تسهيل الإجراءات وتبسيطها بما يضمن دخول وانتقال المشجعين المشاركين في حضور مباريات كأس العالم وكذلك الفرق الرياضية من وإلى المملكة".

وأشار المجالي إلى أن "كل ذلك بالمحصلة سيصب في قطاع السياحة ودفع عجلة الاقتصاد الوطني".

تطويع التأشيرات

والمونديال الذي سيقام لأول مرة في موسم الشتاء وليس في الصيف، لتجنب الحر الشديد بالمنطقة، فتح شهية الدول العربية لجعل الحدث عينا ثانية عليها، نظرا لكون كرة القدم هي الرياضة الواسعة التي تجمع ممثلي كل بلدان العالم على أرض ملعب واحد.

وقررت وزارة الخارجية السعودية في 25 أغسطس/آب 2022 منح تأشيرات متعددة الدخول لحاملي بطاقة "مشجع هيّا".

وستسمح المملكة المجاورة لقطر لحاملي البطاقة بالدخول إليها قبل انطلاق بطولة كأس العالم بعشرة أيام بعد الحصول على تأشيرة إلكترونية.

وأوضحت الرياض أنه "يمكن للحاصلين على تأشيرة الدخول الإقامة في المملكة لمدة 60 يوما"، مشيرة إلى أنها تتيح الدخول إليها والخروج منها عدة مرات خلال مدة صلاحية التأشيرة.

ويشكل القرار السعودي فرصة واسعة للاستفادة اقتصاديا من عدد المشجعين الكبير المتوقع حضوره مباريات كأس العالم، عبر إنعاش قطاعي السياحة والضيافة لديها.

كما أعلنت الإمارات عن منح تأشيرات سياحية متعددة الدخول لمشجعي كرة القدم الذين سيتوجهون إلى قطر.

وقالت وكالة أنباء الإمارات، في 31 أغسطس، إن حاملي بطاقة "هيّا"، سيحصلون على تأشيرة الدخول والإقامة في البلاد لمدة تصل إلى تسعين يوما مقابل 100 درهم فقط (27 دولارا)، مع إمكانية التمديد لفترة 90 يوما إضافية.

وأكدت الوكالة أن هذه التأشيرة تسمح بالدخول إلى الإمارات والخروج منها عدة مرات خلال مدة صلاحيتها.

خطوط جوية

ولم يتوقف الأمر عند تسهيل التأشيرات لمشجعي كرة القدم القادمين لحضور أول مونديال على أرض عربية، حيث سيقام حفل الافتتاح قبل مباراة قطر - الإكوادور في 20 نوفمبر.

بل ستسير الخطوط السعودية والكويتية وشركة "فلاي دبي" والطيران العماني أكثر من 160 رحلة يومية بدءا من 20 نوفمبر، للذهاب والعودة خلال 24 ساعة من الدوحة وإليها لمتابعة المباريات.

وستسمح هذه الخطوة للجماهير بالسفر من مدن قريبة قبل المباراة والعودة في نهاية اليوم.

وستقام المباريات في ثمانية ملاعب في محيط الدوحة، مما يعني أنه ستسهم تلك الخطوات المذكورة آنفا بتخفيف ضغط الإقامة في العاصمة القطرية.

وضمن حزمة تسهيلات جديدة، وافقت دول الخليج على تسهيل الإجراءات الإدارية للمشجعين الذين سيمرون في دولهم.

إذ يستعد مطار دبي لوضع إجراءات للسفر من شأنها جعل التنقل أسهل بكثير بين الإمارات وقطر.

وبحسب الخطوط القطرية، فإنه كجزء من اتفاقية النقل في كأس العالم، ستسير فلاي دبي ما يصل إلى 60 رحلة يومية من دبي لنقل نحو 2500 مشجع.

بينما ستسير شركة الطيران العماني ما يصل إلى 48 رحلة يومية من مسقط لنقل حوالي 3400 مشجع.

وضمن هذا المضمار، قالت السعودية إنها ستسير ما يصل إلى 60 رحلة يومية لنقل حوالي 10 آلاف مشجع من الرياض وجدة.

أما الخطوط الجوية الكويتية، فستسير ما يصل إلى 20 رحلة في اليوم لنقل نحو 1700 مشجع.

وحتى 18 أغسطس، باع منظمو كأس العالم 2.45 مليون تذكرة للمباريات في قطر، بعد بيع أكثر من نصف مليون تذكرة في آخر مرحلة بين 5-16 يوليو/تموز 2022 وفق ما كشف الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا".

وأوضح "الفيفا" أن أكبر عدد من التذاكر يخص مباريات بدور المجموعات بين الكاميرون والبرازيل، والبرازيل وصربيا، والبرتغال وأوروغواي، وكوستاريكا وألمانيا، وأستراليا والدنمارك.

ويتصدر المشجعون المقيمون في قطر والسعودية والولايات المتحدة والمكسيك والإمارات وإنجلترا والأرجنتين والبرازيل وويلز وأستراليا صفوف البيع الإلكترونية، بضمان أكبر عدد من التذاكر، بحسب "الفيفا".

وسيعلن عن المرحلة القادمة لبيع التذاكر قبل نهاية سبتمبر 2022، بينما ستفتح منافذ البيع في الدوحة بعد آخر مرحلة للبيع الإلكتروني.

ووضع اتحاد "الفيفا" أسعارا تشجيعية مخفضة للتذاكر، تصل إلى ما يقارب 11 دولارا للسكان والمقيمين.

وتصل أسعار التذاكر للمشجعين الأجانب إلى 69 دولارا، وهو ثلث سعر التذكرة في مباراة كأس العالم التي أقيمت في روسيا عام 2018. ويصل سعر تذكرة المباراة النهائية إلى نحو 1607 دولارات.

وسيشارك في المباريات 32 منتخبا منهم 13 فريقا من أوروبا، و6 من آسيا (قطر الدولة المستضيفة)، و5 من إفريقيا، و4 من أميركا الجنوبية، و4 من أميركا الشمالية والوسطى والكاريبي.

رؤية الدوحة

وحاولت قطر النظر إلى بطولة كأس العالم التي تحتضنها من منظور تشاركي مع جيرانها الخليجيين.

ولهذا يرى كثير من المراقبين أن الدوحة وجيرانها عبر هذه الخطوات التشاركية لتقديم صورة ناصعة عن المنطقة العربية من خلال المونديال، قد قفزوا مراحل متجاوزين صفحة الخلافات السابقة.

ويؤكد هؤلاء أن تلك الخلافات قبل إنهاء القطيعة قلصت من مدى استفادة جيران قطر من المونديال وتحقيق مكاسب اقتصادية إضافية بحكم تقارب البنية الاقتصادية ونموها داخل دول مجلس التعاون الخليجي وترابطها الكبير.

وكانت السعودية والبحرين والإمارات ومصر قد قطعت العلاقات مع قطر في يونيو/حزيران 2017، قبل أن تنهي قمة العلا في 5 يناير/كانون الثاني 2021 بالسعودية القطيعة التي شملت إغلاق الأجواء، وتعيد هذه الدول علاقاتها مع الدوحة.

ومنذ إعلان المصالحة الخليجية في القمة، تبذل تلك الدول وقطر جهودا لتطوير علاقاتها من جديدة ودفعها إلى الأمام.

وفي هذا السياق، وصف الرئيس التنفيذي للخطوط الجوية القطرية "أكبر الباكر"، في 26 مايو/أيار 2022 بطولة كأس العالم بأنها "كعكة كبيرة" ستحقق "فائدة اقتصادية ضخمة" تهدف الدوحة إلى تقاسمها مع جيرانها الخليجيين.

ونموذج التعاضد العربي في مساندة قطر لإنجاح أحد أكبر الأحداث الرياضية في العالم يؤسس لقدرة الدول العربية على فتح مشاريع موحدة، والعمل على خدمة المصالح العربية مثل القضية الفلسطينية، وفق كثير من المراقبين.

وفق هؤلاء فإن تظافر الجهود حول المونديال يبرز الدور الذي قد يلعبه في بناء الهوية الثقافية العربية، فضلا عن فتح آفاق اقتصادية جديدة للدول العربية كل بحسب قدراته من ناحية البنية التحتية والطبيعة الجغرافية.

وكذلك الوصول إلى "طموح" إقرار "عملة خليجية موحدة"، على الرغم من اتفاق مجلس التعاون الخليجي على حركة الهامش لأسعار صرف العملات الخليجية فيما بين دوله وتأسيس مقر للبنك المركزي الخليجي.

"دبلوماسية الرياضة"

ولهذا رأى خبراء رياضيون أن "حصار قطر" من قبل الرباعي (السعودية، الإمارات، البحرين، مصر) عام 2017، أنهى إمكانية تنسيق دول الخليج لجعل هذا المونديال "مشروعا عربيا موحدا".

ولا سيما وفق هؤلاء، أن فرض الحصار البري والجوي والبحري على قطر تبعه جهود لإفشال المونديال وسحب ملف تنظيم من قبل الدوحة.

لكن وكما يقول بيت الشعر المشهور: "ما بين غمضة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال"، قلبت المعادلة، وأصبحت "دبلوماسية الرياضة" المحرك الرئيس نحو التقارب الذي سيقلص بدوره التباين الاقتصادي بين الدول.

ووصف الصحفي الرياضي محمود شهبا المواكب للحدث المونديالي بطاقة "هيّا" بأنها باتت تشبه تأشيرة (شنغن) التي تسمح بالتنقل بين دول أوروبية عدة.

ولفت شهبا في حديث لـ "الاستقلال"، إلى أن "(هيّا) تحولت إلى بطاقة معلومات للمشجع، لن تنتهي بانتهاء المونديال بل ستبقى فائدتها سارية لمن حصلوا عليها".

واستدرك شهبا قائلا: "ربما مستقبلا ستسهل (هيّا) على المشجع السياحة في دول عربية وتخفف عليه صعوبات الحصول على تأشيرة، مما يعني أن الدول العربية التي فعلت نظام هيّا لديها ستكسب جمهورا سياحيا جديدا من العرب والأجانب".

ومضى شهبا يقول: "لا ندري ربما تعتمد بطاقة هيّا كشنغن جديدة، ولا سيما أن هناك أحداثا كروية عقب المونديال مثل منافسات بطولة كأس آسيا 2023".

 وترشحت قطر لاستضافة البطولة الآسيوية المذكورة إلى جانب المترشحين الثلاثة كوريا الجنوبية وأستراليا وإندونيسيا.

إذ إن فرص الدوحة متاحة في نيل احتضان البطولة، كونها سبق أن استضافت كأس آسيا عامي 1988 و2011، ولا سيما أنها خارجة من تنظيم ملتقى كروي عالمي لا يتكرر إلا كل 4 سنوات.