الإندبندنت: طالبان قوة مزيفة تقدمت عبر الرشوة والمال وشراء المنافسين
تساءلت صحيفة الإندبندنت البريطانية عن مدى صمود حركة طالبان في السلطة بعد عام من سيطرتها على مقاليد الحكم وطرد حكومة الرئيس أشرف غني.
وقالت النسخة التركية في مقال للكاتب "أسد الله أوغوز": طالبان كسبت إعجاب الرأي العام الدولي المختلط بالخوف والحيرة من خلال الانتصار على حلف شمال الأطلسي "الناتو"، أكبر وأقوى تحالف عسكري في العالم، وراعيته، الولايات المتحدة.
قوة مزيفة
ولكن الحقيقة التي لا ينبغي إغفالها هي أنه لم تكن طالبان قط قوة عسكرية مخيفة، ولم تحقق نجاحا ملحوظا واحدا خاصا بها على الجبهة، وفق تقديره.
ولفت الكاتب إلى أنه "في كل من عام 1990 وفي السنوات الـ 20 الماضية، تقدمت طالبان دائما عن طريق شراء منافسيها والفوز بانتصاراتهم من خلال الرشوة وقوة المال".
وأوضح أنه في أكتوبر/تشرين الأول 1996، اضطر القائد أحمد شاه مسعود إلى الانسحاب من العاصمة، لأنه عندما وصلت طالبان إلى بوابات كابول، غير العديد من القادة الشماليين مواقفهم بالمال وانضموا إلى صفوف الحركة.
وتابع الكاتب: "بعد مرور عام، عندما فتح قائد شمالي آخر، وهو الجنرال مالك (لم يذكر لقبه)، أبواب مزار شريف (رابع أكبر مدن أفغانستان من حيث السكان) أمام طالبان مقابل مليوني دولار، اضطر الزعيم الأوزبكي الجنرال (عبد الرشيد) دوستم إلى التخلي عن كل شيء والفرار إلى تركيا".
أي أنه لم يكن هناك نجاح حققته طالبان في المقدمة في حكمها الأول، بحسب الكاتب.
وأردف: بالمثل، في السنوات الـ 20 الماضية، لم تحقق طالبان نجاحا واحدا على الخطوط الأمامية ضد حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة، ولا حتى ضد القوات الأفغانية.
في الواقع، خلال النظام الجمهوري الذي دام 20 عاما، لم يكن هناك مركز إقليمي واحد يمكن لطالبان الاستيلاء عليه؛ بل على العكس من ذلك، اقتصرت مكاسب المنظمة على القرى والبلدات النائية، بحسب الكاتب التركي.
واستدرك أن طالبان فجرت قنابل في الأسواق، وأمام المدارس، وحتى في المساجد وذبحت الأبرياء، لم تستطع مقاومة وصفهم بالإرهابيين.
بل على العكس من ذلك، أعرب الرئيس الأسبق حامد كرزاي عن تعاطفه مع مقاتلي الحركة بقوله "براديران - نا - رازي" (إخواننا غير الراضين). وكان هذا أكبر دليل على وجود تحالف بينهما.
وأفاد: الحقيقة التي يعرفها الجميع لكنهم لا يتحدثون علنا هي أن البشتون، الذين حكموا البلاد بمفردهم منذ تأسيس أفغانستان الحديثة في عام 1747، لم يتمكنوا من تحمل تقاسم السلطة مع الجماعات الشمالية على مدى السنوات الـ 20 الماضية.
ولذلك، دخل كل من البشتون الحاكمين (مثل كرزاي وغني) والمعارضة (طالبان) في تحالف سري وتضامن فيما بينهم ضد الجماعات الشمالية.
وأشار الكاتب إلى أن "الهدف النهائي للبشتون هو التكاتف كحكومة ومعارضة لاستعادة هيمنتهم المطلقة على كل أفغانستان".
وتابع: "وأما هدف كرزاي الأكثر سرية كان تطهير الجماعات الشمالية من السلطة إن أمكن، أو إذا لم يكن الأمر كذلك، فعلى الأقل إضعافها".
ويذكر أن "روبرت غيتس"، وزير الدفاع في عهد الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن قد كتب في مذكراته أن كرزاي طلب منهم المساعدة في نقل مقاتلي طالبان إلى مناطق الشمال من أجل إزالة الجماعات الشمالية من السلطة.
وتابع أشرف غني، الذي وصل إلى السلطة في انتخابات مزورة في عام 2014، خطة كرزاي بمزيد من التصميم، يوضح الكاتب.
والواقع أن غني تجاوز وزير الدفاع والتسلسل الهرمي في الجيش، وعين شخصيا القادة الذين قادوا وحدات الجيش في الجبهة، مما سمح لطالبان بالتقدم بحرية في الريف.
لسبب ما، كان القادة المعينون من قبل غني من أصل بشتوني دون استثناء وانسحبوا بعد قتال رمزي في الريف، تاركين وراءهم أسلحة الجيش وذخائره.
وهكذا، اكتسبت طالبان أرضا جديدة بعد كل صراع واستولت على كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر، بحسب الكاتب التركي.
قلعة رملية
وأشار الكاتب إلى أنه "قبل سنوات قليلة، عندما حاول الجنرال دوستم قيادة عمليات وحدات الجيش ضد طالبان في الشمال، تعرض لكمين مرتين من قبل الحركة بمساعدة غني ونجا بصعوبة من الموت.
وعلى الرغم من ذلك، لم يفهم أي من قادة الشمال، وخاصة دوستم نفسه، أو لم يرغب في فهم اللعبة التي لعبت ضدهم.
وأفاد الكاتب أنه كان يجب على قادة الشمال أن يتبعوا خطوات بسيطة ليربحوا هذه المنافسة.
فعندما انسحبت وحدات الجيش في شمال أفغانستان دون مقاومة في الأشهر الستة الأولى من عام 2021 وسقطت المقاطعات في أيدي طالبان واحدة تلو الأخرى، كان ينبغي على القادة الشماليين الاستيلاء فورا على المقاطعات الشمالية وإنشاء إدارة مستقلة عن كابول.
فكان الوضع مناسبا للغاية لهذا الغرض، مع وجود الآلاف من الجنود والضباط وقتها في قوات الجيش والشرطة ينتمون إلى جماعات شمالية مثل الطاجيك والهزارة والأوزبك، الذين كانوا على استعداد لتغيير مواقفهم باستخدام الأدوات المتاحة لهم.
وأفاد الكاتب: ولو جرى ذلك، لكان ما لا يقل عن نصف الأسلحة والمواد الموجودة في أيدي الجيش الأفغاني، مثل الطائرات والدبابات والعربات المدرعة والكاسيون والشاحنات الصغيرة والمركبات العسكرية، قد سقطت في أيدي الجماعات الشمالية.
وهكذا، ففي حين أن جنوب أفغانستان سيغرق في ظلام روحي من الجهل والعناد والحظر في ظل حكم طالبان، فإن النظام الجمهوري سيواصل العيش في الشمال بالحريات التي اكتسبها في السنوات الـ20 الماضية، كما قال.
فالقادة الشماليون مثل الإخوة دوستم وآتا وموهاك وخليلي ومسعود، الذين أمضوا جزءا كبيرا من حياتهم في الجبهة والسنوات الـ 20 الماضية لجمع الممتلكات والثروة لأنفسهم، لم يفهموا الإستراتيجية والتخطيط وإدارة الدولة.
وبين أن "كل ما فهموه من السياسة هو تصديق كل ما قاله السياسيون الذئاب مثل كرزاي وغني".
وعلق الكاتب: "على الرغم من أن نظام طالبان يبدو وكأنه قلعة رملية سيجرى تدميرها بضربة قاسية من الخارج، فإن الظرف الحالي للأسف يقف إلى جانبه، لأن الجميع في أفغانستان سئموا من الحرب".
ويلاحظ نفس الإحباط بين رعاة الحرب الأفغانية. فلم تعد كل من البلدان المجاورة ودول المنطقة والقوى العظمى ترغب في رفع إصبع الاتهام من أجل أفغانستان.
ومن الصعب جدا، إن لم يكن من المستحيل، أن يشن المتمردون الأفغان حربا ضد طالبان بدون دعم خارجي، بحسب الكاتب.
وأفاد أنه "في الواقع، على الرغم من أن طالبان كانت في السلطة لمدة عام، فإن المعارضة لم تبد أي مقاومة كبيرة".
يتمثل أحد الخيارات الممكنة للإطاحة بحكم طالبان في اندلاع انتفاضة شعبية جماهيرية ناجمة عن الجوع والبؤس الاقتصادي. وثمة خيار آخر يتمثل في أن تجد المعارضة دعما خارجيا قويا.
أما الاحتمال الثالث فهو حدوث هجوم إرهابي كبير مشابه لهجوم 11 سبتمبر/أيلول 2001 في نيويورك من قبل طالبان في عاصمة رئيسة من عواصم العالم، "علينا أن ننتظر ونرى". بحسب تقييم الكاتب التركي.