هل تُجهز انتفاضة فلسطينية ثالثة على ما تبقى من اتفاقيات أوسلو؟
على عكس موقف الكيان الإسرائيلي الذي يتجاهلها، لم تلغ السلطة الفلسطينية اتفاقيات أوسلو الموقعة بين عامي 1993 و1995، وظلت ملتزمة بالجانب الأمني منها خصوصا.
لكن التحولات التي تشهدها الضفة الغربية في ذكرى هذا الاتفاق، وتصاعد المقاومة المسلحة منذ مارس/آذار 2022، تهدد بدفن ما تبقى من "أوسلو" رسميا، وانهيار السلطة الفلسطينية.
صحيفة "واشنطن بوست" رصدت ذلك منذ 14 أبريل/نيسان 2022 مؤكدة أن حدة جولة المعارك في الضفة أظهرت أن "إطار أوسلو قد استنفد" ومعه أساس النظام القائم في الضفة الغربية، وأن وجود السلطة الفلسطينية، قد انتهى.
خبراء فلسطينيون يرون أن التحولات التي تحدث في الضفة، ومن ضمنها ضعف السلطة الفلسطينية، توفر بيئة لتغيير الواقع السياسي في كل فلسطين وإنهاء أوسلو رسميا بعدما فشلت في تحقيق أي مكاسب للدولة الموعودة.
يتحدثون عن الانتقال لواقع جديد قائم على المقاومة كخيار وحيد وظهور قيادة وطنية فلسطينية جديدة غير موالية للاحتلال.
وتقتحم قوات الاحتلال بشكل شبه يومي مختلف مناطق الضفة الغربية المحتلة، في حملة بدأتها منذ رمضان 2022 أطلقت عليها اسم "كاسر الأمواج" لمواجهة تصاعد أعمال المقاومة والعمليات الفدائية.
معركة شاملة
المحلل السياسي الفلسطيني مصطفى الصواف يتوقع "معركة شاملة للجبهات الفلسطينية الثلاث غزة والضفة بما فيها القدس والأراضي المحتلة عام 1948 تشتعل معا، مما يشكل ضغطا كبيرا على الاحتلال وقواته في ظل الظروف التي يمر بها الكيان".
يؤكد لـ "الاستقلال" أن تهديدات الاحتلال باجتياح شمال الضفة كما حدث في عملية السور الواقي عام 2002 لم تعد ممكنة.
وبين أن التفرد بشمال الضفة وحده أمر لم يعد واردا لأن الظروف والبيئة والإمكانيات اختلفت وبالتالي النتائج ستكون مختلفة أيضا.
القلق الإسرائيلي وصل حد مطالبة نظم حكم عربية بالعمل بشكل غير مباشر لوأد حالة المقاومة في الضفة خوفا من أن تسفر الأوضاع فيها وفي قطاع غزة عن تهديد لاستقرار هذه الأنظمة، بحسب صحف عبرية.
وبعد توقيع الاحتلال الإسرائيلي ومنظمة التحرير الفلسطينية على اتفاقيات أوسلو عامي 1993 و1995 قسمت الضفة الغربية المحتلة إلى ثلاث مناطق: (أ) و(ب) و(ج).
ومنحت صلاحيات محدودة للحكم في المنطقتين (أ) و(ب) من الضفة الغربية المحتلة لكنها تآكلت مع الوقت وسيطر الاحتلال على المنطقتين (ب) و(ج).
ومنذ تصاعد الرد الفلسطيني المسلح على أي اقتحامات إسرائيلية لمدن الضفة الغربية هناك قلق إسرائيلي كبير.
المحلل العسكري بصحيفة معاريف "طال ليف رام" كتب في الثاني من سبتمبر/أيلول 2022 أن "الوضع في الضفة الغربية يثير قلق المؤسسة الأمنية أكثر من غزة وحزب الله".
تحدث عن خطر ازدياد قوة حركة المقاومة الإسلامية حماس والجهاد الإسلامي في مناطق بالضفة الغربية، على حساب مكانة السلطة الفلسطينية الآخذة في التآكل، مما يقلق المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أكثر من قلقها من قطاع غزة، ومن حزب الله في الشمال.
رونين بار رئيس جهاز الأمن العام "الشاباك" قال إنه منذ مطلع عام 2022 وقع أكثر من 130 عملية مقاومة مسلحة في الضفة، مقارنة بـ 98 عملية في الفترة ذاتها من سنة 2021، و19 عملية فقط في الأشهر الثمانية الأولى من سنة 2020.
حرص على التأكيد خلال كلمة ألقاها أمام المؤتمر الأمني لمعهد "السياسات ضد الإرهاب"، في "جامعة رايخمان" هرتسليا، بحضور السفير الأميركي لدى الاحتلال الإسرائيلي توم نيدس أن السلطة الفلسطينية تنهار، بحسب ما نشرت صحيفة معاريف" في 12 سبتمبر 2022.
أوضح أن سبب ارتفاع عمليات المقاومة يعود إلى "عدم تمكن السلطة الفلسطينية وأجهزة الأمن التابعة لها من فرض النظام بصورة كاملة على المناطق الخاضعة لسيطرتها".
ولذلك يضطر الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية الأخرى للدخول يوميا إلى قرى وبلدات فلسطينية، بهدف اعتقال مقاومين بلغ عددهم أكثر من 2000 منذ بداية 2022.
اعترف موقع "واللاه" العبري في 11 سبتمبر 2022 أن الجيش الإسرائيلي يواجه صعوبة في كبح الزيادة الحادة في نطاق عمليات إطلاق النار في جميع أنحاء الضفة الغربية، وأن عمليته المسماة "كاسر الأمواج" فشلت.
قال إن حوالي 100 عملية إطلاق نار نفذت ضد الجيش منذ بداية العام 2022، استخدمت فيها البنادق والمسدسات، و80 بالمئة منها حصلت شمالي الضفة الغربية.
المحلل بقناة N12 العبرية "نير دبوري" نقل في حلقة "أستوديو الجمعة"، مساء 8 سبتمبر عن "مصدر عسكري" أن "الأيام المقبلة هي لحظات اختبار، وكل مكان لن تتحرك فيه السلطة الفلسطينية ستقتحمه إسرائيل عسكريا".
أضاف: بسبب ضعف السلطة الفلسطينية عن مواجهة الانتفاضة تمارس إسرائيل ضغوطا دولية على رئيسها محمود عباس عبر سلسلة من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة، لفرض الأمن والنظام والحكم، حتى لا يمتد التوتر في نابلس وجنين إلى مدن أخرى".
المحلل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت" رون بن يشاي قال في 5 سبتمبر إن "موضوعا واحدا الآن يشغل الجيش الإسرائيلي وجهاز الشاباك أكثر من الاتفاق النووي الإيراني وحزب الله اللبناني، هو الضفة الغربية".
نقل عن مصدر أمني رفيع قوله: "ما يقلقنا هو حالة الغليان التي تتزايد في الضفة الغربية والتي قد تتطور وتتحول إلى انتفاضة شعبية عنيفة، لذا يحاول الجيش الإسرائيلي منعها".
عاموس هارئيل المحلل السياسي بصحيفة "هآرتس" أكد في 9 سبتمبر أن المشكلة بالنسبة لإسرائيل هي أنه "في مساعيها المعلنة لإخماد النيران في الضفة الغربية، تقوم عمليا بإشعالها".
قال إن الضفة بات يسيطر عليها "مجموعات من الشباب المسلحين الذين لا ينتمون إلى أي تنظيم، على الرغم من محاولة حماس والجهاد الإسلامي ادعاء انتمائها إليها".
احتمالات الانتفاضة
الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط إيال زيسر، حذر في مقال بصحيفة "يسرائيل هيوم" في 11 سبتمبر من أن "انتفاضة ثالثة" عنيفة بالسلاح تقترب بشدة وقد تغير الأوضاع هناك.
قال إن توقيت الانتفاضة المسلحة الحالية في ظل سلطة الرئيس عباس "الضعيفة وعديمة القوة" سيجعل المستقبل للكيان الإسرائيلي "أسوأ"، لأن من سيخلفه لا يتمتع بشرعية الرجل الذي رافق (الرئيس الراحل) ياسر عرفات على مدى أعوام طويلة.
حذر من ثمن باهظ سيدفعه الحتلال الإسرائيلي بسبب المواجهات والانتفاضة الثالثة الحالية، مذكرا الإسرائيليين بأن "الانتفاضة الأولى هي التي أدت إلى اتفاقات أوسلو، والثانية هي التي جلبت معها خطة الانفصال عن غزة (الانسحاب عام 2005)".
وفي 4 سبتمبر نقلت قناة "13" العبرية عن ضباط في جيش الاحتلال اعترافهم أن "ما تشهده الضفة هو انتفاضة من نوع آخر تقوم على شن عمليات إطلاق ينفذها شباب بدون انتماء تنظيمي".
وحذر رجل الأعمال "جرشون باسكين" في مقال بصحيفة جيروزاليم بوست العبرية في 3 أغسطس/آب 2022 من "انتفاضة ثالثة تلوح في الأفق".
قال إن "المجتمع الإسرائيلي غافل عن معاناة الفلسطينيين، وإسرائيل ستستيقظ فقط بعد انتفاضة أخرى".
مع هذا يرى كتاب إسرائيليون أن اندلاع انتفاضة ثالثة مسلحة تؤدي لمقتل عدد كبير من الإسرائيليين والفلسطينيين غير وارد لأن الوضع مختلف عن الانتفاضتين الأولى والثانية.
إذ يوجد جيش الاحتلال الآن بالضفة الغربية على عكس الماضي وتتعاون معه السلطة.
رأى "آفي يسسخاروف" المحلل في صحيفة "يديعوت أحرونوت" 7 سبتمبر أن "إسرائيل أمام حالة جديدة لا تشبه الانتفاضتين السابقتين اللتين اندلعتا في عامي 1987 و2000".
قال يسسخاروف: "لا أستطيع أن أصف ما يجري بأنه انتفاضة، لأن الانتفاضة كما شهدناها في عامي 1987 و2000 تتميز بأنها عمل جماهيري واسع، نحن بلا شك أمام حالة جديدة".
وأضاف: "ما نشهده الآن هو وجود جيوب لمسلحين فلسطينيين خاصة في نابلس وجنين (شمالي الضفة) يشتبكون كل ليلة تقريبا مع الجيش الإسرائيلي أو يطلقون النار على أهداف إسرائيلية".
وتابع: "في كل مرة تدخل فيها القوات الإسرائيلية إلى مدن أو مخيمات في جنين ونابلس تحديدا، لتنفيذ عمليات اعتقال أو هدم منازل منفذي عمليات، يحدث اشتباك مسلح وإطلاق نار، وهناك جرحى وقتلى".
وبين يسسخاروف أن هذا "شيء جديد لم نشاهده منذ الانتفاضة الثانية التي بدأت عام 2000"، لكنه قال "لا ندري ماذا سيحدث غدا".
أيضا نقل موقع "كل أخبار إسرائيل" في 6 سبتمبر عن كوبي مايكل، الباحث بمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي تأكيده: "لم نصل إلى انتفاضة ثالثة بعد، لكن الوضع إشكالي للغاية ومنحدر زلق".
وقال مستشار في وزارة الأمن الإسرائيلية لقناة i24NEWS في 6 سبتمبر: "لا أعتقد أننا على عتبة انتفاضة ثالثة، ولكننا موجودون في وضع خطر، وأنا لست متفائلا".
مستشار في وزارة الأمن الإسرائيلية: "لا أعتقد أننا على عتبة #انتفاضة ثالثة، ولكننا موجودون في وضع خطر وأنا لست متفائل"
— i24NEWS Arabic (@i24NEWS_AR) September 6, 2022
للحلقة كاملة: https://t.co/LeQIwwUoBQ pic.twitter.com/QX2aqM5ik4
أيضا أكدت صحيفة جيروزاليم بوست في 30 مارس/آذار 2022 أن احتمالات قيام انتفاضة ثالثة غير واردة.
نقلت عن "يورام شفايتسر"، الباحث في معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب أن هناك اختلافين رئيسين بين ما يشهده الاحتلال الإسرائيلي حاليا والانتفاضتين الأولى والثانية.
قال إن الوضع الآن تغير والجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية لديها حرية العمل الكامل في مدن الضفة الغربية عكس الوضع في الانتفاضتين الأولى والثانية التي استدعت تدخل الجيش.
أكد: "لدينا قوات تعمل في جنين ومخيم بلاطة للاجئين تبحث عن المشتبه بهم، ولدينا دعم من قوات الأمن الفلسطينية".
قال: "لا أعتقد أن إسرائيل تواجه انتفاضة ثالثة أو أننا في نفس وضع الانتفاضة الثانية رغم الهجمات التي تقع".
عاموس هارئيل كتب في صحيفة هآرتس 5 أبريل/نيسان 2022: "لا ينبغي للإسرائيليين القلق بشأن انتفاضة ثالثة" بسبب انتشار الجيش الإسرائيلي في مدن الضفة الغربية واعتقاله من يرغب.
واندلعت شرارة الانتفاضة الفلسطينية الأولى أو "انتفاضة الحجارة"، في 8 ديسمبر/كانون الأول 1987، في مخيم جباليا، شمالي قطاع غزة.
وهدأت هذه الانتفاضة عام 1991، وتوقفت نهائيا بعد عامين مع توقيع اتفاقية "أوسلو" بين الكيان الإسرئيلي ومنظمة التحرير الفلسطينية والانسحاب من غزة.
وقد استشهد فيها 1300 فلسطيني على يد الجيش الإسرائيلي، كما قتل 160 إسرائيليا على يد الفلسطينيين.
أما الانتفاضة الثانية، أو انتفاضة الأقصى، فاندلعت في 27 سبتمبر/أيلول 2000 حين اقتحم زعيم حزب "الليكود" الإسرائيلي آنذاك، أرييل شارون، باحات المسجد الأقصى رفقة نحو ألفي جندي إسرائيلي وزعم أن الحرم القدسي سيبقى منطقة إسرائيلية.
وقد استشهد في هذه الانتفاضة حوالي 4412 فلسطينيا وأصيب 48322 شخصا وقتل 334 جنديا إسرائيليا، و735 مستوطنا مع إصابة 4500 آخرين.
حيرة إسرائيلية
بسبب القلق مما يجري اضطر الاحتلال لأول مرة لاستخدام طائرات هجومية مسيرة فوق نابلس وجنين لكشف ومواجهة المقاومين المسلحين واعتقال بعضهم بحسب القناة 12 الإسرائيلية.
وفقا لما نشرته القناة في 12 سبتمبر، بدأ الجيش تشغيل وتسيير طائرات مسيرة هجومية مسلحة بصواريخ ومتفجرات فوق مناطق نابلس وجنين، تقصف وتطلق قنابل الغاز المدمع لقمع الاحتجاجات والمواجهات.
كشفت القناة أن هذه الطائرات شاركت بالفعل في عدة عمليات، وسقطت إحداها بالقرب من منطقة قلقيلية، وفق الجيش الإسرائيلي.
ويقول "عبد الله أمين" الخبير الأمني والإستراتيجي في مقال بموقع "الهدهد" الفلسطيني 12 سبتمبر إن "سبب لجوء العدو للطائرات في مناطق يفترض أنه يسيطر عليها بشكل كامل معناه عدم قدرته على التحرك بريا بسهولة.
كما أن هذا مؤشر آخر على "تنامي قدرات وكفاءة المقاومة في الضفة الغربية التي تتصدى له أثناء قيامه بعمليات الاقتحام".
بسبب التحذيرات السياسية الإسرائيلية والعربية والدولية من أن الاستمرار في عملية "كاسر الأمواج" الإسرائيلية في الضفة سيؤدي إلى انهيار السلطة، باتت تل أبيب في حيرة.
صحيفة "هآرتس" نقلت في 13 سبتمبر عن مسؤولين في أجهزة أمنية أن الجيش الإسرائيلي يدرس الحد من أنشطته العسكرية في الضفة الغربية خشية انهيار السلطة الفلسطينية، وتقييد دخول قواته إليها لتجنب الاشتباك مع الفلسطينيين.
أوضحت أن الجهاز الأمني الإسرائيلي يرى أن أمامهم خيارين رئيسين، إما مساعدة الأجهزة الأمنية الفلسطينية على استعادة المسؤولية الأمنية في مدن شمال الضفة الغربية، أو الوقوف على الحياد ومشاهدة انهيار السلطة.
قالوا إن "إسرائيل تساهم في زيادة حدة النيران، من خلال الإصرار على استمرار عمليات الاعتقال كل ليلة، ومواصلتها تعريف ذلك كجزء من العملية الخاصة "كاسر الأمواج".
وبدأت العملية المذكورة في أعقاب سلسلة عمليات إطلاق النار داخل الخط الأخضر (فلسطين المحتلة عام 48) في نهاية مارس 2022.
وأكدت الصحيفة أن توصيات أمنية إسرائيلية دعت إلى منح أجهزة الأمن الفلسطينية حيز عمل، بدعوى أن "السلطة الفلسطينية أيضا تنظر إلى حركتي حماس والجهاد الإسلامي على أنهما عدوتان أساسيتان لها".
وقالت إن هناك رسائل متبادلة بين اليكان الإسرائيلي والسلطة، بعد انتقاد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي، ورئيس جهاز الأمن العام "الشاباك" رونين بار، علنا، في 5 سبتمبر 2022 عمل الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الميدان.
وأضافت "هآرتس" أن الخوف من التصعيد في الضفة الغربية أثار قلق الولايات المتحدة ومصر وقطر والإمارات، مضيفة أن جميع هذه الدول تشارك الآن في جهود التهدئة.
قال إنهم "في تل أبيب يلاحظون تزايد انخراط عناصر الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الاشتباكات المسلحة مع قوات الجيش أثناء دخولها لتنفيذ عمليات اعتقال في جنين ونابلس، وفي مخيمات اللاجئين والقرى المجاورة".
قالت إن "إسرائيل تشعر بالقلق، بشكل خاص، مما يحدث في نابلس، إحدى المدن الرئيسة في الضفة الغربية، والتي يوجد بالقرب منها الكثير من المستوطنات، فأي تدهور إضافي في الوضع بالمدينة قد ينعكس على المستوطنين".
وأشارت الصحيفة إلى أنه "في نابلس جرى تشكيل منظمة جديدة تعرف باسم (عرين الأسود)، وتضم مئات الشبان من مختلف المنظمات الفلسطينية، والذين يشاركون في إطلاق النار على قوات الجيش الإسرائيلي".
وقالت الصحيفة إن "المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تشير إلى أنه على الرغم من زيادة مشاركة الناشطين المسلحين في الأحداث، فإن موجة التصعيد في الوقت الحالي لم تجرف معظم الجمهور الفلسطيني في الضفة الغربية، ولا توجد حتى الآن مظاهرات واسعة النطاق في جميع أنحاء الضفة".
ما عزز هذه الحيرة الإسرائيلية أن "أجهزة الأمن الفلسطينية تمتنع عن الدخول إلى هذه المناطق بموجب أوامر صادرة عن القيادة السياسية للسلطة الفلسطينية، وأن ذلك تسبب بتراجع التنسيق الأمني مع الاحتلال" وفق "هآرتس".
قالت إن ممارسات أجهزة أمن الاحتلال أدت لامتناع الأجهزة الأمنية الفلسطينية عن العمل في شمال الضفة الغربية، مثلما كانت فعلت في الماضي في إطار التنسيق الأمني، كي لا تظهر كمتعاونة مع الاحتلال، وهو يقوم بالاعتقالات والاشتباك مع المقاومين.
لكن المحلل السياسي المقيم في رام الله "محمد حواش" قال لصحيفة "ميديا لاين" في 8 سبتمبر 2022 إن معظم عمليات المقاومة التي ينفذها الفلسطينيون ضد الجيش الإسرائيلي والمستوطنين هي عمليات شرعية.
قال إنها عمليات مقاومة تتم في مناطق مصنفة على أنها "ج" تابعة للاحتلال وفق أوسلو، لذلك فإن الجيش الإسرائيلي هو المسؤول الأول والأخير عن الأمن في هذه المناطق، وليس السلطة الفلسطينية.
لذلك سخر "حواش" من "أنهم (الإسرائيليين) يريدون من السلطة الفلسطينية أن تؤدي مهام الجيش الإسرائيلي".
وأردف: "يضعفون السلطة الفلسطينية ويحملونها في الوقت نفسه مسؤولية عدم قدرتها وفشلها في فرض سيطرتها على الميدان".
أدوار داخلية وخارجية
بحسب ما نشرت قناة "12" العبرية في 12 سبتمبر، طلبت إسرائيل من أطراف دولية، على رأسها الولايات المتحدة، الضغط على رئيس السلطة محمود عباس من أجل الاستنفار والإسهام في وقف موجة عمليات المقاومة في الضفة الغربية.
قالت نقلا عن خبراء أمن صهاينة: "إسرائيل غير معنية حاليا بمعلومات استخبارية، بل بجهود مباشرة للسلطة في وقف المقاومة".
وقد أشار موقع "نيوز ون" العبري في 12 سبتمبر إلى أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يعارض انتفاضة ثالثة ويخشى أن يسقط حكمه.
أوضح أن "المهم بالنسبة له الآن الحفاظ على عرشه ونقل السلطة بشكل منظم إلى أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ".
لكن المحلل السياسي الفلسطيني صالح النعامي يوضح أن الاحتلال الإسرائيلي تريد استنفار السلطة في وقت تكثف عمليات الاعتقالات والإعدامات، والاستيطان والتهويد وتقتطع عوائد الضرائب التي يجبيها لصالح السلطة.
قال عبر تويتر إن الكيان الإسرائيلي تعي أن الغليان الذي تشهده الضفة يؤججه شعور وطني عارم وإرادة أصيلة في التخلص من الاحتلال وليس نتاج إحباط من الأوضاع الاقتصادية.
ونصح "النعامي" السلطة أن تعي أن "الأوضاع في الضفة وصلت إلى مرحلة اللا عودة وعليها استخلاص العبر المطلوبة.
(2)
— د.صالح النعامي (@salehelnaami) September 10, 2022
إسرائيل تريد استنفار السلطة في وقت تكثف عمليات الاعتقالات والإعدامات، والاستيطان والتهويد وتقتطع عوائد الضرائب التي يجبيها صالح السلطة.
إسرائيل تعي أن الغليان الذي تشهده الضفة يؤججه شعور وطني عارم وإرادة أصيلة في التخلص من الاحتلال وليس نتاج احباط من الأوضاع الاقتصادية.
ما يجري في الضفة يقلق مصر خصوصا، خشية انهيار السلطة الفلسطينية (المعتدلة) وسيطرة حركة حماس على الوضع هناك، وتآكل نفوذ القاهرة ومن ثم إخراجها من معادلة الوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
لهذا حذر مسؤولون مصريون إسرائيل، في تصريحات لقناة "كان" الرسمية 11 سبتمبر، من أن "تصعيد الأوضاع في الضفة الغربية يمكن أن يجعلها تخرج عن السيطرة".
أكدوا أن مضاعفة نشاط الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية "يحرج السلطة الفلسطينية ويضعف مكانتها أكثر وأكثر لصالح المقاومة وحماس والجهاد"، وفق المصادر الإسرائيلية.
بعدما اضطر دولة الاحتلال لاستغاثة الولايات المتحدة مطالبة بالضغط على السلطة الفلسطينية كي تتدخل بقوة وتمنع العمليات المسلحة ضد قواتها وهي تقتحم مدن الضفة، جاء الرد الأميركي مختلفا.
بحسب باراك رافيد المحرر الإسرائيلي في موقع "أكسيوس" الأميركي، ردت واشنطن مطالبة إسرائيل باتخاذ خطوات لتحقيق الاستقرار في السلطة الفلسطينية.
وبين في 7 سبتمبر أن "إدارة بايدن قالت للحكومة الإسرائيلية إن السلطة الفلسطينية تضعف بشكل متزايد وتفقد سيطرتها في الضفة الغربية المحتلة".
وأيضا أنهم يشعرون بقلق عميق من أن يؤدي تدهور الوضع في الضفة الغربية وزيادة العنف إلى أزمة كبيرة وربما انهيار السلطة.
وخلال كلمته أمام المؤتمر الأمني لمعهد "السياسات ضد الإرهاب"، في "جامعة رايخمان" هرتسليا، حذر السفير الأميركي في إسرائيل توماس نايدز، من أن "على القادة الإسرائيليين دعم حل الدولتين من أجل الحفاظ على دولة يهودية ديمقراطية".
أشار إلى أن "التوترات المتصاعدة في الضفة الغربية تشكل تهديدا كبيرا لإسرائيل لا يقل عن تهديد إيران ووكلائها لها"، بحسب قناة i24news.