بسيطرة "الانتقالي" على أبين.. لماذا عادت هجمات القاعدة لجنوب اليمن؟

12

طباعة

مشاركة

في تحول مفاجئ لنشاط "القاعدة" جنوبي اليمن، شن التنظيم في 6 سبتمبر/أيلول 2022، هجوما على موقع لقوات "الحزام الأمني" التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا، في محافظة أبين.

وتسبب الهجوم في مقتل 21 من مقاتلي القوات الانفصالية وستة من عناصر تنظيم القاعدة، في الاشتباكات التي اندلعت بين الجانبين واستمرت ثلاث ساعات على الطريق الرئيس بمديرية أحور الساحلية، حسبما أفاد مسؤولون ووسائل إعلام محلية.

وأثار الهجوم تساؤلات عديدة عن توقيته، وعلاقته بتمدد قوات المجلس الانتقالي الجنوبي جنوبا وشرقا على حساب قوات الحكومة الشرعية، مستفيدة من الهدنة القائمة منذ أكثر من خمسة أشهر مع الحوثيين المدعومين إيرانيا.

أبعاد الهجوم

وكان لافتا أن الهجوم جاء بعد أيام من سيطرة مليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي على محافظة أبين، بعد تسليم القوات الحكومية مواقعها دون معارك.

وكان قد أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي، في 22 أغسطس/ آب 2022، عن عملية عسكرية في محافظة أبين، بعد أسابيع من حشد مليشياته.

وقال في بيان إنه "بتوجيهات من عيدروس الزُبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي القائد الأعلى للقوات المسلحة، جرى بدء عملية (سهام الشرق) لتطهير المحافظة من التنظيمات الإرهابية والمتطرفة".

وذلك بعد أن حسمت قوات "دفاع شبوة" و"ألوية العمالقة"، الموالية للمجلس في 10 أغسطس، معركة مدينة عتق بمحافظة شبوة المحاذية لأبين، بمساندة مسيرات إماراتية قصفت القوات الحكومية ورجحت كفة المعركة لصالح القوات الانفصالية.

وخلال الفترة الأخيرة كانت تشهد محافظة أبين هدوءاً منذ إعلان السعودية آلية لتسريع تنفيذ اتفاق الرياض في نهاية يوليو/تموز 2020، بعد أن تقاسم الجيش اليمني وقوات المجلس الانتقالي السيطرة على المحافظة.

وتضمنت الآلية تخلّي المجلس الانتقالي عن الإدارة الذاتية للمحافظات الجنوبية، وتشكيل حكومة كفاءات مناصفة بين الجنوب والشمال، وخروج القوات العسكرية من العاصمة المؤقتة عدن، وفصل قوات الطرفين في أبين، ودمج القوات في إطار وزارتي الدفاع والداخلية.

لكن الشق العسكري والأمني من الاتفاق لم ينفذ حتى الآن، بالرغم من توقيعهما اتفاق الرياض في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 ودخولهما في شراكة بعد تشكيل مجلس قيادة رئاسي جديد في أبريل/نيسان 2022، بضغوط سعودية.

استدعاء القاعدة

وتعليقاً على الهجوم الدموي في أبين، قال المحلل السياسي عادل المسني لـ"الاستقلال"، إن "، "استدعاء القاعدة في هذا التوقيت مرتبط بأجندات سياسية لها علاقة مباشرة بالتوسع والسيطرة على المحافظات الجنوبية".

وأضاف أنه "أصبح من الصعب استحضار دعم شعبي للعمليات العسكرية التي يقودها الانتقالي، لاسيما بعد أن تكشفت أجندات التحالف المخالفة لأهدافه المعلنة المتمثلة باستعادة الشرعية وإنهاء الانقلاب الحوثي". 

ومضى المسني بالقول، "تتسارع الأحداث بحيث أصبح من السهل قراءة أجندات التحالف بكل يسر، انقلاب على الرئيس عبدربه منصور هادي وانقلاب عيدروس الزبيدي على المجلس الرئاسي وأخيراً ظهور القاعدة".

وبين بالقول: "أحداث مترابطة ومتزامنة تعكس تطلعات التحالف في السيطرة على اليمن".

وخلص المحلل السياسي اليمني إلى أن "الإطاحة بالشرعية واستهداف جيشها يؤسس لحالة من الاحتقان والاستقرار الذي يتعزز مع الوقت ويجعل من اليمن وجهة مفضلة للعنف والتطرف".

وكانت ما تسمى بـ"القوات المسلحة الجنوبية"، التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً، قد أطلقت على العملية العسكرية في أبين اسم "سهام الشرق".

وحددت أهدافها، بـ"تطهير أبين من التنظيمات المتطرفة والإرهابية"، وإزالة ما سمته "خطر التخادم الإخواني الحوثي مع تنظيم القاعدة في أبين"، بحسب ما نقلت قناة "عدن المستقلة" التابعة للمجلس الانتقالي.

إضافة إلى "تعزيز تأمين العاصمة عدن ومحافظات الجنوب الأخرى، وتأمين الطرق بين محافظات ومناطق الجنوب".

خلط الأوراق 

ويسعى المجلس الانتقالي ومليشياته من خلال العمليات العسكرية في المناطق الجنوبية والشرقية لليمن، إلى إحكام السيطرة على منابع النفط والغاز والموانئ النفطية تنفيذا لتوجيهات أبو ظبي وتماشيا مع رغبة التحالف لتقسيم البلاد.

بالإضافة إلى تصفية المعارضين لمشاريع التقسيم والفوضى من أبناء المحافظات الجنوبية، من خلال إلصاق تهم كيدية تبرر المواجهة معهم أو اعتقالهم كما حدث بمحافظة عدن وبعدها في شبوة وأبين.

وفي عدن جرى مطاردة المعارضين لمشاريع التقسيم، وفي مقدمتهم وزير الداخلية الأسبق أحمد الميسري، ووزير النقل صالح الجبواني، اللذان جرى إخراجهما من المشهد بعد سيطرة قوات الانتقالي على عدن عام 2019.

وفي شبوة جرى استهداف وإقالة قائد قوات الأمن الخاصة بالمحافظة العميد عبدربه لعكب، الذي كان له دور بارز في هزيمة القوات الإماراتية والمليشيات الموالية لها عام 2019، بعد سيطرتها على عدن وطرد الحكومة منها ومحاولة توسعها باتجاه أبين وشبوة.

وتعاقب الإمارات عبر أدواتها المحلية كل من يقف أمام مشروعها في اليمن، وسبق لها الضغط على الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، لإقالة محافظ شبوة محمد صالح بن عديو قبل 10 أشهر، وهو ما دفعه لمغادرة شبوة منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2021 إلى الأردن بعد تداول أخبار عن قرب إقالته.

بعدها بأيام، أصدر هادي قرارا بتعيين الرجل الموالي لأبو ظبي والقيادي المؤتمري المقيم في الإمارات، عوض بن الوزير العولقي خلفا له، وتعيين ابن عديو مستشارا للرئاسة، وهو القرار الذي اعتذر الأخير عن عدم قبوله.

وفي 20 فبراير/ شباط 2022، اغتيل شقيقه سعيد بن عديو بالرصاص، في محافظة شبوة ووجهت أصابع الاتهام إلى أدوات أبو ظبي في اليمن.

وبحسب باحث متخصص في شؤون القاعدة، رفض الكشف عن اسمه، فإن هجمات تنظيم القاعدة قد تتصاعد بعد أن تقلصت معاقل التنظيم بشكل كبير في الآونة الأخيرة في جنوب اليمن.

وأوضح لـ"الاستقلال"، أن "التنظيم سارع إلى شن هجمات دموية، لإرباك الوضع الأمني، وخلق واقع مختلف وإشغال تلك القوات عن ترتيب وضعها للتقدم باتجاه وادي حضرموت الذي تعد بعض مناطقه، كدوعن، وعمد، وحجر، من معاقله".

استدعاء للغرب

فيما يرى مراقبون أن المجلس الانتقالي، يسعى لتسويق نفسه لدى الغرب وبالتحديد الولايات المتحدة، كمحارب للإرهاب من خلال الدخول في معارك مع التنظيم للحصول على مشروعية ودعم أميركي يمكنه من استكمال السيطرة على بقية المناطق الشرقية.

كما أن احتمالية تدخل الولايات المتحدة بهجمات عبر طائرات مسيرة، لمساندة قوات المجلس الانتقالي تبدو واردة خصوصا بعد الهجمات الأميركية ضد التنظيم في محافظات أخرى مثل البيضاء ومأرب.

وكانت قد أعلنت واشنطن في 6 فبراير 2020 عن تنفيذها عملية عسكرية نوعية في اليمن مكنتها من قتل زعيم "تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية" قاسم الريمي الذي يتخذ من اليمن مُرتكزا له

وهي عملية رأى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب حينها، أنها ستضعف من قوة هذا التنظيم في شتى أنحاء العالم، وتُقرب بلاده من تحقيق هدف اجتثاث خطر هذه الجماعة التي تهدد الأمن الأميركي.

ويعود جذور تنظيم القاعدة في اليمن إلى أواخر ثمانينات القرن العشرين مع عودة آلاف اليمنيين الذين كانوا يقاتلون في أفغانستان ضد الجيش السوفيتي وهم مُتشبعون بالفكر الجهادي الذي كان يدعمه الغرب آنذاك لمواجهة الاتحاد السوفيتي.

لكنه جذب الاهتمام الدولي بصورة كبيرة بعد الهجوم الذي نفذه في أكتوبر/ تشرين الأول 2000 على المدمرة البحرية الأميركية (يو إس إس كول) في ميناء عدن وأودى بحياة 17 عنصرا من الجيش الأميركي وأصيب على إثره 39 آخرون.

وفي عام 2009، ظهر التنظيم، في صورته ومُسماه الحالي، بعد اندماج عناصر القاعدة في اليمن مع عناصر القاعدة الفارين من السعودية ليشكلوا معاً "تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية" بقيادة ناصر الوحيشي.

واستغل التنظيم حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني التي شهدها اليمن عقب الانتفاضة الشعبية عام 2011، ومن بعدها انقلاب ميليشيات الحوثي على الحكومة الشرعية، وما تلاها من تدخل عسكري من قبل التحالف السعودي الإماراتي في توسيع نطاق تمدده، خصوصاً في محافظتي أبين وشبوة.