مشروع قانون الطفل بالأردن.. حماية جادة لحقوقه أم تنفيذ لإملاءات مستوردة؟

12

طباعة

مشاركة

لا يزال مشروع قانون حقوق الطفل لعام 2022 في الأردن، يشغل الأوساط الشعبية والقانونية والدينية والفكرية، وكل يفسره من وجهة نظره البحتة.

إلا أن الغالبية متفقون، على أن المشروع لا يحمي الأسرة طالما يعطي الطفل خصوصية واستقلالية مستوردة من مجتمعات غربية.

وخاصة أن تلك المجتمعات تعيش ظروفا مختلفة عن أوضاع الأردن وعاداته وتقاليده كبلد مسلم تحكمه الشريعة الإسلامية.

مثير للجدل

وتقدمت الحكومة الأردنية إلى مجلس النواب في 20 يوليو/تموز 2022 بالمشروع، والذي أحاله بدوره إلى لجنة نيابية مشتركة مشكلة من "اللجنة القانونية، ولجنة المرأة وشؤون الأسرة" للنظر فيه، ومناقشته وإبداء الملاحظات اللازمة حوله قبل تشريعه.

وأعلنت الحكومة عدم تفكيرها بسحب مشروع قانون حقوق الطفل من مجلس النواب، رغم وجود انتقادات ومطالبات بذلك.

وقال وزير الدولة لشؤون الإعلام، الناطق الرسمي باسم الحكومة فيصل الشبول عبر "التلفزيون الأردني"، في 20 أغسطس/آب 2022، إن سحب مشروع القانون هو حق حصري للحكومة فقط.

وأضاف أن الحكومة لا تفكر حاليا بسحب مشروع القانون، حتى وإن أصبح هناك حديث عن تحالفات لسحبه، ومضى يقول: إن المجلس يملك الحق في التعديل وشطب المواد وتغييرها، وله الحق في أن يرده بالتصويت النهائي.

وتؤكد الحكومة الأردنية، أن مشروع قانون حقوق الطفل لعام 2022، يأتي استجابة للتعديلات الدستورية الجديدة التي أكدت حماية الطفولة.

وكذلك لتعزيز حماية الأطفال ورعايتهم من خلال إيجاد تشريع ينظم العلاقة، وينسق بين الجهات العامة والأهلية والخاصة المعنية بالطفل، أو المكلفة بتقديم خدمات له.

كما يأتي مشروع القانون تبعا لتصديق الأردن على اتفاقية حقوق الطفل؛ الأمر الذي يتطلب اتخاذ التدابير التشريعية والإدارية لإعمال الحقوق المعترف بها للأطفال في هذه الاتفاقية.

تفنيد القانون

ولم يهدأ الشارع الأردني منذ دخول المشروع إلى قبة البرلمان، إذ تصدى له نواب وحقوقيون، وأثير حوله لغط كبير في وسائل الإعلام المحلية، قبل أن تطلق وسوم عدة رافضة له ومحذرة من خطورته على الأسرة.

وقال عضو مجلس النواب الأردني ينال فريحات، الرافض للمشروع، إن علماء الشريعة قدموا دراسة تفصيلية مهمة لكتلة الإصلاح للمواد التي تضم تخوفات وتصادما مع الشريعة الإسلامية في مشروع قانون الطفل.

وأضاف فريحات، في بث مباشر على صفحته عبر منصة فيسبوك، في 22 أغسطس، أنه "يوجد هنالك محاولات لاستهداف حصن الأسرة من خلال قوانين إلى جانب إجراءات عالمية تنفذها سواعد محلية".

وأشار إلى وجود بعض المصطلحات "المخيفة" في مشروع القانون مثل؛ "حرية التعبير للطفل دون مسؤولية الأب والأم، فالمشروع ينزع دور الآباء والأمهات من الأسرة ويجعل علاقة الابن مع الدولة بصورة مباشرة".

ولفت فريحات، إلى أن المشروع ينص على احترام حياة الطفل الخاصة ومنها الصداقة بين "البنات والشباب وحرية البنت في المصاحبة والذهاب إلى الحفلات".

واعترض على ما ورد في المشروع من مصطلح "الصحة الجنسية"، مبينا أن "هذا يحتمل مآلات كبيرة وجزء منها مقدمة لمسألة الشذوذ الجنسي أو حتى التحول الجنسي للشاب أو الفتاة".

ويبلغ عدد سكان الأردن حاليا 10.961 ملايين نسمة، بينهم 2.9 مليون من غير المواطنين.

ووفق دراسة نشرتها منظمة اليونسيف عام 2021، تُقدر نسبة الأشخاص دون سن 18 عاما بأكثر من 40 بالمئة من سكان الأردن، أي حوالي 4.2 ملايين طفل.

وما ورد في مشروع حقوق الطفل، لا خلاف فيه على المواد التي تتحدث فيه عن المجالات الصحية والتعليمية والترفيهية.

لكن المشروع الذي يسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية، يقع في "مطبات أخلاقية" تجعل الطفل غريبا عن بيئته التي ينتمي إليها.

ولهذا ينبع الاعتراض على المشروع من كونه يطلق العنان لحرية الطفل ويقلل من أهمية تحديد مسؤوليات الأسرة عليه ومراقبته ومن ثم أيضا مسؤوليات الدولة.

تفسيرات مفتوحة

ويعد ترك نصوص المشروع مفتوحة للتفسيرات، مثل "احترام حياته الخاصة" واحدا من البنود المعترض عليها، فربما تُفسر بأنه يمكن أن يختار دينا آخر غير دينه أو أن تترك له حرية العقيدة.

وتنص المادة (7) من المشروع على "حق الطفل في التعبير عن آرائه بالقول أو الكتابة أو الفن أو بأي وسيلة أخرى يختارها".

واعترض الشارع على هذا البند وخاصة عبارة "بأي وسيلة أخرى"، وطرحت تساؤلات حول نوع الوسيلة.

وينطلق معارضو هذا المشروع من كونه مستوردا من دول فيها نسبة عالية من الأطفال بلا نسب، ويجري تربيتهم في مراكز إيواء أو عند أشخاص ليسوا أهلهم في الحقيقة، وبالتالي يحتاج الطفل في مثل هذه الحالة للحماية، التي لا تنطبق على بلد مثل الأردن.

وينزع المشروع رقابة الأهل على رسائل الطفل على وسائل التواصل الاجتماعي، وهنا يمكنه التقدم بشكوى ضد والديه.

وفي حال منع الأهل خروج ابنهما مع صديق لا يعجبهما سلوكه، أيضا يمكن أن يشتكي الطفل عليهما.

ويرى كثير من المختصين القانونيين، أن وجود قانون ينظم سلوكيات التعامل مع الأطفال ويكفل لهم حقوقهم داخل الأسرة والمجتمع، لا يعني تطبيق قوانين معمول بها في دول أخرى تختلف فيها عاداتها وتقاليدها ودينها عن الأردن.

وفي هذا الإطار، كتب الأكاديمي الأردني في الشريعة الإسلامية محمد الطرايرة، على حسابه في فيسبوك أن "الالتزامات الدولية المرتبطة بالمساعدات أرهقتنا وأذلتنا، وغيرت معالم بلدنا".

ولفت الطرايرة إلى أن إقرار المشروع "فيه إسقاط لهيبة الدولة في نفوسنا، فنحن نعلم أنه لا يعدو أن يكون إملاءات خارجية تفرضها القوى المسيطرة".

ثغرات مخيفة

ورغم أن مشروع القانون تأخر كثيرا في الأردن وخاصة أن الأطفال بحاجة لقانون لحمايتهم والاعتراف لهم بالحقوق المهمة، فإن نسخته الحالية ليست مثالية، وفق المعترضين عليه.

وخرج المشروع بعد سنوات من محاولة صياغة قانون لحقوق الطفل بناء على التعديلات الدستورية في الأردن عام 2011 وتوقيع عمان على اتفاقية حقوق الطفل الدولية عام 2006 متحفظا على بعض موادها وهي (14/20/21) المتعلقة بحق تغيير الدين والتبني.

وبحسب وسائل إعلام أردنية، فإن أول مسودة لسن قانون يحمي حقوق الأطفال في المملكة، تعود إلى عام 1998، لكنه خرج في النهاية بصيغة مخالفة للمجتمع، وفق الشارع.

وحين عرض أول قانون على البرلمان في 2004، ظل على رفوف مجلس النواب لسنوات عديدة، قبل أن تسحبه الحكومة عام 2008.

ومن هنا فإنه حينما صدق الأردن على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1991، تضمنت ضرورة اتخاذ الدول الأطراف التدابير التشريعية والإدارية وغيرها لإعمال الحقوق المعترف بها في الاتفاقية.

وتنص المادة (18) على أن "للطفل الحق في المشاركة بالتجمعات والنوادي التي يمارس من خلالها نشاطاته الاجتماعية والثقافية والترفيهية".

وتواجه هذه المادة اعتراضا كبيرا، وهذا ما يشير إليه الناشط السياسي مدير مكتب كتلة الإصلاح النيابية خالد الجهني، بقوله: "أن يحق لي أن أمنع طفلي من الذهاب في رحلة معينة أو التسجيل في بعض الأنشطة وهو غير مدرك لأهدافها".

ومضى الجهني يقول في حديث إذاعي بتاريخ 3 أغسطس 2022: "في الأردن مؤسسات وطنية مطبعة مع إسرائيل، والتطبيع يعمل بحكم القوانين، وبالتالي أنا أريد أن أمنع أبني من نشاط تطبيعي وعليه فإن هذا القانون سيقيدني في أنشطة كهذه".

وذهب الجهني للقول: "نحن مع وجود قانون معني بالطفل كعضو في أسرة ويرسخ الأسرة نابع من البيئة الأردنية وينسجم مع مكانة الوالدين".

تدمير المنظومة الأخلاقية

من جهتها، تؤكد الأكاديمية ورئيس لجنة الأسرة في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، كاميليا حلمي، لـ "الاستقلال"، أن مشروع القانون في الأردن "بني على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل CRC لعام 1989".

وأوضحت حلمي أن الاتفاقية المذكورة: "رفعت سن الطفولة حتى الثامنة عشر، وركزت على مجموعة من القضايا التي عدتها حقوقا للطفل، بينما في حقيقة الأمر هي إهدار لحقوقه، وليس العكس".

وبينت أن "المشروع يعلي من الأنانية لدى الأجيال الناشئة ويعزز لديهم نزعة المطالبة بالحقوق دون الوعي بالواجبات، كما يحرم الطفل من حقه في التربية ويكبل الوالدين ويجرمهما إن قاما بواجبهما في التأديب وذلك من خلال التوسع والمطاطية في تعريف مصطلح العنف".

ولفتت الأكاديمية، إلى أن "المشروع نقل بعض الفقرات نقلا حرفيا من اتفاقية حقوق الطفل الدولية"، مثل فقرة: "له الحق في احترام حياته الخاصة ومراسلاته ويحظر تعريضه لأي تدخل تعسفي أو إجراء غير قانوني في حياته".

ولمنع الأبوين من التدخل فيما عدته "خصوصيات" الأبناء، نص المشروع على أن "تتولى الجهات المختصة وفقا لتشريعاتها اتخاذ كافة الاجراءات التي تحول دون التعرض لحياة الطفل الخاصة".

ومضت حلمي تقول: "أي أن الوالدين ليس لديهما الحق في التدخل بحياة الابن دون سن الثامنة عشر، وإلا فمن حقه أن يستدعي الشرطة التي تعاقب الوالد، وربما تسحب الابن من الأسرة لإيداعه لدى أخرى بديلة".

وبينت حلمي، أن "مشروع القانون يتعارض في الكثير من جوانبه مع هوية المجتمع المسلم بشكل عام، فبعد أن رفع سن الطفولة حتى الـ 18 (وهو ما يخالف آراء فقهاء الشريعة القائلة إن الطفولة تنتهي بالبلوغ)، منع زواج من هو دون تلك السن، عادّا إياه زواج أطفال، أو استغلالا جنسيا أو اتجارا في البشر".

وزادت القول: "وبطبيعة الحال، يترتب على تجريم الزواج في السن الشرعي، ارتفاع معدل ارتكاب جريمة الزنا وما ينتج عنها من أبناء السفاح، فتأتي نصوص مشروع القانون لتفتح المجال للمطالبة بإثبات نسب ابن الزنا للوالد الزاني".

ولفتت حلمي، إلى أن "المشروع يقنن التثقيف الجنسي للأطفال وللمراهقين في المدارس دون أن يضع أي قيود دينية أو أخلاقية له".

وأردفت قائلة: "هذه بالضبط منظومة خدمات الصحة الجنسية والإنجابية التي ركزت عليها المواثيق الدولية، والمبنية على تجريم الزواج في سن مبكرة وفي المقابل السماح للمراهقين والشباب بالزنا، مع تعليمهم كيفية الوقاية من الحمل، وفي النهاية تقنين الإجهاض للتخلص من الحمل غير المرغوب فيه".

وختمت حلمي بالقول: "إن تمرير مثل هذا المشروع، من شأنه أن يدمر المنظومة القيمية والأخلاقية للمجتمع وفقدان أجيال كاملة هويتها، وهو خطر يمتد أثره عقودا طويلة قبل أن يستعيد المجتمع عافيته".

خصوصية محفوظة

لكنه على الرغم من الاعتراضات على مشروع حقوق الطفل، إلا أن المدافعين عنه في الأردن يرون أنه مناسب ويحمي الأسرة.

وخلال جلسة تشريعية لمجلس النواب لمناقشة قانون الطفل في يوليو 2022، قالت وزيرة الدولة للشؤون القانونية وفاء بني مصطفى، إن المشروع المطروح "يراعي الخصوصية الأردنية".

واستدلت الوزيرة بالمادة الخامسة من مشروع القانون التي تنص صراحة على أن "التنشئة السليمة للطفل تحترم الحرية والكرامة والإنسانية والقيم الدينية والاجتماعية".

بينما رأت مديرة مركز العدل للمساعدة القانونية، هديل عبد العزيز، المؤيدة لما ورد في المشروع، أن "نص القانون المقترح لا يتعارض مع الدين، خلافا لما يشاع".

ووصفت عبد العزيز خلال تغريدات لها في 21 يوليو 2022، النقاش الدائر حول مشروع القانون بالمحزن، مضيفة أنه "استند إلى نصوص غير صحيحة وغير موجودة في القانون".

وهناك من يرى بأن تمرير القانون، وأن يصبح نافذا داخل المجتمع الأردني، دون إجراء التعديلات المطلوبة، لن يكون سهلا، نظرا لطبيعة المجتمع العشائري الأردني.

إذ لا يزال المجتمع الأردني يستند إلى "القضاء العشائري" في كثير من شؤون حياته، وأصبحت دستورا بينهم يؤخذ به، على الرغم من دولة القانون والمؤسسات التي تأسست منذ استقلال البلاد عام 1946.

وبالمحصلة، أمام مشروع قانون حقوق الطفل لعام 2022 في الأردن ليبصر النور وقت طويل، إذ يرجح مطلعون أن يبقى حبيس المناقشات داخل البرلمان وقد يرمى به كتركة ثقيلة إلى المجلس النيابي الـ 20 عام 2024.