الصدر يعلن اعتزاله.. كيف تحول من أداة إيران إلى أكبر خصومها بالعراق؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

في تغير دراماتيكي لافت، تحولت علاقة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر مع إيران، من أكبر الحلفاء بعد الاحتلال الأميركي عام 2003 للعراق إلى أكثر المناوئين لها، بل وصل به الحال إلى وصف كل المقربين منها بـ"التبعية" و"الأذناب".

العلاقة بين الصدر وإيران شهدت تحولات كبيرة، لا سيما بعد مقتل قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني، في يناير/ كانون الثاني 2020، فأصبح العداء واضحا بين الطرفين، رغم محاولات طهران العديدة لرأب الصدع معه، كان آخرها في فبراير/ شباط 2022.

وفي 29 أغسطس/آب 2022، أعلن الصدر اعتزاله النهائي للحياة السياسية، وغلق كافة المؤسسات التابعة له، إلا "المرقد الشريف" و"المتحف الشريف" وهيئة تراث آل الصدر.

مغريات إيران

في تقرير مطول لوكالة "رويتز" نشرته في 23 أغسطس، كشفت عن لقاء جمع بين قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني، والصدر في محل إقامة الأخير بمدينة النجف في 8 فبراير 2022، لإقناعه بتشكيل الحكومة مع قوى الإطار التنسيقي الموالي لإيران.

ونقلت الوكالة عن أربعة مسؤولين عراقيين وإيرانيين مطلعين على تفاصيل المقابلة التي استغرقت نصف الساعة بمدينة النجف، أكدوا أن الصدر استقبل القائد الإيراني بجفاء واضح.

وكان الصدر، بحسب مسؤولين، يضع على كتفيه كوفية الجنوب العراقي بلونيها الأبيض والأسود ويضع عباءة بنية، في هيئة محلية متعمدة تتناقض مع الثياب السوداء بالكامل والعمامة الشيعية التي يعتمرها عادة في المناسبات العامة.

كانت ملابس الصدر، حسبما قال المسؤولون، ينقل رسالة سياسية قومية خلاصتها: العراق، كدولة عربية ذات سيادة، سيشق طريقه بنفسه، دون تدخلات من جارته الفارسية، على الرغم من الروابط الطائفية بين البلدين.

وتحدى الصدر القائد الإيراني بحسب أحد المسؤولين، وقال "ما علاقة السياسة العراقية بكم؟... لا نريدكم أن تتدخلوا"، وذلك بعد اجتماع ظل قاآني يسعى إليه لأشهر ودأب على زيارة العراق، وفي مرة صلى علانية عند قبر والد الصدر، وفقا للوكالة.

ورغم الإغراءات التي قدمتها إيران للصدر إلا أنه رفض الاستجابة لها، إذ نقل المسؤولون الإيرانيون عن قاآني قوله، إنه إذا ضم الصدر حلفاء طهران إلى أي ائتلاف فستعد إيران الصدر الشخصية السياسية الشيعية الرئيسية بالعراق، وهي إيماءة ليست بالهينة بين القيادة الشيعية المنقسمة.

لكن الصدر ظل ثابتا، بحسب "رويترز" وشدد في تغريدة عقب الاجتماع على التزامه بحكومة خالية من التدخل الأجنبي. وقال في الرسالة الخطية التي نقلت بالمسح الضوئي على تويتر "لا شرقية ولا غربية.. حكومة أغلبية وطنية". كان هذا الصد أكبر بكثير من كون الأمر مجرد اجتماع فاشل.

وخلال التسريبات التي انتشرت في يونيو/ حزيران 2022، ونسبت إلى رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، قال الأخير إن إيران عقب الاحتلال الأميركي للعراق "دعمت الصدر من أجل جعله نسخة ثانية من حسن نصر الله (زعيم حزب الله اللبناني)".

"سر التوتر"

الصدر الذي درس في الحوزة الدينية الشيعية بمدينة قم الإيرانية لمدة 4 أعوام (2007 وحتى 2011)، أثار الكثير من التساؤلات بخصوص أسباب العلاقة المتوترة مع إيران ورفضه، خلافا للقوى الشيعية الأخرى، تدخلاتها في الشأن السياسي والأمني بالعراق.

وفي هذا الصدد، يقول الكاتب العراقي صباح ناهي، إن "الصدر اختط نهجا مختلفا عن سواه من الأقطاب السياسية في التعامل مع إيران، كونه يمثل أسرة عريقة أسهمت في العمل الوطني على مدى قرون، وارتبطت بمشروع سياسي وطني كان وراء تأسيس الدولة العراقية الحديثة".

وأوضح خلال مقال نشرته صحيفة "إندبندنت عربية" في 22 أغسطس 2022 أن "أسرة الصدر ترى أنها امتداد للنسل الهاشمي، تواصلا مع الحضور الفكري والسياسي لأسرة الصدر التي أنتجت اثنين من السياسيين المعاصرين، وهما محمد باقر الصدر مؤسس حزب (الدعوة الإسلامية)، ووالد الصدر محمد محمد الصدر".

وتابع ناهي: "بينما يخشى الرافضون للصدر من أن تقود استقلاليته البلاد، وتبعده عن نظام الوالي الفقيه في طهران".

في الآونة الأخيرة، يضيف الكاتب، أن الصدر بات يدرك أن إيران هي التي أسهمت في تفكيك التحالف الثلاثي (الكتلة الصدرية، تحالف السيادة السني، الحزب الديمقراطي الكردستاني)، وأسهمت في إنهاء فكرة حكومة الأغلبية الوطنية التي نادى بها.

ومضى يقول: "ويؤمن بأن إيران تحاول عزله وكسره سياسيا، لذلك يأتي عدم استقبال قاآني في إطار إعلان عن غضب وامتعاض من طبيعة السياسة الإيرانية تجاهه، وهي سياسة تعتمد البراغماتية والمناورة العالية".

وعلى الوتيرة ذاتها، يفسر الأكاديمي والباحث السياسي العراقي هيثم الهيتي؛ سر العداء بين الصدر وإيران، بالقول إن "الصدر ابن عائلة عربية، وجده محمد الصدر كان من أوائل رؤساء الوزراء في الدولة العراقية الحديثة إبان الحكم الملكي".

وأضاف الهيتي خلال حديث لموقع "الحل نت" في 8 أبريل/ نيسان 2022، أن "الصدر يعد من أعمدة الدولة العراقية أولا، وشخصية عربية قبل أن تكون شيعية ثانيا، ورجل شيعي قومي عربي وليس بإيراني ثالثا".

وأكد أن "الصدر، شخصية غير موثوقة لطهران؛ لأنها دولة قومية ليست شيعية، وتتخذ من التشيع غطاء دعائيا لتصدير تدخلاتها في المنطقة".

من جهتها، ترى الكاتبة شيماء محمد خلال مقال نشره مركز "البيت الخليجي"  للدراسات والنشر في 20 يناير/ كانون الثاني 2022، أن موت سليماني كان بمثابة بداية لتوسيع نفوذ الصدر في الحياة السياسية العراقية. وكان الصدر يتوقع أن يحل مكان سليماني في العراق بدعم طهران".

وتابعت: "فعلى طول تاريخ الصدر مع إيران كانت العلاقة بينهما متوترة ومعقدة بسبب عدم ثقة طهران في مزاج الصدر المتغير من جهة، ومن جهة أخرى شعور مقتدى الصدر بأن القادة الإيرانيين لا يضعونه في حجمه السياسي الذي يستحقه".

ونقلت الكاتبة عن أحد المقربين من مقتدى الصدر (لم تكشف اسمه) أنه "في السنوات التي اعتزل فيها الصدر الحياة السياسية وسافر إلى إيران، حيث مكث لسنوات في عزلة، كان يشعر بالغضب الشديد من القادة الإيرانيين لعدم إعطائه حقه والتعامل معه بصفته قائدا سياسيا وعسكريا هاما حارب الولايات المتحدة في العراق لسنوات".

تراجع العلاقة

وبعد الغزو الأميركي عام 2003، ارتبط الصدر بعلاقات طيبة مع إيران، حيث نجح بمساعدة طهران في تقديم نفسه كزعيم شعبوي يقاتل لطرد الاحتلال الأميركي في العراق.

حيث شكل ما يعرف بـ"جيش المهدي" الذي ضم فيه الآلاف من المسلحين، الذين لا يزال كثير منهم يشكلون الفصيل المسلح التابع للصدر المعروف باسم "سرايا السلام".

ولأن معظم تلك الحكومات التي تشكلت بعد عام 2003 كانت متحالفة مع إيران، فقد نأى الصدر بنفسه تدريجيا عن طهران، وشجع أنصاره على تنظيم احتجاجات حاشدة في عام 2016 رفعت خلالها شعارات "إيران برا برا بغداد تبقى حرة"، و "يا قاسم سليماني هذا الصدر رباني (نحن تربية مقتدى الصدر)".

وفي عام 2017، فاجأ الصدر كثيرين في المنطقة باجتماعه مع مسؤولين كبار من الإمارات والسعودية، الدولتين السنيتين المتحالفتين مع الولايات المتحدة.

وبغية تجاوز الخلاف التاريخي بين الأنظمة السنية والشيعية لعب الصدر على الروابط العرقية، وقال لهم "نحن عرب أيضا"، وفقا لما ذكره مسؤول كبير في التيار الصدري مطلع على الزيارات، وفق "رويترز".

ووجه الصدر أول انتقاد علني لإيران في ذلك العام، واتهمها في بيان بتأجيج الصراع الطائفي في سوريا والعراق وفي أنحاء المنطقة. كما كثف انتقاداته لمنافسيه المحليين بسبب النفوذ الشيعي، بمن فيهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وهو حليف وثيق لإيران.

وعقب زيارة الصدر للسعودية في 2017، وجه برلماني عراقي عن "كتلة الأحرار" التابعة لمقتدى الصدر، لإيران اتهاما يعد الأخطر من نوعه يصدر عن كيان سياسي شيعي عراقي، وذلك باتهامها بالوقوف وراء تفجير مرقدين مقدسين لدى الشيعة في العراق.

وقال النائب السابق في البرلمان العراقي عواد العوادي، خلال مقابلة تلفزيونية في أغسطس/آب 2017 إن "إيران تُتهم بأن الإرهاب يأتي منها، لكن الكل يدافع بما لديه، وهناك تقارير تتحدث عن أن الكثير من التفجيرات بالمناطق (...) دخلت من إيران".  

وتابع أنه بالنظر إلى ما حدث في مدينة سامراء من تفجير مرقد الإمامين العسكريين، فإن كثيرا من التقارير تقول إن هناك مصالح وخلايا أو مجاميع إرهابية دخلت من إيران، إما بعلمها أو غير ذلك، لا نعلم".

وحدث في 22 فبراير 2006 تفجير ضريح الإمامين علي الهادي والحسن العسكري في سامراء المقدسين لدى الشيعة. وقد أدى إلى إشعال فتنة طائفية بالعراق، حيث كانت بغداد مسرحا لأعنف عمليات حرق للمساجد وقتل لمئات آلاف المدنيين على الهوية.

وفي عام 2019 انضم أنصار الصدر إلى احتجاجات مناهضة للفساد أطاحت بحكومة قادتها أحزاب متحالفة مع إيران، والتي كان للجنرال سليماني، الذي قتل بغارة أميركية ببغداد عام 2020، اليد العليا في توحيد القوى الشيعية بضمنهم التيار الصدري.

وفي 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، تفوقت قائمة التيار الصدري على تلك الأحزاب في الانتخابات البرلمانية، ما فتح الباب أمام تشكيل حكومة يمكن أن تخرج العراق بالكامل من فلك إيران.

لكن في الأشهر التي تلت ذلك لم يشكل الصدر وحلفاؤه ولا الأحزاب المتحالفة مع إيران ائتلافا لخلافة الحكومة المؤقتة بقيادة مصطفى الكاظمي.

وأدى التوتر المتأجج بين الفصائل المتحالفة مع إيران وفصيل الصدر (سرايا السلام) إلى عمليات قتل مستهدفة لخمسة على الأقل بين هذين المعسكرين على مدى أسبوعين في فبراير/ شباط 2022.

وحاليا يواصل أنصار الصدر اعتصاما مفتوحا داخل مقر البرلمان لمنع اجتماع القوى الشيعية الموالية لإيران من عقد جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية ومن ثم تشكيل حكومة، فيما يصر الصدر على حل البرلمان والتوجه لانتخابات مبكرة كتسوية للوضع الراهن.

وبعد إعلان انسحابه من الحياة السياسية، اقتحم متظاهرون من أنصار الصدر، القصر الجمهوري داخل المنطقة الخضراء وسط بغداد، ما أجبر السلطات على إعلان حظر تجول بالعاصمة، بينما تشهد محافظات أخرى احتجاجات مشابهة، غير معروف إلى أين ستصل.

لكن يبدو للوهلة الأولى أن الصدر بهذه الخطوة يزيد الضغوط لاسيما من قبل الشارع على إيران وأعوانها الذين رفضوا تمرير حكومة الأغلبية الوطنية، متمسكين بنظام المحاصصة الذي أوصل البلاد إلى وضعها المتأزم الحالي.