يتسلحون بالنفاق.. لماذا يخشى ديمقراطيو أميركا انتخابات الخريف بالكونغرس؟

رامي صباحي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

مع تواصل تدني نسب التأييد الشعبي لهم في استطلاعات الرأي، شرع القائمون على الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة، وفي مقدمتهم الرئيس جو بايدن في اتخاذ خطوات مثيرة للجدل للتخفيف من حدة هذا الانهيار.

ومع اقتراب الانتخابات النصفية في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، يؤكد خبراء ومراكز استطلاع رأي في أميركا، أن الديمقراطيين يتجهون لخسارة غالبيتهم الضئيلة في أحد مجلسي الكونغرس -الشيوخ والنواب- أو حتى في الاثنين معا.

فيما تراجعت نسبة التأييد لبايدن في صورة قياسية إلى حوالي 37.5 بالمئة في نهاية يوليو/تموز 2022، بحسب موقع "فايف ثيرتي إيت" الأميركي الذي يجمع مختلف استطلاعات الرأي.

ومن أجل مغازلة أصوات المترددين وتيار اليمين الوسط خصوصا، تتهم دوائر إعلامية وسياسية في أميركا، الديمقراطيين، بالنفاق ومناقضة أنفسهم عبر تبنيهم سياسات يمينية دأبوا على انتقادها.

مثل المصادقة على استكمال الجدار العازل على الحدود مع المكسيك لإيقاف الهجرة غير النظامية، ودعم بعض الجمهوريين اليمينيين المتطرفين، لإثارة مخاوف الليبراليين والمعتدلين لدفعهم للتصويت لصالحهم.

انهيار لافت

وأمضى الحزب الديمقراطي الجزء الأكبر من عامه الأخير يترنح من أزمة إلى أخرى، بما في ذلك الانسحاب الفاشل من أفغانستان، وارتفاع نسب التضخم، لاسيما أسعار البنزين، حسبما ذكرت وكالة أسوشيتد برس الأميركية.

وأضافت خلال تقرير في 4 أغسطس/آب 2022، أن هذه التطورات ساهمت في انخفاض معدلات تأييد بايدن، ما ترك الديمقراطيين من دون زعيم موحد في وضع يمكنه من حشد الناخبين قبل انتخابات نوفمبر المرتقبة التي تضع سيطرتهم في الكونغرس على المحك.

وأشارت إلى أنه في التاريخ الحديث، يعاني الحزب الذي يسيطر على البيت الأبيض دائما تقريبا من خسائر فادحة في أول انتخابات نصفية، وتعتقد الغالبية العظمى من الناخبين أن البلاد تسير في الاتجاه الخاطئ وسط التضخم والمخاوف الاقتصادية الأخرى.

وحتى مع الزخم المرتبط بعدة تطورات مثل قانون الإجهاض وتداعياته والتصديق على قانون دعم ميزانيات الصحة والمناخ، واغتيال زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري (مطلع أغسطس/آب 2022)، يتوقع عديد من الإستراتيجيين الديمقراطيين أن يفقدوا الأغلبية في مجلس النواب، توضح الوكالة الأميركية.

والانتخابات النصفية تجرى بالولايات المتحدة في منتصف كل ولاية رئاسية، التي تدوم أربع سنوات، ويجدد الناخبون خلالها جزءا من أعضاء الكونغرس وحكام بعض الولايات ومسؤولين محليين، وهي تعد اختبارا لسياسة الرئيس بايدن وسترسم معالم مستقبله بالبيت الأبيض.

ويتكون الكونغرس من مجلسي النواب والشيوخ، وجميع مقاعد مجلس النواب الـ435، وثلث مقاعد مجلس الشيوخ المئة (35 مقعدا) سيعاد تجديدها عبر التصويت، بالإضافة إلى 36 من أصل 50 حاكم ولاية.

وبـ220 مقعدا، يتمتع الديمقراطيون بأغلبية ضئيلة في مجلس النواب، بفارق مقعدين فقط فوق العدد المطلوب للأغلبية، مع اقتسام السيطرة على مجلس الشيوخ مع الجمهوريين بمعدل 50 مقعدا لكل حزب، لكن مع ترجيح نسبى لصوت كامالا هاريس نائبة الرئيس.

ويسعى الديمقراطيون، خلال انتخابات نوفمبر، إلى تعزيز سيطرتهم على الكونغرس أو على الأقل الاحتفاظ بالأغلبية الضئيلة التي يتمتعون بها لعدم تعطيل مشروعاتهم التشريعية أو تعطيل أجندة بايدن.

بينما يسعى الجمهوريون لاستعادة السيطرة على الكونغرس مرة أخرى بعد خسارة 2020، تمهيدا لاستعادة البيت الأبيض في 2024.

هروب للأمام

وبلغ التضخم أعلى مستوياته منذ أربعين عاما في الولايات المتحدة، إذ تجاوز 9 بالمئة على أساس سنوي، بحلول نهاية يونيو/حزيران 2022، وفق وزارة العمل الأميركية.

وما انفكت الأسعار ترتفع في الولايات المتحدة منذ سنة ونصف السنة، ما قوض القدرة الشرائية للأميركيين، وفق ما نشرت وكالة بلومبيرغ الأميركية في 29 يوليو.

فيما يُتهم بايدن من قبل خصومه باتباع سياسة اقتصادية تضخمية بسبب خطته التحفيزية للنهوض الذي كشف عنها في مارس/آذار 2021، بعد وصوله إلى البيت الأبيض.

ويسعى الاحتياطي الفيدرالي لإحداث تباطؤ طوعي في الاستهلاك لتخفيف الضغط على الأسعار، وذلك عبر رفع الفائدة الرئيسة المحددة حاليا بين 2,25 و2,50 بالمئة.

وهذا الأمر يشجع البنوك التجارية على تقديم قروض أكثر تكلفة لعملائها من الأفراد والشركات، وهو ما دفع مشرعين جمهوريين عديدين باتهام بايدن بإدخال البلاد في حالة ركود، بحسب بلومبيرغ.

وأوضحت الوكالة أن بيانات وزارة الخزانة الأميركية تؤكد حدوث انكماش الناتج المحلي الإجمالي للبلاد على مدى الربعين الأخيرين (من يناير/ كانون الثاني حتى يونيو/ حزيران)

في المقابل رد بايدن على هذه الادعاءات بالقول في بيان إنه "ليس من المستغرب أن نشهد تباطؤا في الاقتصاد" بعد رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة، لكنه طمأن أن البلاد تسير "على الطريق الصحيح".

وفي ظل سيطرته على مجلسي الكونغرس، يعجز الحزب الديمقراطي حاليا عن إثارة قاعدته الشعبية والتأثير على الأصوات المترددة وبعض التيارات المحافظة، عبر ذريعة أن "الجمهوريين يمررون سياستهم ويعرقلون أداء إدارة بايدن".

وبدلا من ذلك، ينخرط الديمقراطيون في عدة مسارات لطالما انتقدوا الجمهوريين بسببها، وفي مقدمتها بناء الجدار العازل على حدود المكسيك، لوقف موجات الهجرة القادمة من أميركا اللاتينية.

وسمح بايدن في 28 يوليو 2022 بإكمال تشييد الجدار الحدودي بين الولايات المتحدة والمكسيك الذي كان قد موّله سلفه دونالد ترمب، وذلك في جنوب ولاية أريزونا، حيث تعد تلك المنطقة أكثر ممرات المهاجرين ازدحاما.

بينما ادعت وزارة الأمن الداخلي الأميركية في بيان، أن العمل على استكمال المشروع سيؤمّن حماية أفضل للمهاجرين الذين يمكن أن يعرضوا أنفسهم للأذى خلال الانزلاق على أحد المنحدرات، أو مواجهة خطر الغرق جراء اضطرارهم إلى السير في جزء منخفض من نهر كولورادو.

وكان الانتهاء من بناء الجدار في صدارة جدول أعمال ترامب، لكن أوقف بايدن عملية البناء بعد أن تولى منصبه ووعد بسياسة هجرة "أكثر إنسانية"، لكن أخيرا سمح بـ"سد الثغرات القائمة فيه"، وفق الوزارة الأميركية.

انقلاب علني

ورغم ادعاءات الحزب الديمقراطي الانفتاحية وتأكيده على ضرورة تطبيق قواعد السوق الحر، فإن إدارة بايدن رغم مرور نحو عامين على رئاسته لم ترفع بعد الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على الصين في 2018.

ومع أن إلغاء الرسوم الجمركية على الواردات الصينية التي تقدر قيمتها بـ300 مليار دولار، سيكبح إلى حد كبير وفق وزارة الخزانة الأميركية، جماح التضخم المتفاقم، مع وفرة المنتجات في السوق، فإن بلومبيرغ أكدت أن بايدن لن يخاطر بإثارة غضب النقابات عبر مراجعة قضية الرسوم الجمركية، وهي مصدر بالغ الأهمية للدعم في الانتخابات النصفية.

كما أن النقابات تعارض أي خطوة من هذا القبيل مدعية أن الرسوم تساعد في حماية الوظائف بالقطاع الصناعي.

بل لفتت الوكالة إلى أن البيت الأبيض يدرس إجراء تحقيق جديد بشأن أوجه الدعم الصيني وأضرارها على الاقتصاد الأميركي كوسيلة للضغط على بكين في التجارة.

وفي إطار الحملات لوقف نزيف شعبيته وشعبية الديمقراطيين عموما، أعلن بايدن في الثاني من أغسطس، اغتيال زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في غارة "ناجحة" بطائرة مسيرة في العاصمة الأفغانية كابول، "دون خسائر بصفوف المدنيين".

وحذر في كلمة مصورة غلبت عليها النزعة الوطنية التي تثير مشاعر المحافظين من أن بلاده ستعاقب "أي شخص يسعى لإلحاق الضرر بها"، وأنها "ستبقى متيقظة وستفعل كل ما يلزم لضمان سلامة الأمريكيين في العالم".

وقال: "أوضحنا مرة أخرى الليلة أنه بغض النظر عن المدة التي يجرى استغراقها،  أو المكان الذي تختبئ فيه، إذا كنت تمثل تهديدا لشعبنا، فالولايات المتحدة ستعثر عليك".

وفي خطوة أخرى تهدف لإثارة المشاعر الوطنية، أجرت زعيمة الديمقراطيين، رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي زيارة إلى تايوان هي الأولى من نوعها منذ نحو ربع قرن، ضاربة بعرض الحائط كل تحذيرات الصين، ثاني أكبر قوة اقتصادية بالعالم.

وجاءت هذه الزيارة في وقت تنخرط فيه واشنطن في مساع لترميم الجبهة الغربية وتوحيدها تحت قيادتها فضلا عن إعادة إحياء حلف شمال الأطلسي "ناتو" ضد روسيا بعدما أسقطتها في وحل الحرب في أوكرانيا.

وهذه الملفات في مجملها تؤثر بشكل مباشر على رؤية الناخبين المحافظين، كما أن ثمة لعبة قذرة أخرى يمارسها الديمقراطيون من أجل وقف انهيار شعبيتهم.

إذ كشفت تقارير إعلامية أميركية أخيرا عن دعم الحزب الديمقراطي لمرشحين جمهوريين متطرفين على حساب المعتدلين، من أجل إخافة الأصوات الليبرالية والمعتدلة للتصويت للمرشح الديمقراطي المنافس.

وكشف موقع "إن بي سي نيوز" الأميركي، أن الديمقراطيين يساندون جون جيمس المرشح المحافظ للغاية المدعوم من ترامب عن ولاية ميشيغان، الذي يناهض الشرطة ويعد الحزب الديمقراطي  "إسلاميا".

وردا على هذه الاتهامات، قالت بيلوسي في مؤتمر صحفي في 29  يوليو مدافعة عن هذه السياسة: "القرارات السياسية التي يجرى اتخاذها تعزز فوزنا في الانتخابات. ونعتقد أن التباينات الراهنة بين الديمقراطيين والجمهوريين تفرض علينا الفوز".

معركة شاقة

وفي قراءته للمشهد، أكد الباحث في العلاقات الدولية محمد عابد، لـ"الاستقلال"، أن "هذه الانتخابات شديدة التعقيد لكلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري".

وأوضح أنه بالنسبة للديمقراطيين، فهم يواجهون تداعيات تدني شعبية بايدن، وخاصة في ضوء التضخم التاريخي وارتفاع أسعار الوقود، واستياء الجمهور من أداء الكونغرس، الذي يسيطرون عليه. كما أن حزب الرئيس عادة ما يخسر في انتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة.

وأضاف: أما الحزب الجمهوري، فهو يعاني من انقسام إزاء دور ترامب المثير للجدل، وظهر ذلك في ممارسة لجنة الحزب ضغوطا على الرئيس السابق لعدم الإعلان عن ترشحه في انتخابات 2024 الرئاسية، قبل إتمام انتخابات التجديد النصفي، خوفا من تصدر الجدل بشأن أجندة الدعايات الانتخابية، بدلا من تركيز الجمهور على قضايا التضخم وفشل إدارة بايدن.

وعن قدرة الديمقراطيين على التغلب على هذا المشهد، أشار عابد إلى أن إدارة بايدن وقيادة الحزب الديمقراطي تمارس أشكالا مختلفة من "النفاق"، فهي من جهة تلعب على أساس الأجندة اليمينية في بعض الأماكن والملفات، وتعزز من جهة ثانية حضور أقصى اليمين المتطرف في الحزب الجمهوري.

ومضى يقول: ومن الأمثلة على ذلك، تمويل إتمام أجزاء من جدار ترامب الحدودي مع المكسيك في أريزونا، ويهدف ذلك بوضوح إلى اجتذاب بعض الأصوات اليمينية لصالح مرشحي الديمقراطيين هناك.

كما انكشف أخيرا منح الحزب الديمقراطي تمويلا لحملات متطرفين، ينافسون لنيل فرصة تمثيل الجمهوريين في الانتخابات المقبلة، بعد أن سمعنا الكثير من "البكائيات" عن خطر هؤلاء على الديمقراطية الأميركية ومستقبل البلاد، يوضح عابد.

ولفت الباحث بالعلاقات الدولية إلى أن قيادة الديمقراطيين لا ترى مشكلة في هذه الممارسة، وبررتها زعيمتهم في مجلس النواب نانسي بيلوسي، صراحة، بالقول إنها "إستراتيجية لإظهار أقبح ما عند الجمهوريين".

وأكد أن هذه الممارسات ناجحة، وثبت ذلك مرارا في تاريخ السياسة الأميركية، لكنها كانت وستبقى سببا لتوسيع دائرة "فاقدي الأمل" بالديمقراطية الأميركية داخل الولايات المتحدة نفسها، سواء من اليسار أو اليمين.

وعن توقعاته لنتائج هذه المنافسة، رأى عابد أن حظوظ الديمقراطيين قوية في مجلس الشيوخ، بالنظر إلى وجود عدد أكبر لدى الجمهوريين ممن لن يسعوا لولاية جديدة في هذه الدورة، وعادة ما يكون السيناتور الموجود بالفعل في المجلس أكثر قدرة على الفوز والبقاء في المنصب.

واستدرك: لكن الحسابات في النواب لا يمكن التنبؤ بها بشكل قاطع الآن، رغم أن زيارة بيلوسي إلى تايوان اجتذبت الكثير من الأضواء إلى شخصيتها كسياسية قوية، تستحق أن تبقى في المنصب، وهو ما يتطلب احتفاظ الديمقراطيين بالأغلبية هناك.