ناج من أحداث مليلية.. "لوموند" تتبع طريق هجرة سوداني محتجز بالمغرب
قالت صحيفة "لوموند" الفرنسية إن "العنف المتزايد الذي يواجهه المهاجرون في ليبيا، قد دفع الكثيرين من الراغبين في الهجرة نحو أوروبا إلى اتخاذ طرق أخرى".
وأشارت الصحيفة إلى أن "المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أحصت في يونيو/حزيران 2022، 1350 طالب لجوء ولاجئ سوداني في المغرب، مقارنة بـ150 فقط عام 2021".
ظاهرة جديدة
وتطرقت لوموند إلى حالة "عصام" وهو مهاجر سوداني يعاني من ألم في اليد والكتف، وجرح جلدي على مستوى الرأس.
ويواصل هذا الشاب السوداني، 22 عاما، في الدار تعافيه، بعد شهر من محاولة العبور القسري (في 24 يونيو/حزيران 2022) عبر منطقة
ويحتفظ عصام في خضم كل تلك المغامرة ببعض "الصور العنيفة" فقط.
ويتذكر أنه عندما كان يتسلق السياج تعرض للضرب بالهراوات من قبل الشرطة، حيث سقط ووقع فاقدا للوعي.
وعندما استعاد وعيه تم وضعه في حافلة نقلته إلى وسط البلاد.
ومنذ ذلك الحين، وجد عصام نفسه في مدينة الدار البيضاء يتجول في الشوارع مع رفاقه في السفر الذين كانوا، مثله، جزءا من حوالي 1500 مهاجر حاولوا في 24 يونيو 2022 دخول الأراضي الإسبانية، الحدود البرية الوحيدة، مع حدود سبتة، للاتحاد الأوروبي في القارة الإفريقية.
هؤلاء المهاجرون الذين تمكنت الجمعيات المحلية المغربية المعنية بالهجرة والمهاجرين من إثبات أن غالبيتهم من السودانيين.
في حين أن وجودهم بالمغرب لم يحظ باهتمام كبير في السابق، إلا أن أعدادهم في ذلك اليوم كشف عن ظاهرة جديدة وهي "تغيير في مسار الهجرة بالنسبة لهؤلاء المواطنين القادمين عموما من دارفور وكردفان، وهما منطقتان ابتليتا بالنزاع منذ عقود"، وفق لوموند.
كذلك قالت الصحيفة: "يأتي البعض أيضا من جنوب السودان، البلد الذي مزقته الحرب الأهلية".
وأكد رئيس جمعية مساعدة المهاجرين في الأوضاع الهشة بمدينة وجدة المغربية، حسن لعماري، أن "وجود السودانيين في المغرب جديد تماما".
وأضاف: "رأينا الموجات الأولى من المهاجرين تصل من الحدود الجزائرية صيف 2021، أما في السابق فقد كان عددها هامشيا".
من جانبها، أوضحت عضو المنظمة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان (غير حكومية)، سارة بريستاني، أن "معظمهم قد عبروا من ليبيا".
وأضافت "تاريخيا، هذا البلد المجاور للسودان هو طريق وصول السودانيين إلى إيطاليا عن طريق عبور البحر الأبيض المتوسط، لكن العنف المتزايد الذي يواجهه المهاجرون في الأراضي الليبية دفعهم إلى اتخاذ طرق أخرى".
وأشارت بريستاني إلى أن "عدم الاستقرار السياسي في ليبيا، وسيطرة المليشيات على عدة مناطق والتي يمثل المهاجرون بالنسبة لها ثروة، والقمع في مراكز الاحتجاز، والدور المتزايد لخفر السواحل الليبي الذي تعاقد مع إيطاليا دون إعلان ذلك من أجل مراقبة الحدود، دفع الكثيرين للقيام بهذا الانعطاف العظيم عبر الجزائر والمغرب، وذلك من مهرب إلى آخر".
وأحصت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في يونيو 2022، 1350 طالب لجوء ولاجئ سوداني في المغرب، مقارنة بـ150 فقط في العام السابق.
بالمقابل، انخفض عدد المهاجرين السودانيين الوافدين إلى إيطاليا، وخاصة من ليبيا، خلال السنوات الأخيرة.
"يباعون كالعبيد"
الشاب عصام غادر دارفور عام 2018، ولا يتحدث كثيرا عن الأسباب التي دفعته إلى النزوح الجماعي.
بداية من وفاة والديه، وليس انتهاء بحالة العوز المادي التي بلغها، ناهيك عن ديون عائلته وضغوط الدائنين.
يملك عصام فكرة معينة عن أوروبا، والتي بدت بالنسبة له "قارة حقوق الإنسان" و"جنة العالم".
سافر أولا إلى مصر، ولما لم يقدر على الوصول إلى أوروبا من هناك، واصل إلى ليبيا، حيث تتبعه المخاطر والعنف.
المهربون الذين دفع لهم المال لعبور الحدود عند معبر "السلوم" قادوه إلى الصحراء، إلى منزل يحرسه مسلحون يطلبون منه فدية، ويعرضونه، في حالة عدم الحصول عليها، لأعمال السخرة.
لكنه فر بعد ستة أشهر ووصل إلى مدينة طبرق الليبية (شمال شرق)، ولتجديد مدخراته، وجد وظيفة في ورشة لحام.
بعد ذلك بعام، جمع المبلغ الذي طلبه المهربون للوصول إلى إيطاليا: 3000 دينار ليبي (600 يورو) من أجل رحلة 1250 كيلومترا إلى طرابلس، و8000 دينار (1400 يورو) لعبور البحر الأبيض المتوسط.
في الطريق إلى العاصمة الليبية، تتوقف الشاحنة الصغيرة في "بني وليد"، على بعد 160 كلم جنوب شرق طرابلس، وهو ما "لم يكن مخططا له"، حسب قوله.
وتابع: "هناك كنت خائفا جدا، رأيت أفارقة يباعون كعبيد"، بعدها تم نقلي إلى منزل وطلب مني 2000 دينار ليبي (400 يورو) وهددوني بتقييدي وضربي وإرسال مقاطع فيديو إلى أسرتي لإرسال النقود".
قام عصام بدفع المبلغ المطلوب منه وذهب إلى الشاطئ وأبحر من مدينة زوارة الليبية ذات مساء في ربيع عام 2021 على متن قارب خشبي رفقة حوالي 250 مهاجرا، وعندما أصبحت شواطئ جزيرة "لامبيدوزا" الإيطالية على مرمى البصر اعترض خفر السواحل الليبي القارب الخاص بهم.
لكن زج بعصام في السجن وبقي هناك مدة شهرين.
وقال لصحيفة "لوموند" إن "كل ما يحدث هناك غير إنساني، السجناء يتضورون جوعا والمرضى لا يعتنون بهم، ونتعرض للضرب باستمرار".
وتابع: "شكلت مع سودانيين آخرين مجموعة هروب، ذات صباح أغلقنا الباب بالقوة، أطلقت الشرطة النار علينا، وسقط قتلى".
تنهيدة يأس
بعد السجن، تم وضع عصام على درب الطريق الغربي من قبل المهربين الذين دفع لهم 2000 دينار ليبي (400 يورو) لعبور الحدود نحو الجزائر.
بعد نحو 10 أيام، وصل إلى بلدة "مغنية" الحدودية، وهي إحدى نقاط المغادرة الرئيسة للمهاجرين إلى المغرب.
نقل بعدها عصام إلى مكان اسمه "غيتو"، وهو منزل للمهاجرين غير الشرعيين حيث يطلب منه 150 يورو أخرى لعبور الحدود، ثم من هناك نجح في المحاولة الثانية في العبور نحو المغرب.
بوجود الخندق الجزائري من جهة والحاجز المغربي من جهة أخرى، "هذه الحدود ممر معقد"، أكد عامل إغاثة في المغرب، اشترط عدم الكشف عن هويته، يعرف أدفاق الهجرة في هذه المنطقة جيدا: "غالبا ما يمر المهاجرون عبر الجبال".
وأضاف "يمكن أن يتم تجريدهم من ملابسهم واعتقالهم من قبل الشرطة الجزائرية أو المغربية التي تعيدهم إلى الجزائر".
وأما الواصلون إلى المغرب، يحاولون البقاء على قيد الحياة في الشوارع، بحسب "لوموند".
وينتظر هؤلاء المهاجرون المحاولة التالية لعبور حدود الجيب الإسباني الذي أصبح من الصعب عبوره على مر السنين، بفضل أسواره الثلاثة ذات الروابط المتسلسلة والعسكرة المتزايدة.
فيما ينتظر عصام، في الدار البيضاء، حتى يشفى ومن ثم يسلك الطريق إلى
وقال "هنا في المغرب، ننام في الشارع، وليس لدينا أوراق ثبوتية ولا عمل، لا يوجد في بلدي مستقبل محتمل، إنها فقط الحرب".
وعندما سألته "لوموند" عما إذا كان ينوي محاولة الوصول إلى أوروبا؟ أجابها عصام بتنهيدة يأس أنه "ليس لدي خيار، سأحاول قدر ما يتطلبه الأمر".