طرد ومنع وتحريض.. هكذا تتفنن فرنسا في الانتقام من الأئمة والدعاة المسلمين
.png)
في خطوة تعكس مسلسل ترهيب الناشطين والدعاة المسلمين بفرنسا من لدن الحكومة المدعومة من اليمين المتطرف، أعلن وزير الداخلية، جيرالد دارمانان، في 28 يوليو/تموز 2022، عن قرب ترحيل إمام من أصول مغربية.
والإمام "حسن إيكويسن"، يحظى بشعبية كبيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومعروف بقربه من جماعة الإخوان المسلمين، ونشاطه الدعوي بين الجالية المسلمة، وتفاعله مع القضايا العامة بالبلاد.
مبررات واهية
وقال الوزير الفرنسي، في تغريدة عبر تويتر، أن "ما يبرر هذا الترحيل أن هذا الداعية يتبنى منذ أعوام خطاب كراهية ضد قيم فرنسا، يتنافى ومبادئ العلمنة والمساواة بين الرجال والنساء، وسيتم طرده من الأراضي الفرنسية".
Ce prédicateur tient depuis des années un discours haineux à l’encontre des valeurs de la France, contraire à nos principes de laïcité et d’égalité entre les femmes et les hommes. Il sera expulsé du territoire français.https://t.co/tAEPWsayWt
— Gérald DARMANIN (@GDarmanin) July 28, 2022
إيكويسن، لم يتأخر في الرد على قرار الداخلية الفرنسية، حيث قال في حينه عبر حسابه على فيسبوك: "يؤخذ علي اليوم أنني أدلي بتصريحات تنطوي على تمييز وربما عنف، الأمر الذي أرفضه بشدة"، مسترسلا: "أثق في القضاء بهدف إلغاء قرار الطرد".
من جانبها، وصفت محامية إيكويسن، لوسي سيمون، قرار وزير الداخلية بأنه "انتهازية سياسية، في ظل مناخ مقزز يستهدف أقلية دينية".
وتابعت وفق ما نشر إيكويسن في صفحته على فيسبوك، "بعد الجمعيات الثقافية المسلمة، الوزارة تقرر مهاجمة الأئمة في تجاهل لحرية التعبير والحق في احترام الخصوصية والحياة الأسرية".
وانتقدت المحامية في تغريدة عبر حسابها على تويتر سرعة الوزير في كتابة تغريدته المتعلقة بخبر طرد موكلها، "حتى قبل أن يتوصل المعني بأمر الطرد (من القضاء) ويحصل على إخطار بشأنه"، قائلة إن "ما وقع فيه تحد للقانون".
Le Ministre qui tweetait plus vite que son ombre: l'arrêté d'expulsion n'a pas même encore été notifié à mon client que l'Intérieur lance déjà la communication. La volonté de faire du buzz pour intimider une minorité religieuse, au mépris du droit #iquioussen #expulsion #imam https://t.co/w5saB5Wt2D
— Lucie Simon (@LucieSimon94) July 28, 2022
ويرى الناشط المدني والسياسي بفرنسا، محمد التفراوتي، أن "المبررات التي ساقها الوزير دارمانان من أجل ترحيل إيكويسن هي مبررات واهية، وليس لها أساس منطقي".
وشدد التفراوتي لـ"الاستقلال"، على أن "إيكويسن شخصية معروفة، إذ إنه أحد مؤسسي اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، وأن استهدافه من لدن وزارة الداخلية ليس بجديد، إنما تصاعد اليوم بعد وصول دارمانان إلى الوزارة".
وأوضح أنه "على النقيض من الاتهامات الحكومية، فإن إيكويسن ينادي باحترام القوانين الفرنسية كلها والدفاع عن الحريات، بما فيها الحريات الفردية، كما يشجع على الانخراط في الحياة السياسية، مما جعله يتعرض لهجوم كبير من السلفيين بفرنسا بسبب هذا الأمر".
ويذكر أن إيكويسن أكد أنه تحدث في إحدى الندوات عن اليهود، مشيرا إلى أنه كان يقصد "الحركة الصهيونية، فهي التي يعاديها ويعارضها، مبديا اعتذاره عن هذا الأمر، مؤكدا أنه "لا يعادي اليهودية، بل ينادي باحترامها واحترام كل الأديان والعقائد".
لكن، يقول التفراوتي، استُخدم تصريح إيكويسن للهجوم عليه، خاصة وأننا في فرنسا يمنع تماما الاقتراب من اليهود أو الصهيونية، لأن ذلك "خطا أكبر من الأحمر".
من جانبه، أوضح نائب عمدة بلدية "أتيس-مونس" الفرنسية السابق، عمر المرابط، أن "إيكويسن هو ابن فرنسا، ولد وترعرع فيها، وهو شخصية معروفة في أوساط الجالية المسلمة".
وبخلاف اتهامات وزارة الداخلية، قال المرابط لـ"الاستقلال"، إن "إيكويسن رجل دعوة وسطي، وبعيد تماما عن دعم الإرهاب أو التطرف أو نشر العداوة والكراهية".
ودعا نائب عمدة "أتيس-مونس" السابق، وزير الداخلية دارمانان إلى "تقديم أدلة" بشأن الاتهامات الموجهة لإيكويسن.
تحريض إعلامي
الصحافة الفرنسية، ومنها "لوبوان"، المعروفة بعدائها للمسلمين والإسلام نفسه، عدت أن "إيكويسن يتبنى خطابا متطرفا"، واصفة كلامه عن الحركة الصهيونية بأنه "انزلاق خطير معاد للسامية".
وأفادت الصحيفة في مقال نشرته في 28 يوليو 2022 بأن حديثه عن تحكيم المؤمنين للشريعة الإسلامية في حياتهم الخاصة والعامة "أمر يخالف ويتعارض مع القيم الفرنسية".
في الاتجاه نفسه، نشرت جريدة "لوموند" مقالا تحت عنوان "حسن إيكويسن، إمام متهم بإلقاء خطاب كراهية وتطوير أطروحات معادية للسامية"، يعلن طرده حسب دارمانان.
وأضافت في 29 يوليو 2022، "خطيب يشتهر بأنه قريب من جماعة الإخوان المسلمين، متهم بإلقاء خطابات كراهية تجاه قيم الجمهورية، بما في ذلك العلمانية".
وذكرت أن "إيكويسن متهم بالتحريض على شكل من أشكال الانفصال وبتأجيج أطروحات المؤامرة حول الإسلاموفوبيا".
وأشارت "لوموند" إلى أن وزارة الداخلية قالت لوكالة "فرانس برس"، إن "اللجنة الإدارية لطرد الأجانب أعطت رأيا إيجابيا بشأن طرده، وأن التنفيذ سيتخذ في الساعات القليلة القادمة".
أما "ليبراسيون"، فبعد أن وضعت كلمة "الأصولية" في بند عريض، أضافت في عنوانها للخبر "دعوة الإمام حسن إيكويسن إلى مغادرة الأراضي الفرنسية".
وقالت في 28 يوليو 2022، إن "الداعية الإسلامي الذي صدرت عنه تعليقات رجعية أو تحريض على الكراهية، وبشكل منتظم، موضوع تحت أمر وزاري بالطرد، وذلك عندما أراد تجديد تصريح إقامته".
وفي رده على هذا التحريض، قال التفراوتي إن "استهداف إيكويسن ليس حالة فردية أو خاصة، بل هو استهداف قديم، لكن تسارعت وتيرته في الآونة الأخيرة، خاصة بعد صعود اليمين المتطرف بشكل كبير للبرلمان، ووصوله إلى الحكومة الجديدة التي شكلها الرئيس إيمانويل ماكرون".
ولفت إلى أن "تنامي المواقف والسياسات المعادية للمواطنين الفرنسيين من أصل أجنبي، أو المقيمين بطريقة قانونية، يهدف إلى إرضاء المتطرفين في البرلمان، نظرا لحاجة الحكومة إلى دعمهم من أجل تمرير مجموعة من المشاريع القانونية".
وانتقد التفراوتي لعب الحكومة على الهاجس الأمني في هذا الموضوع، مشيرا إلى أن "هذه القوانين تستهدف بشكل مباشر المسلمين بفرنسا، وتقيد حريتهم، وتفرض الرقابة عليهم، وتحاول إقبار الناشطين المدنيين والمؤثرين منهم، مستغلة لأجل بلوغ ذلك الإعلام والقضاء".
وشدد على أن "تخوف أوروبا من الجالية المسلمة أو من المواطنين من أصول مسلمة، تؤججه جمعيات وأحزاب اليمين المتطرف، حيث كان مرشح الرئاسيات الأخيرة إريك زمور يحذر منها، متحدثا عن استبدال الجنس الفرنسي بغيره".
لكن هذه الدعوات، يقول التفراوتي، "لن تؤثر بشكل كبير على المسلمين الفرنسيين، والذين يزداد عددهم باستمرار، فضلا عن الذين يدخلون الإسلام من الأوروبيين الفرنسيين، وكذا الذين ينتخبون في المجالس البلدية والمحلية، ويصلون إلى مناصب مسؤولية في الدولة".
وفي 23 يوليو/تموز 2021 تبنت الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) مشروع قانون "مبادئ تعزيز احترام قيم الجمهورية" المثير للجدل، الذي جرى التعريف به أول مرة باسم "مكافحة الإسلام الانفصالي".
ويواجه القانون انتقادات لاستهدافه المسلمين في فرنسا وفرضه قيودا على كافة مناحي حياتهم، وينص القانون على فرض رقابة على المساجد والجمعيات المسؤولة عن إدارتها، ومراقبة تمويل المنظمات المدنية التابعة للمسلمين.
كما يفرض قيودا على حرية تقديم الأسر التعليم لأطفالها في المنازل، في البلاد التي يحظر فيها ارتداء الحجاب في مؤسسات التعليم ما قبل الجامعي.
طموح شخصي
بدوره، أكد نائب عمدة "أتيس-مونس" السابق، المرابط، أن "اليمين المتطرف تقوى في فرنسا بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة، ودليل ذلك هو وصول زعيمتهم مارين لوبان إلى الدور الثاني من رئاسيات (أبريل/نيسان 2022)".
وتابع: "هذا الصعود للوبان لم يخلف جدلا أو نقاشا بفرنسا، وكأن احتمال وصول شخصية سياسية متطرفة إلى الإليزيه أمر عادي، وهذا دليل على مدى انتشار أفكار اليمين المتطرف في المجتمع الفرنسي".
وعد المرابط أن قرار وزير الداخلية "ضربة تسويقية لنفسه، حيث يريد أن يظهر كمحارب للإسلام المتطرف".
واستدرك: "لكن دارمانان ومن يشبهه من السياسيين يخلطون عن عمد بين الإرهاب والتطرف وبين الجمعيات الدعوية التي لها نفوذ في فرنسا، وخاصة القريبة من جماعة الإخوان المسلمين".
وقال المرابط: "أعتقد أن وزير الداخلية يحضر نفسه للانتخابات الرئاسية المقبلة، ويريد عبر هذه القرارات، استمالة اليمين المتطرف، ومن ذلك، أن خاطب لوبان في برنامج تلفزي: أنت رخوة أمام التطرف الإسلامي".
واستطرد: "فهو إذن يقدم نفسه كأكثر يمينية وتطرفا من لوبان، وذلك لأهداف انتخابية وسياسية غير خافية".
وأوضح المرابط أن "إيقاف هذه النزعات أو التأثير فيها، يتأثر بحجم المشاركة الانتخابية والسياسية للجالية المسلمة وللمسلمين الفرنسيين عموما، حيث إن هذه الجالية، التي تشكل قرابة 10 بالمئة من السكان، ما يزال دورها السياسي ضعيفا جدا".
وتعد فرنسا من أكبر الدول الأوروبية من حيث حجم الجالية المسلمة، وحتى منتصف 2016 كان تعداد المسلمين فيها نحو 5.7 ملايين، بما يشكل 8.8 بالمئة من مجموع السكان، وفق مراقبين.
وشدد المرابط على أن "مشاركة الجالية في الانتخابات سيجعل منهم قوة سياسية في البلاد، قادرة على التأثير في المشهد، وفي أدنى المستويات تخفيف مظاهر الإسلاموفوبيا، بأن تصير لهم كتلة انتخابية مؤثرة، يسعى الفاعلون السياسيون الفرنسيون إلى نيل رضاها أو أصواتها الانتخابية".