بنكيران يحمل "الداخلية" مسؤولية خسارته للانتخابات.. حقيقة أم هروب؟

12

طباعة

مشاركة

اتهم رئيس الحكومة المغربية السابق، أمين عام حزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران، وزارة الداخلية بالتورط في خسارة حزبه في الانتخابات التشريعية الجزئية التي جرت في مدينتي مكناس (وسط) والحسيمة (شمال) في 21 يوليو/ تموز 2022.

وأظهرت نتائج الانتخابات تفوق حزب "التجمع الوطني للأحرار" الحاكم رغم ما ناله ورئيسه عزيز أخنوش، في الشهور الأخيرة، من انتقادات وغضب شعبي جراء الغلاء وارتفاع أسعار المحروقات.

وبدا لافتا استمرار التراجع الشعبي لحزب "العدالة والتنمية"، الذي كان يمنّي النفس بحصد مقعدين من أصل 6 مقاعد برلمانية جرت بشأنها الانتخابات، لتدعيم مجموعته النيابية المكونة من 13 نائبا فقط.

وهذه الانتخابات الأولى التي يشارك فيها بشكل مباشر بنكيران، بعدما كان يرفض المشاركة في حملات حزبه الانتخابية منذ أكتوبر/تشرين أول 2016، لذا تكاثرت التحليلات بشأن هذه الخسارة والهدف من تحميله وزارة الداخلية مسؤولية ذلك.

وعقدت الانتخابات الجزئية لملء 6 مقاعد شاغرة بمجلس النواب بعد قرار المحكمة الدستورية القاضي بإلغاء نتائج انتخابات هذه المقاعد لأسباب مختلفة، والتي جرت في 8 سبتمبر/ أيلول 2021.

خلاف كبير

وفي نهاية أكتوبر 2021، انتخب بنكيران أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية في مؤتمر استثنائي جاء على خلفية الهزيمة المدوية الذي تلقاها الحزب الإسلامي في انتخابات سبتمبر 2021.

ولم تكن العلاقة بين بنكيران وخليفته في قيادة الحزب والحكومة سعد الدين العثماني على ما يرام، حيث شهدت أسوأ فتراتها، وبلغت في عدد من المحطات إلى تهديد الأول بتجميد العضوية في الحزب والتلويح بمغادرته غير مرة.

ففي أبريل/نيسان 2017، هاجم بنكيران، العثماني، بعد قرار وزير التربية والتعليم الأسبق، محمد حصاد، بخصوص مراجعة مقررات التربية الإسلامية، استجابة لضغط أساتذة الفلسفة.

وقال بنكيران موجها نقده للعثماني: "إذا كنا سنسكت على كل القرارات التي لا تخدم المجتمع في هذه الحكومة، فمن الأحسن أن نعود إلى بيوتنا، ونتفرغ لأعمالنا الخاصة"، في إشارة إلى ركون العثماني إلى الصمت في مواجهة قرار حصاد.

ولم تتوقف هجمات بنكيران على ما عده تراجعات خلفائه في الحزب، ففي رمضان 2018، حين خلفه العثماني، اتهمه بتقديم تنازلات أكثر من اللازم والإساءة لمؤسسة رئاسة الحكومة.

وقال بنكيران إن وزراء الحزب وفي مقدمتهم العثماني، نسوا أن "التعاقد بين الحزب وبين المواطنين كان مبنيا منذ البداية على الثقة"، وأضاف، "مشكلة الأخ العثماني أن الناس أرادوه إماما لكنه قام بدور المؤذن".

وخلال ما سمي بقانون "فرنسة التعليم"، خرج بنكيران ليقول لإخوانه في الحزب، "عندما علمت بالقرار فكرت كثيرا في مغادرة الحزب، حيث إنني لم أعد أشعر بأنه يشرفني الانتماء لحزب تتخذ أمانته العامة هذا القرار".

وفي ديسمبر/ كانون الأول 2020، جاء التطبيع مع الكيان الصهيوني، الذي أعلن بنكيران تفهمه للقرار بصفته قرار دولة، ودعا أعضاء حزبه إلى عدم الهجوم على العثماني، بعد ترأسه التوقيع على اتفاق التطبيع، ومع ذلك سجل أن الحزب وقع في خطأ عدم تحديد موقفه من التطبيع في وقته.

وتساءل بنكيران: "هل كان من الممكن أن يرفض العثماني التوقيع؟ الأمر ممكن، ولكن لا يمكن الحكم عليه بعد ساعات، ضرورة احترام المؤسسات عبر تنظيم مؤتمر استثنائي أو عقد مجلس وطني، والاستماع إلى الأمين العام، وبعدها الحكم عليه واتخاذ القرار المناسب".

وفي مارس/ آذار 2021، هدد بنكيران بالاستقالة من الحزب في حال وافقت الحكومة على تقنين القنب الهندي، فمباشرة بعد مصادقة الحكومة على مشروع القانون، أعلن بنكيران تجميد عضويته في العدالة والتنمية.

ونشر رسالة خطية على صفحته الرسمية على فيسبوك أعلن فيها موقفه، وقراره بقطع علاقته بخمسة قياديين في الحزب، قبل أن يقرر التراجع عن تجميد عضويته بعد تصويت نواب حزبه ضد قانون القنب في البرلمان.

هذه الملفات في رأي رئيس اللجنة المركزية لشبيبة العدالة والتنمية، عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية حسن حمورو، "دفعت بنكيران إلى الابتعاد عن القيادة الحالية، وإعلانه بشكل متكرر رفضه للمسار الذي اختارته، وبالتالي كان منطقيا أن يمتنع عن الترشح أو المشاركة في انتخابات سبتمبر 2021. 

هذا الكلام سيعكسه قرار بنكيران، الذي أعلن في يوليو 2021 عدم المشاركة في الحملة الانتخابية لحزبه، ورفض دعم عدد من المقربين منه الذين ترشحوا للانتخابات، وأكبر منها رفض الترشح باسم الحزب رغم أن قواعده هي التي انتخبته.

وأضاف حمورو لـ"الاستقلال"، أن "موقف بنكيران من الأخطاء السياسية التي اتخذتها القيادة السابقة للحزب، التي أوصلت البلاد إلى انتخابات سبتمبر".

امتحان الآلة التنظيمية

بعد 10 سنوات من التدبير الحكومي، وبعد الشرخ الداخلي بين العثماني وبنكيران، رسمت لدى فئات واسعة من المواطنين صورة حزب العدالة والتنمية كمتنكر للمبادئ والثوابت التي أسس عليها مشروعه السياسي والأخلاقي برمته.

تعرض الرأسمال الرمزي الذي حازه العدالة والتنمية خلال عقود من العمل القاعدي داخل المجتمع إلى نوع من التجريف على ضوء نتائج الممارسات الحكومية، ما أفقد الحزب جزءا كبيرا من رصيده الانتخابي والسياسي.

سياسات من قبيل التعاقد في التوظيف على مستوى التعليم، أو الرفع من سن التقاعد، وارتفاع معدلات البطالة، وتدبير تداعيات جائحة كورونا، وكذلك التطبيع، والقنب الهندي، وفرنسة التعليم، عرضت حزب العدالة والتنمية لسخط شعبي كان له التأثير المباشر على عدد المقاعد المحصلة في انتخابات 8 سبتمبر 2021. 

C:\Users\DELL\Desktop\جانب من جلسات أحد مؤتمرات حزب العدالة والتنمية.jpg

وقال حمورو عن هذه المعطيات إنها "أوصلت الحزب إلى حالة شلل شبه تام على المستوى الداخلي، حيث إنه حتى قبل الانتخابات كان ظاهرا الانسحاب الكبير لأعضاء الحزب من التفاعل الإيجابي مع القيادة السابقة". 

هذا الوضع كان نصب عيني قيادة بنكيران الجديدة، ومن هذا المنطلق شاركت في الحملة الانتخابية الأخيرة، وكان الهدف الأسمى هو بعث الحياة إلى الحزب بعد ما تعرض له في انتخابات 8 سبتمبر".

وزاد: "حقق الحزب واحدا من الرهانات التي وضعها في هذه الانتخابات، ألا وهو تحريك الآلة التنظيمية للحزب، وجاءت نتائجه مبشرة جدا، من خلال المشاركة الميدانية المهمة لأعضاء الحزب والمتعاطفين معه، بعد نكسة 8 سبتمبر".

وسجل حمورو، "كان رهاننا في المؤتمر الأخير للحزب هو إطلاق دينامية بعث إحياء الحزب، وهذا ما نراه اليوم يجرى التقدم فيه، والانتخابات الجزئية في الحسيمة ومكناس تدخل في هذا الإطار، وهذا بالنسبة لنا نجاح سياسي".

وشدد: "وحتى ألخص لكم الموقف من مشاركة بنكيران في الانتخابات الجزئية، فهي تأتي اليوم وهو أمين عام للحزب، وبالتالي مشاركته فيها من باب الواجب والمسؤولية".

ويميز حمورو  "بين النجاح في استعادة السياسة والهوية السياسية لحزب العدالة والتنمية، وبين الفوز بمقعد أو مقعدين في الانتخابات الجزئية".

وأضاف: "لم يكن الرهان أصلا مرتبطا بالحصول على المقاعد، رغم أثرها على الوزن الانتخابي، لكن الأهم في تقدير الحزب العودة السياسية والخطاب السياسي والهوية السياسية للحزب، وكذلك تحديد وجهة المعركة السياسية في المستقبل".

رهانات بنكيران

وبعد إعلان نتائج الانتخابات بخسارة العدالة والتنمية، أطر بنكيران حفلا على شرف المشاركين في الانتخابات الجزئية بمدينة مكناس، وأطلق النار على رجال السلطة (موظفي وزارة الداخلية)، واتهمهم بالتغاضي عما رآها خروقات شابت العملية الانتخابية، مؤكدا أنهم في الحزب لن يسكتوا، ولم ولن يقبلوا ما حدث.

ولم يتأخر رد وزارة الداخلية، حيث أصدرت في 25 يوليو، بيانا نفت فيه "الادعاءات المغرضة وغير المقبولة، التي روجت لها قيادة أحد الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات الجزئية الأخيرة، في محاولة للضرب في مصداقية هذه العملية الانتخابية، من خلال الترويج بكون التصويت بتوجيه من بعض رجال السلطة".

من جانبه، يقول الإعلامي والباحث في العلوم السياسية والتواصل السياسي نور الدين لشهب، "يمكن أن أزعم أن حضور بنكيران في الانتخابات الأخيرة يتجاوز المشاركة الانتخابية إلى المشاركة السياسية، فحزب العدالة والتنمية يظل عند خصومه وعند المتابعين هو الحزب رقم واحد في المغرب".

وأضاف لـ"الاستقلال"، "الهزيمة الانتخابية لا تعني الهزيمة السياسية، وهذا ما يؤكده بنكيران نفسه عندما يشير الى وزارة الداخلية، وكأن به يقول إن النتائج في الحسيمة ومكناس لا تعني هزيمة الحزب على المستوى السياسي بل على مستوى الانتخابات (المخدومة)".

وتابع لشهب: "حتى نستوعب رهانات الحاضر، علينا مراجعة الدلالات السياسية لعودة بنكيران لقيادة حزب العدالة والتنمية بعد نكسة الانتخابات السابقة (8 سبتمبر)".

وقال: "أولا حزب العدالة والتنمية الذي كان في حاجة إلى شخصية كاريزمية مثل بنكيران لمواجهة الخصوم السياسيين، لا سيما، أنه رئيس حكومة سابق ويعرف الكثير عن السياسيين الحاليين لأن البعض منهم كانوا معه في الحكومة السابقة".

C:\Users\DELL\Desktop\رئيس الحكومة الأسبق وأمين عام حزب العدالة والتنمية عبد الإله ابن كيران.png

وحدد الباحث المغربي "خاصة حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يقود زعيمه عزيز أخنوش رئاسة الحكومة، فبنكيران يعرف الكواليس والأسرار، وقد ذكر بعضها في مواجهة عزيز أخنوش والحكومة بشكل عام".

ومضى يقول، "كما أن الحزب كان يعيش تراجعا على مستوى الخطاب السياسي، وبنكيران له القدرة على إنتاج خطابة سياسية يتفاعل معها السياسيون في الحكومة وخارجها وكذلك الرأي العام الوطني".

وشدد على أن "الأهم برأيي أيضا أن بنكيران يتصرف أحيانا ليس كزعيم حزب وحسب، بل كرجل دولة، وهو ما يبدو من خلال دفاعه عن رئيس الحكومة أحيانا، وهو ما يصدم بعض الأعضاء داخل الحزب وكذا الرأي العام الذي يرى فيه معارضا للحكومة ومن الواجب أن ينتج خطابا معارضا".

واستدرك لشهب: "لكن بنكيران، وبالنظر إلى تجربته في السياسة، وأيضا في الحكومة سابقا، يقدر أن هذه المرحلة التي يحياها المغرب ليست عادية، بل من الواجب عليه كرجل دولة، وليس زعيما سياسيا لحزب مغربي وحسب، أن يحذر من المنزلقات التي قد تهدد استقرار البلد بشكل عام".

وخلص الباحث في العلوم السياسية، "وبناء على ما تقدم، فمشاركة بنكيران في الانتخابات الأخيرة، لم تكن سوى محطة عبرها في طريقه لاستعادة بريق العدالة والتنمية، وأيضا إعادة الاعتبار للفعل السياسي في البلد".