"العين بالعين والبادي أظلم".. هكذا يدير أردوغان معاركه مع خصومه
أثيرت جدالات ونقاشات كثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي بعد انتشار مقطع فيديو أظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وهو ينتظر نظيره التركي رجب طيب أردوغان لمدة تقارب الدقيقة قبيل اجتماعهما في 19 يوليو/تموز 2022 على هامش قمة طهران الثلاثية.
مغردون وناشطون سياسيون أعجبوا بسلوك أردوغان أمام بوتين، واعتبروا أنه رد الصاع صاعين لموقف مشابه حدث قبل سنتين.
وتأخر أردوغان كان مقصودا كما أوردت صحف تركية ودولية، وجاء للرد على حادثة جرت في موسكو عام 2020، حين جعله بوتين ينتظر لأكثر من دقيقتين مع الوفد المرافق له.
واشتهر بوتين بإبقاء قادة العالم منتظرين، منهم المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل التي بقيت تنتظر 4 ساعات و15 دقيقة عام 2014.
وأيضا الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش الذي انتظر 4 ساعات قبل لقاء بوتين. وكذلك فعل مع رؤساء الولايات المتحدة السابقين باراك أوباما ودونالد ترامب، وملكة إنجلترا إليزابيث الثانية.
لكنه هذه المرة اصطدم بأردوغان الذي لم ينس فعلته الأولى، وردها له. ويعرف الرئيس التركي بمواقفه الصادمة وسرعة بديهته تجاه الزعماء، إذا ما تعرض لموقف محرج أو يحمل دواعي إساءة.
صفعة "بيريز"
من المواقف التي يمكن استحضارها واقعة منتدى دافوس الاقتصادي عام 2009، عندما صب أردوغان، الذي كان رئيسا لوزراء تركيا آنذاك، جام غضبه على الرئيس الإسرائيلي وقتها شيمون بيريز، في مشهد بقي عالقا في الأذهان لوقت طويل.
وكانت الجلسات المنعقدة في منتدى دافوس الاقتصادي في يناير/كانون الثاني 2009 تبدو هادئة وطبيعية، حتى بدأ الأمين العام للأمم المتحدة (آنذاك) بان كي مون، وأمين عام الجامعة العربية وقتها عمرو موسى، يطالبان بضرورة عودة عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط إلى مسارها.
وشن الاحتلال الإسرائيلي العدوان الغاشم على قطاع غزة أواخر 2008 ومطلع عام 2009، قبل أيام قليلة من انعقاد المؤتمر.
حينها أدان أردوغان استخدام إسرائيل "غير المتكافئ للقوة" خلال الحرب التي استمرت 3 أسابيع، وطالب بإدراج حركة المقاومة الإسلامية حماس في العملية السياسية.
قبل أن يرد عليه بيريز ردا عنيفا، ويرفع من نبرة صوته. وحينها سأل الرئيس الإسرائيلي، بصوت عال وملوحا بيده بعصبية تجاه أردوغان، "ماذا ستكون ردة فعلك لو أن الصواريخ تسقط كل ليلة على اسطنبول".
وانفعل أردوغان بقوة، ووجه حديثه لبيريز قائلا: "السبب الذي يدفعك إلى رفع صوتك هو شعورك بالذنب".
وقال أردوغان للرئيس الإسرائيلي: "حين يتعلق الأمر بالقتل أنتم تعرفون جيدا كيف تقتلون. وأنا أعرف جيدا كيف قتلتم أطفالا على الشواطئ".
غضبة أردوغان العارمة لم توجه إلى بيريز فقط، بل استدار نحو الجمهور، وانتقد "تصفيقهم" بعد كلمة الرئيس الإسرائيلي.
وقال: "من المحزن جدا أن يصفق أشخاص لموت الكثيرين"، ثم غادر المنصة وهو يقول إن دافوس "انتهى" بالنسبة إليه.
وقتها عاد أردوغان إلى إسطنبول، حيث احتشد الآلاف في "مطار أتاتورك" الدولي، لاستقبال رئيس الوزراء التركي، استقبال الفاتحين.
إذ لأول مرة يشاهدون قائدا لبلادهم يناهض زعيما إسرائيليا، ويضعه في مثل هذا الموقف المحرج أمام العالم.
قدم أوباما
طالما تعامل أردوغان مع مواقف حرجة بسرعة بديهة وقوة كبيرة، وكثيرا ما قلب الآية، فخرج من الوقائع منتصرا على عكس ما أراد خصومه.
في عام 2014، كانت الأجواء متوترة بين واشنطن وأنقرة بسبب الأوضاع في سوريا.
وبحسب تقرير صحيفة "ديكان" التركية في 6 أبريل/نيسان 2014، فإنه خلال اجتماع رئيس الوزراء التركي وقتها رجب طيب أردوغان، والرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، طلب الأول بإشراك رئيس الاستخبارات التركية "هاكان فيدان" في الحديث، لكن أوباما رفض.
خلق هذا الاجتماع مزيدا من التوتر والعصبية بين الطرفين ظهرت لاحقا.
وفي 3 سبتمبر/ أيلول 2014 التقى أردوغان، بباراك أوباما على هامش قمة حلف شمال الأطلسي "الناتو" التي عقدت في المملكة المتحدة. كان كل شيء يسير طبيعيا فيما جلس الزعيمان في مقابلة بعضهما البعض.
بدأ أوباما يجهز نفسه لرفع قدم على قدم في وجه أردوغان، وهي حركة وإن كانت دارجة لكنها خارجة عن البروتوكول، وتتعلق في ذهنية المواطن التركي والشرق أوسطي بشيء من الانتقاص والاستهانة.
لم يصدر تحليلا أن أوباما أراد كسر شوكة أردوغان وهيبته من خلال هذه الحركة، لكن في كل الأحوال لم يدعها الزعيم التركي تمر مرور الكرام.
وبسرعة بديهة ملحوظة جهز أردوغان نفسه وبادل الرئيس الأميركي الأسبق رفع القدم على القدم في ذات اللحظة، ليجري تداول اللقطة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشكل واسع، وبإشادة وإعجاب.
العلم التركي
حتى وإن لم يدخل أردوغان في صدام مباشر، لكنه قادر على جعل اللحظات الروتينية العابرة، محط اهتمام وتندر.
في 8 سبتمبر 2013، اجتمع زعماء قمة الـ 20 في العاصمة الروسية موسكو، واصطفوا متجاورين، كل منهم في الموضع الذي خصص حسب علم بلاده الموضوع على الأرض.
أردوغان الذي يفهم مزاج شعبه جيدا، ومدى ارتفاع حس القومية لديهم وقدسية العلم بالنسبة لهم، سرعان ما انحنى ورفع علم بلاده من على الأرض ووضعه في جيبه أمام أنظار قادة العالم.
بعضهم بدأ بالضحك فعليا بسبب الموقف الغريب عليهم، لكن على المستوى الشعبي لاقى الأمر استحسانا كبيرا عند الأتراك.
تلك الوقائع المتتالية استدعت السياسي ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي سابقا، لإصدار كتابه "أزمان الكاريزمان" في 10 فبراير/شباط 2020.
سلط في الكتاب الضوء على المزايا القيادية لأردوغان الذي عايش مراحل الانتقال بين فترات الحكم الديكتاتوري والجمهورية الديمقراطية في تركيا، وإدراكه للواقعين السياسي والاجتماعي، وقدرته على فهم الجماهير، والتعامل مع التحديات الدولية والإقليمية.
وفي شرحه لإستراتيجية حكم أردوغان، استخدم أقطاي مفهوم "سلطة الكاريزما" لسببين أساسيين أوردهما في كتابه، أولهما الدراسات العلمية التاريخية المرتبطة بهذا المجال، وثانيهما سيطرة القائد الكاريزمي كشكل من أشكال منح السلطة في علم الاجتماع.
وأشار إلى أن نجاح الحزب أو القائد في التغلب على الأزمات من أهم العناصر التي تثري تلك الكاريزما.
وأرجع أن الشخصية الكاريزمية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تعتبر عنوانا لعودة الحياة الديمقراطية إلى تركيا عقب عصر الانقلابات العسكرية.
ومن المواقف التي يرى أقطاي أنها أسهمت في صناعة الكاريزما العليا للرئيس أردوغان منذ خرج من سقف الحكم المحلي إلى سدة حكم تركيا عام 2002، وقوفه الصارم في مواجهة الانقلابيين، وأيضا موقفه الشهير تجاه شيمون بيريز.
المصادر
- بوتين في انتظار أردوغان.. 58 ثانية تشعل المنصات فهل كانت رد اعتبار؟ (فيديو)
- ما يفعله بوتين بالزعماء فُعل به! انتظاره 50 ثانية لأردوغان يفتح تساؤلات ويعيد للأذهان مواقف متشابهة
- أردوغان يغادر دافوس غاضبا بعد مشادة كلامية مع الرئيس الإسرائيلي
- Erdoğan Obama’ya parmak sallamış, Obama Fidan’ı konuşturmamış
- 6 صفات تميز القائد الذي يمتلك الكاريزما
- بالفيديو.. أردوغان ينحني ليرفع «علم تركيا» من على الارض وسط دهشة زعماء العالم
- "أزمان الكاريزما".. سطوة الزعماء الأتراك تحت مجهر علم الاجتماع