توتر متصاعد.. من المستفيد بقصف "دهوك" العراق وتوجيه الاتهام لتركيا؟
أخذت الأزمة بين بغداد وأنقرة تتصاعد بسبب القصف الذي استهداف مصيفا في إقليم كردستان العراق، اتهمت السلطات العراقية تركيا بالوقوف وراءه، لكن الأخيرة نفت ذلك وأكدت أن حزب العمال الكردستاني من استهدف السياح العراقيين في تلك المنطقة.
وسقط خلال الهجوم الذي وقع في 20 يوليو/ تموز 2022، 9 قتلى و31 جريحا، إثر وقوع عدة قذائف على منتجع "برخ" في مدينة دهوك الحدودية مع تركيا، غالبيتهم من مناطق وسط وجنوب العراق جاءوا لقضاء عطلة عيد الأضحى، حسبما نقلت وسائل إعلام عراقية.
تضارب الروايات
على ضوء الهجمات، اندلع خلاف دبلوماسي بين العراق وتركيا، حيث ذكر التلفزيون العراقي أن "القصف المدفعي العنيف" أصاب منتجعا في مدينة زاخو الواقعة على الحدود مع تركيا، وأن جميع القتلى من السياح.
من جهتها، اتهمت السلطات العراقية تركيا بارتكاب هذا القصف الذي رأته "انتهاكا صريحا وسافرا للسيادة العراقية".
وقررت الحكومة العراقية في 20 يوليو، استدعاء السفير التركي لدى بغداد للاحتجاج على الهجوم، كما القائم بأعمالها من أنقرة "لغرض المشاورة".
وندد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي عبر "تويتر" بارتكاب "القوات التركية مجددا انتهاكا صريحا وسافرا للسيادة العراقية، باستهداف أحد المصايف في دهوم بقصف مدفعي".
وأضاف أن "العراق يحتفظ بحقه الكامل بالرد على هذه الاعتداءات وسيقوم بكل الإجراءات اللازمة لحماية شعبه وتحميل الطرف المعتدي كل تبعات التصعيد المستمر".
فيما نفت تركيا مسؤوليتها عن الهجوم، وألقت باللوم على مسلحي حزب العمال الكردستاني "بي كا كا" الذي تصنفه إرهابيا، وتنفذ عمليات أمنية ضده أوكاره بشمال العراق منذ سنوات بالتنسيق مع حكومتي بغداد وأربيل.
وقالت وزارة الخارجية التركية، خلال بيان في 20 يوليو، إنها تدعو حكومة العراق إلى التعاون في "الكشف عن الجناة الحقيقيين عن هذا الحادث المأساوي"
وأكدت أن "تركيا مستعدة لاتخاذ جميع الخطوات لكشف الحقيقة، وأنها تعارض جميع أنواع الهجمات التي تستهدف المدنيين".
كما تقدمت بأحر التعازي لذوي الضحايا والشعب العراقي الصديق والشقيق وحكومة العراق وتمنت الشفاء العاجل للمصابين.
وأوضحت الوزارة أن أنقرة "تشن حربها ضد الإرهاب وفق القانون الدولي، بأقصى قدر من المراعاة لحماية المدنيين والبنية التحتية المدنية".
كما دعت مسؤولي الحكومة العراقية إلى "عدم الإدلاء بمثل هذه التصريحات تحت تأثير خطاب ودعاية المنظمة الإرهابية الخائنة".
وفي السياق، نظم المئات احتجاجا ببغداد، في 20 يوليو، بالقرب من مبنى تابع للسفارة التركية، وطالبوا بقطع العلاقات ومقاطعة البضائع التركية.
فيما قالت وزارة الخارجية العراقية، في بيان، إن "جميع المؤشرات تؤكد مسؤولية تركيا عن الاعتداء، وإنكارها مزحة سوداء"، وفق البيان.
شكوى دولية
على ضوء ذلك، أعلنت السلطات العراقية اتخاذها مجموعة إجراءات، بعدما استبعد وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، التصعيد العسكري مع تركيا على خلفية قصف محافظة دهوك، فيما قرر البرلمان العراقي خلال جلسة استضافت وزراء وقادة عسكريين في 23 يوليو، تشكيل لجنة مشتركة لتقصي الحقائق ميدانيا بشأن القصف.
ونقلت القناة الرسمية العراقية عن عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، مهدي آمرلي في 23 يوليو، أن "وزيري الدفاع والخارجية، ورئيس أركان الجيش، وقائد العمليات المشتركة، أكدوا على اتخاذ خطوتين: الأولى باتجاه الإجراءات القانونية من خلال تقديم شكاوى دولية، والخطوة الأخرى عدم وجود القوات التركية في العراق، وإن بقيت سيكون هناك رد فعل آخر".
وأشار آمرلي إلى أنه "جرى تشكيل لجنة من الأمن والدفاع النيابية والعلاقات الخارجية مع رئيس أركان الجيش ووزارة الدفاع والعمليات المشتركة، لتقصي الحقائق ميدانيا لموقع الحادث ومعرفة مصدر القنابل".
وأعلنت الحكومة العراقية، في 23 يوليو، تقديم شكوى إلى مجلس الأمن الدولي بشأن "الاعتداء التركي".
وقالت الخارجية، في بيان لها، إن "وزارة الخارجية توجه شكوى إلى مجلس الأمن الدولي، وتطلب عقد جلسة طارئة حول الاعتداء التركي الذي أسفر عن وقوع أعدادٍ من المدنيين الآمنين بين شهيدٍ وجريح في دهوك".
وتعد هذه الشكوى الأولى من نوعها التي يتقدم بها العراق إلى مجلس الأمن الدولي منذ أكثر من عقدين من الزمن، على خلفية القصف التركي للأراضي العراقية.
وأكد وزير الخارجية فؤاد حسين، لدى حضوره جلسة البرلمان، أنه "يجب استبعاد التصعيد العسكري مع تركيا، والذهاب إلى باب المفاوضات"، مضيفا: "يجب حل مشكلتي وجود القوات العسكرية التركية ووجود حزب العمال الكردستاني".
من جهته، كشف رئيس الأركان العراقي، الفريق عبد الأمير يارالله، لدى مشاركته في الجلسة، عن وجود 5 قواعد عسكرية تركية كبيرة في الأراضي العراقية، و4000 جندي تركي داخل أراضي إقليم كردستان، ينتشرون في 100 نقطة عسكرية بالأراضي العراقية".
"خلط الأوراق"
وبخصوص الجهات المستفيدة من التوتر بين بغداد وأنقرة، وأسباب إصرار الأخيرة على رفض الاتهامات لها بشأن القصف، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي لطيف المهداوي لـ"الاستقلال" إن "القصف جاء في مرحلة حساسة يعيشها العراق، لا سيما على الصعيد السياسي".
وأوضح المهداوي أن "القصف وقع في وقت خرجت فيه تسريبات صوتية خطيرة لرئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، هاجم فيها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وهدد بالهجوم على النجف واللجوء إلى الاقتتال الشيعي الشيعي لإنهاء سيطرة الصدر على مقاليد الأمور".
ولفت الباحث إلى أن "الكثير ذهبوا إلى أن إصرار تركيا على رفض اتهامها بالقصف، رغم أنها قادرة على الاعتراف به إذا كانت الفاعلة وتقديم الاعتذار عن ذلك، يشير إلى وجود طرف مستفيد من وراء الهجوم ولصق التهمة بتركيا وتأليب الرأي العام العراقي ضدها".
وأشار إلى أن "الطرف المستفيد ربما يكون المحور الإيراني المساند للمالكي، للتغطية على موضوع التسريبات الصوتية، لأن إيران متهمة بدعم حزب العمال الكردستاني في سنجار العراقية، ودمجه ضمن صفوف الحشد الشعبي لمناكفة تركيا سياسيا وعسكريا، لذلك ربما يكون بالفعل العمال متورط بالهجوم".
ولفت المهداوي إلى أن "الهجوم وقع أيضا بعد قمة شاركت فيها تركيا بإيران مع روسيا، ورفضت فيها طهران على لسان المرشد علي خامنئي أي عملية تركية في سوريا، وحذر من أنها ستؤثر على المنطقة، لترد تركيا بعدها أنها لا تطلب الإذن من أحد في عملياتها العسكرية".
من جانبه، قال الأكاديمي والباحث السياسي التركي مهند حافظ أوغلو لقناة "الحرة" الأميركية في 21 يوليو، إن مواقف أنقرة تؤكد أنها "مستعدة لكل الخطوات لمعرفة الفاعل الحقيقي، وإن كانت ترى أن عناصر إرهابية قد قامت بها".
وأضاف الباحث أن "السياق الذي تأتي فيه هذه الحادثة والوضع الداخلي العراقي يشي بأن من قام بالعملية هي إيران بأذرع من الحشد الشعبي، لأن الأوراق في الداخل العراقي مبعثرة ومعقدة. تريد هذه الجهات أن تزيد الأمور تعقيدا".
وأعرب حافظ أوغلو عن اعتقاده بأنه بعد أن انتهت قمة طهران، "يبدو أن هناك امتعاضا إيرانيا من أي عمل تركي في الشمال السوري"، لافتا إلى أن "طهران أرادت تحويل أنظار المنطقة والمجتمع الدولي، وأن تلهي الداخل التركي عن العملية في شمال سوريا".
ووصف الباحث التركي ما حصل (قصف دهوك) بـ"حركة لخلط الأوراق في الداخل العراقي، ولكي يتم إرباك القرار السياسي التركي فيما يتعلق بالعملية التركية شمال سوريا".
وكان وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، قد أعلن خلال مقابلة تلفزيونية في 21 يوليو، أن تركيا "لا تطلب الإذن مطلقا لعملياتنا العسكرية ضد الإرهاب" من أي أحد قبل شن عملية عسكرية في سوريا.
"ألاعيب مختلفة"
من جهته، قال المحلل السياسي التركي خليل أوزجام إن "هناك منظمة إرهابية (بي كا كا) تدعي أنها تدافع عن حقوق الأكراد، وأن الأكراد موجودون في تركيا وإيران والعراق وسوريا، لكن منذ 40 عاما المشاكل فقط بتركيا".
وأوضح أوزجام خلال مقابلة تلفزيونية في 20 يوليو، قائلا: "تركيا في السابق كانت تنتظر الإرهابين يصلون إلى حدودها لضرب الجيش التركي ثم ترد عليهم، لكن الآن غيّرنا سياستنا وأصبح يجرى قصف الإرهاب في أماكن تمركزه ونقضي عليه سواء داخل الأراضي التركية أو بالدول المجاورة".
وتابع: "حتى الآن لم يكن هناك أي قصف للمدنيين، وأن الحكومتين التركية والعراقية ستحققان في موضوع مقتل السياح، والعلاقات موجودة بين البلدين، وإذا كان هناك خطأ فإن الاعتذار بسيط جدا، ولكن لا يوجد هناك أي تعمد في قصف المدنيين".
وشدد الخبير التركي على أنه "لا يوجد إثبات أن القوات التركية هي من قصفت، وإنما هناك ادعاءات، والحكومة العراقية تحقق في الأمر، والسفير التركي موجود في بغداد، ونتمنى ألا يكون الخطأ من الجانب التركي، لأن المدنيين معصومين بالنسبة لنا".
وأشار أوزجام إلى أن "تركيا تقاتل بي كا كا منذ 40 عاما ولم نضر المدنيين، وإنما نلاحق الإرهابيين، ونحترم جارنا الشقيق العراق"، مؤكدا: "ننتظر التحقيقات بشأن ذلك، فربما يكون حزب العمال هو من قام بذلك حتى يضر بالعلاقة بين تركيا والعراق، فهناك ألاعيب كثيرة بالمنطقة ولها ألوان كثيرة".
وتساءل المحلل السياسي: "ماذا تستفيد تركيا من قصف الشعب العراقي؟، لأننا منذ 40 عاما ندخل الحدود العراقية ونقاتل حزب العمال الكردستاني، فهل قتلنا مدنيا واحدا؟، لا، ومن يقول عكس ذلك فهو حاقد، لأن المدني له حرمته والموقف مؤسف جدا ونقف مع المدنيين والشعب العراقي".
وأكد أوزجام أنه "إذا ثبت أن تركيا وراء القصف فستعتذر فهي دولة قوية وجارة وتحترم العراق ووحدة أراضيه، وأن الوجود التركي داخل الأراضي العراقية لمطاردة حزب العمال الكردستاني ليس أمرا خفيا، وإنما باتفاق مع الجانب العراقي".
وفي بغداد، وبالتزامن مع عقد البرلمان العراقي جلسته المخصصة لمناقشة القصف، اتخذت السلطات العراقية المزيد من التدابير الأمنية حول مبنى السفارة التركية الواقع في المنطقة الخضراء ببغداد.
وبعد نشر المزيد من القوات الأمنية العراقية في محيط السفارة التركية ببغداد، جرى غلق محيط السفارة بكتل كونكريتية (خرسانية)، خشية اقتحامها من قبل المواطنين الغاضبين.
وفي هذا الصدد، أعلنت السلطات التركية غلق مركز منح التأشيرة إلى العراقيين إلى إشعار آخر، وذلك بعدما كانت تمنح في اليوم الواحد نحو 7 آلاف تأشيرة دخول للعراقيين الراغبين بالسفر إلى تركيا، حسبما أعلن السفير التركي في بغداد علي رضا خلال تغريدة على "تويتر" في 3 يوليو 2022.
المصادر
- تركيا تصدر بيانا بشأن قصف دهوك في العراق.. وتوجه دعوة إلى بغداد
- جاووش أوغلو: تركيا "لا تطلب الإذن مطلقاً" لشنّ عملية في سورية
- السفير التركي يكشف عن إصدار أكثر من 7 آلاف تأشيرة يومية للعراقيين
- تركيا تنفي مجددا مسؤوليتها عن قصف المنتجع العراقي وبغداد تردّ دبلوماسيا وتعلن الحداد
- العراق يتهم تركيا بـ"انتهاك صريح لسيادة" أراضيه إثر قصف على إقليم كردستان أسفر عن مقتل مدنيين
- البرلمان العراقي يشكل لجنة تحقيق ميدانية بشأن القصف التركي
- الجارة تقصف وبغداد تتوعد