ابتزاز ورشاوى.. "تسريب صوتي" يفضح تدخلات في عمل القضاء المغربي

الرباط - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تسجيل صوتي مُسرب منسوب لمسؤولين قضائيين بالمغرب، أثار جدلا واسعا، بسبب ما تضمنه من اتهامات بخصوص تدخل في تدبير ملف معروض على أنظار هيئة قضائية.

التسجيل الصوتي، حسب إعلام محلي، يحتوي على حوار دار بين رئيسة غرفة لمحكمة "النقض" (أعلى محكمة) ورئيس غرفة الجنايات بمحكمة الدار البيضاء، بخصوص وجود "سماسرة" وعبارات تمسّ بسمعة بعض المحامين.

وبعد التسريب الصوتي، دعا مسؤولون من "أسرة العدالة" إلى تجنب أي احتقان بين القضاة والمحامين، وتهدئة الأجواء وتفادي كل ما من شأنه تأجيج حالة الاحتقان والثقة في التدبير المؤسساتي لهذه الأزمة.

سمعة مشبوهة

وورد في التسجيل، حديث قاضية بمحكمة النقض إلى هيئة قضائية، بمن فيهم رئيس غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، حيث تخبره بملف حدثين تعرّض أهلهما للابتزاز من طرف محامية طلبت منهم مبلغ 25 ألف درهم (2500 دولار) مقابل التدخل لدى الهيئة القضائية للحصول على براءتهما.

وأضافت القاضية في التسجيل، أن "المحامية تسيء لسمعة القضاء والقضاة، وعند علمها بأن ملف الحدثين تأجل إلى سبتمبر/أيلول 2022، أخبرت الأم، أن سبب ذلك هو رفضها أداء المبلغ المالي الذي طلبته مقابل حل الملف مع الهيئة القضائية التي تتابع القضية".

وفي جوابه على كلام القاضية، استنكر رئيس غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء ذلك بقوله: "لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، هذا هو المشكل أستاذة، يتم النصب على الناس باسمنا". 

وأضاف أن "تلك المحامية خطيرة، سمسارة ومشبوهة"، مبينا أنه "سبق توقيفها لمدة ستة أشهر ولكنها لم تستح بعد".

وفي 9 يوليوز/تموز 2022، أعلنت "الفرقة الوطنية للشرطة القضائية" بالدار البيضاء، عبر بيان، فتح تحقيق في تسجيل صوتي منسوب لقضاة، حول "وجود تدخل في تدبير ملف قضائي معروض على أنظار هيئة قضائية".

بدوره، أوضح الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، في بلاغ، أنه "على أثر تداول التسجيل صوتي، وعبارات تمس بسمعة بعض أعضاء هيئة الدفاع، عملت النيابة العامة على إعطاء تعليماتها للفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء من أجل إجراء بحث في القضية".

وأضاف أن "هذا البحث يروم التحقق من حقيقة وظروف وخلفيات ما ورد بالشريط الصوتي من معطيات، والاستماع إلى كل من له علاقة بالموضوع، وإجراء جميع التحريات اللازمة لبلوغ ذلك".

وشدد على أنه "حالما تنتهي الأبحاث سيتم ترتيب الآثار القانونية اللازمة على ذلك".

عدالة مختلة

وفي 13 يوليوز 2022، نظم المحامون بمدينة الدار البيضاء، وقفة احتجاجية داخل محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، رفعوا خلالها شعارات منددة بالتدخل في القضاء عبر الهواتف، رافضين المس باستقلالية السلطة القضائية.

واحتج المحامون أعضاء "فيدرالية جمعيات المحامين الشباب بالمغرب" (غير حكومية)، أمام القاعة رقم 7 بالمحكمة، والتي يتم فيها تداول الملفات من طرف الهيئة التي وردت أسماء بعض أعضائها في التسجيل الصوتي المسرب.

وقال رئيس فيدرالية جمعيات المحامين الشباب، يوسف الزرقاوي، إن "هذه الوقفة ليس الغرض منها الاحتجاج، وإنما للقول بأنه سبق لنا توجيه رسائل عبارة عن كمامات تحمل ميزانا مختلا، لكن لم يتم التعامل معها بالشكل الجيد والمطلوب".

وأضاف الزرقاوي، لموقع "هسبريس" (محلي)، أن "خروج هذا التسجيل الصوتي يؤكد بالواضح والملموس أن ما كنا نقوله من أن العدالة مختلة، أمر واقع"، مردفا "اليوم نخرج دفاعا عن مبدأ استقلالية القضاء بوصفه مبدأ أساسيا وجوهريا".

وتابع بأن "ثقة المواطن في القضاء مزعزعة، وما خرج اليوم يؤكد موقف المواطن"، مشددا على ضرورة "إرجاع الثقة في مؤسسة القضاء، وذلك عبر قضاء نزيه ومستقل لا يعرف في كلمة الحق لومة لائم ولا يطبق إلا القانون".

المحامون، أكدوا في بيان لهم عقب الوقفة الاحتجاجية، أن ما كشف عنه التسجيل الصوتي المسرب "لا يمثل سوى نموذج كاشف للممارسات التي تقتل ثقة المواطنين في العدالة وتفتح الباب على مصراعيه للسماسرة والمفسدين من كل جانب ليعيثوا فسادا". 

وشددوا على أنه "آن الأوان لكي يعي الجميع بأن الفساد لا يتجسد فقط في القاضي الذي يطلب أو يقبض الرشوة، ولكنه يتجسد أيضا في القاضي الذي يسمح لأي كان بأن يتدخل في ملف معروض عليه.. والقاضي الذي يسمح بتدخل أصدقائه وذوي الحظوة لديه... والقاضي الذي يرى أن طلبات النافذين أوامر لا ترد".

وفي 14 يوليوز 2022، عبر المجلس الأعلى للسلطة القضائية والنيابة العامة وجمعية هيئات المحامين بالمغرب، عن شجبهم لما ورد في التسجيل الصوتي من تصريحات منسوبة إلى قضاة، رأوها "ماسة بنبل وسمو مهنة المحاماة وقدسية رسالة الدفاع".

وأكد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، محمد عبد النباوي، ورئيس النيابة العامة، الحسن الداكي، ورئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب، عبد الواحد الأنصاري، في اجتماع بينهم، "على متانة وصلابة وقوة العلاقة بين القضاء والمحاماة بوصفهما مكونين أساسيين لأسرة العدالة".

وقال ممثلو كل من المجلس الأعلى للسلطة القضائية والنيابة العامة وهيئات المحامين، "إن القضاة مؤسسات وأفرادا، يرون تلك التصريحات حالة شاذة ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رأي الجسم القضائي".

وأعربوا على "عدم السماح لحالات شاذة معزولة أن تؤثر على العلاقات التاريخية المميزة بين جناحي أسرة العدالة"، مع دعوتهم "إلى تهدئة الأجواء وتفادي كل ما من شأنه تأجيج حالة الاحتقان والثقة في التدبير المؤسساتي لهذه الأزمة".

بدوره، أعلن نادي "قضاة المغرب" (غير حكومي) عن موقفه "الرافض لمختلف أشكال التدخل في السلطة القضائية، بغض النظر عن مصدرها، بما يضمن عدم التأثير في مجريات القضايا المعروضة عليها أو التي فتح بشأنها بحث قضائي بأمر وإشراف الجهة القضائية المختصة".

وأعلن نادي قضاة المغرب، في بيان، عن "إحجامه عن التعليق على قضية التسجيل الصوتي، ما دام أنها أصبحت موضوع بحث قضائي فُتِح بأمر وإشراف النيابة العامة المختصة، وذلك احتراما للقضاء وتجنبا لأي تأثير محتمل عليه".

"تمرغت في الوحل"

رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، محمد الغلوسي، دخل بدوره على خطّ التسجيل الصوتي الُمسرب وما أحدثه من رجة في الوسط القضائي.

وقال الغلوسي، في تدوينة عبر فيسبوك في 12 يوليو، إن "واقع العدالة اليوم يدعو إلى وقفة تأمل في كل الأوراش التي فُتحت بخصوص قضية إصلاح العدالة وما تمخض عنها من توصيات وإجراءات وقرارات أبانت عن محدوديتها وضعفها أمام واقع معقد وصعب".

ويرى أن "المطلوب اليوم هو مواجهة الواقع والاعتراف بأن الفساد والرشوة يعيقان إنتاج العدالة التي تنشر الأمن والطمأنينة وتحقق الإنصاف وتصون الحقوق والحريات وتقف ضد الظلم والجور".

وشدد على أن "مجتمعا يشعر بغياب العدالة أو ضعفها لا يمكنه أن يشعر بالأمن والسلم، وسيظل الخوف يلاحقه في كل مكان لأن العدالة توأم الحرية".

ورأى الغلوسي، أن "المغاربة يشعرون بأن العدالة تمرغت في الوحل، وينتظرون قرارات جريئة وشجاعة وحازمة تعيد الهيبة للقضاء كسلطة مستقلة".

وفي تعليقه على التسجيل الصوتي المُسرب وما أثاره من ضجة داخل الجسم القضائي، رأى المحامي بهيئة الدار البيضاء، لحسن الدادسي، أن "الوقائع والأحداث والأعمال المنافية للقانون والماسة بسيادة وحرمة القضاء والماسة بحقوق الناس وحرياتهم تكاثرت في الآونة الأخيرة".  

وأوضح الدادسي لـ"الاستقلال" أن "ما أعطى لواقعة التسجيل الصوتي المُسرب خصوصيتها هو أن المعنيين بها ينتمون للجسم القضائي وهم قضاة ومستشارون، كما أن التسجيل الصوتي تضمن أسماءهم".

ورأى أن "خصوصية هذا التسجيل ارتباطه بأسماء قضاة المفروض فيهم ممارسة سلطة الفصل القضائي"، مشيرا إلى "انتشار العديد من التسجيلات والفيديوهات عبر منصات التواصل الاجتماعي تزعم التدخل في القضاء والنصب على المواطنين باسم القضاء من طرف عدة أشخاص".

ويرى المحامي بهيئة الدار البيضاء، أن "الأمر لا ينبغي أن يقف عند حد الفصل في الاتهامات وتقديم أطرافها للتأديب والمحاكمة أو غيرها من الإجراءات لطي ملف التسجيل الصوتي المسرب، وإنما ينبغي أن يتجاوزه إلى فتح ورش عام للتخليق وتقوية استقلالية السلطة القضائية".

وأضاف أنه "ينبغي أن تتم معالجة هذه الواقعة في إطار قانوني، وهو الأمر الذي يحدث اليوم من خلال بلاغ النيابة العامة بتكليف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بفتح تحقيق وبحث في الموضوع".

ودعا الدادسي إلى "ضرورة احترام إجراءات البحث وتقديس قرينة البراءة، أي أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته عبر محاكمة مستوفية لشروط المحاكمة العادلة، مع استنفاذ إجراءات الطعن فيها".

وشدد على أهمية التشبث بقاعدة "السيادة للقانون والسلطة للقضاء"، مبينا أنه "إذا تشبثنا بتكريس وتقديس هذه القاعدة الذهبية فإننا سنحقق العدالة الحقيقية وسنعيش بسلام واطمئنان داخل مجتمعنا، وبالتالي يجب أن يسود القانون وأن تمنح للقضاء السلطة الكاملة لممارسة مهامه".

وخلص الدادسي، إلى أن "المطلوب اليوم هو العمل على تخليق وتعزيز الثقة في القضاء"، معتبرا في الوقت ذاته، أن "هناك إرادة كبيرة من طرف جميع مكونات الجسم القضائي الذي يزخر بالعديد من الكفاءات التي تسعى لتعزيز وتكريس هذه الثقة".