منذ بدء هدنة اليمن.. لماذا تصاعدت هجمات الحوثيين على محافظة البيضاء؟
سعيا منهم لبسط سيطرتهم على مزيد من المناطق وإسكات الأصوات الرافضة لهم، شرع الحوثيون في مهاجمة بلدة "خبزة" بمحافظة البيضاء وسط اليمن رغم سريان الهدنة الأممية التي قاربت على الانتهاء مطلع أغسطس/ آب 2022.
وعمد الحوثيون عقب اجتياح البلدة المعروفة بقبائلها المعارضة للحكم الإمامي الزيدي والتي كبدتهم خسائر فادحة بالسنوات الماضية، إلى تفجير عدد من المنازل، وتهجير العائلات منها، وفرض حصار عليها.
كما نكثت المليشيا الحوثية باتفاقها مع القبائل ورفضت قبول أي وساطة للسماح بدخول المؤن والغذاء للأهالي الذين يعيشون حصارا خانقا منذ أيام في مسعى لإذلال القبائل وإجبارهم على الاستسلام.
ولا تحوي البيضاء حاضنة شعبية للحوثيين الزيديين الموالين لإيران، إذ تنتمي الغالبية العظمى من سكانها إلى المذهب السني، ويبرز في المحافظة تيار السلفيين، إضافة إلى وجود فعال لحزب التجمع اليمني للإصلاح، وهو ما تستغله المليشيا الحوثية ذريعة لاستهدافها.
وبالتزامن مع تواصل هذه الانتهاكات، رأى مراقبون أن هذا التصعيد الحوثي يهدف إلى إنهاء الهدنة الأممية وبدء الصراع من جديد، فيما رأى آخرون أن هذه الخطوة استغلال واضح لظروف الهدنة للانتقام من البيضاء.
انتهاك صارخ
في 20 يوليو/ تموز 2022، حشد الحوثيون أعدادا كبيرة من المقاتلين واجتاحوا بلدة "خبزة"، بعد مواجهات شرسة مع القبائل، ما أسفر عن مقتل 10 مدنيين بينهم طفلتان وامرأة، فضلا عن 7 جرحى آخرين.
ثم فرض الحوثيون حصارا مطبقا على المنطقة، بزعم الاعتداء على نقطة أمنية تابعة لهم، وفق المركز الإعلامي لمقاومة البيضاء (موالٍ للحكومة اليمنية).
ونقلت وكالة الأنباء الرسمية عن وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني في نفس اليوم، قوله إن "مليشيا الحوثي تفرض حصارا جائرا على قرية خبزة بالبيضاء وتستهدف منازل المواطنين بقذائف المدفعية والدبابات".
وأضاف أن "هذا القصف أدى لسقوط ضحايا (لم يذكر عددهم) بينهم نساء وأطفال وتدمير عدد من المنازل".
وتابع: "ارتكاب مليشيا الحوثي هذه الجريمة النكراء في ظل سريان الهدنة يؤكد عدم اكتراثها بدعوات وجهود التهدئة وإحلال السلام وتخفيف المعاناة عن كاهل اليمنيين".
ودعا الإرياني "المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمبعوثين الأممي (هانس غروندبرغ)، والأمريكي (تيم ليندركينغ) إلى إدانة هذا الهجوم الوحشي والضغط على المليشيات لإنهاء ورفع الحصار فورا عن قرية خبزة وفتح ممر آمن للمواطنين والسماح بإسعاف المصابين".
وتعد البيضاء من أكثر المحافظات التي دارت فيها معارك مع الحوثيين، منذ سيطرتهم بقوة السلاح على العاصمة صنعاء وعدة محافظات عام 2014، حيث استطاعوا السيطرة على معظم أجزائها.
كونها واحدة من المحافظات الإستراتيجية، التي يحرص على كسبها طرفا الصراع، بفعل المميزات الكثيرة التي تتمتع بها، فهي بمثابة نقطة عبور إلى صنعاء.
وتتكون البيضاء من 20 مديرية، توصف بأنها قلب اليمن كونها تتوسط بين شمالي البلاد وجنوبها.
وتحاذي المحافظة أربع محافظات جنوبية، هي: أبين ولحج والضالع وشبوة، إضافة إلى محاذاتها لأربع محافظات شمالية، هي: مأرب وإب وذمار وصنعاء.
وبسبب موقعها الإستراتيجي، حرص الحوثيون على بسط نفوذهم في البيضاء، التي اتخذت منطلقا لعملياتهم العسكرية، سواء شمالي البلاد باتجاه محافظة مأرب أو جنوبه باتجاه شبوة وأبين.
عداء كبير
وتعد البيضاء بيئة معادية للحوثيين أكثر من غيرها، بصفتهم في نظر أبنائها امتدادا لفكر الأئمة، وباستثناء بعض التجمعات السكانية ذات الهوية الهاشمية، فإن معظم السكان ليس لديهم أي شيء مشترك مع الحوثيين.
وعلى العكس هناك تاريخ من العداء بالمحافظة تجاه الحكام الزيديين وسياسة الإخضاع القسري للقبائل المصاحب لحكمهم.
وبمجرد إسقاطهم صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014، زحف الحوثيون إلى البيضاء للسيطرة عليها قبل التوجه إلى عدن أو تعز أو الحديدة أو أي محافظة أخرى.
ووضع الحوثيون محافظة البيضاء كأولوية عسكرية، الأمر الذي يفصح عن أهمية المحافظة ويشير أيضا إلى إدراك الحوثيين لتاريخ البيضاء الموسوم بالتمرد على المركز وعلى عدائها المستمر تجاه النظام الإمامي.
وعن هذا التطور اللافت، قال الكاتب والباحث اليمني زايد جابر، لـ"الاستقلال"، إنه "منذ ما قبل سقوط صنعاء قدم الحوثيون أنفسهم لأميركا كشركاء لمكافحة الإرهاب وتنظيمي الدولة والقاعدة".
وأوضح أنه "جرى التغاضي عن الحوثيين بل ودعمهم في بعض المناطق لهذا الهدف، وهو ما استغلوه جيدا وأصبحوا يتهمون كل من يقف ضد مشروعهم بأنه من القاعدة وتنظيم الدولة، ودفعت قبائل البيضاء ومقاومتها الثمن لهذا التخادم الحوثي الأميركي".
وأضاف جابر: "أدى وجود بعض أفراد القاعدة في هذه المناطق وبعضهم أطلقهم الحوثيون من السجون إلى قصف طائرات بدون طيار لخصوم الحوثيين ممن لا علاقة لهم بالقاعدة ولا يزال الحوثيون يحاربون المواطنين هناك تحت هذه اللافتة".
وأوضح أن "هناك تواصلا بين الحوثيين والأميركيين والغرب بشأن البيضاء، وهذه الأطراف تحرض على هذه المناطق وتروج لممارسات الحوثيين تحت مسمى محاربة الإرهاب".
ولفت إلى أن "خبزة بلدة صغيرة المساحة لكن سكانها وقبائلها من أشجع وأشرس القبائل اليمنية ليس فقط في منطقة البيضاء وإنما على مستوى اليمن وقد بدأت شهرة القرية مع بداية انقلاب الحوثي عام 2014، وتوسعه إلى البيضاء حيث صمدت هذه البلدة".
ومضى الكاتب اليمني يقول: "تصدت خبزة للحوثيين رغم الفارق المهول بين الطرفين، بل واستطاعت إلحاق خسائر بشرية ومادية فادحة بهم ما اضطرهم لعمل اتفاق مع أبناء البلدة مطلع 2015".
وتابع جابر: "تضمن الاتفاق انسحاب الحوثيين من أطراف القرية ومنع مرورهم منها أو التمركز في وديانها مقابل أن يتوقف السكان عن هجماتهم ضد مواقع المليشيا".
وبين أن هذا "الاتفاق الوحيد في تاريخ جماعة الحوثي الذي لم تنقضه طيلة السنوات الماضية ولكنهم ظلوا يحملون حقدا دفينا على أهل خبزة لأنهم دفعوا ثمنا باهظا في تلك الحرب ويتحينون الفرصة للانتقام منها".
وخلص إلى أن "الحوثيين رموا بكل ثقلهم وقواتهم في خبزة مستغلين الهدنة لينتقموا من أبنائها، في حين هم يدافعون عن كرامتهم وبإمكانياتهم البسيطة غير آبهين بما ستؤول إليه نتيجة المواجهات التي حاولوا تجنبها بكل وسيلة دون جدوى".
المعركة تقترب
من جانبه، عقد مجلس القيادة الرئاسي في 21 يوليو 2022، برئاسة رشاد العليمي اجتماعا لمناقشة مسار الهدنة، واطلع على تقريرين من محافظ البيضاء والجهات الأمنية حول الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان التي ترتكبها المليشيا الحوثية في بلدة خبزة.
بما في ذلك إحكام الحصار عليها ومنع الأهالي من الوصول إلى الخدمات الطبية والسلع الغذائية، ووجه الحكومة، وفق بيان، بالتدخل العاجل لإغاثة سكان البلدة المنكوبة بالتنسيق مع المنظمات الإنسانية المحلية والدولية بحسب وكالة سبأ الرسمية للأنباء.
وأدانت وزارة حقوق الإنسان اليمنية، بأشد العبارات اعتداء الحوثيين على قرية خبزة بمختلف أنواع الأسلحة المتوسطة والثقيلة، وفرضها حصارا خانقا ومذلا على أهاليها، مانعة دخول المواد الغذائية وإسعاف المصابين.
وقالت الوزارة إن اجتياح الحوثيين سيؤثر على استمرار الهدنة وينسف الجهود التي بذلها التحالف والمجتمع الدولي والمبعوثان الأممي والأميركي، مطالبة بسرعة التحرك الإقليمي والدولي للضغط على الحوثيين، وإيقاف الاعتداء الصارخ وفك الحصار والالتزام بالهدنة.
كما أصدر التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان، وتحالف نساء من أجل السلام في اليمن، والمركز الأميركي للعدالة، ومنظمة سام للحقوق والحريات، وجميعها منظمات غير حكومية، بيانات منفصلة أعربت عن إدانتها الكبيرة للهجوم العسكري الحوثي على خبزة بعد أسبوع من الحصار.
وتأتي هذه التطورات بالتزامن مع زيارات قام بها وزير الدفاع اليمني محمد المقدشي لعدد من المحاور وجبهات القتال، حيث زار محور الضالع والوحدات العسكرية بمحافظة تعز، والقوات المرابطة في الساحل الغربي، وهي الزيارة الأولى لهذه المناطق منذ بداية الحرب.
ويرى متابعون، أن التطورات الأخيرة تشير إلى أن طرفي الصراع يحشدون قواتهم ومستعدون لاستئناف المعارك رغم الدعوات الدولية للسلام والتهدئة.
ومطلع يونيو/حزيران 2022، وافقت الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي، على تمديد هدنة إنسانية في البلاد لمدة شهرين، بعد انتهاء هدنة سابقة مماثلة بدأت في 2 أبريل/نيسان.
ومن أبرز بنود الهدنة السارية، وقف إطلاق النار وفتح ميناء الحديدة، وإعادة تشغيل الرحلات التجارية عبر مطار صنعاء، وفتح الطرق في مدينة تعز التي يحاصرها الحوثيون منذ 2015.
ومنذ أكثر من 7 سنوات، يشهد اليمن حربا مستمرة بين القوات الموالية للحكومة الشرعية، مدعومة بتحالف عسكري عربي تقوده الجارة السعودية، والحوثيون المدعومون من إيران والمسيطرون على محافظات عدة بينها صنعاء منذ سبتمبر/ أيلول 2014.