غياب أمني "متعمد".. إدانة واسعة لسقوط قتلى في صراعات قبلية بولاية سودانية

12

طباعة

مشاركة

تتواصل الصراعات القبلية في السودان وتنتقل من إقليم لآخر، حاصدة مزيدا من الأرواح، أحدثها ما وقع في ولاية النيل الأزرق جنوب شرق السودان، وأسفرت عن سقوط 33 قتيلا و108 مصابين، بالإضافة إلى إحراق وإتلاف عشرات من المحلات التجارية والممتلكات الأخرى.

وبحسب "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" (مستقل)، فإن التوتر في ولاية النيل الأزرق بدأ في 9 يوليو/تموز 2022 بمحليات "قيسان، والروصيرص، وود الماحي"، وتطور بشكل كبير في 13 يوليو بعد مقتل أحد المزارعين بمنطقة "أداسي" في قيسان غربي الولاية.

وبلغ التوتر ذروته في 15 يوليو، وسط تدخل أمني محدود لم يفلح في السيطرة على الاضطرابات سوى بعد أيام من اندلاعها ووقوع خسائر بشرية ومادية فادحة.

الأمر الذي أثار غضب الناشطين على تويتر، ودفعهم لاتهام الانقلاب العسكري بمكوناته الأمنية والنظامية في السودان بتعمد التغافل عن أداء المهام الأساسية في حماية الشعب والفشل في إدارة الدولة وإشعال نار الفتنة والقتل كلما أوشك الشعب على إسقاط الانقلاب.

واستنكروا عبر تغريداتهم على حساباتهم الشخصية ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها، #النيل_الأزرق_تنزف، #مليونية17يوليو، #نحو_ميثاق_موحد، وغيرها، انشغال سلطة الانقلاب بقمع وقتل شباب السودان، وإغلاق الجسور الرابطة بين مدن الخرطوم تحسبا لانتفاضة الشعب.

وأكد ناشطون أنه ليس هناك حل غير إسقاط الانقلاب وأن الأوان قد آن للعمل بشكل جدي وعاجل لتحقيق ذلك، وبناء سلام حقيقي وإبعاد العسكر عن العملية السياسية وقطع الطريق على أي تسوية تطيل بقاءه في الحكم، ونقل السلطة للشعب.

وأشاروا إلى أن الحروب الأهلية المشتعلة في السودان عمل منظم "تتبناه سلطة الانقلاب" كل فترة في إقليم غير الآخر، بدأ من دارفور ثم البحر الأحمر ثم الشمال الآن النيل الأزرق، متوقعين أن يطال باقي الأقاليم، ما دام العسكر يديرون السلطة.

وعقب إسقاط الرئيس السوداني عمر البشير، في 11 نيسان/أبريل 2019، بعد حراك شعبي واسع ضد نظامه، وقع انقلاب عسكري في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

عمل ممنهج

وأكد ناشطون أن "القتال الحاصل في النيل الأزرق وقبله دارفور وغرب كردفان والشرق مخطط له بعناية من قبل الجنجويد والانقلابيين والكيزان والكفلاء، لكي ينسى السودانيون هدفهم الإستراتيجي المتمثل في إسقاط الانقلاب وتحرير البلاد من العملاء والخونة".

ورأى الباحث في الاجتماع المعرفي والسياسي عبدالعظيم الشوتلي، أن "ما يجري في النيل الأزرق يقدم صورة شديدة الوضوح لما قد يحدث في المستقبل القريب بكل أنحاء السودان، بما في ذلك العاصمة، إلا إذا عجل بإسقاط الانقلاب ومعه اتفاق جوبا برموزه وحركاته.

وشدد على أن "تكلفة إسقاط الانقلاب مهما بلغت، تظل أقل بما لا يقاس من تكلفة استمراره".

وأكد الصحفي خالد طه، أن "الانقلاب يسلح القبائل عبر ملشياته، ويسعى إلى زعزعة الاستقرار في النيل الأزرق بدل حفظ الأمن، وذلك بعد فشله طيلة هذه الشهور في تكوين حكومة وحلحلة الضائقة الاقتصادية، ومحاصرته دوليا ورفضه القاطع من الجماهير الثائرة المتطلعة بإصرار شديد إلى تحول مدني ديمقراطي. وبين المستشار القانوني، وجدي صالح، أن أعمال العنف والمأساة التي يشهدها إقليم النيل الأزرق، هي امتداد لأعمال العنف التي شهدتها البلاد في شرقها وغربها.

وأضاف أن "فاعلها هي ذات الأيادي التي تعبث بوحدة نسيج بلادنا الاجتماعي من أجل السلطة، حتى ولو أدى ذلك لتمزق بلادنا ووطننا"، محملا سلطة الانقلاب التي وصفها بـ"سلطة الأمر الواقع" المسؤولية في عدم القيام بواجبها.

فشل أمني

واستنكر ناشطون التقاعس التام من قبل الأجهزة الأمنية بالولاية، وغيابها المتعمد رغم قمعها المتظاهرين السلميين العزل بكامل عتادها وقوتها، في حين تفشل في حفظ الأمن وبسط هيبة الدولة والقانون مما ينذر ببداية حرب أهليه قد تمتد لجميع الأقاليم.

من جانبه، دعا "منبر المغردين السودانيين"، الثوار والثائرات إلى مواصلة النضال ضد الانقلابيين حتى سقوطهم، مستنكرا إجرامهم وقمعهم للحراك الثوري المستمر، وصمتهم "أمام فتنة أهلية جعلت النيل الأزرق تنزف".

وعد أن "الأحداث المؤسفة التي يعيشها إقليم النيل الأزرق نتاج طبيعي للمسخ المسماة جوبا للسلام، ونتيجة لتقاعس الأجهزة النظامية عن القيام بواجباتها"، محملا الانقلابيين "مسؤولية ما يجري من أحداث".

وأشار حميدان عيسى، إلى أن تجدد الصراعات القبلية بهذه الوتيرة المتسارعة هو نتاج طبيعي لاستخدام القبائل والإدارات الأهلية وتوظيفها في الصراع السياسي ما يعد مهددا حقيقيا لوحدة البلاد. 

ولفت إلى أن سلطة الانقلاب العسكرية التي من طبيعة عملها أن تحمي المواطنين أصبحت هي من تقتلهم بأشكال مختلفة.

وأوضح أيضا المغرد "الدكتور مبارك"، أن ما حدث في إقليم النيل الأزرق من اقتتال قبلي وانفلات أمني أُزهقت فيه عشرات الأنفس وحرق وإتلاف للممتلكات "نتاج طبيعي لغياب الحكومة وضعف مؤسسات وأجهزة الدولة".

وحذر من أن السودان "سيشهد المزيد من الانزلاقات والفتن والنزاعات، وستنتقل هذه العدوى إذا لم ينته الانقلاب ويتفق الفرقاء وتشكل هياكل الحكم".

وكتبت الناشطة، منى حوا: "النيل الأزرق في السودان ينزف بأحداث عنف قبلية راح معها أكثر من 30 قتيلا في ساعات، ألم مستمر وصور مفزعة مع انعدام الدولة، لو كان ما يحدث هناك مظاهرة احتجاجية ضد السلطة لتحركت جحافل الانقلاب لقمع كل حراك مناهض. أما الآن فهم صم بكم عمي، بل وينشيهم شلالات الدم في الوطن الأسمر". وأكد محمد مدني، أن الأسوأ من أحداث النيل الأزرق "صمت الإعلام والجهات الأمنية والسياسيين والناشطين والمجتمع".

ورأى الناشط فضل عمر، أن "ما يجري الآن في النيل الأزرق يبرهن على أن مؤسسات الأمن داخل السودان وظيفتها منذ تكوينها هي حماية قياداتها لا الشعب"، مشيرا إلى أن "الأمثلة كثيرة ومتجددة، وما يدور من اقتتال بين أبناء الشعب سببه فقد الإيمان بالمؤسسات الأمنية في تحقيق الأمن وإنصاف الضحايا".

وتساءلت الناشطة والمدونة سلمى: "أين الجيش والشرطة والفرقة الرابعة العسكرية التي بالولاية؟ أين (عبد الفتاح) البرهان والدعم السريع والقوات الأمنية العاجزة عن كل شيء سوى قمع وقتل الثوار"، مشيرة إلى أن "القتل في الشوارع والدماء في كل مكان والوضع في النيل الأزرق كارثي وعار عليكم أجمعين".

إسقاط الانقلاب

وقرن ناشطون تعبيرهم عن غضبهم من فشل السلطة أمنيا وتقاعسها عن حماية الشعب، بدعوتهم شباب السودان للتصدي للانقلاب وإسقاطه ومحاسبة رموزه، والعمل على وأد الفتنة وإطفاء نار الحروب الأهلية.

بدورها، جددت "قوى الحرية والتغيير" إيمانها المطلق بمقدرة أبناء وبنات الشعب في هزيمة مخطط الانقلاب وترسيخه لمنبوذات الشعب بنبذ التفرقة والشتات على أساس إقليمي، أو جهوي أو قبلي أو ثقافي أو ديني أو نوعي من واقع رفض هذا الخطاب والتصدي له ومناهضته.

وقال الصحفي، أحمد الرهيد، إن "على الشباب ليس في النيل الأزرق وحدها، بل في كل الوطن مهما تخاذل الآخرون، أن يبادروا ويعملوا بجد في نشر الوعي والتعايش، وأن هذه الأرض تسعنا متى نبذنا الجهل، وحكمنا العدل، وحاربنا الفرقة وتشبثنا بحلمنا في الحفاظ على تماسك بلادنا وتحمل مسؤولية بنائها لا سيما في هذه الأوقات العصيبة".

واستنكر الصحفي السوداني عبدالهادي الحاج، موت الأبرياء برصاص الفتن القبلية المصطنعة في ولاية النيل الأزرق، في حين لا يرى جنرالات "جيش الهنا" واجبا أكثر قداسة من إغلاق جسر نهري لمنع محتجين سلميين من الوصول إلى وسط الخرطوم.

وأكد أن إنهاء الانقلاب مهما زادت كلفته، يبدو أفضل لبلادنا من استمرار حكم هؤلاء الجنرالات.

وتساءل المغرد مكي: "ما فائدة الآلاف من قوات الجيش والحركات المسلحة والشرطة، ولماذا لم تتدخل حتى الآن لتفصل بين المتحاربين وتعاقب المعتدين في مدينة الدمازين؟".

وحذر من أنه "كلما استمر هذا الانقلاب ستستمر الفتن والحروب الأهلية"، داعيا الشعب للوحدة من أجل السودان.

وأكد الناشط، ياسين أحمد، أن كل العبث والموت الحاصل في البلد لن يتوقف إلا بتغيير وإسقاط نظام هؤلاء العابثين الذين يسمون البرهان وحميرتي "حميدتي" ومليشياتهم المختلفة ومحاسبتهم على أفعالهم وجرائمهم على مدى أكثر من ثلاثة عقود من الزمان.